أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - مخاطر الدولة الأمنية














المزيد.....

مخاطر الدولة الأمنية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 8115 - 2024 / 9 / 29 - 00:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مصطلح شاع استعماله منذ سنوات في الأدب السياسي العربي للدلالة على بنية شاملة مستترة خلف بنية الدولة الرسمية المعلنة. والأصل، في مفهوم النظام الأمني، شمولية الولاية على كافة مناحي الحياة والإمساك بإرادة مختلف الشرائح الاجتماعية، بداعي الرعاية والخلاص من أمراض الفرقة والتناحر، أي التعددية والاختلاف، لذلك قلما يطمح إلى كسب العقول والقلوب، وهي مهمة تفترض وتستدعي قوة المثال وصحة الإقناع، ويحصر مراده في اقتلاع جذوة المساءلة وسحق مظهرية الرأي المغاير، توسلاً لالتزام لفظي يقتضي إعلانه من الفرد والجماعة وفق أجندة طقوسية تواكب مسيرة النظام الاستبدادي وتحتفل بمنجزاته.
إنّ الدولة الأمنية لا تكتشف لذاتها خصوصية، سوى خصوصية الاستبداد وإنتاج ثقافة الخوف. ففي كتاب " سنوات مع الخوف العراقي " (دار الساقي، بيروت، 2004) تختلط ذكريات هاديا سعيد، إذ تتذكر هذه السيدة اللبنانية سنوات بقائها في العراق مع زوجها في سبعينيات القرن الماضي، حيث تقول: " لقد كنت أحد الذين عاشوا نوعاً " مخففاً " من الخوف داخل الجمهورية وخارجها مع أني لست عراقية .. ليس هناك بلد عاش كل من فيه خراب النفس والذرية كما عاشته بيوت بغداد، وليس هناك بلد أبيحت فيه كميات من الدماء وعدد من الرقاب والأوصال المقطوعة كما حدث في العراق، وليس هناك بلد عرف قهر الخوف وذل الصمت مثل العراق .. ".
ويتحدث حكم البابا في " كتاب في الخوف " (دار كنعان، دمشق، 2005) عن تجربته التي عاشها في الإعلام السوري: الخوف الذي انتابه أثناء كتابة المقال، والخوف الذي شعر به يوم نشر المقال وانتظار ردة الفعل، والخوف يوم وصول الاستدعاء لمراجعة فرع المخابرات من أجل المقال، والخوف خلال وجوده داخل بناء المخابرات وخضوعه للتحقيق مع الهواجس المختلفة التي يستدعيها، ثم الخوف الذي تولده التجربة وتتركه في النفس بعد انتهائها.
وهكذا، في ظل سيطرة الدولة الأمنية والأيدلوجية الشمولية يصبح التكوين الإنساني شاحباً، هشّاً، ويتشكل مجتمع محكوم بمعايير الذل والتبعية والعبودية، وتخيم فلسفة التكاذب والخداع، ويرتهن المجتمع أسيراً لفكرة يملك سرها شخص واحد فقط، فيما يتحرك الجميع كدمى بين يديه، أو كظلال باهتة لحقيقته الغامضة، وتُشغَّل النخبة بتأويل أفكاره، ومدّها خارج الزمان والمكان من جهة، والسيطرة الكلية على المجتمع، وإخضاعه بالقوة لتلك التأويلات من جهة ثانية.
وهناك ثلاثة أركان تقوم عليها الدولة الأمنية التسلطية، وتمكنها من إنتاج مجتمعها الجماهيري، هي: الإرهاب والأيديولوجية والإعلام الموجه. وعدة مبادئ تضمن هذه الأركان وتعززها، هي: مبدأ الاحتكار الفعال للسلطة والثروة والقوة، واحتكار الحقيقة، واحتكار الوطنية، ومبدأ الغلبة والقهر، ومبدأ شخصنة السلطة، وعبادة القوة، أي تماهي الشخص والمنصب الذي يشغله، وانتقال قوة المنصب المادية والمعنوية إلى الشخص الذي يغدو مثال القوة والعظمة. وفي هذه الحال تحل الأوامر محل القوانين، والامتيازات محل الحقوق، والولاء والمحسوبية محل الكفاءة والجدارة والاستحقاق.
