|
المنطق الايدلوجي يناقض منطق الحياة !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25 - 11:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الايديولوجيا حبيسة نفسها مهما استندت محتوياتها على مفاهيم علمية ومنطقية ، لان العلم والمنطق لا يحجز بسور ، والايدلوجيا تفعل ذلك ، حتى يتم توظيفها انتقائيا لخدمة هدف قصدي هو غايتها ، والوسيلة هنا لابد ان تكون مقنعة لذلك تجدها تجاهد من اجل ان تتلبس رداء العلم والمنطق ، الايدلوجيا منظومة فكرية متسقة تمهد لنفسها مساحات في النفوس والعقول لتبلغ درجة من التأثير الكافي لضمان سيادتها وفي سياقات زمنية مؤاتية تتحول الى عقيدة تمارس على الارض ، يكون اصحابها قد انجزوا مخاض الصراع من اجل سيادتها وتحكمها . اي ايديولوجيا هي نمط طوطمي في الرؤيا يتكلس على نفسه ولا يتم تجاوزه الا بكسره ، ويمتاز بالاطلاق واحيانا بالسفسطة والشمول والقطعية مع الاخر ، واحيانا بالجبرية والاستناد الى تفسيرات غير متحققة علميا ! ان ظهورالايدلوجيا في الاديان او الفلسفات او الحركات السياسية او النظم الاجتماعية ، هي كثيرا ماتكون مصاحبة لمتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية هائلة تستوجب وجودها وازدهارها لتلبي حاجة الطلب التعبوي والتحريضي الساعي للتغيير بكل تناقضاته التي قد تخالف علله الاساسية وتأتي بنتائج لم تكن في وارد الفئات المنخرطة تحتها ! كما نلحظ ذلك مثلا في الايدلوجيا النازية والفاشية ، او في ايدلوجيا الحروب الصليبية ، او في ايدلوجيا الانظمة الشمولية شيوعية كانت ام امبريالية او في حالة ايدلوجيا التكفير ، كلها تشرب من كأس واحدة مهما كانت خصائصها الكمية مختلفة ، تعددت الاشكال والمضمون واحد . ايدلوجيا المركزية الاوروبية :
البداية كانت الكلمة ، والبداية في هذا البناء الايديولوجي المتسرب ، كانت في عملية البحث عن الاصول بمنطق الحاضر الذي ينشد التميز عما حوله تحديدا ، فكانت اللغة وتفرعاتها واحدة من الملامح الاولى للنزعة المركزية ! لم تأخذ مسألة تاريخية ما قدرا من التأويل والاستخدام المزدوج والبحث المتعدد الوجوه والزوايا والاستطراد التاريخي الخاضع للاسقاطات السياسية والايديولوجية كما اخذتها ونالتها ، وبشكل متجدد موضوعة الاصول اللغوية والعرقية للجماعات البشرية ومنذ نشأتها، ومدى قرابة وبعدية بعضها عن البعض الاخر ، فكانت تأخذ احيانا منحى البحث والتحقيق الموضوعي المجرد والمحايد واحيانا بحوث افتراضية تنطلق من اراء ونوازع مسبقة تحاول اجتزاء المصادر ولي عنقها لتتوصل الى النتائج التي ترجوها، وبحوث اخرى توفرت لها عوامل الشهرة والانتشار وهي تفتقد للموسوعية والشمولية والدقة العلمية ، واخرى ارتبطت بالصدفة التي تتيح لاصحابها من الموسورين والمغامرين والهواة اكتشاف علامات واثار فارقة يعثرون عليها اثناء انهماكهم في البحث عن التحف لاهداف شتى ، ومن ثم تجعلهم يسبغونها بما ليس فيها لاجل تحقيق اغراض مادية ومعنوية بعيدة عن الموضوعية . ان اكثر مناطق العالم عرضة لكل هذه الاشكال من التناول والتناقض والتشويه في الدراسة والتنقيب والبحوث والاسقاطات هي مناطق (العالم القديم ـ اسيا وافريقيا واوروبا ) وفي القلب منه التاريخ الشامل للشرقين الادنى والاوسط ، وفي صميمه عالمنا العربي والاسلامي ، ومكانته ودوره واصوله وجذوره المرتبطة بأوضاعه الحالية ، واذا تمعنا النظر في مقولة العالم القديم ذاتها ومصدرها كامحدد تاريخي جغرافي حضاري ببعد معرفي ، فاننا نجد انه تأسيس يراد له الدلالة على المركزية الاوربية ايضا فأوروبا بفكرها الذي تجعل فيه نفسها مركزا للعالم ونقطة انطلاقه وتفوقه الباحث عن جذور تاصله وتنصبه قيما عليه ، وهي تتواصل معه هاضمة للذي يقع في طريقها متمثلة اياه بجحود و تبجح وكأنها تدعي قدرية لشكلها الملتهم والذي يعطي عسل الحضارة المستوجب امتصاصا مطلوبا لرحيق الابداع في كل الحقول ، وكأنه شرعة جينية لها وحدها ومن هنا فان القدم لها والعمق لها والفتوح لها والخلق لها ، فاذا كانت اوروبا مركزا للعالم القديم والجديد فما هو موقع حضارات شعوب الامريكيتين واستراليا قبل فتحها من قبل الطلائع الاوروبية اليست هذه شعوب اصيلة وقديمة الحضارة ؟ اليست في المكسيك وفي امريكا الجنوبية حضارات عريقة سبقت الفاتح الاوربي ؟ هذا لو سلمنا بان اوروبا مركزا للحضارت القديمة اصلا في القارات الثلاث المعروفة ، ولكن الامر ليس كذلك فمعظم الاكتشافات الاثارية المحققة تؤكد ان الارض الافرواسيوية اي الشرق بمعناه التاريخي والجغرافي ، هي الموطن الاصلي والاول لبزوغ الحضارة الانسانية ومن ثم انتشارها في ارجاء العالم المأهول وخاصة في كل من اسيا وافريقيا واوروبا ، والمنطق الجيولوجي والاركولوجي يؤكد ذلك فالشمال الجغرافي كان يعاني من التجمد لحدود الالف 15 قبل ميلاد المسيح والانحسار الجليدي بدء بعد الالف 15 ـ 10 قبل الميلاد وان الزرعة واقتصادها الذي ادى بدوره الى النمو السكاني في مناخه المتاح والملائم في الشرق هو داينمو ومركز التزحزحح البشري الاول خاصة وان حضارات الانهارالاولى شاهدا حيا عليه ، كل هذا ادى والاسباب المنافسة والنمو المتزايد والتقلبات المناخية الى الهجرات المتتالية والمتعاكسة احيانا الى اوروبا وغيرها ، ان محاولة تصنيع علاقة احادية مجتزئة تاريخيا مع لغة اسيوية قديمة وبعيدة عن الجغرافية الاوروبية كاللغة الهندية القديمة السنسكريتية وجعلها قاعدة ومنطلق مطاط للالتفاف على حقائق الجغرافية وفلسفة اللغة وعلم الاثار بمختلف فروعه للقفز على الجذر الحقيقي الواحد لكل عناقيد هذه الشجرة المتفرعة والتي تمتد جذورها في اغلب اصقاع اسيا وافريقيا وخاصة في تلك التربة الغرينية المعطاء غرب اسيا وشرق افريقيا ذات المفاصل والجسور والانهار المتدفقة لحضارات مازالت اطلالها تتحدث يفشي بعقدة دفينة لاصحاب هذا المذهب ، لقد ابتدأ هذا التعليل المسبب بعقدة التفوق التي تبيض فوائد متعددة وبطرق غير مباشرة ، وتدفع اليها دفعا بحكم اليات دورتها الاقتصادية عابرة القارات لتحقيق كمال مفقود وعصمة تقبل التخريجات التي تعزز الحاضر وتمد له جسور وهمية بملاحم شائكة ومعجزات يعجز عن صنعها من هو خارج تاريخهم الذي ليس له اطلال الا في نفوسهم ، كان وليم جونس اول من هجن هذه المقولة 1786 حيث خرج شاهرا سيف الوجوب في علاقة اللغة الهندية السنسكريتية القديمة مع عائلة اللغات الاوربية في عز الاهتمام والملاعبة البريطانية لاقتناص درة لتاجهم الخالي من الدرر متناسيا ان الفيل والجمل كلاهما لم يقبل الانتقال الى اوربا مع من هاجر اليها من مروضيهما في مروج الهند وغرب اسيا وافريقيا ! واذا كان عذر وليم جونس ان اسرار الهيروغلوفية لم تكتشف بعد وان الابجدية الفينيقية لم تجري دراستها بعد فاننا نجد انتقائية وتفسيرات سطحية بعد تحقق كل ذلك فجرى تجاهل لعلاقة الهيروغلوفية باللغات الاوربية بعد اكتشافها من قبل العالم الفرنسي شامبليون ( 1770 ـ 1832 ) وكذا الحال بعد التأكد من ان الكتابة الكريتية كانت بابجدية فينيقية ، مما ابقى النظرة القاصرة السابقة وجعلها دوغماتية لا حراك بها ، وفي ذات الفترة التي برزت بها الافتراضات النظرية المدمنة على تحجيم الدور الريادي للشعوب العربية القديمة وحضاراتها وتاثيراتها واختزالها بالسامية التي لن تكون مهما كانت حقيقتها بعيونهم او ما يعنوه بالسامية ابعد من دين ورثته اليهود وفيه تختزل كل المعاني التي يريدوها لتكون فتنة متعددة الاوجه تساهم في لغمطة ماهو ابداع لشعوب الشرق القديمة ، وتجريدها من فرضية اسبقيتها بالتفافات تميز بعضها ببعض وعازلة البعض القريب وصاحب النصيب الوافر في التأثيرعليها وكانه ـ اطرش بالزفة ـ لمصلحة مؤطرة لجزء اخر بعمق توراتي مسيس ومحدود قد استوعبته هي وتجاوزته منذ ان احتوته كفكر وهدف ، وليس غريب ان تكون مظاهر عودة الروح للحركة الصهيونية قد تجلت طلائعها الحديثة بذات فترة هذا التأسيس ذا النزعة المركزية الاوربية . صحيح ان العالم بكل الوان اجناسه ـ البيضاء والصفراء والحمراء والسمراء الاستوائية والسمراء المدارية ـ قد سلطت عليه اضواء النهضة المعرفية وفي مختلف مجالات العلوم الانسانية كالجغرافية والتاريخ واللغة والاجتماع والاقتصاد والنفس وعلم الاثار بمختلف فروعه ـ الاركولوجيا والانثربولوجيا والانثوغرافيا ـ الا ان التركيز والتحريف كان واضحا على اسلاف الاقوام والدول في غرب اسيا وشمال افريقيا وجنوب اوربا ويتجلى ذلك في قسم كبير من الجهد الاستشراقي ومدارسه هذا التركيز الذي اخذ شكلا علميا ـ علم الاستشراق ـ والذي ما انفك يخرج علينا بالكثير من الغث وبالقليل من السمين، وبالرغم من مساهة عدد من رواده الاوروبيين وبعض المجددين فيه والجادين في اعطائه خصائصه العلمية والموضوعية فان الكثرة من هؤلاء المستشرقين ذهب مذهب معاكس بثوب علمي استشراقي ليتبرء من اية شبهة او اتهام قد يلاحقه ، واعتقد هنا ان ملاحظات البحاثة والعلامة الراحل ادوارد سعيد كانت في محلهاعندما قيم في قراءاته النقدية ادب الاستشراق عامة بانه كان متعاليا ومركزيا وسطحيا في وجهه الغالب مثلما كان ادب المستغربين الى شرقهم اسيرا لمدارس الاستشراق بتنوعها ، وفي الاعم نجده مشوها منقادا وتبعيا ورماديا لا يخلو بعضه من الدهشة الدونية المحلقة بالتيه وبعيون مستعارة تتناول واقع الشرق وعلاقاته بالغرب ، ورغم الخلط المقصود وغير المقصود الحاصل بين ادبهم وادب الشرقيين الذين عاشوا في الغرب دون ان يكونوا من المستغربين من مثل ادباء المهجر ـ جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا ابو ماضي ـ وغيرهم الا ان اصوات المستغربين مازالت تعلو مساهمة في خالق فضاء شديد الالتباس . خرافة ايدلوجيا المركزية الاوربية :
البشر مثلهم مثل البذور المنتشرة في كل الاصقاع ، فيها من يفقس قبل غيره بسبب حزمة التجانس المتبادل والمستشعر مابين المحيط الخارجي لتك البذرة والشحنات الجنينية الكامنة فيها حيث ينفلق نسغ الحياة عندها فتنمو لتعيد دورة حياتها بتكاثر مضاعف ، واذا استطردنا قليلا فأن نهوض هذا النمو واتساعه ضمن آليات تلبية حاجاته بالعمل العضلي والذهني الذي يؤدي الى تطور نوعي في نمطيته سيكون مدينا لما نسميه بماهية اقتصاده اي سبل تلبية حاجاته الغذائية وعلى مدى منتوجيتها يعتمد تطوره الاحق فهو خميرة العجينة الحضارية والتطورية في كل المجتمعات الانسانية ، واذا لم تكن هذه الخميرة فعالة فان العجينة لن تتفاعل وتبطل تاثيرات انزيماتها مما يجعلها تتيبس وتتكسر والعكس صحيح حيث التمدد والانتشار، فالانسان الاول كان موجودا منذ ما قبل الانحسار الجليدي في منا طق جنوب اوروبا في البلقان وشبه الجزيرة الايبيرية وفي ايطاليا والجزرالبريطانية وحتى في البلطيق واسكندنافيا ، وقد اثبتت ذلك اكتشافات علم الاثار وخاصة عندما تم العثورفي هذه المناطق على بقايا طوطمية لانسان نيادرتال وانسان الحقب الحجرية الوسطى والمتاخرة ، وعليه فان هناك استيطان بشري يسبق الهجرات الاسيوية الشرقية الى اوروبا لكنه لم يكن متخمرا اقتصاديا ومن ثم حضاريا بعد فهو بحكم طبيعة وجوده المكاني والمناخي كان يعتمد على الصيد وجمع الثمار ولم يكن قداستوفا شروط الاقتصاد الزراعي بعد. وحسب المعطيات العلمية المتواترة فان اليابسة كانت تشكل طبقة متعاشقة واحدة تشبه جزيرة مهولة في وسط متلاطم من التيارات المائية والهوائية ثم تشققت بفعل عوامل حركية وجذبية وجيولوجية معقدة وطويلة الى ما يعرف اليوم بالقارات الخمسة او السبعة ، ونظرية التزحزح القاري مازالت معتمدة في تفسيرها لظاهرة تفصص اليابسة الى اقسام كبيرة وصغيرة تتكامل في اجزاءها المتقابلة لتشكل كتلة واحدة ، وقد حمل كل جزء بذوره البشرية معه ، لكن الكتلة الاكبر اسيا وافريقيا واوروبا كانت متقاربة لدرجة التلاصق في اجزاء منها والكتلة التي تليها هي كتلة الامريكيتين المتجاورتين والبعيدتين عن مركز ثقل اليابسة ، ثم الجزر الكبرى والصغرى المتناثرة في الجنوب الشرقي من اسيا وهي استراليا والجزر المحيطة والقريبة منها ، ان تماس القارات الثلاث هذا جعلها تتمتع بميزات السعة والتنوع والامكانيات اليسيرة للهجرات المتعاكسة ، والتي تزكيها نظرية الانتشار البشري والحضاري المتتالي ، وهذه الكتلة المتواصلة في اتصالها وتلاقحها عرفت بوابات ومناطق عبور عديدة وكانت على الدوام جسور تتزاحم عليها الاقوام طلبا لارض جديدة لا ينافسهم عليها احد او هروبا من كوارث طبيعية عاصفة ، واهمها مضايق البسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق جبل طارق وسيناء وشمال بحر قزوين وجنوبه ، واذ نلاحظ فان اغلب هذه الجسور محصورة في مناطق الشرقين الاوسط والادنى اي مناطق مايطلق عليهم الساميون والحاميون وشركائهم من ذوي الاصول الهندية