|
مشيناها خطى كتبت علينا
وليد الأسطل
الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 13:45
المحور:
الادب والفن
قرأت الحكم العطائية أيام مراهقتي فأعجبت بها أيما اعجاب، وحفظت اغلبها، إلى أن وقفت ذات يوم على بعض العلماء الذين انتقدوها بشدة، حتى أن بعضهم لقبها متهكما ب: نقم ابن عطاء الله السكندري بدل حكم ابن عطاء الله السكندري. والحقيقة أنهم قد غالوا في هجومهم على الرجل، فصواب الرجل أكثر من خطئه. ليس هذا ما أود أن اتكلم عنه في هذا المنشور.
الحكمة العطائية التي أود أن أوردها في هذا المقام هي:(سوابق الهمم لا تخترق أسوار الأقدار) ومن وجهة نظري هذه حكمة يثبتها الواقع والتجربة ولا اقول يثبتها الشرع كي لا افتح المجال لخوض نقاش شرعي. إن ضرب الأمثلة منهج قرآني، من هنا سأضرب لكم مثلا لكي تتضح لكم الصورة أكثر. رياضة كمال الأجسام اكثر رياضة أعشقها. من بين أساطير هذه الرياضة كان هناك لاعب اسمه "ناصر السنباطي" وهو مصري الأصل. كان رحمه الله يحمل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كما كان يتقن ٧ لغات. كانوا يلقبونه بالبروفيسور لسعة علمه وثقافته.
لقد كان ناصر من أشرس منافسي الأسطورة "دوريان ييتس"، وفي سنة ١٩٩٧ تفوق ناصر السنباطي تفوقا واضحا على دوريان في مسابقة مستر أولمبيا للمحترفين بسبب معاناة الأخير من إصابة في ذراعه وأشياء أخرى كانت تنقصه، ومع هذا منح التحكيم المتحيز المركز الأول (لقب مستر أولمبيا) لدوريان، فحل ناصر السنباطي في المركز الثاني. يقول السنباطي أعترف أني بكيت بحرقة عندما خلوت بنفسي مساء ذلك اليوم في غرفتي في الفندق. لقد كنت أفضل منه فلم لم يمنحوني اللقب؟!!
ما أود الإشارة إليه هو أن السنباطي رحمه الله كان يمتلك جسدا مذهلا وثقافة وعلما، لكنه لم يكن يمتلك عقلا، أو دعوني أقول:"لقد كان علمه اكبر من عقله"، تماما كما حدث مع السهروردي، الذي من بين ما قرأته عنه -إن لم تخني الذاكرة- قول أحد فقهاء الشام أو دمشق عند رؤيته له وسماعه لكلامه "ليقتلن هذا الرجل". لقد كان علمه أكبر من عقله. لقد مكث السنباطي يقسو على نفسه في التدريب بشكل لا يصدق كي يفوز بلقب مستر أولمبيا، ومن فرط تركيزه الرهيب على هدفه، ورغبته المرضية في ذلك أصبح حاد الطبع بشكل كبير. لقد مكث يتناول المكملات الغذائية والهرمونات البنائية لأكثر من ٢٠ سنة؛ فتسبب لك ذلك بفشل كلوي انتهى بوفاته عن عمر يناهز ٤٧ سنة، ومع هذا لم يفز بلقب مستر أولمبيا. ليسوا قليلين من فعلوا فعلته فكانت نهايتهم الهلاك مثل "مايك ماتارازو" الذي أصابه تضخم في عضلة القلب بسبب مبالغته في تناول هرمون النمو "Growth hormone".
تعجبني كثيرا طريقة تفكير الحكيم "جورج فرح" والبطل "شاون راي". لقد قال لي "جورج فرح" علمت أن جيناتي لن تسمح لي أن أكون مستر أولمبيا؛ فاكتفيت بشرف الوقوف على مسرح مستر أولمبيا والمنافسة عليه أكثر من مرة وهذا إنجاز كبير بالنسبة لي، ثم اتجهت إلى التدريب وأنا الآن من أعظم المدربين في هذه الرياضة عبر تاريخها. أنا فخور أنهم يلقبونني بصانع الأبطال. لقد دربت "كاي جرين" وكان يستحق أن يفوز بالأولمبيا أمام "فيل هيث"، ومع هذا منحته لجنة أولمبيا المركز الثاني وكانت حجتهم أنها مسألة أذواق، وأن ذوقهم يميل إلى نوعية جسم (فيل هيث). وأضاف، لقد بكى :كاي جرين" أمام الملأ، ولكنني حين اختليت به أخبرني أنني أفضل مدرب في العالم وأنه أفضل لاعب كمال أجسام في العالم، لكن هذه هي الخطة التي وضعها الله لحياته وهو راض عنها.
شاون راي كذلك، صرح أنه كان يستحق الفوز بمستر أولمبيا ومع هذا اعتزل في سن مبكرة، يقول: لقد علمت أن الحكام متحيزون إلى ما لا نهاية ل "دوريان ييتس"، وأنه يستحيل أن يمنحوا اللقب لغيره مادام ينافس على المسرح، فاتجهت إلى عالم الأعمال، وأنا الآن رجل أعمال كبير، كما أنني لا زلت أتمتع بصحة ممتازة، لماذا أقتل نفسي من أجل شيء أعلم جيدا أنه لن يمنح لي؟!!
يا قوم، لقد قالها ابن عطاء الله السكندري قبل قرون "سوابق الهمم لا تخترق أسوار الأقدار". حكمة تكتب بماء الذهب.
يمكنك أن تكون ذكيا، أن تكون كاريزماتيكيا، يمكنك أن تقرأ ليل نهار، أن تصل باجتهادك الليل بالنهار ولكن التوفيق والقبول عند الآخرين ليس عملك يا صديقي، إنه عمل الله. يقول علي بن أبي طالب:
إن لم يكن عون من الله للفتى فأول من يجني عليه اجتهاده
يمكنك أن تزرع البذرة، وأن تسقيها وتعتني بها، ومع هذا لا يشاء الله لها النمو، فيسلط عليها -مثلا- من يأتي في غيابك ويقتلعها!!!
يحق لك أن تسالني لماذا يسلط الله عليها من يقتلعها؟ وهذا سؤال وجيه، لكن يمكنني أن أؤكد لك أن إجابة هذا السؤال لا يعرفها أحد سوى الله، الذي استأثر بها في علم الغيب عنده، وحجبها عني وعنك، وله في ذلك حكمة بل وحكمة كبيرة جدا أجهلها أنا وأنت.
فكن عاقلا رحمك الله.
#وليد_الأسطل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الناقد الأستاذ عمار بلخضرة يكتب عن رواية -سقوط-
-
من سجل تجاربي ٢
-
حوار أجرته معي الكاتبة ياقوت شريط
-
سقوط؟
-
عن روايتي -سقوط- بقلم الكاتب الطيب صالح طهوري
-
لا تغرنكم الألقاب
-
من سجل تجاربي
-
رأي الناقد السينمائي مهند النابلسي في روايتي سقوط
-
روايتي سقوط بعيني الشاعر والقاص الطيب صالح طهوري
-
رواية الفانوس الأخضر، للكاتب الأمريكي جيروم تشارين
-
شيء مختلف.. الطيب صالح طهوري
-
صدور مجموعتي القصصية (شيء مختلف)
-
شذرتان
-
فيلم قضية كوليني
-
خاطرة عن الزواج
-
من أجل راشيل
-
بين يَدَيْ إيروس
-
نص قصير من روايتي شيء مختلف
-
إلى محمود درويش
-
الحجر
المزيد.....
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
-
حبس فنانة مصرية 3 سنوات
-
راسل كرو.. لماذا انطفأ نجم صاحب الأوسكار وأصبح يعيش في الماض
...
-
أحداث مليئة بالإثارة والتشويق في الحلقة 178 من مسلسل المؤسس
...
-
الكاتبة الروائية (ماجدة جادو) ضيفة صالون الفنان -مصطفى فضل ا
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|