أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم














المزيد.....

حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


الحب، ذلك الشعور الذي يحرك الساكن ويذيب الجمود في الأرواح، ليس مجرد كلمة عابرة أو تجربة سطحية تمر في حياتنا وتزول مع مرور الزمن. بل هو قوة جاذبة تغيّر مسار الأقدار، وتعيد تشكيل الأرواح بطرق لا يمكن التنبؤ بها. ومع ذلك، يُقال "حذاري أن تحبوا من أعماق قلوبكم"، وكأن الحب في جوهره سيف ذو حدين، يجلب السعادة والفرح أحيانًا، لكنه يحمل في طياته أيضًا إمكانية الألم والفقد.

عندما نحب من أعماق قلوبنا، نرى الحياة بمنظار مختلف، تُضخّم فيه أدق التفاصيل وتُزهر المعاني الخفية. تبدو الأيام المألوفة أكثر تألقًا، ويكتسب كل شيء من حولنا عمقًا جديدًا. ومع ذلك، كلما تعمق الحب، نمت معه مخاوف الخسارة، وتسلل الخوف من الألم الذي قد يصاحب انكسار القلب. فماذا يجعل هذا الشعور الجميل محفوفًا بمثل هذه المخاطر؟

الحب من أعماق القلب هو العطاء بلا حدود، والاندماج مع شخص آخر إلى درجة أنك تصبح جزءًا من روحه وهو جزء من روحك. إنه حب يجردك من كل الأقنعة ويكشفك بكل ما فيك من ضعف وقوة، جمال وعيوب. في هذه الحالة، تتلاشى الفواصل بين "الأنا" و"الآخر"، ويصبح الاثنان "نحن"، مما يجعل الحياة نفسها معلقة بخيط رفيع قد ينقطع في أي لحظة.

يقول الأديب الروسي ليو تولستوي: "الحب هو أن تحب شخصًا ما دون سبب". هذه المقولة تبرز نقاء الحب الحقيقي، ذلك الحب الذي يتجاوز العقل ويستمد قوته من أعماق الروح. ومع ذلك، فإن الحب الذي لا يستند إلى أسباب عقلية قد يكون أكثر هشاشة، ويعجز أحيانًا عن الصمود أمام عواصف الحياة.

رسائل فلاديمير نابوكوف إلى زوجته فيرا، تعتبر نموذجًا رائعًا للحب العميق الذي ينغرس في جذور الروح. في إحدى رسائله كتب: "أنا لا أستطيع العيش بدونكِ. أنتِ هوائي، وأنتِ نوري". هذه الكلمات المفعمة بالتفاني، تعكس قوة ارتباط نابوكوف العاطفي بفيرا. لكنها في الوقت ذاته تكشف الهشاشة التي قد يأتي بها هذا النوع من الحب، حيث يصبح كل شيء في حياة المحب متعلقًا بهذا الحب. وإذا ما تصدع، تتصدع الحياة بأكملها.

الحب العميق يجعل المحب يفقد ذاته في الآخر. يتحول الآخر إلى مركز الكون، وكل شيء آخر يتضاءل أمامه. لكن رغم المخاطر التي قد يحملها هذا النوع من الحب، لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون حب. الحب ضروري كالهواء الذي نتنفسه.

ومع ذلك، فإن هذا النوع من الحب، كما يهبنا السعادة القصوى، يمكنه أيضًا أن يسلبنا إياها في لحظة. قد يتحول الشخص الذي كان يومًا ما مصدرًا للسعادة إلى مصدر للألم الذي لا يُطاق، وقد يتحول الحب الذي كان ملاذًا إلى سجن لا مفر منه، مليء بالألم والذكريات المؤلمة.

رغم كل هذا، يظل الإنسان يسعى وراء هذا الحب العميق لأنه يحمل وعدًا بالسعادة التي لا تضاهى. وهنا يتساءل الكثيرون: هل يستحق الحب العميق المخاطرة؟ هل يستحق أن نخاطر بقلوبنا ونسلمها لمشاعر قد تحطمنا؟

الإجابة ليست بسيطة، فالحب ليس خيارًا يُتخذ بوعي كامل. إنه شعور يغزو القلب دون سابق إنذار، يأخذنا في رحلة قد تكون محفوفة بالمخاطر، لكنها أيضًا مليئة بالمعاني. وربما تكون المخاطر جزءًا لا يتجزأ من تجربة الحب، فالحب الذي يخلو من المخاطرة قد لا يكون حبًا حقيقيًا. ومع ذلك، فإن التحذير من الحب العميق ليس دعوة للهرب منه، بل هو دعوة للتأمل والتفكير في ماهيته، وكيفية التعامل معه بحذر ووعي.

في رسائلها إلى غسان كنفاني، كتبت غادة السمان: "لقد أحببتك حتى النهاية، حتى آخر قطرة من القلب، رغم أنني كنت أعلم أن هذا الحب قد يقودني إلى الجحيم". تعبر هذه الكلمات عن الحقيقة الصارخة التي يعيشها كل من أحب بعمق، تلك الحقيقة التي تكمن في أن الحب العميق يحمل في طياته احتمالية الألم، ولكنه أيضًا يمنح سعادة تفوق كل ألم.

في نهاية المطاف، الحب من أعماق القلب مغامرة تُخاض بكل ما فيها من مخاطر وجمال. قد تكون مليئة بالآلام، لكنها تمنحنا الفرصة لنعيش الحياة بأقصى عمق. لذا، حذاري أن تحبوا من أعماق قلوبكم، لكن إذا فعلتم، فتأكدوا أنكم مستعدون لمواجهة كل ما يحمله هذا الحب من تجارب، سواء كانت سعادة غامرة أو ألمًا عميقًا.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الأفكار: مسيرة العقل في مواجهة السلطة عبر العصور
- الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!


المزيد.....




- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...
- -مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم