أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة دندنة مع بعقوبة السبعينات .














المزيد.....

مقامة دندنة مع بعقوبة السبعينات .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8097 - 2024 / 9 / 11 - 11:52
المحور: الادب والفن
    


مقامة دندنة مع بعقوبة السبعينات :

كلنا تعلمنا ان الوطنَ مبتدأٌ , فكيفَ يَجرّونَه ؟ ومن اين جاؤوا هؤلاء الغرباء , ((انت تريد ان تقنع هؤلاء بأنك لست َعدوّهُم , كل هؤلاء الغاضبين الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك ايضا , لمجرد انك لم تغضب , أنت تريد ان تكون آمناً ولاتدري ان هذا يغضبهم أكثر وهكذا حتى تغضب يوما , وكل يوم تلد القرى معتوها يذهب إلى المدينة وينفخ في البوق )) كما قالها ابرراهيم البهرزي .

يباغتني هذا الذي اسمه الزمن, لص هو لا يؤتمن , وفي كل إنسان طفل صغير يبقى يناغشه مهما شاخ وكبر, ومن أسعد اللحظات أن يستيقظ ذلك الطفل طرباً فرحاً ليفرح فجأة ذلك الكهل معه , وفي قفزة بيضاء بلورية إستغرقتنى لأكتب أحلى النصوص عن بعقوبة , وما تذكرته عنها وانا في وقت مر , ومن عاداتي الا أزيفُ الواقع وألا أبحث له أدوات مكياج , طغى على مدينتي الغياب , في عالم ميت يكثف الحب والفقر, وجوعًا كاملًا مزيفًا للحياة , لتنضج الوجوه الباردة للغزاة , وتتساقط أكوام قذرة من خيبات الأمل .

عندما تنتهي السهرة في نادي المعلمين , ويدوزن الشوق خمرًا ويحتسيه بذات الكأس , ننطلق ماشين صوب بيوتنا , كان الهواء إذا يمر في شوارع بعقوبة كأنما يعبر بين غابات من النايات والمزامير البهيجة , يمر بها حفيفاً , مع تلك النفوف اللطيفة لنهري ديالى و خريسان , فيأتي ذلك الصوت الألِق المنطلق من حناجر السكارى بمقامات عالية القرار , ليشعل مدينة الفرح فرحاً , وتصبح البساتين أحلاماً تمشي , كأنها جسد لروح آيبة , حكاياتي وأسراب أحلامي , التي خبئتها عند عتبات الشباب , تحتشد اليوم بين أفكاري وتحاصرني خيالاتها , ويصبح النحت على الذات , وتقشير الخلايا الميتّة ضروريّ يومياً , وفصلياً حتى لا نشيخ , ونفقد التوازن .

جلبتني الوظيفة الى بعقوبة مع عائلتي من بغداد وعمري 19 سنة , ولم اتصور أن تبهرنا هذه المدينة البسيطة , كانت لنا أيامنا هناك في تلك ألأحياء الوادعة , لقد سرقتنا قبل أن نراها , وحين رأيناها خطفتنا , ومضت بنا إلى ذُرى الذواري الذارية , كي نتعلم أبجدية الروح والريحان , والشبوي والرازقي وورد الجوري المقتحم , ونظرة النعيم , ,وبرودة اشجار الغرب على شواطيء ديالى , كانت العواصف تلقح الأزهار وتنتج الثمار, فيتشبع الهواء بالابتسامات , وحين أطرق الأبواب مثل شجرة , وتوثق العيون ما في الذاكرة , يسيل بي شغفُ المكان , وتتعانق شدات الورد بشهيق قبل الندى ,أعشقها وفق هندسة التجلي المعلقة على إحداثيات العشق , وأنثر كؤوس معينها على شفة محراب المواويل , وأوزع أنفاسي على الأطراف , بين تقاسيم نهرٍ, وسطر نخيلات .

كم قرأنا وعشقنا وكتبنا , وفكَّرنا , كانت بعقوبة في كل الصفحات التي قرأناها , ونحن في بدايات الشباب نفكر كيف نسرق القمر, وبنت القمر, والمدينة الجميلة , وتسأل نفسك ألآن وقد تخطيت الرابعة والسبعين : أهو المكان الذي سمعتَ فيه تلك الأغاني التي لازالت عالقة في خبايا الروح ؟ وبكيتَ فيه لحظات لن تعود ؟ وشربتَ خمور تمور تلك البساتين التي توارت ؟ ورأيتَ وجوه حبيبات غابرات ؟ وقرأت نشريات ذلك العمر الجميل ؟ حتماً لا, هذا محيط من الزمان والمكان لا أعرفه , بعقوبة أم خراب ؟ الجدٌّ والوقار ونحن نرتاد مكتبتها العامة ؟ أم فوضى ألأسواق وصيحات البائعين التي قضت على هدوء القراء الرزين ؟ .

