أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - مسرحية الذباب / الندم/ جان بول سارتر















المزيد.....

مسرحية الذباب / الندم/ جان بول سارتر


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8098 - 2024 / 9 / 12 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


وتطير الأسماك
ما برحت الأروقة
مع أنها وقفت على الأنفاق
كيف يخطر على بال الفيلسوف الوجودي سارتر أن يعيد كتابة نص مسرحي تراجيدي إغريقي، اشتغل عليه كبار كتاب مسرح الإغريق التراجيديين: اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس.,وحمل عنوان الكترا..
إنما سارتر أعطاها عنوان آخر: الذباب /الندم
لابد لنا من الانطلاق من التناص مع النص الأصلي.
من هي الكترا؟
ضحية غدر الأم وعشيقها إيجست، يعود أباها منتصرا بعد عشر سنوات من الحرب الطروادية، هو أجاممنون شقيق ملك اسبرطة منيلاوس،التي هربت منه هيلانة رائعة الجمال مع عاشق جديد اسمه باريس الطروادي..
اغاممنون هو من قاد الأسطول البحري، مكث عشر سنوات مع ماتبقى من الإغريق، إلا أوديس الذي غدرت به الرياح لثمانية أعوام..
عاد اغاممنون مظفّراً، لا يعرف مصيره، مطمئنا كان، متوجا بأكاليل المجد (أغصان الزيتون)، في حفل مهيب تم لاستقباله..
كليتمنسترا زوجته وعشيقها إيجست -ابن عم أجاممنون المنسي بين ركام المدينة- يخططان لاغتياله أمام النار المقدسة "بالبلطة يتم الذبح"؛ على مرأى ومسمع من الالهة، ثم شعب المدينة أرجوس..لم يحرك أحد ساكن..
أمام بقية ضمير غير مثقل تحاول كليتمنسترا الوقوف أمام المرآة: ضحى بابنتهما إيفيجينيا أمام الإلهة آرتميس، كي تجعل الرياح تسير وفق ماتشتهي سفن حرب اغاممنون..ثم تتساءل:
لماذا الملك مينلاوس لم يضحِ بأحد أبنائه؟
أما خلف هذا "الكيد": هناك الكسندرا فائقة الصبا، تختلي بالزوج أجاممنون؛ سبيّة أتى بها على أسنة الذكورة "الشبقة"..
أجاممنون يسبح في دمه..العاشقان يرقصان رقصة الانتشاء..
الكترا تخلع حدادها: أتاها وميض بعيد من آلهة ليست هنا: امضِ بأخيكِ، سيقتله أورست، وأمكِ تقف متفرجة وقد "تنتقمْ" منه..دعِ المربي يهرب به إلى مكان حيث لا تصل حراب إيجست..
الكترا تصبح خادمة "القصر المغدور"..
سيتم الانتقام بعد عودة أورست بالاتفاق مع أخته الكترا..
قبل أن نغوص مع سارتر ولماذا اختار هذا النص.
علينا أن نولي بعض الكلمات، لما استفاد منه التحليل النفسي من زاوية علاقة الأب بالأبناء..هنا علاقة البنت الكترا بأبيها أجاممنون..
بادئ ذي بدء ينقلب الأوديب بين الصبي والام، لجهة البنت مع أبيها..فرويد حاول القول هنا: أنها عقدة أوديب الانثوية..لكن تلميذه -الذي سينشق عنه لاحقاً- كارل غوستاف يونغ ، سيطلق عليها تسمية عقدة الكترا..
كيف ذلك؟
الكترا في التراجيديا الإغريقية تنتقم مع أخيها أورست ويتم قتل االام وعشيقها ايجست..
كانت الكترا تردد بمخاطبة أخاها اورست: أيها السليل، سليل أب أحببته إلى أقصى غايات الحب..
الأب المنتظر المتخيل، حيث الأم هي المنافس الرئيسي في الوصول، تختفي هذه الرغبات الدفينة مع النضج، لكنها تتسربل البحث عن شبيه الأب..
