|
ماهية الموت بين الفلسفة وولادة الدين!.(3)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 18:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(أستدراك متأخر!.ولكنه ضروري لمواجهة واحتواء أي اعتراض او نقد من قبل القاري العزيز، لكثرة الحاحي المتكرر في تسليط الضوء والمجهر المضخم حول موضوعة جدل الموت والدين،لان الامر يستحق البسط والتفصيل والاعادة أكثر من مرة،لتثبيت موضوعة الموت كمصدر مركزي واساسي لأنبثاق ونشوء الاديان والمعتقدات الميتافيزيقية،والتعامل مع تلك الموضوعة كحقيقة فلسفية وانثروبولوجية وثقافية لاشك فيها،وليست مجرد تصور او رأي فردي مشكوك فيه!)..نعود لاكمال مقالنا مع الاعتذار: البداية والنهاية العرضية للحياة غير كافية لاقناع الانسان بأن يتقبل بسهولة وجوده كصدفة محض!.وان ليس لوجوده اي قيمة او معنى اوغاية كونية خارج نطاق البايولوجيا العامة لكل الاحياء على الارض.وكما يقول الشاعر الايرلندي(و.ب ييتس):"الحياة كائنة في الموت،والموت كائن في الحياة". تتميز شخصية الفرد الديني-المتدين بالخشية والقلق والهواجس والوساوس والمخاوف من مجهول مابعد الموت!.حيث يغلب على سايكولوجيته الاضطراب النفسي والتوتر والسلوك المتردد والسلبي.فالشخص المتدين هو في الحقيقة كيان سايكوباثي واضح-لابالمعنى الشائع!بل لحمولته النفسية والعقلية من ركام الماورائيات والتصورات السحرية-.وعلى العكس من الفرد اللاديني المتحرر من اوهام وكوابيس وترسبات الايديولوجيات الدينية،فهو على العكس تماما،متأكدا من حياته على الارض هي كل مايملك فلا قبلها ولا بعدها.لذلك يعيشها بكل ابعادها دون وجل او قلق او اوهام او انتظار او امل حتى آخر لحظة كأنسان واقعي عاش ومات!.بينما يمور في اعماق المؤمن ليس فقط الخوف من الموت القادم والمحقق،بل وايضا يشغله (طرفة) عذاب القبر المرعبة!. وماوراء الموت والقبر من اهوال ومحن!.من نهوض الموتى!.والبرزخ!.والخضوع للمحاكمة الالهية الكبرى!. الخ من الكوميديا القيامية الفنتازية!.فهو لايهنأ بحياته الدنيوية،منشطرا بين الديني والدنيوي،بين الحياة والموت ومابعد الموت،وهلم جرا!.فالحياة تشده الى متعها ولهوها،ويشله ويخيفه ماينتظره هناك على ضفة القارعة!.فيعقد حياته ويعيش مزدوجا بين ذاتين،فيحيط نفسه بأسرار وتحريمات ومنع وكبت وتسلط واستحواذ ماخلقه هو بخياله،وجعل منه حقيقة ثابتة لاتناقش،فتكون حياته مرة حتى ولو كان غارقا في العسل!.ورغم ان اللامتدين يموت أسيفا حزينا على مغادرة الحياة،ولكنه يستسلم لعدمه بسكون وسلام دون رجاء او وهم!.بينما يموت المتدين وهو متعلق بالحياة لايريد مغادرتها محموما بالفزع والخشية والرهبة مما ينتظره من امتحان ومحاكمة راجيا متوسلا ان تغفر له الالهة المتعالية وتسامحه وتمنحه حياة طيبة خالدة في النعيم فقد كان مطيعا،رغم انه مؤمن بحياة خالدة بعد الموت الا ان الخوف جزء من بنيته العقلية والنفسية.!. هذا الانقلاب الذي صنعه الانسان لترتيب وتنظيم عالمه ووجوده الظالم.كان عبارة عن قلب وتشكيل رغبوي ارادوي للتكوين الطبيعي للحياة بأن جعل نهاية الوجود التي هي العدم الخالص بداية لحياة جديدة خالدة بعد الموت!.