الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي
الحوار المتمدن-العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 14:22
المحور:
الادب والفن
القمع (٦)
منذ صغري ،وحين كنت أهرب إلى الخيال والكتب ، كنت أحاول دوما" كتابة أدب نخبوي ، إلا أنني حالما تمشيت في شوارعنا التي تعيش تحت رحمة الديكتاتورية ،هزمني الواقع وافترستني الواقعية .
وهكذا كنت أؤجل كل بوح ،وأقرأ وأقرأ ،حتى تبرقشت بالأفكار والثقافات وانصهرت في داخلي وتوحدت لتتبدى أناي ،هكذا ،مختلفة في الوجود .
وحين عزلتني الحرب رغما" عني ،قررت أن أبوح ،متحدية الخوف شيئا" فشيئا" ،واكتشفت حينها أنني كنت أكتب كتبا" لأقرأها في أوقات وحدتي التي كثرت بعد الحرب والخيبة ،أو ربما كانت على الدوام كثيرة .
وحين نشرت أولى رواياتي ،جاءني النقد من كل حدب وصوب ،الشيوعيون وصفوها بعدم النضج ،والمحافظون استهجنوها وصدموا بها ،مع أنني جعلت من نفسي رقيبة جيدة على كلماتي ،الأمر الذي أنقذني من مقص الرقابة ،التي توصف على الدوام بالداعشية .
فها هم منذ أيام قليلة ،ألقوا القبض على أصحاب منصات اجتماعية بتهمة تقديم محتوى مسيء يتعارض مع قيم المجتمع السوري وتقاليده بحسب ذريعتهم !
نظام جاهل وسخيف وبمعاييره المزدوجة يعلم الكذب والنفاق ويشجع عليه ،فأن تحصل الأمور المسيئة للمجتمع في الواقع لا مشكلة ،بشرط ألا تظهر للعيان ،حينها يجب المعاقبة عليها هههههه!
حين يكون النظام فاشيا" وسخيفا" ،والرقابة داعشية ؛ والسلطة لا تملك شيئا" يعول عليه سوى سلطتها والكلام والكلام دون توقف بما يجعلها مثيرة للشفقة ،حينها يصعب البوح أو يؤجل بالضرورة .
وكيف نبوح ؟ وحتى مراسيم العفو لاتشمل المعتقلين السياسيين ،نعم لأن نظاما" أصوليا" لا بد من أن تكون عدوته الأولى هي الكلمة ، وأن يأخذ في الحسبان الأفكار أكثر من الأفعال ،وهذا كله مرده إلى أصوله الدينية الساذجة ،والتي تفضل الوهم على الحقيقة وتعيش في زمانها الخاص ووفقا" لأوهامها ومغالطاتها .
لذا كانت مدينة بيروت ملاذي للفرار ،لكي أكتب بحرية أكبر وأختبر ما في داخلي من أفكار مقموعة ولأكتشف ذاتي الأدبية وتمردات المعنى و الأسلوب والشكل فيها ، والتي لم أكن لأتمكن من اختبارها في ظل الديكتاتورية ،كون الإبداع يتعارض مع القمع ،ومع كل ما يحجم الإنسان و يسخف دوره وحتى يقتله أو يشوهه .
في بيروت ؛لم أكتشف ذاتي الأدبية فقط وإنما اكتشفت نفسي بكل ما للكلمة من معنى ،وأدركت كم أن الواحدية طمست هويتنا تماما" وصهرتنا في وعاء أفكارها المتعفنة والمقيتة والمحدودة .
#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