يبقى السؤال ما دور الأخ أورست من زاوية التحليل النفسي؟
لم يكن مثار الاهتمام آنذاك..ربما ستُظهر بعض الدراسات المتأخرة، الاهتمام بالمحكى العائلي وأثره في تداعيات اللاشعور الجمعي، ولفت الانتباه لما هو مناظر لقتل الأب، حيث الأب يمكن أن يقتل أبناءه ..يفيدنا هنا علاقة كليتمنسترا بابنيها: الكترا وأورست وكيف كان يمكن أن تقبل قتل الابن..
/انظر الدراسات التي يقوم بها الدكتور المغربي حسن المودن..وعديد ترجماته، منها للمحلل النفسي الفرنسي المعاصر بيير بيار
عودة للسؤال الرئيسي: لماذا اختار سارتر هذه المسرحية؟
نحن الآن -زمن كتابة المسرحية- في عام 1943 أي أن فرنسا تحت الاحتلال النازي، حكومة فرنسية موالية للاحتلال، سميت حكومة فيشي بقيادة الجنرال بيتان.
مسرحية مؤلفة من ثلاثة فصول، بشخصيات رئيسية (جوبيتر، أورست، إيجست، الكترا، كليتمنسترا.)
شخصيات أخرى "ثانوية": (القس الأكبر، الحارس الأول، الحارس الثاني، ايرنية، امرأة شابة، امرأة عجوز، رجال ونساء من الشعب..خدم..حراس من القصر..)
من السهل قراءتها بإسقاط سياسي مباشر حيث الرموز ووضوحها، ومن زاوية التوقيت وتعزيز روح المقاومة أمام المحتل الغاشم. بالاتكاء على شخصيتين أساسيتين هما الكترا، أورست..
/ سنجد الكترا تحاول ايقاظ المدينة النائمة (أرغوس)، تحرضهم على أنهم في ندمهم هذا ليس إلا استمرار عبوديتهم، انتابتها مشاعر القوة تلك، حينما التقت أورستْ أخيها، لكن قبل أن تتأكد..
ماذا فعلت بها المدينة؟
ارتدوا الحداد الاسود وأنصتوا لصرخة الاموات في "عيدهم"، بل حاولوا رجمها بكلمات التوبيخ
والشعب ينام مؤنبا لضميره، حيث ترك المدينة (أرغوس، باريس هنا) تسقط وهو يغلق نوافذه..
دعنا نمضي مع المسرحية بصوتها الخاص، بمسافة تسمح لنا كقراء أن نبتعد قليلا ايضا عن الفكرة الفلسفية، التي يعتقد بها الفيلسوف سارتر: الوجودية بما تعنية أسبقية الوجود على الماهية: "أنا موجود هو معادل للقول أنا حر" على العكس من ديكارت: أنا أفكر أنا موجود.
ومن الطبيعي أن ترتبط فكرة الحرية بالمسؤولية. بمعنى أن الإنسان مسؤولا عن نفسه والاخرين، الذي يقود إلى الالتزام..وهكذا دواليك..سيغمز القارئ هنا: أنكّ تحاول الشطط والاستعراض الثقافي، وأنك تقحم الأفكار خارج سياقها..؟"
-نعم هناك بعض الانزياح-
الذباب / الندم / العرض المسرحي
يصل أورست ومساعده المربي، بعد غياب خمسة عشر عاماً، ملايين من الذباب تنهش لحم أهل المدينة (أرغوس) وهم يتلذذون!؟
أصوات موتى تصرخ بأنين، تطالب الاحياء بدفع ثمن "ذنوبهم"، صوت الكترا الجريح يخاطب اله تخلى عنها وأخيها أورست، هو تمثال الإله جوبيتر باسم غريب؛ مختلف عن الاسطورة الاصلية بأنه كبير الالهة عند الرومان يقابل زيوس عند الاغريق..
هنا صار اسمه: إله الذباب والموت..
الجحيم يصعد الى الارضّّ
أورست يسأل ما هذا اليوم؟
إنه عيد التكفير، عيد الموتى يحاكمون الأحياء..
