كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 00:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يطرح قاصري النظر السؤال التالي, إذا كان "البربر" هم من غزا الأندلس, فلماذا لم يفعلوها من قبل, و إنتظروا مجيئ العرب؟ و لماذا لم تكتب الإنتاجات الفكرية و الأبحاث العلمية بلغتهم في الأندلس و ...؟. كما أن الممالك الإسلامية في شمال إفريقيأ, لم تكن عربية بل أمازيغية إسلامية, مثل الدولة المرابطية و الدولة الموحدية (الأمازيغيتين) و غيرهما من الممالك بعدهما.
ما عرف عن الأمازيغ في تاريخهم القديم, أنهم قوة حرة دفاعية عن الأرض و عن الأهالي و لم يكن الأمازيغ غزاة, مستعمرون و لا تجار العبيد, و هذه حقيقة دونها التاريخ. سياسة الغزواة و الغنائم و إحتلال بلدان الأخرين, تغلغل في العقل الأمازيغي بعد إعتناق الإيمان الإسلامي, الذي جرد الأمازيغ من قيم التسامح و التعايش السلمي, كما جردهم من المعتقدات الإنسانية, و جعلهم عبيدا للفكر الإرهابي و للإستلاب الثقافي الإستعماري الأعرابي. الأمازيغ سذج في مسألة الدين, فهم يؤمنون بالمطلق و يصدقون كل ما يرويه لهم أصحاب الشريعة الإيمانية بدون نقاش و بدون إستخدام العقل. و سذاجتهم أكثر هو الإيمان أن اللغة العربية هي لغة الله و لغة القرآن و لغة يوم الحساب, و أن أسماء الأعراب, هي أسماء إسلامية ( رغم أن الكل يعلم أن الأسماء مثل عمر و سفيان و عثمان و علي و غيرها كانت من عبادة الأوثان, و لم يغيرها الإسلام, بل إستهدف الإسلام فقط أسماء العجم لتكون أسماء عربية وثنية, و الهدف من هذا معروف) .
الإسلام من أرغم الأمازيغ السذج بشكل قسري على إتخاذ من اللغة العربية, لغة رسمية و لغة التدوين, و هذه كانت و مازالت أكبر إحتيال و مغالطة و جريمة في تاريخ البشرية, إقترفها الإسلام الآرابي.
المراجع الحكواتية الغير الثابتة تحكي عن غزوة الجيش الأمازيغي لشبه الجزيرة الأيبرية سنة 711 م, بقيادة طارق بن زياد البربري, وتبعه فيما بعد المجرم الطاغية موسى ابن نصير للإستحواذ على الغنائم. بعد هذا الغزو الإجرامي بعقود, تروي المراجع الحكواتية ( الفنتازيا التاريخية), أن فرد من العائلة الأموية نجا من الإبادة في المشرق, و فر الى أخواله البربر ( 750), و أدخلوه الى الأندلس و بايعوه خليفة للمسلمين, و أن هذا الفرد أرجع الخلافة الأموية بالأندلس (756). (حكاية الفرد و النجاة من الآبادة تتكرر بأشكال متشابهة أو مختلفة, وهنا رواية عبد الرحمان ابن هشام الأموي, هي تكرار لقصة إدريس الأول المفترض و نجاته من الآبادة في المشرق و إصتحابه من خادمه البربري الى بلاد الأمازيغ و مبايعته إماما عليهم و أميرا. في أشكال آخرى من الحكيات الحكواتيون, أن القائد أو الأمير أو الحاكم أو الخليفة على الأمازيغ دائما يكون قادم من الشرق و بالتحديد عربي الأصل). و إنتشرت الأكاذيب و التزوير للتاريخ بجعل الممالك الأمازيغية الإسلامية, أنها عربية. فقد تم تعريب الدولة المرابطية الأمازيغية و الدولة الموحدية الأمازيغية و غيرهما من المماك الأمازيغية الإسلامية, و يتجاهلون أن الغزاة الأعراب طردوا من بلاد الأمازيغي سنة 742 م.
المراجع الروائية عن غزو شمال إفريقيا و الأندلس, كتبت بعد أكثر من قرنين من حدث الغزو المفترض, و ليس لهذه المراجع مصداقية, في غياب الأثباتات العلمية.
