أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - حانة فوق التراب















المزيد.....

حانة فوق التراب


رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)


الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


في الحانة رجل مسن يحمل كأسه بيد مرتجفة، يجتر الذكريات قرب نافذة صغيرة لاتفتح، ولا يدرك الناظر إلى وجهه أي تعبير، غير خطوط رسمت تعداد السنين، هذه واحدة من صور عديدة لأعداد لاتنتهي من الحانات؛ بأشكال، وألوان، ومكونات، ورواد مختلفين، حفلت بهم الروايات قديمها وحديثها، ونقلت السينما أصواتها وكادت تنقل رائحة الطعام والشراب والبشر. إلا إن حانة عايد الكهلان مختلفة جدا جدا، محض رجل أو اثنان كحد أقصى، وشجرة، وزجاجة في الهواء الطلق فوق التراب بالمعنى الحرفي للعبارة. كانت هذه الحانة وما دار فيها وما نتج عنها أحد أهم محاور رواية قاسم توفيق الصادرة في طبعتها الثانية عام 2020 عن دار "الان ناشرون وموزعون" في ما يزيد عن 400 صفحة من القطع المتوسط.
أحب البدء بالنصوص الموازية قبل الخوض في هذه الرواية، والحديث عن محاورها، ومضامينها، وشخوصها، فقد رأيت في لون الغلاف درجة من درجات ألوان التراب، أما الأوراق المبعثرة، فهي أوراق عايد الكهلان نجم هذه الرواية الأهم، وضمت بعضا من أسرار علاقته مع المصري "أحمد" والتي شرقت الناس وغربت في شأنها في قريته الواقعة شرق النهر، بسذاجة أحيانا كما عمل أطفال القرية وهم يتبعونة ويسومونه شتى أشكال المضايقات من جهة، ومن منطلق مشاعر كره مستديمة نحوه من ابنة عمه وزوجته "ساجدة" من جهة أخرى.
وذلك الإهداء إلى "زوربا" و "لينين" الذي تضمن شكرا لما كان لهما من أثر جميل في حياته، ولعله أراد الإشارة إلى نمط ما من الفكر الفلسفي، وإن لم تتضمن الرواية مايشير إلى معالم هذا الفكر بوضوح، في الوقت الذي تضمنت فيه الرواية بعض ملامح المزاج الزورباوي وإن خلت من الرقص، بدا ذلك في بعض معالم الطريقة التي عاشها "أيهم" إبن عايد الكهلان، والشخصية الافتتاحية في الرواية، وأحد محاورها الرئيسة، والمدخل إلى أبواب حواراتها. وسيل تساؤلاتها. وربما في بعض تصرفات عايد الكهلان نفسه.
أما الوصايا وإن حصرها الكاتب في المقدمة، والغلاف الأخير بأحد عشر، إلا إنها لم تتوقف عند هذا العدد، ولم تلتزم بالنص الحرفي لهذه الوصايا ، وإن تضمنت تشابها في المعاني، و احتوت إشارات إلى المضمون الفكري لكل باب تصدرته. تقع هذه الوصايا في صلب بناء هذه الرواية وتبدو كمنارة تضيء الطريق لمن يبحر عبر صفحات الكتاب بحثا عن الحقيقة.
تتغير معالم حياة "أيهم" عندما يتذوق حلاوة العشق مع "شيراز"، تغيير يطال تفاصيل حياته اليومية، وكثيرا من تصرفاته ومعالم سلوكه اليومي، ويقوده الحوار مع شيراز ذات لحظة لفكرة الحديث عن عائلته، يفكر بالحديث عن والده، فيصاب بالصدمة، هل حقا قُتل والده في الحرب؟ هل حقا كان على هذه الدرجة من السوء التي زرعتها والدته في مخيلته؟
ويبدأ في رحلة البحث عن الحقيقة، وتتراوح علاقته مع شيراز ما بين مد يغرقهما في العشق، وجزر يجفف منابع العشق في قلبهيما، ويرمي بهذه العلاقة في مصائر متشابكة ومتناقضة. ويعثر في خضم البحث عن إجابة لحيرته على أوراق تركها له والده أمانة، ويبدأ في البحث عبر هذه الأوراق عن إجابة لمن هو حقا "عايد الكهلان"؟ ومن هو أحمد المصري، وما طبيعة العلاقة بينهما وتساعده "شيراز" في تفكيك رموز هذه الأوراق وطلاسمها، لا بل يجد القارىء نفسه متورطا في البحث عن حلول لهذه الأحجيات.
في مسيرة البحث عن حقيقة شخصية عايد الكهلان، يقدم المؤلف شهادات لشخوص الرواية؛ عايد الكهلان، وزوجته "ساجدة"، ومحبوبته "منية"، و الرجل الذي تزوجها "مفلح البدوان"، وأحمد المصري، وأشخاص تعايش معهم عايد في القرية المسيحية في فلسطين، يعيش القارىء معها صورا تحمل مشاعر متناقضة بين الكره الشديد، والعشق الغامر ، بل الحب الإنساني في أسمى تجلياته، بين الإيمان والشك، وما بين الشعور بالقلق والعيش الآمن، كل ذلك من خلال مشاهد يغوص قاسم توفيق خلالها بمهارة واقتدار في أعماق النفس الإنسانية الجوانية كما هو شأنه في العديد من رواياته الأخرى، جسر عبدون، ليلة واحدة تكفي، نزف الطائر الصغير وغيرها.
عايد الكهلان الجندي الأردني الذي مضى للتجنيد الإجباري مكرها، ومدفوعا من رجال القرية لخوفهم منه ومن وسامته على زوجاتهم من إشاعات طافت القرية، ووجد نفسه بعد هزيمة حزيران 1967 في إحدى البراري القريبة من نابلس، واكتشفه أحد الرعاة، وهو فتى يعيش مع والدته الضريرة وأخذه للعيش معهما في بيت يفتقر للطعام ووسائل العيش المريحة ولكنه عامر بالحب. حب إنساني يملأ هذ البيت الذي يتبناه، على أساس أنه قريب قديم لهما عائد من المهجر، وتدافع الأم الضريرة عن هذه الحجة بضراوة أمام الناس وأمام الكاهن، تفكر هذه المرأة في ديانة هذه الرجل وتحرص على أن تقدم له الفرصة للقيام بطقوس العبادة التي يقتضيها دينه وتكاد تكون موقنة أنه مسلم، وتعرض عليه هذه الفكرة عن طريق ابنها الفتى الثرثار المشاكس، فيجيبهم بأنه يصلي على طريقته وفي ذاته وأن دينه يسمح بذلك أحيانا.
للتخلص من مضايقات دوريات جيش الاحتلال يضطر عايد الكهلان إلى الحصول على الهوية بمساعدة صاحب المصبنة الذي عمل لديه، ولأنه لا بد من تثبيت الديانة في الهوية، وجد عايد الكهلان نفسه أمام ضرورة أن يتحول للنصرانية ففعل ذلك ، بل بذل جهدا في إقناع السيدة الضريرة بتبنيه وأن تقبل بأن تكون أما له، ويحصل على ما أراد، ويعيش في القرية بين أهلها، مابين شكوك رجل الدين ونظرات متباينة من رجال القرية.
في هذه القرية وجد عايد الكهلان ذاته الجديدة، التي شجعته على عدم الإقدام على عبور النهر شرقا بحثا عن ابنته وطفله الصغير الذي تركه في سنتين من العمر عندما مضى للحرب، وعن ما تبقى من حبه القديم "منية" وعن صديقه المصري "أحمد"، ترى هل لا زال يرتاد حانتهما التي فوق التراب؟!!! .
غير أنه رمى بكل هذا خلف ظهره، واستقر به المقام في قريته الجديدة، بين عائلته الجديدة.
وفي الكنيسة تُبعث رسالة العشق من جديد مع فتاة منشدة للتراتيل، ويصدف أن تكون هذه الفتاة ابنة جزار القرية وتكون المفارقة في أن المؤلف قدم للجزار صورة مخالفة تماما لما درجت الأفلام المصرية على تقديمه، فهو في هذه الرواية إنسان مغرق في إنسانيته بالرغم من شكوكه الداخلية في هذا القادم الغريب والتي احتفظ بها لنفسه، وهو الأب ورب العائلة الحريص على عائلته، صاحب الصوت الجميل الذي أورثه لابنته حبيبته .
عايد الكهلان رهف قلبه بالحب لهذه الفتاة وبادلته الحب إلى أن ثقل حمل السر في صدره، وفي ذات مساء باح لها بكل شيء حول من يكون عايد الكهلان، ففي أي اتجاه مضت علاقتهما وكيف ترى انتهت هذه الملحمة الروائية للعشق والعلاقات الإنسانية والفكر الحر؟