الجوقة تطل حافية القدمين، حانية الرأس، المدينة تعيش "عرسها الأسود"!!
استراحة أخرى بين المحطات الهاجرة:
قارئ النص وفق هذا المقتضى يجد ملاذا آمنا بين ثنايا المسرحية (الذباب/ الندم)، من خلال إرادة الفعل والتصميم الذي قام به اورست بالاستشارة مع اخته الكترا السجنية والتي كانت تنتظر لقياه..
وسيجد القارئ أيضا ذلك الحوار السخي بين كبير الآلهة جوبيتر وأورست، تخيل أن الإله هذا بعظمته جعل منه سارتر شخصا يمثل على المسرح ويقضي حاجاته في بعض اللحظات.
أنزله لصفوف البشر العاديين، ومع بداية المسرحية تفرغ الكترا، كل طاقتها المكبوتة العدوانية، على تمثال يمثل جوبيتر باعتباره إله الذباب والموت:
"أيها المسخ القذر..لن أخشاك..أيها الزوال المزعج انت تحب هذه الشمطاوات، كلما اقتربنَ من الموتى شبهاً، زدتَ لهن حباً..جئتُ لاقدم لك قرباني..خذ هذه الفضلات (القمامة)، هذه البقايا العفنة من اللحم الذي يسرح فيه الدود..ليس في طوقي إلا أن أبصقَ عليكَ.."
الكترا هذه التي صبت جام غضبها، كلحظة متخيلة يغيب الفعل الأصلي لجهة التماهي مع حالة مرغوبة، هي نفسها حينما يجد الجد، ثم تسمع ذاك الحوار الصاخب بين جوبيتر و أورست. تخاف ..تعاود "التقى المبني على الفزع" كما قال جوبيتر في الفصل الأول للمسرحية.
الكترا: "واغوثاه يا جوبيتر، يا ملك الالهة والناس..خذني بين ذراعيك احمني وسأتبع قوانينك..ادفع عني شر الذباب.."
كان ذلك بعد أن سمعت الحوار التالي بين جوبيتر وأورست، غداة الانتقام من أمه وعشيقها، حينها يعترض جوبيتر عليه ، أنه بما معناه تجاوز حدوده خاصة حين قال له: "انتَ يا جوبيتر ملك الالهة والصخور والكواكب والامواج..لكنكَ لستَ ملك الانسان..
من خلقك يا أورست؟
انتَ، لكن كان يجب عليكَ أن لا تخلقني حراً..
وهبتكَ الحرية لخدمتي يرد عليه جوبيتر.."
يكمل أورست برفض ثنائية العبد والسيد التي ينادي بها جوبيتر:
"لستُ السيد ولا العبد..".
سيختلف هنا سارتر عن الفيلسوف هيجل، حول جدلية السيد والعبد الشهيرة:
هيجل كان يرى من خلال كتابه ظاهريات الروح (فينومينولوجيا الروح)، باتساق مع مذهبه الفلسفي الراقص وفق ثلاثية جدلية.
دعنا نحاكي جدلية السيد والعبد الهيجلي، التي رفضها (أورست) ضمير الأنا السارتري:
عند هيجل هذه العلاقة محكومة بصراع، بين رغبتين تقتضي أنا وآخر، هناك حالة "فوز وانتصار" يتنحى جانبا المهزوم، لكنه لا ينسحب..حين أحصل على حريتي إنما على حساب رغبة الآخر. وفق ارغام الآخر على الاعتراف:
أصبح أنا السيد وهو العبد..
يتلازمان حيث هما من طبيعة واحدة : الذات حينما تصطدم بالرغبة تحقق حريتها، ودائما هناك من يخسر، لكن هذا العبد هو حر في مرحلة أخرى..
لذلك هنا لايريد ان يعترف به الآخر (جوبيتر) بما يعني انه سيبقى عبدا طوع بنانه..
/ يتساءل القارئ عن الجانب السردي هنا: كيف لأورست ابن الثامنة عشر يمكنه، أن ينطق بعبارات مثل: أنا حر ولست سيداً ولا عبداً؟
حالة من الإقحام الفلسفي من سارتر الفيلسوف، ونسيان السياق الدرامي المسرحي بزمن يختلف عن الاسطورة الأصل
أما أنت يا أورست، فكيف تتسلل منك عبارة: أنت خلقتني يقصد جوبيتر؟
بعض النقاد يعلق هنا: أنه اذا حفرنا وفق النقد الثقافي اللامرئي، تتلطى هنا بقايا غيبيات ايمانية عند سارتر؛ حيث هو ينتمي لما يعرف: الوجودية الملحدة.
من زاوية دلالة الخطاب بالمعنى السردي، أليس باستطاعتنا "الوشوشة"، أن سارتر الكاتب أعطى مساحة حرية لبطله الرئيسي، مسافة ما بين ضميرين غائب (سارتر) ومتكلم (أورست).
لربما هنا بإمكاننا أيضاً، الإشارة للمسكون اللاشعوري عند سارتر من زاوية تأثره، بفيلسوف القلق الوجودي كيركيغارد، حيث هناك إله خفي ما، غير محدد المعالم والشخصية، بالطبع لا يشبه آلهة التوحيد ولا آلهة الأولمب في شرقها وغربها..
الندم / يوم التكفير عن الذنوب (استجداء الغفران)
طنين من الذباب ينهش لحم أهل المدينة أرغوس، سلطَتْ الالهة عليهم هذا الذباب..يتعايشون معه، أن غاب طلبوه .عمّ ذنبٍ اقترفوه؟
يوم اغتيال ملكهم، كان يتراءى الجسد المدمى، مرميا على أكتاف تلك النار المقدسة، تخلوا عنه، هل باتوا من التوابين كما المأثور الحسيني الكربلائي، حيث الذكرى السنوية وايامها الأربعين، من لطم وبكاء وعويل حتى يكفّر الغائب عن ذاك الاثم..
هنا يقوم المنتصر وايهامهم: يوم سنوي اسمه يوم الموتى أو يوم التكفير (الندم):
كبير الكهنة (القس الاكبر)، ينهضُ بازاحة صخرة كبيرة تجثم على قبور الموتى..
هم في درجات دنيا من الجحيم..تخرج الارواح وتحاكم الأحياء..صدى الموت، الخوف من الانتقام، يسألونهم عن كل الذنوب وليس فقط تخليهم عن ملكهم.
امرأة عجوز في يوم "العيد"، يلتقي بها جوبيتر:
"..يحسن بكِ أن تشتغلي بنفسكِ، فتستدري بالندم غفران السماء..
تقول له: إني أباشر التوبة يا سيدي..حتى ابنتي كذلك لا تنفك عن الندم، زوجها يضحي ببقرة كل عام، أما حفيدي فقد أقبل على السابعة، فقد ربيناه على الندم..لقد امتزجت نفسه بالاحساس بالخطيئة.."
اختلط الندم مع الخطيئة الأصلية، اختلجت الاسطورة الاغريقية بالهاجس الوجودي السارتري..
أورست يشهد هذا اليوم حيث وصل للمدينة. ناقما وصارخاً باعلى صوته، متوجها الى جوبيتر:
"أهذا هو العدل؟
حوائط ملطخة بالدماء، ذباب "يسرح ويمرح..لا يختلي بنفسه.." شوارع مهجورة..صياح الأموات..
ماهذا الندم وكيف ارتبط بالذباب أسوأ الحشرات تطفلا على بقايا المواد المتعفنة..لماذا ايضا يندم الملك العاشق (إيجست) ويلعب تلك اللعبة بإخراج أصوات الضمير الداخلي، الذي يحمل صرخات الألم والوعد والوعيد..
أسئلة لا بد من طرحها..هل هي ضريبة "التقاعس" عن القيام بالواجب الجماعي، أمام المسؤولية الأخلاقية في الدفاع عن ملك أو وطن يُغتصب؟ كما كان مسكونا به سارتر حين صب أفكاره عبر هذه المسرحية..
من باب السخرية السوداء، يقال: أن المسرحية عُرضت لبضعة أشهر، على مرأى من الغزاة، باعتبارها تطرح أفكار ميتافيزيقية حسب تقييم "أولياء الأمر الألمان". لكن هذه "الميتافيزيقا" لم تنطلِ على أولياء الطاعة الفرنسيين، فتم الأمر بتوقيف عرضها..
"ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".. صوت صدى بعيد يحضر العرض على خشبة مسرح شرقي الزمان والمكان..
عودٌ على بدء كي نسأل المسرحية عن باب بيتها: الذباب /الندم:
من مألوف الخطاب النقدي بشتى أطيافه، الذي يولي أهمية للجانب السيميائي (الدلالي)، أن يقف كثيراً عند عنوان النص
-خاصة بول ريكور وجيرار جينيت- من خلاله قد نصغي "لهواجس" النص، بما هو مفتاح يلج الروابط الدلالية بين ثنايا الغياب والحضور للنص، لا يلغي ذلك أن بعض العناوين، قد تنحني لأبواب مواربة تجعلنا نتيه بين أزقة النص وحواريه المعتمة..
نذهب مباشرة الى الذباب / الندم
خلف "الباب" مباشرة نرى علاقة حميمية بينهما هذين "المتعارضين": ذباب وندم..
ثم نمضي نعد الدرجات حتى نصل إلى "صالون الاستقبال" حيث خشبة العرض، فماذا نجد؟
ليلٌ ظامئٌ للموت، "خذلانٌ" لا ينطفئ. مدينة ثكلى، تنأى بنفسها عن الحياة بألوانها الطبيعية، الكل يرتدي السواد، وكأن الذنوب والتكفير عنها لا يروقها إلا اللون الأسود؛ كم نرى من مشاهد تسكن بين جوانبنا، ذاك الأسود يترافق مع صرخة المناجاة لملك أو إمام أو نبي أو إله تم التخلي عنه..
لانرى "صعود جلجلة"" ومسامير تُدق على الجسد..
/ دعونا نرى المشهد الآخر في "اللطميات" المعاصرة: "لبيك..ثم لبيك.." تخرج الدماء من الأجساد على "حلة شعرها"..تعتلي خشبة المسرح مشهدية تراجيدية: تُظهر "السكاكين الحادة" قاب الفواصل من رقاب أطفال..يصرخُ الجمهور أعيدوهم لنا..
تتداعى الخشبة، لا جدار رابع ولا "خامس"، الكل "يرقص فرحاً"..يثنون على أطفالهم: لم ينبسوا ببنت شفة خوف أو رعشة تحاذي موتاً حقيقياً
[تُسدلُ الستارة..يَظهر أورست خلف حجاب..هذه المرة يحاكي مخيلاً جمعياً مغيباً: نحن كائنات (كينونات) نسعى نحو الحرية..لا نسعَ نحو الموت]
استوطن الندم أهالي المدينة (أرغوس)، صرخ جوبيتر لأسوأ الحشرات (الذباب) أن يتوجه إليهم..كانت أجسادهم وجبة شهية، خاصة أنها على مدى الأيام والسنين الخمسة عشر..
ذنوب تجتمع يرافقها صوت عقاب مستديم..الإنسان هنا بات مسكونا بمازوخية قلما نجدها..تشكل له آلية نفسية دفاعية جمعية، تجعله خانعا وخضوعا، هو عدو نفسه، هناك سادية تمارسها الالهة مع صمت الملك المغتصب، لا بل يشمله العقاب انما بعيدا عن صرخات الذباب، يشاركهم في لعبته، يتماهى مع وجود المغدور اغاممنون، هنا المنتصر، يستسلم لهذا المصير كما أهل المدينة..
بلغة أخرى "انقلب السحر على الساحر" بافتراض أنه يدرك تلك اللعبة لعبة يوم التكفير..
هذا الخنوع الذي يسكنه، تحت تأثير أنه مذنب أيضا، سيجعل من نفسه مطية سهلة لسيف أورست حين يتقابلان، استسلم لمصيره..مات بهدوء..
