|
الجمال في فَضاءي الريف والمدينة لُغَوِيًّا وأدَبِيًّا
صبري فوزي أبوحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 20:13
المحور:
الادب والفن
الجمال في فَضاءي الريف والمدينة لُغَوِيًّا وأدَبِيًّا أ.د/صبري فوزي أبوحسين أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات بجامعة الأزهر معروف اجتماعيًّا وتربويًّا أن الإنسان ابن بيئته، وأن الإنسان يتفاعل مع المكان الذي وُلد وعاش فيه: تأثرًا وتأثيرًا، وأنه ما من إنسان إلا له علاقة متنوعة بالريف والمدينة: حُبًّا وبُغضًا، قبولاً ورفضًا، وذلك راجع إلى ميول كل إنسان ومعارفه وحركته مع الحياة والأحياء! فبعضهم يرى (الجمال في الريف) حيث يُذكر أو يُتَذَكَّر ويُستَدْعَى الزمنُ الجميلُ، وكأن (الريف) ما زال يحتفظ ببعض أسرار الزمن الجميل! وكأن (المدينة) جنَت على الزّمن الجميل! إن (الريف) هو الطبيعة البسيطة الساحرة، الناجية من التلوث والزحف العمراني، وهو منبع الأصالة، والجِدِّية والجَلَد والصبر في التعامل مع قسوة الحياة وشدائدها، و(الريف) كذلك موطن منظومة القيم المجتمعية والعلاقات الطيبة الفاعلة بين الناس، وأساس هويتنا الإنسانية! وقد جاء في الحديث النبوي الشريف ما يدل على أن الفرار إلى (الريف) إذا فسدت الحياة في (المدينة) خير، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يَتبَعَ بها شعفَ الجبالِ ومواقعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدينه من الفتن"! إن (الريف) ما زال المكان الآمن المستقر، و ما زال أرضًا تخرج المذاقات الطبيعية في عصر تكاد حتى الفواكه أن تفقد مذاقاتها ونكهاتها.. والأطعمة على تعدّد أصنافها وألوانها، لا تكاد تُقارن بأطعمة الزمن الجميل رغم بساطة مكوّناتها و"بدائية" طُرق تحضيرها وإعدادها! وبعضهم يرى (الجمال في المدينة) حيث التطور والرقي والتحضر والتمدين، والاطلاع على أحدث مخترعات الإنسان في كل مناحي الحياة، بسبب ما أتاحته التكنولوجيا من وسائل سهّلَت شؤون الحياة اليومية في التنقّل والمواصلات، والاتصال والتواصل والمواصلات، والاقتصاد في الجهد والوقت في كل الأعمال: من التعليم والبحوث والدراسات إلى الفلاحة والبناء.. وصولا إلى الطبخ وشؤون البيت..وهكذا دواليك! وقد مررت في حياتي شخصيًّا بعيشتين: - عيشة في الريف بلغت ثلاثين سنة (في قريتي دراجيل، التي تُلَقَّب بقرية العُلَماء والخُطَباء حيث تجاوز عدد الحاصلين فيها على درجة الدكتوراة في التخصصات العلمية المختلفة ما يزيد عن مائة شاب وشابة، وزاد عدد الوعاظ والخطباء ما يزيد على الألف! وكذا كانت لي حركة فيما حول قريتي من عِزَب وكُفور، وما جاورها من قرًى)! وعيشة في المدينة، بلغت أكثر من ثلاثين سنة حتى الآن، بتوفيق الله تعالى، وكانت عبارة عن تنقلات ورحلات عمل في مدن كثيرة ومتنوعة، هي مُدن: الشهداء، شبين الكوم، الزقازيق، دبي، مدينة السادات، والقاهرة بأحيائها وشوارعها المختلفة تاريخيًّا وحضاريًّا وشعبيًّا)! وخَلُصت من هاتين العيشتين المتنوعتين إلى أن (القرية) تبني وتؤسس الإنسان القوي الذي يستطيع أن يعيش متاهات الحياة وغياباتها وتقلباتها، وأن (المدينة) تحافظ على إنسانية الإنسان حين يبلغ من الكِبَر عِتِيًّا، وأن (المدينة) تساعد الإنسان على ملء وقت فراغه بكل عمل نافع، وكل نشاط ثقافي مفيد طيب! إن (الريف/القرية) مكان مفتوح، فيه فطرة وبراءة وسذاجة، وفيها دفء اجتماعي وتواصل أجيال وعائلات لا ينتهي، حيث يعرف الناس بعضهم، ويتكاتفون في أفراحهم ومآسيهم، ويتزاورون ويتعاونون، فيرسمون أجمل صور التكافل الاجتماعي الذي يعوّض نقص المؤسسات الخِدْماتيّة فيها، وفي القرية يتجلّى جمال الطبيعة حيث السهول الخضراء، يعانق بعضها بعضًا، فيما تزيينها الورود الملوّنة، وتنتشر فيها المواشي والطيور...ومن هنا ينشأ الإنسان الفتي الصبور الجلُد، المسلح بمجموعة عادات وتقاليد متوارثة، والقادر على التعامل مع الحياة والأحياء بفطرة ونُبْل وصدق! وإن (المدينة/الحاضرة) مكان مغلق مقيد، فيها وحدة وعزلة، وفيها صناعة وثقافة وتطور في الوسائل والملهيات! ومن ثم ينشأ الإنسان فيها لينًا رَخِيًّا مُرَفَّهًا، وعنده قلق وضجر وهلع وحِدَّة في تحركاته وتعاملاته! وأظن أن الأديب وكل مبدع غالبًا ما ينطلق من (الريف والقرية) حيث التأسيس البدني والعقلي والنفسي إلى (المدينة/الحاضرة) حيث الإبداع والإنتاج والتعمير والاستثمار، وأن (أديب القرية) أكثر إبهاجًا وإمتاعًا، وأكثر جمهورًا، من (أديب المدينة)، وفي كل خير! والجمال الطبيعي والبشري والصناعي موجود في (الريف والمدينة) معًا، ويمكن للزمن الجميل أن يستقر فيهما، بشرط أن يوجد الإنسان القوي الذي يحقق الجمال ويحافظ عليه ويطوره، ويتمتع به التمتع الواعي النبيل! والحنين إلى الزمان الجميل في الريف أو المدينة، موجود عند أهالي الريف وأهالي المدينة بمختلف فئاتهم العمرية! فكل طبقة تحن إلى ما عند الطبقة الأخرى! طبقة الريفيين يَحنون إلى الجمال الصناعي عند طبقة (المَدِينِيِّين)، و(المَدِينِيُّون) يَحِنُّون إلى الجمال الفطري عند الريفيين! جدلية الريف والمدينة لغويًّا: جاء التفريق بين (الريف والمدينة) في المعاجم العربية عتيقها وحديثها، دالًّا على هذه الجدلية الفكرية بينهما، فلفظة (الرِّيف) تُستَعمَل في لغة العرب في معنى الزراعة والخصوبة والسعة الاقتصادية، فالريف: أرضٌ فيها زرْعٌ وخِصبٌ، ويُطلَق على ما عدا المدن من القرى والكفور، و الرِّيفُ: السَّعَةُ في المأكل و المشرب، والرَّيِّفَةُ من الأرض: المُخْصِبَةُ. والرِّيفُ: ما قارَبَ الماء من أَرض العرب وغيرها، والجمع أَريافٌ ورُيُوفٌ. قال أَبو منصور: الرِّيفُ حيث يكون الحَضَرُ والمِياهُ. ورافَتِ الماشِيةُ أَي رَعَتِ الرِّيفَ. وتَرَيَّفَ القومُ وأَرْيَفوا وتَرَيَّفْنا وأَرْيَفْنا: صِرْنا إلى الرِّيفِ وحَضَروا القُرى ومَعِين الماء، ومن العرب من يقول رافَ البدوِيُّ يَريفُ إذا أَتى الرِّيفَ، وتوريف الظل: امتداده واتساعه، ومن الاستعمال المُحدَث للفظة (الريف) قولنا في التخطيط العمراني (المناطق الريفية)، أي الأراضي والأماكن التي تقع خارج المدن والقرى. أما لفظة (المَدِينَة) فتدور في المعاجم حول المِصْر الجامِع، والتجمُّع السُّكَّانيّ، الذي يزيد على تجمُّع القرية، وعندما تذكر مفردة معرفة (المَدِينَة) فيراد بها اسمُ (يَثْرِبَ) مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، غلَبت عليها. و(المدينة المقدّسة)، أي القدس، ويقال: هو ابن مدينتها، أي عالم بها، ويقال في الاصطلاح الفلسفي(المدينة الفاضلة)، أي المجتمع الإنسانيّ المثاليّ الذي يسير على هدي الأخلاق وحكمة رئيس فيلسوف أو نبيّ اكتملت لديه الخصال التي لا تتوافر لدى عامّة النَّاس، و(مدينة الملاهي) أي مواضع تُعرَض فيها ألعاب بهلوانيّة للتسلية، ويقال: اهتمتِ الدولة بالمدن الجامعيّة، وتجوّل الرئيس في ضواحي المدينة، ومدينةٌ آهلةٌ بالسُّكَّان! ويتصل بثنائيتي الريف والمدينة، في الاستعمال اللغوي العربي، ألفاظ: البادية والقرية، والمدر، والوبر، والكفور والنجوع، وغير ذلك من إطلاقات! فيقال: المدن والقرى، ويقال: أهل المدر وأهل الوبر، أما أهل المدر فهم سكان المدن والقرى، وأما أهل الوَبَر فهم سكان البوادي، و(الباديَة): مِسَاحَةٌ شَاسِعَةٌ تُحِيطُ بِهَا حُقُولٌ يَعِيشُ فِيهَا أَهْلُ القُرَى الْمُتَقَارِبَةِ أَحْيَانًا، وَالْمُتَبَاعِدَةِ فِي أَحْيَانٍ أُخْرَى، وهي أيضًا فضاء واسع من الأرض، فيه المرعى والماء ولا عمارة فيه. يقال: يُلاَئِمُنِي هَوَاءُ الْبَادِيَةِ، أنْهَارُها وَحُقُولُهَا، وَفَضَاؤُهَا الوَاسِعُ. والجمع بواد وباديات. و(القرية) في العرف المعاصر هو اللفظ المقابل للفظ (المدينة)، ولكل منهما دلالة تغاير الآخر قليلاً أو كثيرًا، ولفظ (القرية) يدل على الموضع الذي يجتمع فيه الناس، وقد رد في القرآن الكريم في ستة وخمسين موضعًا، جاء في جميعها بصيغة الاسم، ولم يأتِ بصيغة الفعل، فـ(القرية) مجموعة بيوت صغيرة مشيّدة بدفء اجتماعي، وجمال سُكَّاني، وفيها مساحات خضراء تفصل بين البيوت دون أن تفصل بين قلوب أصحابها! جدلية الريف والمدينة فنيًّا: حلَّل العلامة ابن خلدون الفوارق بين حياة الريف والمدينة بقوله:" المصر الكثير العمران يكثر ترفه كما قدّمناه، وتكثر حاجات ساكنه من أجل التّرف، وتُعتاد تلك الحاجات لما يدعو إليها، فتنقلب ضروراتٍ، وتصير فيه الأعمال كلّها مع ذلك عزيزةً والمرافق غاليةً بازدحام الأعراض عليها من أجل التّرف، وبالمغارم السّلطانيّة الّتي تُوضع على الأسواق والبِياعات، وتُعتبر في قيم المبيعات ويعظم فيها الغلاء في المرافق والأوقات والأعمال، فتكثر لذلك نفقات ساكنه كثرةً بالغةً على نسبة عمرانه، ويعظم خَراجُه فيحتاج حينئذ إلى المال الكثير للنّفقة على نفسه وعياله في ضرورات عيشِهم وسائر مئونتِهم ... وتناول الأستاذ سلامة موسى في الفصل الثامن والثمانين من كتابه (طريق المجد للشباب) ما أسماه حياة الفطرة والفن، بدأه بقوله:" كثيرًا ما نسمع أو نقرأ عن جمال الطبيعة والحياة الفطرية وسذاجة العيش، وهذا كلام حسن لولا أنه يحمل بعض الالتباسات التي تعوق الفهم الصحيح لما يُريده دعاة الطبيعة. ذلك أن الحضارة القائمة تبهظنا بأعباء وتكاليف كثيرة معظمها بهارج زائفة قد قضى علينا بها المجتمع بعاداته وتقاليده... والفرار من هذه الحضارة المرهقة كسب لا شك فيه، وهو كسب الاستغناء عن البهارج الكاذبة والاعتبارات السخيفة. ولكن الحياة العالية هي الحياة الفنية المثقفة، فيجب ألا ينطوي استغناؤنا عن البهارج والشخاشخ على أن نستغني عن الفن والثقافة. لقد كان تولستوي يكره الحضارة، وقد ترك المدينة وعاش في الريف، ولكن حبه للطبيعة، وغرامه بحياة الفطرة، لم يمنعاه من ممارسة الفنون ودراسة الثقافة، وكذلك الشأن في غاندي فإن قناعته بالعنزة لغذائه، والشملة لكسائه، لم تكن لتمنعه من قراءة الكتب العالية والجرائد الجدية. وليس الغنى مقصورًا على الأثاث أو البناء أو الموسيقا أو الشعر؛ لأننا يجب قبل كل شيء أن نعيش الحياة الفنية، نستغني عن المائدة المطهمة، ولكن لا نستغني عن الذهن المثقف والذوق المتأنق، ولا بأس بأن نُعنَى بملذات الجسم، ولكن يجب أن نُعنَى أكثر بملذات النفس العليا. لقد كان غاندي وتولستوي وروسو وثورو ساذجين في عيشهم يقنعون بالكفاف من الغذاء واللباس، وكانوا يعيشون الحياة الفطرية، يحبون الحقول، ويصلون للشمس في بزوغها، ويتحدثون إلى النجوم في الليل، ولكنهم كانوا جميعهم يمتازون بعقول مركبة مثقفة تحفل بالنظريات والتأملات. ولم يكن اسغناؤهم جهلًا، ولكنه كان فنًّا! ثم ختم مقالته قائلاً: أيها القارئ: لا تجعل حياتك خواء هباء، ولا تتسكع في هذه الدنيا، فتسأم الحياة أو تموت وأنت حي. عشْ عن عمد، واهدفْ إلى هدف، وأدِ رسالة، وكافحْ من أجل الشرف والحق والعدل، وإذا استطعت أن تحترف المجد فاحترفه، فقد تكون أهلًا له. وتناول الدكتور عبدالوهاب عزام في الفصل الثاني والعشرين من كتابه(ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام) أثر البداوة في طباع أبي الطيب وشعره، فقال: "في خلق أبي الطيب قوة وخشونة تميلان به إلى كل قوي وكل خشن، وتعدلان عن كل ضعيف وكل لين، وفي خلقه صراحة تحبب إليه كل صريح من القول والفعل والرأي، وتنفره من كل مموه مزخرف، وقد لاءمت هذه الأخلاق التبدِّي، وزادها التبدي تمكنًا فيه، وظهر أثر هذا في فعله وقوله. عاش الشاعر في البادية حقبة وهو صبي، روى الخطيب البغدادي عن محمد بن يحيى العلوي الكوفي أن أبا الطيب صحب الأعراب في البادية سنين ثم رجع إلى الكوفة بدويًّا قحًّا، وعاش في الشام بين البدو والحضر، وبعض ممدوحيه هناك من رؤساء البادية مثل سعيد بن عبد الله الكلابي، وشجاع بن محمد الطائي، وهو يقول في الشام: أوانًا في بيوت البدو رحلي وآونةً على قَتد البعيرِ أعرِّض للرماح السمرِ نحري وأنصِب حُرَّ وجهي للهجيرِ وأسري في ظلام الليل وحدي كأني منه في قمرٍ مُنيرِ ... وفي مصر حنَّ المتنبي إلى البادية وفضَّل البداوة على الحضارة، وتغزل بالبدويات في القصيدة التي مطلعها: مَن الجآذر في زيِّ الأعاريب حمرُ الحلى والمطايا والجلابيبِ يقول فيها: ما أوجه الحضر المستحسناتُ به كأوجه البدويات الرعابيبِ حسن الحضارة مجلوبٌ بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوبِ أين المعيز من الآرام ناظرةً وغيرَ ناظرة في الحسن والطيبِ أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيبِ و لا خرجن من الحمام مائلة أوراكهنَّ صقيلات العراقيبِ ومن هوى كل من ليست مموَّهة تركت لون مشيبي غير مخضوبِ ومن هوى الصدق في قولي وعادته رغبت عن شَعرٍ في الرأس مكذوبِ ... وهكذا نجد بين طباع المتنبي وشعره وبين البداوة صلة قويَّة: غرائز في الشاعر حبَّبت إليه البداوة وما يتصل بها، وبداوة وكَّدت هذه الغرائز في نفسه، وبهذه الأخلاق الحرة والطِّباع القوية والشجاعة والإقدام كان أبو الطيب أقرب إلى الطبع العربي من غيره. ولو أن عمرو بن كلثوم وعنترة العبسي والحارث بن حِلِّزة عاشوا في القرن الرابع الهجري حيث عاش أبو الطيب المتنبي لأشبهوه في كثير من قوله وفعله. ثنائية القرية والمدينة روائيًّا: في هذه الثنائية نجد أنفسنا أمام مقولات فكرية متجادلة، هي: الرواية ابنة المدينة في أوربا، والرواية ابنة القرية في وطننا العربي، والرواية ابنة الإنسان، والرواية ابنة الواقع، والرواية ابنة المكان. و المقولات الثلاث الأولى كانت حقيقية عندما كانت القرية خالصة، والمدينة خالصة، والإنسان خالصًا! لكن في آننا هذا اختلطت القرية بالمدينة، وتمازجت المدينة بالقرية، واختلط الإنسان بكل منهما، وذابت الفواصل والفوارق بين هذا الثلاثي الحياتي العجيب: القرية، المدينة، الإنسان! ومن ثم فالرواية ابنة المكان، وابنة الواقع الجامع بين الإنسان والمكان والزمان! والحديث عن رواية المدينة حديث ذو شجون، فما أكثرها من روايات دارت حول المدن المختلفة! ومن الروايات الريفية القروية: رواية (القرية اللطيفة)، وهي رواية من تأليف الروائي جول فيرن صدرت عام 1901م. وهي جزء من سلسلة «رحلات غير عادية». ورواية (القرية) تأليف الكاتب الروسي: إيفان ألكسييفيتش بونين، وتصور الرواية قرية روسية تدعى "دورنوفكا"، ورواية (قرية ظالمة)، كتبها الدكتور محمد كامل حسين، وحصل بسبها علي جائزة الدولة التقديرية في الأدب، وهي تعد من علامات السرد في الأدب العربي وتمت طباعتها لأول مره في عام 1954م، وتكلم عنها الكثير من نقاد الأدب في مصر، كما تناولها نقاد عالميون. وهي عن الأيام الأخيرة للسيد المسيح. وترجمت الي إحدى عشرة لغة عالمية وظلت نموذجا دالا للإبداع والفكر العربي. ورواية(خالتي صفية والدير) للمبدع بهاء طاهر، تعلن عن قيمة المواطنة في أسمى صورها؛ فهي إحدى الروايات القلائل التي صورت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين وتعايشهم في قرية واحدة من قرى صعيد مصر يجاورها جبل يحتضن ديرًا، وعرضت ما وقع بها من أحداث تجمعهم معًا في صورة شديدة الواقعية للحياة، كما هي دون مبالغة أو إقحام أحداث دون داع، فنجد من مشاهد الرواية الشيخ الأزهرى يصحب ابنه إلى الدير ليهنئ الرهبان بأعيادهم، والطفل المسلم يحمل كحك العيد إلى جيرانهم المسيحيين، والقبطى الذي يرشد الفلاحين إلى كيفية الزراعة الصحيحة،.. وهكذا نلحظ في الرواية روابط عميقة ومتينة بين أهل القرية من المسلمين والمسيحيين، وبين الرهبان في الدير، والاحترام العميق الفطري الذي يحمله القرويون لرهبان الدير، والمحبة الصادقة في قلوب الرهبان تجاه هؤلاء القرويين وتجاه الناس جميعًا، إضافة إلى المسيحي الذي يعد من أهم شخصيات الرواية، وهو المقدس "بشاي"، والذى كان أشهر أهل الدير في القرية، وكان له الدور الرئيس في إخفاء "حربى" في الدير، وإنقاذه من انتقام "صفية"، كما أن حياة البطل (حربي) قد انتهت في الدير، الذي هو رمز ديني، واسم لمكان عبادة ورهبنة! ومن روايات القرية الفلسطينة المقاومة رواية عبدالله تايه المعنونة بـ (قمر في بيت دراس)، وقد حكم عليها النقاد الدارسون إياها بأن فيها تعبيرًا واقعيًّا واضحًا مباشرًا، دون تلميع ولا تزييف، ولا زخرفات بلاغية، على أن المعركة في بيت دراس لم تتوقف بعدُ! كما