#رشيد_عبد_الرحمن_النجاب (هاشتاغ)       Rasheed_Alnajjab#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا يوسف يا أبي.....قراءة مشهدية للواقع ...بحثا عن جيل ضاعت ...
- الساعة الخامسة والعشرون - قراءة حديثة في رواية قديمة
- شغف
- الدم لا يتكلم
- الــمــولـــودة
- سوداد (هاوية الغزالة)
- قناع بِلَون السماء
- مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي
- غالب هلسا: روح ناقدة بدأت بنقد الذات
- حمزة شحاتة: مِن أخلاق البيت إلى المدرسة إلى الزقاق.
- بندلي جــــوزي:رائد الاتجاه القومي الماركسي
- د.سيد القمني: من التقليد إلى التجديد في الفهم الديني
- صادق جلال العظم: المادية والتاريخ
- هادي العلوي: جدلية الفكر الديني
- طنطورية رضوى عاشور وهذا النداء للتوثيق
- أنا و الكتابة ، من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات
- فرح أنطون أحد رواد الفكر العلماني والديمقراطي
- شبــلي الشمــيل، رائـــد من أعــلام الفكـــر الــــعـــلمي ا ...
- أحــــــمــــد لــــــطــــفــــي الــــسيد – رائد الليبرالي ...
- سلامة موسى .... من رواد الفكر التنويري العربي


المزيد.....




- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً
- طارق فهمي: كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة مليئة بالروايات ا ...
- وفاة الممثلة البريطانية الشهيرة ماغي سميث
- تعزيز المهارات الفكرية والإبداعية .. تردد قناة CN العربية 20 ...
- بسبب ريال مدريد.. أتلتيكو يحرم مطربة مكسيكية من الغناء في ال ...
- إصابة نجمة شهيرة بجلطة دماغية خلال حفل مباشر لها (فيديو)
- فيلم -لا تتحدث بِشر- الوصفة السحرية لإعادة إنتاج فيلم ناجح
- قناة RT Arabic تُنهي تصوير الحلقات القصيرة ضمن برنامج -لماذا ...
- مسلسل حب بلا حدود 35 مترجمة الموسم الثاني قصة عشق 
- نضال القاسم: الأيام سجال بين الأنواع الأدبية والشعر الأردني ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - حانة فوق التراب