النهج الإستبدادي للحكام و سيادة سياسة التمييز العنصري, أدى الى إندلعت ثورة المهمشين و العبيد في قرطبة, و عصفت الثورة بحكم هشام الثالث. نتيجة سقوط الحكم العنصري, نالت الأقاليم إستقلالها (1031), و إنقسمت الأندلس على أساس هوياتي متعدد, هيسبانية, أمازيغية و عروبية. حكمت هذه الأطراف مناطق تواجدها الشعبي,
حكم الأمازيغ (الزيريين) غرناطة و توليدو , و دي النون منطقة (بداخوز) بطليوس, الوطاسيون ملقة, و مناطق آخرى حكمها بنو حماد.
حكم العبيد المحررون مثل الزهير في موسيه و ألميرية و مجاهد في منطقة دينيا و جزر البليار.
المحسوبون عن العائلات العربية مثل بنو جوهر في قرطبة و بنو عباد في إشبيلية.
أشعل ما سمي بملوك الطوائف الصراعات و الحروب بينهم, و كثيرا ما كان بعض الأطراف تستعين بالممالك الهسبانية (المسيحية) في الشمال. رغم الصراع عرفت هذه المناطق, بعض المظاهر الثقافية و العلمية, مثل مجالس الشعر في إشبيلية. و عرفت توليدو نهضة في علوم الطبيعة و الفلك, في بطليوس (بداخوس) عرفت نهضة في العلوم الأدبية, و كانت هناك مظاهر علمية و أدبية في مناطق شتى من الأندلس الإسلامي المقسم.
الإنقسام و الإستعانة بالشمال الهيسباني (المسيحي), حفز الممالك الهيسبانية المسيحية بالحرب ضد (المسلمون الغزاة) لإسترجاع أراضيهم المحتلة. بتحالف ليون و قشتالة و تحالف ممالك آخرى فيما بينها, أعلنت الحرب الإسترجاعية بقيادة ألفونسو السادس الذي لقب نفسه بقيصر كل هيسبانية بعد إسترجاعه لطوليدو , التي أصبحت مركز قيادة الهجمات ضد المسلمون.
طلب الأمازيغ المنهزمون, النجدة من إخوتهم الأمازيغ (المرابطون) جنوب المتوسط. النجدة التي ستورط الدولة المرابطية الأمازيغية في حرب في بلاد الهسبان, حرب غير عادلة, عدوانية و إستعمارية. من هذا التاريخ سيبدأ الإستعمار الأمازيغي الإسلامي الفعلي. إنهزام الهسبانيون في معركة زلاقة سنة 1086 م, سيجبرهم من الإنسحاب من جل المواقع المسترجعة, و تم إثبات الآمن في المستوطنات الإحتلالية الإسلامية تحت مراقبة المؤسسات المرابطية, و بالإلتزام الصارم بالتعاليم الإسلامية بصياغتها المالكية. خيانة عرب إشبيلية تحت حكم المعتمد ابن عباد و تحالفه مع الهسبانيين في حربهم ضد التواجد المرابطي, سيرجع يوسف بن تاشفين الى الأندلس مرة ثانية لمحاربة التحالف العربي الهسباني, و بالقضاء عليه, أخذ المعتمد ابن عباد أسيرا و معه أسرته الى بلاد الأمازيغ ( مورك), حتى مات في المنفى بمدينة أغمات. بقي الأندلس خاضع لسلطة أمازيغ صنهاجة و قوانينها الإسلامية, حتى إنهزام المرابطون أمام القوة الصاعدة في مورك, و هي قوة الموحدين المصامدة, التي ستنهي الخلافة المرابطية في المورك و الأندلس.
بقضاء عبد المؤمن الموحدي على سلطة خلافة الملثمين الصنهاجيين ( المرابطين), سيطر الموحدون على الدولة المورية (المغرب), ثم أجاز جيش الموحدين ( أمازيغ) الى الأندلس و قضى على سلطة لمتونة الصنهاجية هناك و بعد السيطرة على الأندلس بايع أهل الأندلس سنة 545 ه, الخليفة الجديد عبد المؤمن بن علي الكومي الموحدي.
يقول بن خلدون عن الموحدين:" المصامدة هم أكثر قبائل البربر و أوفرهم, من بطونهم: برغواطة و غمارة و أهل جبل الدرن... كان المصامدة في هذا الجبل صدر الإسلام, عدد و قوة و طاعة للإسلام و مخالفة لإخوانهم برغواطة. محمد بن تومرت صاحب دولة الموحدين المشتهر بالمهدي, أصله من هرغة من بطون المصامدة, بعد مماته, أقام بأمر الموحدين عبد المؤمن بن علي الكومي".
