حسين سليم
(Hussain Saleem)
الحوار المتمدن-العدد: 8097 - 2024 / 9 / 11 - 22:14
المحور:
الادب والفن
وأنت تعد قهوة الصباح في أحد أيام العام 2024، يمرُّ عليك أربعة مُتسوّلون بالتناوب؛ امرأة تحمل طفلاً ملفعة بالسَّواد، أخرى شابة جميلة، امرأة عجوز تحلفك بأعز الناس عندك، أخرى تقول هو ربع دينار. رجل يسحب خلفه شابتين ولسان حاله يقول لدي مريض يحتاج عملية كلية، آخر فقد محفظته ويريد الرجوع إلى أهله. وحين ينتهي يوم عملك في الدكان يكون قد مرّ عليك دزينة مُتسوِّلين من جنسيات مختلفة. مجنون يأتي يومياً، يريد علبة دخان، صار زبوناً دائماً، يقال إن زوجته قد سحرته. وآخر يمرّ بعد أن فقد عقله في إحدى الانفجارات يسألني كم سعر هذه وتلك، يشرب الماء ويذهب ويمرّ بعد فترة قصيرة، طيلة المساء، لا يشرب الماء إلاّ عندي رغم وجود المواكب الحسينية التي توزع الماء. ومجنون آخر يريد التحدث لكن جمله غير مترابطة، لا أحصل على معنى. ويمرّ عليك ثُلّة من الأطفال بالتناوب طيلة ساعات العمل، أحدهم يبيع الشاي، الآخر حلويات، وآخر يبيع الكيك، يقول المطلوب مني خمسة عشر ديناراً هذا اليوم، امي تقول لابد من تدبير إيجار هذا الشهر.
عند الغروب قال: عمي تشرب شاي؟ كنت أقرأ، قلت: أشكرك. ولكن لا ارادياً اغرورقت عيناي بدمعات خجلة، حين رفعت رأسي قلت له أعطني شاي. كنت أُداري دمع عيني، طفل بعمر الورد يحمل سلة بلاستك، فيها أقداح ورقية وتُرمس للشاي. قلت له : بكم تشتري دزينة الأقداح قال: بألف دينار. قلت له: تعال أنا أبيعك بسبعمائة وخمسين ديناراً. ابتسم وقال مستغرباً: صحيح؟! سألت عنه. قيل إنه يتيم ويعين امه واخوته.
الطفل هذا أعادني إلى العام 1994، ما قبل ثلاثين سنة مضت، حين كان لدي دكان صغير أمام فرن صمون يبعد بعضة أمتار. كان طفلاً في سنه، اسمه وليد يحمل أيضاً ترمساً للشاي وأقداحاً من الزجاج، يبيع الشاي لأصحاب المحلات. طلبت منه أن يضع حاجاته ويجلب لنا صموناً أنا وصديقي، ولكي لايسمع حديثي للصديق عنه: شايك طيب يحتاج صمون حار! أجاب بابتسامة هي خليط ما بين الطفولة والرجولة: صار عمي! كان يتيماً فقد والده لسبب ما، أيام الحصار، وإنه قد ترك المدرسة ليُعيل عائلته أمه وأخواته.. كان وليد واحدًا، لكن الآن…
#حسين_سليم (هاشتاغ)
Hussain_Saleem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