تتراءى له دمائه على أرض يابسة، ينظر فيرى جسد عشيقته كليتمنسترا المسجى أمامه..
وحده أورست الناجي الوحيد "المنقذ والمخلص" لكنه ليس المنتظر من المدينة..
ينتهي الندم، يغادر الذباب أجساد "المغفلين" يستقر على جسد أورست..:
"هذا الذباب قد تخلى عنكم وتحول إلي..".
لطالما يظهر الإنسان الحر بصفته (الإنسان الأعلى) وفق الحكاية اليتشوية، يرفض العبودية بشتى مراحلها بما فيها، تلك المرحلة "القدرية العقلية" من وعي الحرية عند هيجل..
بانتصار أورست تنتهي "المذبحة الذبابية" تعود المدينة تسترخي..تؤجل شعورها بالندم..
هل استطاعت أن تكون حرة؟
سؤال برسم الحياة حين تتمطى خارج أسوار الكهوف..إنما الأهم لماذا يُستعصى تأنيب الضمير، على الغياب؟
يحضر كلما اضطرت "الأيديولوجيا" الواعية استيقاظه..هي تنتشي بسادية عالية الشدة ، بمشهد أن الجموع يسكنها "الندم".
يستقيل "الوعي السارتري" عند هؤلاء، يصير الوهم بالخلود ولقاء "المنتظر" هاجس الامل!!
بعض شذرات أخيرة:
هل الحرية ممكنة الحضور، كما هي الماهية الوجودية عند سارتر مثلاً؟
يتضح مع الشغف بالإنسان الشقي، أنه مسكون بإكراهات من طبيعة لاشعورية -فردية وجمعية- كما ينوه التحليل النفسي..
ألم تزعزع هذا الاكراهات ثقة الإنسان النرجسية المطلقة بنفسه، وبالأخر أيضاً؟
هل يمكننا طرح سؤال الندم، على شعوب أوشكت حريتها..إنما يأتي معمم..معممون يتسربلون وجوهاً عابثةٍ مكفهرةٍ، يزعمون أنهم على سرنمةٍ ليلية ونهارية، تختلج "الاسراء والمعراج" بلقاء "المهدي الغائب" تحت قبة سدرة منتهى، أنهكتها حجارة "الرجم والتأنيب"..
مشتْ الذنوب حافية بين الأقدام..
مضى "الغفران" قاب الثرى..



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ماذا وراء هذه الجدران-.. قراءة في رواية راتب شعبو
- حوار منمنمات بين أطياف -شرّاقة- سعاد قطناني
- كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس
- رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور
- انقسام الروح/ وائل السواح
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة
- قراءة لرواية وليمة لاعشاب البحر للروائي حيدر حيدر
- هي مديح الكراهية / خالد خليفة
- شذرات.. مع جورج طرابيشي
- منمنمات تاريخية للكاتب السوري سعد الله ونوس


المزيد.....




- -ملفات بيبي-.. تفاصيل فيلم أرعب نتنياهو
- آلية دفاعية.. مبالغات رائجة بمواقع التواصل عن الحضارة المصري ...
- مصر.. الحكم على فنان شهير بالحبس لحيازته مواد مخدرة
- تردد قناة روتانا سينما الجديد Rotana Cinema 2024 على جميع ال ...
- فيلم سويسري يفضح كراهية الأجانب التي استخدمت كسلاح ضد الطبقة ...
- عرض فيلم -وثائق بيبي- رغم معارضة نتنياهو.. تحقيقات مسرّبة وا ...
- الكشف عن أول فيلمين مصريين مشاركين في منافسات مهرجان الجونة ...
- تردد قناة روتانا سينما الجديد Rotana Cinema 2024 على جميع ال ...
- روسيا تقدم مبادرة باستحداث جمعية كتّاب بلدان بريكس+
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN عن مقابلة جمال سليمان الأخيرة.. ...


المزيد.....

- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - مسرحية الذباب / الندم/ جان بول سارتر