أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الريح العوض - تقاطع الأحزان وتجلي صوت النكِرات قراءة في رواية حراس الحزن















المزيد.....

تقاطع الأحزان وتجلي صوت النكِرات قراءة في رواية حراس الحزن


إبراهيم الريح العوض

الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 15:10
المحور: الادب والفن
    


تقاطع الأحزان و تجلي صوت النكِرات :
قراءة في رواية حراس الحزن
في العام 2022 أصدرت دار هاشيت انطوان، نوفل، رواية حراس الحزن، للكاتب و الروائي أمير تاج السر.
عندما يذهب القارئ أو المتلقي إلى متجر بيع الكتب أو لدور العرض لاقتناء كتاب أو رواية، أو عندما يتصفح المواقع الإلكترونية التي تقوم بنشر الكتب، أو عندما يقابله أو تلتقط عينه هذا العنوان، "حراس الحزن" سوف يتوقف عنده. و تدور في ذهنه اسئلة عديدة من جنس من هم حراس الحزن الذين تحدثنا عنهم الرواية؟ هل هو عنوان تسويقي لغرض البيع أم هو فعلا يحدثنا عن هذه الفئة من الناس، هؤلاء الحراس ؟
فعنوان الرواية هو انعكاس لنصها الداخلي، للحكاية و مضمونها،  سيكتشف القارى أو يتكشَّف له مغذى و دلالة العنوان بعد الولوج إلى النص، إلى عوالم الحكاية، إلى الرحلة المشحونة بالألم و المعاناة و العذاب التي يأخذنا فيها الكاتب، و سوف يدرك القارئ  ويعرف هويتهم و معاناتهم وألآمهم و أحزانهم عندما يكمل قراءة الرواية.
رواية حراس الحزن، يعود زمن الحكاية لبداية السبعينات من القرن العشرين، و في عهد الرئيس جعفر نميري، وفضاء أو مكان الرواية، هو مدينة سودانية و ليست قرية، مدينة لم يسمها الكاتب صراحة، فهى مدينة لأن كل ما ذكر من ملامح و مشاهد يوحي بمعالم مدينة كجنس المدن السودانية المشوهة، و لأنه ليس بالقرى أحياء عشوائية و أحياء متحضرة أو راقية، و ليس لها محطات قطارات و أطفال متسولون و قضايا من جنس أن يتم الحمل لامرأة بطريقة غير الزواح، فلا ننفي ذلك، و لكن عندما تحدث تستخدم استراتيجيات محددة للتعامل معها، و هي أما أن يتم اجهاض الجنين في بداية تكونه تفاديا لقصة العار و الفضيحة و حتى لا يعرف أحد ، و تخدش سمعة الأسرة، أو سيذهب بالمرأة الحُبلى بعيد عن مجتمع القرية وغالبا إلى المدينة لإنجابه و التخلص منه بأي وسيلة، لأنه إذا حدث هذا في القرية سوف تكتشف الحادثة بكل سهولة، بطبيعة مجتمع القرية الضيق و المتشابك، و ثرثرة شخوصه وتناولهم الأخبار الخصوصية.
لقد عكست لنا الرواية على لسان بطلها علي صلاح و بقية أشخاص الرواية، فئات في المجتمع تم طحنها و سحقها و اذلالها، اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا، فحراس الحزن هى رواية بنت الواقع المعطى و الملموس بشخوصه و فئاته المجتمعية. فالرواية تتجه لنوع الواقعية النقدية التي عرت المجتمع و فضحته و كشفت الاختلالات التي تعاني منها بيئته الاجتماعية و الثقافية و السياسية، كل هذا الكشف يتم عن طريق الحكي المتقاطع و السخرية اللاذعة التي تميز عمل الكاتب. و طريقة السرد في الرواية هى النوع المختلط بين البوليفية و المنولوجية، فالسارد الرئيسي هو البطل علي صلاح ولكن كذلك ثمة تداخلات و حضور حواري لشخوص الرواية الأخرين في جوانب كثيرة من الرواية، وهي طريقة سرد تميز أعمال أمير تاج السر. و في سرد الحكاية الرئيسية المعاناة و الحزن و هى بؤرة السرد التي يركز عليها الراوي في عملية من الحكي متداخلة، مما يعكس أن تنوع الحكي و تعدده هو تنوع صور و أشكال الحزن في عملية تقاطعية بين الاجتماعي و الثقافي والاقتصادي و السياسي، لكل فئة أو شخص معاناته و حزنه الخاص، فحراس الحزن نص سردي يتخذ من الواقعية النقدية فضاء و منطلق له، ويتماهى فيه الواقع و الخيال بطريقة يصعب الفصل بينها.
