أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية














المزيد.....

استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8107 - 2024 / 9 / 21 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


التراث هو ذلك الخزان الثري الذي يحتضن بين طياته تاريخ الأمم، حكمتها، تجاربها، وثقافتها. إنه ليس مجرد ماضٍ مندثر، بل هو مصدر دائم للإلهام، يمكن العودة إليه في لحظات الأزمة والضياع لاستعادة البوصلة وتوجيه المسار نحو المستقبل. في الفنون عموماً، والمسرح خصوصاً، يُعتبر استلهام التراث واحدة من الأدوات الفعّالة التي استخدمها الفنانون لاستحداث تجديدات إبداعية تتفاعل مع الحاضر وتعالج قضاياه. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن أن نستلهم التراث بشكل يُضيء الحاضر ويثري المستقبل دون أن نسقط في فخ الجمود أو التقليد الأعمى؟ هذا المقال سيستعرض بعض الأمثلة البارزة لاستلهام التراث في المسرح العربي، وكيف استطاع المبدعون استخدامه لتقديم رؤى جديدة وقوية تتجاوز حدود الزمن.
التجديد من خلال استلهام التراث:
إن واحدة من أبرز الأمثلة التي تجسد استلهام التراث في المسرح هي مسرحية "أهل الكهف" للكاتب الكبير توفيق الحكيم. استلهم الحكيم قصة أهل الكهف من القرآن الكريم، وهي قصة مشهورة تحمل دلالات دينية وروحية عميقة. لكنه لم يكتفِ فقط بسرد القصة كما وردت، بل أضاف لها أبعادًا فلسفية تتعلق بالزمن، والحياة، والموت، والصراع بين الماضي والحاضر. استخدم الحكيم هذه القصة ليطرح تساؤلات معاصرة حول الهوية الفردية والجماعية، مما جعل المسرحية تعكس حواراً بين التراث والحداثة. بهذا الأسلوب، استطاع الحكيم أن يوظف التراث ليكون أداة نقدية للحاضر وليس مجرد ماضٍ مقدس.
على نفس المنوال، نجد أن مسرحية "سليمان الحلبي" للكاتب ألفريد فرج هي مثال آخر على استلهام التراث لتجديد المسرح العربي. فرج استلهم شخصية سليمان الحلبي، التي قامت باغتيال الجنرال الفرنسي كليبر خلال الحملة الفرنسية على مصر، ليعيد من خلال المسرحية إحياء الجوانب الخفية والمقاومة الشعبية التي قلّما يتم تسليط الضوء عليها. لكن بدلاً من تقديم العمل كتسجيل تاريخي تقليدي، تناول فرج القضية من منظور إنساني ونفسي، مما جعل الشخصيات تعكس صراعات عصرية تتعلق بالقوة، والاحتلال، والمقاومة، والهوية الوطنية.

التجربة الشعرية لأحمد شوقي في استلهام التراث المسرحي:
لا يمكن الحديث عن استلهام التراث دون التطرق إلى تجربة أحمد شوقي، أمير الشعراء، الذي قدم نموذجاً بارزاً في كيفية استلهام التراث العربي والإسلامي في أعماله المسرحية. في مسرحيات مثل "مجنون ليلى" و**"عنترة"**، استلهم شوقي شخصيات وأحداثاً من التراث الأدبي والشعبي العربي، لكنه لم يقتصر على سرد القصص القديمة، بل أضفى عليها أبعاداً جديدة تتعلق بالقيم الإنسانية والاجتماعية. على سبيل المثال، في "مجنون ليلى"، نرى كيف يتناول الحب المستحيل من منظور فلسفي وشعري حديث، مع الحفاظ على الروح التراثية للقصيدة الأصلية.
مسرحية "كليوباترا" مثال آخر على براعة شوقي في مزج التراث بالتجديد. رغم أن المسرحية تعتمد على قصة تاريخية قديمة، إلا أن شوقي استخدم التراث ليبرز قضايا وطنية معاصرة تتعلق بالاستقلال والهوية. بهذا الأسلوب، ساهم شوقي في تقديم مسرح شعري يجمع بين جمال اللغة الكلاسيكية وعمق القضايا الحديثة، مما جعله من أوائل الرواد الذين استطاعوا أن يحققوا توازناً بين الأصالة والمعاصرة.

التراث كمنبع للحوار مع الحاضر:
إن استلهام التراث في المسرح لا يعني بالضرورة الحفاظ على حرفية النصوص القديمة أو القصص التراثية كما هي، بل يتمثل في كيفية توظيف هذا التراث في خدمة الحوار مع الحاضر. ي وسف إدريس، على سبيل المثال، في مسرحيته "الفرافير"، استلهم التراث الشعبي والشخصيات المأخوذة من الفلكلور المصري مثل "الفرفور" و"الأسياد" ليطرح من خلالها أسئلة اجتماعية وسياسية متعلقة بالعدالة الاجتماعية والصراع الطبقي. لم تكن الشخصيات القديمة مجرد رموز تقليدية، بل حملت بين طياتها رموزًا ودلالات تعكس واقعًا اجتماعيًا وسياسيًا معاصرًا.
هذا النوع من التجديد يُعد مثالاً حيًا على كيفية الاستفادة من التراث لإحداث ثورة في الشكل والمضمون المسرحي. إدريس لم يكتفِ بسرد القصص الفلكلورية أو الشعبية كما هي، بل حوّلها إلى أداة نقدية تتعامل مع التحديات المعاصرة بأسلوب مبتكر يجمع بين التراث والحداثة.
في النهاية، يمكن القول إن استلهام التراث في المسرح ليس مجرد عودة إلى الماضي أو تجديده، بل هو عملية معقدةتهدف إلى التفاعل معه بطرق جديدة تخدم الحاضر والمستقبل. الفنان المسرحي عندما يلجأ إلى التراث، فإنه يستدعي حكمة الأجيال السابقة ويعيد تقديمها بطرق تعكس الواقع الحالي وتستجيب لتحدياته. أمثلة مثل توفيق الحكيم، ألفريد فرج، ويوسف أدريس تظهر بوضوح كيف يمكن للمسرح أن يكون مساحة تجمع بين الأصالة والتجديد، بين الماضي والحاضر، ليخلق فناً يظل نابضاً بالحياة. ومن هنا، فإن التراث، بدلاً من أن يكون عبئًا أو قيدًا، يصبح وسيلة لإحداث تجديد دائم في الفكر والمجتمع.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
- جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم ...
- -مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
- بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
- الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت ...
- -النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
- - النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
- دنيس ديدرو والابن الطببعي
- كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي


المزيد.....




- -نحن نحترق-.. آخر أعمال الفنانة الفلسطينية محاسن الخطيب قبل ...
- قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي مغردا باللغة العبرية ع ...
- مسلسل تل الرياح الحلقة 145 مترجمة بجودة عالية hd على قناة كا ...
- قيامة عثمان.. استقبل الآن تردد قناة الفجر الجزائرية أقوى الم ...
- ايران تنتج فيلما سينمائيا عن حياة الشهيد يحيى السنوار
- كاتبة -بنت أبويا- ستصبح عروس قريبا.. الشاعرة منة القيعي تعلن ...
- محمد طرزي: أحوال لبنان سبب فوزي بجائزة كتارا للرواية العربية ...
- طبيب إسرائيلي شرّح جثمان السنوار يكشف تفاصيل -وحشية- عن طريق ...
- الفن في مواجهة التطرف.. صناع المسرح يتعرضون لهجوم من اليمين ...
- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية