أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد دحنون - المجد للضحك حين يكون هستيرياً: حول (2011 السوري) دون مناسبة















المزيد.....

المجد للضحك حين يكون هستيرياً: حول (2011 السوري) دون مناسبة


محمد دحنون

الحوار المتمدن-العدد: 8097 - 2024 / 9 / 11 - 17:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمة عائلات سوريّة هنا في فرنسا ينتشرون على الشوارع الرئيسية، وفي بعض محطات الأنفاق، ويحملون قطعة كرتونية كتب عليها "فامي سيري... بحاجة لمساعدة". وثمة قطعاً أخرى تضيف إلى ما سبق ".. في سبيل الله".
ليس المضحك، بالنسبة لفرنسي وفرنسية، الازدواجية اللغوية، ولا الخطأ الإملائي، الدال، في جملة "فامي سيري"، بل في كون شبكة التسوّل التي اختارتها تلك العائلات للعمل قد اعتمدت الصيغة نفسها في مدن فرنسية مختلفة فيما خصّ شكل القطعة الكرتونية التي يمكن رؤيتها، بخربشاتها الفرنسية والعربية، في باريس كما في ستراسبورغ وفي ليون وكذلك ديجون، وهو ما يمكن مشاركة الفرنسيين الضحك بشأنه.
لكن ما يُضحك الفرنسيين أكثر، وهو غير قابل للمشاركة، هو قيام أفراد شبكة التسوّل بتقديم علبة مناديل ورقيّة صغيرة لسائقي السيارات على مفارق الطرق.
الفرنسي/ة إنسان، والإنسان أحمق، فالفرنسي/ة أحمق. إذ لم يكن مفاجئاً أن تسخر صديقة وصديق فرنسيين من المسألة دون أن يعرفوا أن علبة المناديل الورقية تلك ليست مجرد بلاهة، بل تشكّل بالنسبة لعالم الهامش الاجتماعي الذي يمثله المتسوّل السوري دلالة على الرقيّ بل والنبل! نعم، فالفتى والمراهق وحتى الشاب الذين أفقدهم الحرمان المديد والقهر اليومي أيّ حس بالآدمية، يحرصون في مناسبات كالأعياد، أو حتى في مساءات الخميس الصيفية (بعد قبض الأجرة)، على شراء علبة المناديل الورقية الصغيرة ووضعها في مكان ظاهر؛ في جيب القميص العلوي مثلاً، وكم سيكون أحد هؤلاء سعيداً حين تطلب منه منديلاً مانحاً له بذلك الفرصة كي يحيا، لبرهة خاطفة تبدو كأنها الأبديّة، الشعور الرفيع بأنه "جنتلمان"، وأن واقع وضاعته الاجتماعية ليس سوى خطأ صغير من أخطاء القدر وأمراً طارئاً.
على العموم، وبغض النظر عن كل ما سبق، يبقى الخطأ الإملائي، كما سبقت الإشارة، دالاً بشكل لافت سياسيّاً واجتماعياً. إذ من هي حقاً هذه الـ"فامي سوريّة"، أو "عائلة سوريا" بحسب الترجمة الحرفية؟! ليس ثمة حاجة لتخيّل الجواب! إنها عائلة رامي مخلوف كما هي عائلة مصطفى. ش (أحد متسولي ستراسبورغ السوريين)، إنها السوريون كلّهم جميعاً حتى بشار.
آلت "ثورة الحريّة والكرامة"، وفق التسمية التي اقترحتها قناة "الجزيرة" للانفجار السوري الاجتماعي الذي جاء في سياق انفجارات عربيّة أخرى، بالناس إلى حصيلة شديدة البؤس والتراجيدية.. وأكثر. غير أن هذا لا يمكن أن يعني بأي حال من الأحوال أنّ "الثوّرة" لم يكن لها مجدها الخاص. وأن التسميّة لا تطابق من بعيد أو من قريب المسمى. وصحيح أن الفضاء السوري كشف عن خرائب عتيقة، وأمراض مريرة، وأحقاد تشبه جبال الجليد، في هياكله كلها جميعاً، إلا أن هذا أيضاً لا يبرر تزييف الماضي أو التجني عليه أو التقليل من قيمته.
كانت أياماً جميلة! كانت أشهراً وأياماً وساعات فريدة تلك التي بدأت فيها السلطة تبدي خوفاً جديّاً من الناس وتحسب حساباً جدياً لهم. لم تكن واقعة "17 شباط" قد حدثت بعد ولا "المغامرة البطولية" التي قام بها البعض القليل جداً يوم الأربعاء الخامس عشر من آذار في سوق الحميدية، ولم تكن ثمة بعد "درعا" و"فتيانها" ولا بانياس ولا دوما.
كان ثمة شعور غامض وغريب يسري في هواء الأحياء والشوارع والمدن والبلدات، ويحوّل إحساس "السوري/ة" بنفسه من كونه متعب/ة وهزيل/ة، مائع/ة ورخيص/ة، إلى كونه حيوي وحيويّة ومتماسك ومتماسكة والأهم من كل ذلك ذي وذات عز. السبب لم يكن مجهولاً، إذ أن الأبصار كانت تشبعت على مدى أشهر طويلة بمشاهد التظاهرات في تونس وفي مصر ثم في ليبيا واليمن. لقد تزلزلت صور السلطة جميعها وهيّئ للكل أن جدران الخوف الجماعي قد تحطمت عن آخرها. وهذا ما يفسر معنى الجرأة الانتحاريّة التي شارك من خلال مئات الآلاف بآلاف التظاهرات التي يعرف الجميع والعالم أنها ستواجه بالرصاص، بالرصاص الحي.