أن الرواية تصلح لتكون تغذية راجعة للواقع العسكري والسياسي الذي كان يعيشه الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وأنهم لم يقفوا مكتوفي الأيادي أمام المؤامرة، بل شكلوا أحزابهم، وصحفهم، وأقاموا مدارسهم، ونشروا علمهم حتى في القرى النائية، وخاضوا معركة الوجود، والحفاظ على الهوية الوطنية بكل جدارة، وقد أقنعنا الروائي بأن أهالي بيت دراس قاوموا اليهود الغزاة بكل قوة، وإن سقوط القرية لم يكن نزهة، ولا مشاجرة تم حسمها بسرعة لصالح من يمتلك الطيران والمدافع والدبابات، والمدعوم بالتاج البريطاني، بل إن القرية خاضت أربع مواجهات ساخنة أبطالها الأهالي العزل إلا من ببعض الأسلحة البدائية، يقابلهم عساكر الكبانية (مستعمرة إسرائيلية)، وحسب المعلومات الموثقة فإن واحدة من هذه المعارك كانت الأشد ضراوة بين العرب و اليهود في عموم لواء غزة وبئر السبع، وهي المواجهة التي وقعت في الأول من مايو/ أيار من عام 1948، واستشهد فيها 8 من أهالي القرية، مقابل 175 مسلحًا معاديًا، هذا الفارق الكبير بين الفريقين يؤكد بسالة أهل بيت دراس! وما زالت قرى مدينة غزة الأبية تقدم فصولا كثيرة لرواية كبرى عظمى عن سمو مواجهة الإنسان الفلسطيني(كبيرًا وصغيرًا، ذكرًا وأنثى) وعظمة مقاومته لمخططات الإبادة الصهيونية وأفاعيل الخنازير اليهودية الهمجية ضد الإنسان والمكان والمقدسات تقتيلاً وتشريدًا وتدميرًا وتجويعًا وحصارًا خبيثًا مقيتًا! حفظ الله عالمنا العربي بكل قراه ومدنه ومقدساته وبشره الصالحين المصلحين المرابطين!
#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلامة الدكتور محمد رجب البيومي مبدعا أزهريا ومثقفا مصريا
-
تصدير الأستاذ الدكتور خالد فهمي لكتاب أعمال المؤتمر الدولي ا
...
-
تصدير الناقد الأديب الأستاذ الدكتور علاوة كوسةالأستاذ بالمرك
...
-
تزوير فكري مُشَوِّه لقضية عروبة القدس
-
ثقافتنا بين القدامة والحداثة
-
إحياء الكتب مفهوما ودافعا
-
إحياء الكتب مفهوما ودوافع
-
محمود مفلح: الشاعر المقاوم المخضرم
-
بواعث السرد في حياة نشأت المصري وشخصيته
-
المشهد الروائي المعاصر في مصر
-
رائية الدكتور حسن جاد في الأزهر : دراسة أسلوبية إحصائية
-
منهج الكاتب نشأت المصري في تاريخياته السردية
-
الأنساق الثقافية في أقصوصة شيخ الخفر للقاص محمود تيمور
-
الدكتور عبده زايد إنسانا وباحثا
-
استشرافُ المستقبلِ في مُذَكِّراتِ الدكتور جمال حمدان(1928-19
...
-
ثنائية الوعظ والنقد في ديوان إرثي إليكم دره للشاعر وحيد الده
...
-
تحليل عنوان كتاب الديوان للعقاد والمازني
-
كتاب الديوان للعقاد والمازني: قراءة في نقد النقد
-
عصمت رضوان إنسانا ومبدعا أزهريا
-
مقاربة أيكولوجية في خريدة (الرجل البدائي) الجيمية للشاعر عبد
...
المزيد.....
-
“بداية الفتح” مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 38 مترجمة بالع
...
-
“صدمة جديدة للمشاهدين” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 176 مترجمة
...
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
-
-الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا
...
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|