جعفر سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8110 - 2024 / 9 / 24 - 23:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو سألني أحدهم قبل أكتوبر، هل تجرؤ إسرائيل على المساس بحزب الله وإيران، سيكون جوابي قاطعًا حاسمًا (لا)، ولو سألني أحدهم في ذات الوقت، هل تجرؤ إسرائيل على الدخول إلى غزة، سيكون جوابي قاطعًا أيضًا وحاسمًا (لا)، ولي في ذلك سببان، الأول هو قلة المعرفة بشؤون الحروب والعسكر (وهو أمر أحاول حاليًا تثقيف نفسي فيه)، والثاني والذي هو نتاج للأول، تأثري بمنظومة الدعاية التابعة لمحور المقاومة والتي استطاعت إقناعي بأن حماس ستهزم إسرائيل إن تجرأت ودخلت غزة، وإن حزب الله يستطيع ضرب أي متر في إسرائيل متى أراد بدقة وبقوة تفجيرية هائلة، وإن ايران تنتظر أن يعطيها الصهاينة السبب كي تطلق حممها وتدمر إسرائيل.
بات من الواضح الآن، ونظرًا للوقائع على الأرض، أن المحور كان يبالغ في تعظيم حجم قوته من جهة، وتوهين قوة إسرائيل من جهة أخرى، فإسرائيل اجتاحت غزة وقلبت عاليها سافلها، وفي لبنان قتلت ولاتزال قادة حزب الله، ولعل الضربة التي جرت عن طريق تفجير أجهزة (البيجر) وأصابت وقتلت قرابة الـ4000 عنصر من الحزب، والتي تبعتها بضربة أخرى لأجهزة الاتصال اللاسلكية في اليوم التالي (ووكي توكي)، لتتبعها بغارة على الضاحية اغتالت فيها قادة كتيبة الرضوان، تثبت أن إسرائيل ليست مرتدعة كما صور لنا إعلام الحزب لسنوات، أما بالنسبة لإيران، فقد قدمت لها إسرائيل الفرصة على طبق من ذهب، عندما قصفت قنصلية إيران في سوريا، وعندما اغتالت السيد إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، ولكن وكما شهدنا جميعًا، لم تستغل إيران الفرصة التي أوهمنا إعلام المحور أن إيران تنتظرها، ولم تدمر إسرائيل.
كما أوضحت في الأعلى، أنا لست خبيرًا عسكريًا، ولا أفهم الكثير في شؤون الحرب والعسكر، لكني أعرف معنى الردع، وأعرف كيف يتحقق، فالردع هو عملية تهديد مستمرة مدعومة بقوة حقيقية بحيث تجعل المرتدع غير قادر على الفعل خوفًا من ردة الفعل، كما هو الحاصل مثلا بين أمريكا وروسيا، فعندما امتلأت الدنيا ضجيجًا حول سماح الناتو وأمريكًا تحديدًا لأوكرانيا بأن تستعمل أسلحة غربية ومتطورة لضرب العمق الروسي، جاء الصاروخ الفرط صوتي الذي انطلق من اليمن (وهو بمواصفات شبيهة بصاروخ كنجال الروسي) وضرب هدفًا في إسرائيل، ليخفت الضجيج، حتى لم يعد أحد يتكلم عن إعطاء أوكرانيا أي ضوء أخضر لاستعمال السلاح الغربي لضرب العمق الروسي.
وهنا لابد من تسجيل ملاحظة مهمة، وهي أن إعلام المحور أخذ يعزف لحن التفوق التقني عند ميلشيا الحوثي، وصور الأمر وكأن الحوثيين تمكنوا من الوصول لتكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية، واستطاعوا إنتاج صاروخ تبلغ سرعته � كيلومتر في الساعة، وطبعًا الجماهير تصدق وتصفق.
في الحقيقة لا أعرف إن كانت إيران أو الحزب يمتلكان ما يمكن أن يدمّرا به إسرائيل، أو على الأقل ما يمكن أن يوجعها ويهز كيانها أم لا، لكن الواضح (إلى الآن على الأقل) أنهما حتى لو كانا يمتلكان ذلك، فإسرائيل هي من نجحت في ردعهما وليس العكس، بدليل أنها تعربد في البلدين بلا أي حساب لأي رد فعل قد يأتي منهما.
في التخطيط الاستراتيجي، لابد أن تكون الخطوة الأولى هي معرفة موقعك الصحيح والواقعي، والذي من خلاله، ستستطيع معرفة أين تريد أن تكون، وما هي الطريقة للوصول إلى حيث تريد أن تكون، وفي قضية الردع لابد أن تعرف ذلك الخط الأحمر الذي تضعه لعدوك، وكيف تحميه، ومنه تعرف موقعك الصحيح، ومنه أيضًا تفكر إن كنت تريد رفعه أم خفضه، أم الإبقاء عليه كما هو، ولكن في كل الحالات لابد أن تعرف كيف تحميه، وهنا يجب أن تكون على يقين بأن عدوك سيحاول الاقتراب من خطوطك الحمر، وسيحاول تجاوزها، فإن لم تردعه، فسيعتبرها خطوطًا خضراء، لينتقل للخطوط الحمر التي تليها، ولن يتوقف حتى يُردع، لذلك فالردع يجب أن يكون استراتيجي، لا مرحلي، ويجب أن يكون صلب لا رخو، ماذا وإلا ستبقى مستباحًا أبد الدهر.
لا أعرف إن كان المحور سيرد قبل نشر هذا المقال أم لا، وإن رد، لا أعرف إن كان رده سيكون قويًا رادعًا أم لا، وإن كان قويًا، هل سيأتي رد عليه أقوى منه ليردعه أم لا، فكل الاحتمالات موجودة، لكن الأرجح أن المحور بأسره بات مرتدعًا
لا رادعا، والراجح أيضًا بأن ردعه الاستراتيجي قد تهاوى
#جعفر_سلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