الايرانية والاغريق ، فأن كثيرمن الدلائل المنطقية ومنها الافتراضات العلمية واخرها فرضية عالم الاثار البريطاني كولن رينفرو بنظريته التي تقول ان الاقوام الهندو اوروبية قد انطلقت من بوابة الانضول باتجاه غربها اي الى اوروبا بسبب التزحزح السكاني المبني على اسس حاجات الانتشار الزراعي ونموه ، ومعنى هذا انها كانت على جوار وحوار متعدد الاوجه مع الشعوب العربية القديمة التي قطنت جنوب الانضول وكانت على اتصال بري ومائي بالجانب الغربي من الجزر الاغريقية الحالية كريت قبرص وغيرها خاصة بالنسبة للفينيقيين والكنعانيين وبرا كانت لحضارات وادي الرافدين وسوريا واغلب شعوب الهلال الخصيب تاثيرا قويا على سكان الانضول وعلى غربه اليونان القديم كما كان للمصريين والليبيين هذا الدور وبطرق بحرية معروفة ، وما يؤكد ذلك جوانب في الاثار الادبية واللغوية والعملية التي تتنوع في اشكال الزراعة الخاصة بالحبوب واسماء واستخدامات الثمار التي تزرع ضمن مناخ البحر الابيض المتوسط وانتقالها الى الاغريق اي الى اوروبا التي كانت تحبو وتلقط ما تراه وتسمعه وتلمسه . اما فيما يتعلق بمناطق وعوائل الاقوام الاولى والحضارات الاولى في اسيا وافريقيا التي تعتبر الموردة الاولى للهجرات البشرية والحضارية لاوروبا التي اكتسبت اسمها من الشرق ومعناها يعني بالكنعانية الغرب ، وكانت اسيا قبلها قد سميت بالكنعانية ايضا بمعنى الشرق ، يقول هيرودوتس : " لكن من المعروف ان اوروبا هذه كانت مواطنة من اسيا . ولم تأت قط الى البر الرئيسي الذي يطلق عليه الهلينيون ( اليونانيون ) الان اوروبا ، لكنها من فينيقيا جاءت الى كريت ، ومن كريت انتقلت الى ليسيا " (تاريخ هيرودوتس، ج4 ، ص 45 ) فاذا كانت التسمية فينيقية او كنعانية او اشورية او اكادية او عبرية فهي عربية قديمة ذهبت وتحورت وتحملت معاني اوسع فيما بعد وهذا حال المناطق المزدحمة بالتبادل والتأثر والتحريف والتأويل والادغام ، وتقسم تلك المناطق الحضارية الشرقية الاساسية في بروزها ومداها تقسم حسب جغرافيتها وتجانس تحضرها ولسانها ووسائل انتاجها على النحو التالي : ـ دائرة الحضارة الصينية وما يقع ضمن مداها ، ويشمل اليابان والكوريتين ومحيطهما . ـ دائرة الحضارة الهندية الايرانية وما يقع ضمن مداها ، ويشمل الهند والبنغلادش والافغان والباكستان وايران ومحيطهم الشمالي . ـ دائرة الحضارة العربية الافريقية وما يقع ضمن مداها ، ويشمل بلاد الهلال الخصيب بحدود طورس وزاجروس ـ العراق سوريا الاردن لبنان فلسطين بما فيها من يهود شرقيين ـ والجزيرة العربية والخليج العربي ومصر وليبيا وشمال افريقيا والسودان وارتيريا ومعظم اجزاء الساحل الافريقي حتى راس الرجاء الصالح واثيوبيا ، اضافة الى الكوشية الافريقية الجنوبية. وفي كل دائرة مستويات من الدوائر المتعددة التي تتباين عن بعضها بدرجة حملها للصفات التي تحوم حول مركز ثقلها . ان اكثر المقولات انسجاما مع واقع الاصول الاوروبية بالاستناد الى معطيات الاثار وعلم التاريخ واللغة هي مقولة الاقوام (الشرق اوروبية) لانها الادق والاعم لاسيما وان الهنود شرقيين وانهم لم يتفردوا بالشراكة اللغوية والسلالية مع