كانت "بوابات العدم" السوريّة (أجهزة الاستخبارات) قد نشرت مخبريها في كل مكان، وكانت حصة أولئك الذين يعملون في تكاسي الأجرة وفيرة، إذ أن واحد من كل ثلاثة من سائقي العربات الصفراء صار يود أن يحاور زبونه الراكب في شؤون السياسة كي ينعطف بحديثه فوراً على نقد الحكومة. كان أسلوباً أمنياً مجرّباً وفاشلاً، فالجميع في الـ2011 كان يعلم أن الحكومة، كـ"مجلس الشعب"، هم اللا شيء بتمامه وكماله. وبهذا كانت "المخابرات" هي من أرسلت الدعوة لحفل الضحك الهستيري الذي سيتواصل لأشهر، لسنة، لأكثر بقليل.
انتقل سوريون كثيرون من مجرد المشاهدة إلى الفعل، وبدأ قوس قزح ينتشر في الفضاء العام يسمح لكل من أراد أن يجد لنفسه فيه صورة أخرى يرضى عنها. كان إحساساً طيباً أن يشعر الإنسان، للمرة الأولى في حياته ربما، أنه ليس مجرد خرقة باليّة أو حذاء ممزقاً وعتيقاً وملوّثاً بالطين ملقى في الشارع، كما يمكن، بغض النظر عن جميع المظاهر، وصف "السوري/ة" بعد عشرة أعوام من موت الأسد الأوّل وبعد أربعين عاماً من بداية حكمه، وربما، لم لا، بعد مئة عام من الخروج من التابوت العثماني.
كان الفخر أو العز هو أوّل "إنجازات" "الثورة"... واكتشافها الفريد ومعه الضحك... الهستيري: الضحك الذي يبدأ كساقية وينتهي كشلال.
كان ذلك في زمن آخر، زمن بعيد، أكثر من عقد، ويبدو الآن كما لو أنه زمن من حياة أخرى. بل حتى أقل من ذلك بكثير؛ حلم خاطف ذي جمال مرعب! عاش كثيرون فيه وعانى كثيرون من أجله. لكن هذه المعاناة بالذات هي ما يخصم من قيمته كوهم، كان حقيقة، وحقيقة جميلة، وحقيقة لا تشبه بقية الحقائق.
نعم، قد لا يبدو أن ثمة مناسبة فعلاً لكلام كهذا. فالخراب الجحيمي المركّب الذي جعل سورية، بمعان كثيرة لكن نسبيّة، مجرد أفغانستان أخرى لا يشجع على تحريض ذكريات جميلة؛ لكن الحدث قد وقع وكان له وهجه المضيء العظيم وكانت له ساعاته وأيامه وشهوره الحلوة التي عاش فيها سوريون كثيرون منتهى السعادة أي الحبور. كان الضحك من وعلى وبسبب وافر الحضور في المشهد اليومي آنذاك. كانت سعادة لا توصف أن يشارك أحد في تظاهرة وأن يخرج منها سليماً وأن يتهكم. كان انفجاراً بركانياً من السخريّة من السلطة ومن ذلك القطيع العجيب الذي سمي حينها: موالون.
وكان أصحاب الحظ من الكحوليين ـ ككاتب هذه السطور ـ هم الأسعد من بين جمع السعداء الثائرين ربما لأن الكحول والثورة يعنيان شيئاً واحداً له كتبت هذه السطور؛ لأجل الضحك الهستيري الذي ينسف عالماً قديماً ويبني جديداً ....



#محمد_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وثائق ويكيليكس كشفت الكثير وثائق ويكيليكس لم تكشف شيئاً


المزيد.....




- سفير بريطانيا في الأردن يوضح سبب وقف العمل بنظام -التأشيرة ا ...
- مشاهد توثق الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (فيديو)
- تونس.. رفض جميع مطالب الإفراج عن المرشح الرئاسي العياشي زمال ...
- مجلس الأمن يجدد عقوباته على السودان
- جرة أثرية يتجاوز عمرها 3 آلاف عام تُرمم وتعود للعرض بعد تحطم ...
- روسيا تحذر الغرب من استهدافها بصواريخ بعيدة المدى من أوكراني ...
- رئيس أركان الجيش الجزائري يستقبل مدير عام شركة -روس أوبورون ...
- تونس.. الخميس انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية في الخارج
- مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يداهم منزل موظفة في RT وي ...
- المغرب يجدد دعوته لوقف إطلاق النار في قطاع غزة


المزيد.....

- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد دحنون - المجد للضحك حين يكون هستيرياً: حول (2011 السوري) دون مناسبة