فيختار لنا الكاتب البطل علي صلاح، موظف الحكومة المحلية، الذي يمتلك صفات و خصائص تختلف عن بقية شخوص الرواية، في نظرته للأشياء و ميوله للعزلة و تمتعه بالحس الإنساني. و كذلك الراوي يكشف لنا الجانب الخفي الذي يدور في مجتمع الرواية و أذهان شخصياته و هى في الواقع الملموس لا تتكشف و تظهر  في الفضاء العمومي بصورة صريحة، و تناقش بكل شجاعة في هذا الفضاء العام، نسبة لأنه ثمة تابوهات تمنع او تحول بينها و بين ظهورها و الحديث عنها، أو لأنها من القضايا المهملة لأنها و حسب نظرة المجتمع تنتمي إلى جانب الفضيحة و هى يجب أن لا يتم نبشها في العلن و أمام الغير أو الجمهور.
عندما يكمل القارئ قراءة الرواية سيقول هؤلاء الاشخاص،سعد نزوة ، و سمية رمضان، وسلوى بطرس، و اسماعيل، و نجم الدين، التائة، عبد العال و رجال الشرطة أمثال شطة و لعيبة الرياضة القدامى... الخ كل هؤلاء لقد قابلتهم في الواقع أو سمعت قصص من اشخاص قابلوا مثل هذه الفئات و الأشخاص في الواقع.
إن ما يمييز روايات الكاتب تاج السر هو الإفراد و روعة المحكي و جزالة الحكي، و في هذه الرواية نجد الجانب الجمالي و الفني في مهارة السردي ليقدم لنا عمل جستالتي رائع، ثم حبكة الحكاية و تناوب الحكايات بداخلها في عملية تسلسل متماسكة و متجانسة، و كذلك استخدامه أسلوب التشويق عن طريق كتم المعلومة في المحكي و السردي، مما يجعل القارئ في وضعية، أسر و مطاردة مع النص و استحالة مفارقته أو تركه قبل أن تكتمل الحكاية و الرواية. و كل انتقال في تسلسل الحكاية هو انتقال في تسلسل الألم الذي ينخر شخوصها من الداخل. تحدثنا الرواية عن وعود الحكومات الكاذبة معضلات البلاد التاريخية، حيث الاقتتال القبلي و شر الانقلابات العسكرية و نفاق الحكومات الديمقراطية ، وتحدثنا عن تفسخنا الاجتماعي والأخلاقي والخلل البنيوي في الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، و إذا تناولنا من النص الروائي سوف ندرك ملامح هذا الاختلال، ففي الجانب السوسيوثقافي عندما ينبذ طفل حديث من قبل المجتمع، وهو لا ذنب له، "... احتككت برجل أشيب كان قادماً من هناك، سألته: ماذا يحدث يا عمّ؟ رد: فضيحة. أي فضيحة؟ عثروا على طفل حديث الولادة ملقي في الزبالة. هل عثروا على أمّه؟ لا. أين الفضيحة إذن؟.... "عندما ترى الأشياء بمنظار مختلف غير منظور الثقافة الاجتماعية السائدة، فهذا المنظار جريمة ومنظار شيطاني في نظرها "...شهدت تحنو على طفل، تتحسس رأسه ويديه، و أقسمت المرأة التي كانت تحمله، أنك بكيت، هل يؤنبك ضميرك إلى هذه الدرجة؟ ويرد علي "هل الحنو على رضيع دليل أبوّة له؟ ".
