محمود حمد
الحوار المتمدن-العدد: 1777 - 2006 / 12 / 27 - 05:41
المحور:
الادب والفن
كالعادةِ يَخرجُ "عباسٌ " في غَبَشِ الصُبْحِ إلى ساحةِ"عُقْبَة"..
كَيْ لا يِخسرَ لُقمةَ يَومه..
يلحفُ "فاطمةً" بنتَ العامِ الأولِ بدثارٍ حائلٍ..
و"علياً" يَمنحُهُ قُبلَة..
...............قَبْلَ رنينِ الجَرَسِ الأولِ..
زوجتُهُ فاتِنةٌ في العقدِ الثالثِ رَغمَ خُدوشِ الفُقرِ بِجَوْرٍ تَحتَ العينينِ..
يَجلسُ مُنتَظِراً ..
َيعرِضُ عُمراً لرغيفِ عِيالِه..
يَِنْظَمُّ إلى طابورِ المِعوَزينَ..
يُقَلِّبُ وَجهَهُ بين وجوهِ الحَشْدِ المُتَكاثرِ..
لَمْ يَعرف مِنهُم أحداً..
كُلٌّ يَرنو للمجهولِ القادمِ لشراءِ اليَومِ بلقمة..
يَخرُجُ" فارسٌ بجوادٍ" من تحتِ غبارِ الغَبَشِ الباردِ..
يَتَرَجلُ..
يَجلِسُ مَنهوكاً بِجوارِه..
يسألُهُ عن أخبارِ البَصرَةِ..
يَمسَحُ"عُقبَةُ" عينيهِ بحزنٍ ويُتَمتِمُ في صوتٍ مبحوحٍ:
- ماعادتْ تَزهو مثل أوانِ الفَتحِ الأولِ..
- الدربُ خطيرٌ بين البصرةِ والساحةِ..
- يَكتمُه الذبّاحون ونوباتُ التفتيشِ الأهوجِ..
- يُخْرِجُ " عُقبَةُ " من جوفِ كِنانتِهِ رَطَباً..
يُخبِرُهُ:
- هذا من أولِ محصولٍ لنخيلِ البصرةِ بعدَ المدماكِ الأولِ..
..............................................مازالَ شهياً..
يُطأطئُ "عباسٌ" عينيهِ كَسيراً للأرضِ المَبلولةِ..يحكي:
................................. البصرة تَنخرُها الديدانُ..
.................و"الرَطَبُ" المُحتَلُّ بأطرافِ " القُرنَةِ " (3) يَنزِفُ قَيحاً..
شبحٌ داكنٌ يَدخلُ طابورَ المنتظرينَ رغيفَ الخُبزِ بِلَهفَة..
يسألُهُم في وِدٍ عن أخبارِ مَساكِنِهِم..
يوعِدُهُم خيراً..
يَتَقارَبُ كُلُّ بعيدٍ مِنهُم للشبحِ العارضِ أرغِفَةً بَعدَ هَجيرِ الجوعِ..
يتأكدُ إنَّ الحَشْدَ تَكامَلَ..
يَتَشَظى الشَبحُ القاتِلُ موتاً وَسْطَ زُحامِ المُنتَظرين..
تَجفِلُ فاطمةٌ من رَقدَتِها ..
تَصرخُ باسمِ أبيها..
تَلْتَفُّ طوابيرُ النِسوَةِ بثيابِ حدادٍ أزليٍّ حَولَ الكوخِ المنكوبِ ..
يَظهرُ شَبَحٌ برؤوسٍ عِدَّة في شاشاتِ التِلفاز الغامضِ..
يدعو للنصرِ على أشلاءِ الجوعانين..
----------------------------------------------------------------
(1) عمال المسطر:عمال المياومة.
(2) عُقْبَةُ:عقبة بن نافع ارتبط اسمه ببناء البصرة ..التي بناها أهلها.
(3) القرنة:مدينة شمال البصرة يتعانق عندها دجلة والفرات.
#محمود_حمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