أما " الثقافة الأمنية " فهي ثقافة منفصلة عن الواقع وقضاياه، تشتغل على قضايا تافهة وتصرف النظر عن القضايا الجوهرية. وهي راكدة وتعيد إنتاج الركود، ذلك أنّ الوظيفة الأمنية تقتضي، قبل كل شيء، استقراراً شكلياً وتحويل كل شيء إلى مومياءات توحي بالحياة، لكنها قلما تُعنى بالحياة.
إنها ثقافة نابذة، تقوم على التضاد مع الحقيقي والجاد والجميل والحر والإبداعي، وبالتالي فهي تنبذ ليس فقط المضامين بل والأشكال التي يمكن أن تفضي إلى حرية ليس للمنظومة الأمنية أن تقبل بها. هي تدفع إلى السطح بأشباه المثقفين وبقليلي الموهبة والمفتقرين إلى القدرة على الإبداع. هي ثقافة انفعالية، محركها يقع خارجها، ويمكن أن يكون عسكرياً أو حزبياً، ولكن ليس ثقافياً. هي، بالضرورة، ثقافة تمجّد القبح وتتغنى به، وترسّخ القيم التي يعمل النظام الأمني على نشرها، كاحتقار العقل والاستخفاف بقيم الحرية والحقيقة والجمال.
لقد حولت أجهزة الدولة الأمنية المجتمع إلى مجتمع الخوف المتبادل والريبة المتبادلة، وأخضعت النسيج الاجتماعي لمقاييس عملائها ومعاييرهم الأخلاقية التي هي معاييرها وقيمها. ولعل وظيفتها الأساسية كانت ولا تزال محاولة السيطرة على تعددية المجتمع والفروق والاختلافات اللامتناهية بين الكائنات البشرية، وهذا غير ممكن إلا بتقليص جميع المواطنين إلى هوية واحدة ثابتة وخاوية قوامها ردود الفعل الغريزية، وتقليص حريتهم إلى مجرد الحفاظ على النوع.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنشئة السياسية ودورها في تنمية المجتمع (3 - 3)
- التنشئة السياسية ودورها في تنمية المجتمع (2 - 3)
- التنشئة السياسية ودورها في تنمية المجتمع
- تطور مواقف الحزب الشيوعي السوري من الوحدة المصرية - السورية
- في العلاقة بين الماركسية والدولة الديمقراطية
- إشكالية الدولة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر
- إشكالية العلاقة بين الثقافة والسياسة
- في الحاجة السورية إلى التنمية التشاركية
- تساؤلات حول مستقبل الكارثة السورية
- قضايا مؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- موقع سورية في احتمالات عقد مؤتمر إقليمي شرق أوسطي
- أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (2 - 2)
- أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (1 - 2)
- بعد سبع وخمسين عاماً هل استخلصنا دروس هزيمتنا الكبرى؟
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (3 - 3)
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (1 - 3)
- سورية إلى أين؟
- أهم تحديات الواقع السوري
- عن الثورة السورية المغدورة


المزيد.....




- وفاة ليام باين الصادمة وعودة عبدالله الرويشد للكويت محاطًا ب ...
- مستشفى كمال عدوان بغزة يطالب بفتح ممر إنساني عاجل
- غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت تستهدف لأول مرة م ...
- قازان تستعد لاستقبال ضيوفها
- الجيش الإسرائيلي يعلن استثناء مستشفى في بيروت من القصف
- عاجل: غارات إسرائيلية مجددا على الضاحية الجنوبية لبيروت بعيد ...
- بعد ضربات روسية على أوكرانيا..وزير الدفاع الأمريكي أوستن يحط ...
- وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يجري الزيارة الحادية عشرة للشر ...
- في خطاب التنصيب: قيس سعيّد يذكّر -بمؤامرات أعداء الثورة- وي ...
- نتائج أولية لانتخابات إقليم كردستان تظهر تفوّق الحزب الحاكم ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - مخاطر الدولة الأمنية