الاوروبيين، فالسنسكريتية والهيروغليفية والابجدية الفينيقة والكتابة المسمارية والاساطير السومرية المنقولة عبر الحيثيين الى اليونانيين وغيرها من الدلائل التي لا يغفلها الا المتعمدون تشير الى ان الاقرب والاكثر تحضرا ونموا هو المرشح ليكون عامل مصدر للبشر والمعرفة ، وهذا حال الشعوب العربية والافريقية الشرقية القديمة وجارتها عائلة الشعوب الهندية الايرانية . نستطيع ايضا ابراز المناطق الحضارية الشرق اوربية او ـ الشرق غربية ـ حسب معطيات الجغرافية والتاريخ واللغة والاثار الى المناطق الحضارية المتنوعة التالية : ـ الدائرة الاوسطية وتشمل ، الانضول ، اليونان ، الالبان ، والارمن ، ومحيطها المحدد بتأثيرها ، وهي الجسر الفعال لانتقال الاقوام الاسيوية وثقافاتها الى اوروبا . ـ الدائرة السلافية ، وتشمل بولونيا وروسيا والتشيك والسلوفاك وصربيا وكرواتيا وبلغاريا ومحيطها المتأثربها ، وهذه الدائرة تتقاطع مع بوابات الهجرة والاحتكاكات الاسيوية الداخلة من شمال البحر الاسود وشمال وجنوب بحرقزوين . ـ الدائرة البلطيقية وهي مناطق شمال غرب روسيا والمقابلة لاسكندنافية ، وتشمل اغلب دول البلطيق الحالية وهي ايضا من اختلاطات للاقوام المهاجرة من شمال بحر قزوين . ـ الدائرة الالمانية وتشمل المانيا الحالية وابريطانيا وهولندا واسكندنافية ، وهذه الدائرة المتعرجة تحسب على الاقوام المهاجرة عبر شمال وجنوب بحر قزوين . ـ الدائرة الاتينية وتشمل ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال ورومانيا وهي بدفوع حضارية متنوعة وهي منتشرة وعريقة الثقافة والتأثير داخليا وخارجيا بتقاطعاتها مع الدوائر الاوروبية الاخرى وخاصة الالمانية واليونانية والبحرية بالعالم الجنوبي شريكها في حوض المتوسط والعالم "الجديد" امريكا الاتينية . ان التقاطعات والانحناءات المتعرجة والمسامية التي يتمتع بها محيط الدوائر كلها جعلها متداخلة ومتعاشقة ومختلفة ومتنوعة ومتلاطمة انها لوحة التعدد في الوحدة الواحدة ، لكل منها بصمتها رغم قربها حد التلاحم وبعدها حد الافتراق . كل ذلك يدلنا على عمدية لا علمية في محاولة تبريز وتمييز اعراق واجناس ولغات اوربية وجعلها محور يدور في فلكه الاخرين بعد ان تنزع عنهم ريادته ورايته وكأن حاملها هوهوذاته ، ذلك الاوروبي ومنذ الازل !
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتراق العراق بفعل فاعل !
-
الحرية مدينتي
-
الاستخدام المزدوج لوسائل الاعلام
-
نجيب محفوظ قبل وبعد النوبل
-
دواء العقارب
-
الجزيرة اكثر من سلطة رابعة !
-
جذور لاتموت
-
الحياة في اجازة والعيد جنازة !
-
العقل العراقي عصي على الاحتلال
-
ثلاثة اذا ذكروا ذهب العراقيون لقضاء حاجتهم !
-
خذوا الحكمة من افواه جنود العدو!
-
النحس يلاحق حكومة الاحتلال غير الدائمة !
-
امريكا تمهد لمرحلة القواعد الدائمة في العراق
-
حركة عدم الانحياز مطالبة بالانحياز
-
محمود درويش تجاوز النوبل مرتين
-
ايران بين مزدوجين
-
من يحزر في يد من خاتم بغداد ؟
-
نظرتان متقابلتان
-
11 سبتمبرحريق في الرايخشتاغ الامريكي
-
البراءة الكبرى
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|