وإذا انتقلنا إلى الجانب السوسيواقتصادي وظهور علله على الأفراد ، فعندما يتم إغراء أو إغواء مراهقة كنموذج ليلى من قبل رجل مسن "...بعد دقائق توقفت سيارة ماركة فوكسل رمادية وهيكل مخدوش في جوانب عدة امامها ، فتحت الباب الأمامي وركبت. كان ثمة رجل نحيل. أشيب يجلس خلف المقود وضحكات منغّمة لفتيات تأتي من المقعد الخلفي ،...". ومع تطور السرد تم القبض على الرجل المسن وليلى وهم يمارسون الجنس، من قبل أفراد من الشرطة في أحد المنازل. فوضعية ليلى كما يصفها لنا الراوي "فتاة حزينة وتائهة، إنما نسخة أنثوية من نجم الدين، نسخة بلا حظ." .أو عندما يصف سعد نزوة وضعيته الاجتماعية والاقتصادية "...أنت تعرف وضعي وأنني اسكن في مكان غير مؤهل ليسكنه احد ... وضعي الاقتصادي هو الذي اختاره لكني لست نادماً، هناك عثرت عبى نصفي حتى اخر العمر".
وكذلك تنقلنا الرواية إلى جوانب من فشلنا الإداري والسياسي وغطرسة الأجهزة الأمنية عندما يقول الراوي ((... كنت اتأمل ضحايا التعذيب، والأن أحصيهم كانوا ستة، كلهم في منتصف العمر، وكلهم يبدون بلا ذاكرات، كذلك كانت السجون في العهود الوسخة  وما تزال مقابر للذاكرات والمشاعر، والذي يخرج منها يحتاج غالباً لتأهيل لن يمنحه إياه احد ...إنه طبع الديكتاتورية، طبع السجانيين، مثل الرقيب أول حماد، الذي يستطيع أن ينخر بسيخ من الحديد مستقيم رجل طيب ومسالم...". وكذلك ينقلنا السرد إلى جوانب من الفشل الإداري والسياسي "... كنت أتي في الصباح أدخل مكتبي مباشرة، تكدس بصحبة أوراق كثيرة هي مشاريع لم تكتمل، وفي الحقيقة هي مشاريع من الوهم المكتمل، لأن لا قرية تتطور، ولا طريق ترابي وعر يبدو مستعداً لأن يتحول إلى طريق مسفلت و سلس، الخدمات العامة مثل الكهرباء ومياه الشرب، والتعليم وعلاج الأمراض، كلها أمنيات تحلق في سماء تلك القرى ولا تهبط في أي حال من الأحوال، كل حكومة تأتي تتشدق بأعذارها وفوضاها ولصوصها وتمضي، يأتي الديمقراطيون ليصفق لهم سنوات ويتغزلون بفوضاهم، ويأتي الانقلابيون لسبب واحد وهو أن يمسكوا برأس الوطن ويمرغوه في التراب.".
كل هذه المشاكل البنيوية تتقاطع مع بعضها البعض، ويظل أولئك المسحوقين أبناء الألم اللذين تم اقصاؤهم اجتماعياً وثقافياً و اقتصادياً، حالهم مذلون مهانون و غير مرئيين لا من قبل المجتمع و لا الدولة، هم كما وصفهم الكاتب إدوارد غاليانو "النكِرات" الذين قال عنهم :
هم ليسو آدميين،
بل موارد آدمية.
لا وجه لهم، بل اذرعٌ، لا اسم لهم، بل رقم.
و ليس لهم ذكر في كتب التاريخ الجامعةِ، بل في صفحات الجرائم بالصحف المحلية .
فكل هذه الأحزان و الألآم و المآسي موجودة في الواقع و لكن الكاتب كشفها بصورة كلية و جعلها مرئية، جعل شخوصها يتحدثون، يظهر صوتهم، إنها خطاب من لا يملكون أي شيء،و صوت من لا صوت لهم.



#إبراهيم_الريح_العوض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الحب والشهوة الجنسية عند ابن حزم من خلال طوق الحمامة
- هل ستحضر اسئلة العدالة في الذكرى الأولى للثورة السودانية أو ...
- المثقف والديمقراطية في السودان مابعد الكولنيالي من المثقف ال ...
- خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي ا ...


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم الريح العوض - تقاطع الأحزان وتجلي صوت النكِرات قراءة في رواية حراس الحزن