لما هاجم ابن مردنيس على قرطبة أجاز يوسف أبو يعقوب البحر ولقي الموحدون بمرسية بإبن مردنيس و هزمه, و لما بلغه الخبر بأن أذفونس بن شانجة نازل قرطبة و شن غارات على مالقة و رتدة و غرناطة عاودة الغزو . عاود الإبحار و القتال, و ولى على الأندلس أبناءه , فعقد لإبنه ابى إسحاق على اشبيلية و لإبنه ابى يحيى على قرطبة و لإبنه ابي زيد على غرناطة و لإبنه ابي عبد الله على مرسية. حروب الفتن داخل بلاد الامازيغ اضعفت سلطة الموحدون ( التي ستترك عرشها للسلطة المرينية), و كان لهذا الضعف تأثير مباشر على الأندلس, في تقوية مواقع حركة التحرير الهيسبانية في حروبها الإسترجاعية التي ستضع بداية نهاية التواجد الموحدي في الأندلس أكبر معركة بين الموحدين الهسبانيين بقيادة ألفونسو الثامن تحت إسم لاس نفاس دي طوليسا بجبال مورينا 16 يوليو 1212, وكانت حرب "مقدسة" وحدت المسحيين بدعوة البابا إنوزيز الثالث لمحاربة الإستعمار الإسلامي. بالهزيمة الكبرى, تفرقت الأندلس الإسلامية مرة آخرى الى أقاليم مستقلة, لكنها هذه المرة كان مصيرها السقوط تباعا, و طردهم نحو بلادهم الأصلية, تامازغا كانت في إنتظارهم, لتحتضن أبناءها التائهين.
إستعانة الأندلسيون الأمازيغ بالسلطنة المرينية, لكنها لم تستطيع أن ترجع لهم " أمجادهم " السابقة, وعرف نفس المصير الإستعانة بالسلطنة الوطاسية. بقيت الهزائم تتولى على المستوطنين الامازيغ و الطرد يلحقهم حتى إستسلام آخر مستوطنة أمازيغية بالديار الأندلسية و هي آمارة غرناطة, و كان لحظة نهاية الإستعمار الأمازيغي لشبه الجزيرة الإيبرية.
دأب مرضى العروبة بإرجاع الحضارة الأندلسية الى العنصر العربي الأموي, و هذه دعاية المغالطة و التضليل المعرفي و خلق الأوهام. الإستعمار الأمازيغي و خاصة في العهد الموحدي كان له دور كبير في النهضة الأندلوسية. الحاكم الموحدي عمد على سلوك ترك التكهنات اللاهوتية مفتوحة, بالتسامح الثقافي و السياسي. عمل الموحدون على دعم الفلسفة و العلوم الطبيعية و الأدب, ففي عهدهم جمع بين المتناقضات أو حوار الأفكار, فإزدهرت الفلسفة و على رأس الفلاسفة, الأمازيغي بن رشد و اليهودي بن ميمون, كما إزدهرت أفكار التصوف على يد الأمازيغي الملقب بأبن العربي. و في عهد الموحدين نبغ الأندلسيون في أدب الموشحات. ساد في القرن الثاني عشر جو من التسامح الثقافي ( عدا الديني).
في واقع التسامح الثقافي و حرية الفكر ,إنتشر فكر الغزالي السلفي و إنتضر التشدد الأصولي, و تقوت شوكة الفقهاه و التحريض على عدم الثقة بالمسيحيين و باليهود, و كذا التحريض ضد المثقفين و خاصة الفلاسفة. نجحت الحركة الظلامية بالوشاية و الفتن على التأثير على الحكام في إجبار المسيحيين و اليهود في الإختيار بين إعتناق الإسلام أو الطرد الى الأقاليم الشمالية المسيحية. بالتحريض و وشاية الأصوليون الظلاميون, نفي الفيلسوف اليهودي بن ميمون نحو مصر, و كذا أفلح الظلاميون بإصدار فتوى لإحرق الإنتاجات الفكرية للفيلسوف بن رشد و نفيه.
التسامح الديني و الفكري في الأندلس, لم يدوم إلا فترة قصيرة من سنين التواجد الإستعمار الإسلامي. فأكثر قرون الإستعمار الإسلامي سادها إنتهاك حقوق الهسبانيون, الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية, وتعرض خلالها الكثير من المسيحيين و اليهود للعبودية بسبب عدم إستطاعتهم دفع الجزية. كما منع المسيحيون و اليهود من بناء الكنائس و المعابد اليهودية, و منعوا حتى من الخدمة العسكرية و كذا ركوب الخيل. لم تكن الأندلس جنة التسامح الديني كما تروجه الدعاية الإيديولوجية التضليلية و كما يصوره مبدعوا الأكاذيب و دعاة الظلامية و الإستعمار الإسلامي.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)