لقد تأخرت (الولاية) كما يسميها أهلها الخلصاء عن ركب الحضارة , كأنه نهر جفَّ , ويحق لنا التساؤل : أين الذين فجَّروا مخيلتنا الشابة ؟ وصنعوا أناقتنا التي بهذلها القادمون من نواحي الظلام , وكانوا مبتدأ الفعل والمنتهى في الجمال والتحضر , واين وعود تلك ألأحزاب ذات الأيديولوجيات المتنافسة بوطن يشاهق الذرى ؟ صعقة مدوية لعقلك وأنت تُسائله: كيف جفَّ النهر؟ لن ترى ليالي هانئة بعدما هدموا نادي ذكريات شبابك الغابر , ولا تسمع اصداء اغاني العشاق الآملين بعدما حرموها , وسوف لا تقرأ كتباً تنير العقل حيث حلت ثقافة الجهل , وندر ان ترى طيور بيضاء فوق المدينة المقتولة.

آه يابعقوبة, ترى مَنْ سَمَّمَ الأرضَ , فأصابَها برُعافِ البراكين ؟ لقد تحققت نبوءة ذلك الشاعر البطران الذي قال : (الباء فيك زيادة وعقوبة سكناك) , تقف حروفـي بين جمر السطور, تمارس العزف على أوتار ذاكرة أبت أن يطويها السكوت , عٌنِدِمَآ نِشٍتّآقِ يِّعٌمَ آلَضّجِيِّجِ فيِ آلَشٍرآييِّنِ , وتّصٌرخَ نِبِضّآتّ آلَقِلَبِ وِآلآعٌصٌآبِ ترتجف , وِآلَعٌقِلَ فِّيِّ ذّهوِل , وتّعٌمَ آلَفِّوِضّئ فِّيِّ جِمَيِّعٌ آلَحٌوِآَّس, فقط حٌروِفِّگ تّګفِّيِّ لَتّهِدِء فِّوِضّتّيِّ , نداؤك مرتبك ومغلق وأبكم مع الرعب , لا وجود يلامس الاحتمالات الرائعة , كنت دفئا لا يوصف , وكانت لديك أيضًا أجنحة أداعبها , لتجيبيني بلغة شفافة بالكاد تلمسني , سجينة أنت , ووجه ُ أيامك مصفٌّر, ليس من لفحة ِ الشمس ولا من نور القمر, إنه من عضات القدر , وطفولتك البريئة منسحقة ذكرياتها, وسط عذاب حمى ليلة صيف ساخنة , ترتدين ملابس سوداء تجسد نكوص الكآبة لهذه اللعبة من الشرر, جاءك الزمن الأعمى والناس الخطأ , أدراج الشمس تحت ذراع نهرك قد شحبت , وغابت الأسماك في أوعية الجفاف , ولكن يبقى الأمل , لعل بعضاً من الأمل لا يزال هناك , في عقول جيل جديد , رأى كيف أن المناكفة سرقت من الولاية روحها , وأن الانقسام مرض العصر السياسي الذي لا منتصر فيه , وحتى المنتصر خاسر , ومهما فعل أبناؤها الأفاعيل فلا قلق , ولا خوف , بل نهر من الصبر طويل طويل .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة المجانين ( المقامة المطولة ) .
- مقامة قربانك نجلاء .
- مقامة حلم بمدن فاضلة .
- مقامة السعادة .
- مقامة أبا بيدر .
- مقامة التناقضات .
- مقامة العراق , تتبغدد .
- مقامة الهمسة .
- مقامة المبدعون .
- مقامة الشعر الزهيري
- مقامة واقعية القرن العشرين .
- مقامة فتوحات مولوية .
- مقامة الأضداد .
- تقاسيم على مقامات الأعراب .
- مقامة الحرية و الجهل .
- مقامة الراقصة والطبال .
- مقامة الجفاف العاطفي .
- مقامة الأحلام .
- مقامة النوم الآمن .
- مقامة البدو و الحضر .


المزيد.....




- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة دندنة مع بعقوبة السبعينات .