ولانها-الحياة-قصيرة وحقيرة وتافهة كوجود عرضي صدفوي،فأضفى عليها المعنى والجدوى والحكمة والتدبير وشيء من القداسة على التعديل والتغيير الجديد لتلميع مصيره وقبول حياته القصيرة العابرة،فتصور التصميم والتكوين والخلق لهذا العالم والكون،وجعل من وجوده الاعتباطي على الارض معجزة تكوينية مركزية للمتعالي القدير محورها وقطبها هو:الانسان!.والحياة مرحلة انتقالية وسيطة،ولعبة مقدسة تنقله بأعجاز نحو الخلود في عالم آخر يجهل مكانه وزمانه،فأما الى جحيم ومحارق عذاب لمن يخرق الوصايا والشرائع ويكفر ويزدري النصوص المقدسة،واما نعيم خالد لمن يلتزم بالايمان ويسلك في حياته درب الطاعة والانصياع المطلق للتحريمات والطقوس الواجبة!.وهذا كما هو واضح ميزان الثواب والعقاب العادل،وهو مبدأ بالغ التقليدية وانعكاس مستمد من التجربة السياسية والاجتماعية والقانونية للبشر في علاقاتهم وتنظيمهم لمجتمعاتهم،وفيه شيء من البيداغوجية التربوية،وسياسة العصا والجزرة كاجراء مكافيء للسلوك والفعل.الموت. كما ذكرنا.يشكل صفعه مهينة للوجود البشري المتسيد العاقل تنبهه وتوقظه من غفوته الدنيوية-التي غالبا ما ينساها او يتناساها-هذه الصفعة المدوية هي كسر مفاجيء لغروره وعجرفته وتحط من كبرياءه،ذلك المخلوق الملعون بالوعي والقلق هو كائن ضعيف وهش،ولكن لاحد لشراهته وجشعه وجوعه للحياة والبقاء حتى ماوراء الموت والقبر.حين تصور الحياة الاخرى على نفس الغرار لحياته الواقعية..من أكل وشرب ومتع جنسية،ولكن هناك أكثف وأكثر تطرفا سيتكرر المشهد الدنيوي ولكنه سيكون اكثر بانورامية وكرنفالية من الدنيا ولاحد او انقطاع للذائذه ومسراته وتمام اشباعها،فغرائز الانسان هنا في هذا العالم مكثفة ومشعة ومستمرة وحاضرة وفاعلة ،وستكون هناك في العالم الآخر مضاعفة اكثر ودائمة ولاتهدأ ابدا،فياله من عالم وردي مشوق يتمناه الجميع ويسعى لمناله!.انه لايريد الاعتراف بمجانية وجوده الوقتي ورحيله دون أثر.انه مصر على ان لوجوده معنى وتم خلقه بمعجزة وتصميم الهي مقصود ولغاية سامية وهو مخلوق على صورة ومثال الرب!.وهذا مايجعل منه كائنا مقدسا يتمتع بروح هي نفحة من روح الخالق القدير،وهلم جرا!.طبعا كل هذا الترف والهناء سيرفل به الانسان لاعلى الارض بل هناك في الاعالي السماوية لانها اكثر رفعة ومكانة من الارض. ولماذا سيكون العرس الفردوسي هناك في السماء؟!.لان الآخرة ، قداسية وسامية،فيجب ان تكون الجنان فوقه وبعيدا عنه في اعلى طبقات عمارة السماء!..ومن الارض الى السموات العلى،ومن الوجود القاصر والزائل الى الخلود الفردوسي،ثم نقل الدراما الكونية من بوابة الموت الى جنان رضوان!. ورغم كون الموت تحول حتمي وشمولي يعم جميع الكائنات والاحياء بلا أستثناء الا انه يبقى تجربة فردية،شخصية،وحيدة لكل انسان،فلكل موته الخاص.فمن يموت هو أنا لاشخص آخر غيري.ومع اننا نتأثر بموت احبتنا واهلنا واصدقائنا،الا انهم موتانا نحن،اناس مختلفون عنا،ويبقى موتي أنا هو الفريد المختلف عن موت الآخرين،وليس هناك من يموت بدلا مني،او يموت معي تضامنا،انه موتي الخاص موتي أنا،عدمي الذاتي.،وهناك موتك الخاص،موتك انت،عدمك الذاتي.والموت رغم عموميته الا انه سيبقى ابدا خاصا جدا،والتجربة الاكثر ذاتية واستقلالا وتوحدا واغترابا وشعورا خصوصيا بحت يخوضه الانسان لوحده دون مشاركة تجربة الموت في كل حالة انسانية.ولان الدين أبن الموت فقد فرض على الانسان ان يهتم بكل مايتصل به من طقوس وممارسات من تحنيط وتكفين ودفن.. الخ.فكان اهتمام المجتمعات بمراسم ومنازل الموتى(القبور)أكثر من اهتمامهم بمنازل الاحياء.لان الموت هو الجسر الذي سيعبره الانسان الى دار البقاء الابدية الخالدة.فالموت ينال صفة القداسة والاحترام والرهبة.فهو كما ذكرنا محطة(ترانزيت)انتقالية من الحياة الفانية الى الديمومة الباقية و حياة الابدية.لذا بنى المعابد وامزارات والقبور المشيدة ببذخ كالاهرامات والنصب لانبياءه واولياءه وملوكه وقديسيه،وكلها تنطق وتعبر عن الاحتفاء بالموت وتداعياته من ميتافيزيقيا،وثقافة تقديس الموت والموتى.فالموت يقظة بعد حلم!.فالواقع يتحول الى وهم،والوهم الى واقع!.فحقيقة الحياة الملموسة الحية تعتبر حلما زائلا في نومة الحياة!.والفناء المحقق يغدو انتباهة واستيقاظ واستعداد لدخول رحاب الآخرة عبر بوابة القبر!.أن فلسفة الموت وبعد ان ولدت الدين باتت شأن ديني بأمتياز،وهي ايديولوجيا ماورائية من بنات افكار البشر،كرست الايمان والاعتقاد بالآتي دون ظنون!.سئل (زينون)فيلسوف الرواقية اليوناني عما يفعله الانسان للحصول على حياة افضل.فأجاب:"عليك ان تلبس لون الاموات".وها نحن غارقون في الموت في حياتنا وفي موتنا!.لم يعد الموت نهاية وعدم محض!.بل أصبح برزخا او قناة تربط حياتنا القصيرة التافهة التي تنتهي كحلم مفزع،لتبدأ حياتنا الفعلية الآخرى بمثاليتها وكمالها وجمالها ونعيمها وسرمديتها،فلازمن هناك،ولاقر او حر،والحاضر الدائم هو الخلود ومتعه ولذاته وسلامه.ذلك العالم البالغ الروعة والجلال،عالم الالفية الافتراضي المقبل،وبكل تجلياته الخيالية العجيبة والمدهشة،ومديات اتساعها وتنوعها واختلافها بكل مظاهرها وتجاربها الدينية.وكان جامعها المشترك الموحد هو التركيز على افتراض حياة آخرى،او عدة حيوات كما في عقيدة التناسخ البوذية!.ولسنا بصدد التفصيل والتأرخة واستعراض تاريخ الاديان والمعتقدات واساطيرها ورؤاها الميتافيزيقية،بقدر محاولتنا تحليل الطبيعة الانثروبايولجية التي دفعت الانسان لاختراع الاديان وسردياتها الكبرى،وتصوراتها عن حياة آخرى غير حياتنا الفعلية،ثم محكمة سماوية تكافيء الاخيار وتعاقب الاشرار،حيث كان لابد من اختراق العامل الاخلاقي والقانوني كأطر مكملة لدراما الاديان!.
........................................................................................................................................................................................................................... يتبع. وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهية الموت بين الفلسفة وولادة الدين!.(2)
-
ماهية الموت بين الفلسفة وولادة الدين!.(1)
-
اقالة الاله..ودين بلا دينونة!.
-
بيضة الديك!.
-
تشرنيشفسكي..و.سؤال العمل!
-
التفاحات الثلاثة!.
-
الثور الرمادي!.
-
السباراتاكوسية الخالدة روزا لوكسمبورغ..
-
ماهية السياسة!.
-
تحيا السيدورية!.
-
-لو دامت لغيرك ماوصلت اليك-!.
-
الإيروتيكا الشبقية بين الروح والجسد!.
-
سيرورة باسلة!.
-
الاشكال في السؤال؟
-
لامخرج!
-
مغادرة!
-
اطلقوا النفير!
-
صيرورة
-
السياسة والاخلاق
-
ديالوج السكين والقلم
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|