|
لا تضعوا العطور فوق أكوام القمامة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 8095 - 2024 / 9 / 9 - 22:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
===================== لن أتخلى عن قناعتى ، تؤكدها تجاربى فى الماضى والحاضر ، أنه من الأشرف والأكرم للانسان أن يسكت ، عن الادلاء برأى ، يعلم تماما أنه " مضلل " . ان " التضليل " ، بكافة اشكاله ، ودرجاته ، من الأفعال غير المبررة ، وغير المستساغة . وكلنا يعلم أن هناك تهمة " تضليل العدالة " لأى شخص يقدم معلومات خاطئة ، تعوق سير التحقيقات فى الجرائم ، وعقوبتها الحبس ، تتراوح مدته حسب ملابسات القضية . والبعض يرى أن " تضليل العدالة " ، يمكن أن يكون أبشع من الجريمة نفسها ، لأنه يتستر على الجانى ، يريد اعفاءه من المسئولية ، مستهينا بحق الضحية ، والمجتمع . فى الولايات المتحدة الأميركية ، نظرا لخطورتها ، تعتبر تهمة " تضليل العدالة " جريمة فيدرالية مثل الاتجار بالمخدرات ، والجرائم الجنسية ، وانتهاكات الأسلحة النارية ، وانتهاكات قوانين الهجرة . هناك أشخاص فى الاعلام الذى يواجهنا يوميا ، يتقنون فن التضليل ، ويفعلون ذلك بدم بارد . هؤلاء الأشخاص ، نساء ورجالا ، يحملون الجنسية المصرية . لكن مصلحة مصر ، اذا قورنت بمصالحهم الشخصية ، فانها تتوارى ، وتسقط فى القاع . والوطن الذى انتظر طويلا ، لكى يصحح مساراته ، وتحيطه التحديات من كل الجهات ، ويحتاج الى تشخيص نزيه لموطن الداء ، يصبح لديهم ، لقمة سائغة ، يتلقفونها فيما بينهم ، ويتنافسون منْ هو الأكثر شعبية ونجومية فى مهنة التضليل . لأننا فى عصر الاعلام ، الذى أصبح عند كثيرين بديلا عن القراءة ، والبحث ، وفى مجتمع يعانى الأمية الأبجدية ، والثقافية ، فان الرسائل المضللة المتكررة ، كل يوم ، تجعلها تقريبا ، فى حكم الثوابت ، والمسلمات ، المحظور مناقشتها . ان الأكاذيب حتى لو كانت ساذجة ، غبية ، مضحكة ، فان تكرارها يجعل الناس يصدقونها ، ومن بينهم الذين قاموا بتأليفها ونشرها . كل يوم ، تزداد شهرة هؤلاء الأشخاص ، ويتثبت تربعهم على عرش الاعلام . وبالتالى يزدادون غرورا ، وامعانا فى تضليلاتهم . يعيشون فى سعادة ، فخورين بانجازاتهم المتواصلة . لكننى أعتقد أن السعادة ، ليست كل شئ فى الحياة . من أين تأتى السعادة ، هو المقياس . فالسعادة التى تتحقق على حساب الآخرين ، لا تسعد . قال الفيلسوف الألمانى " ايمانويل كانت " أحد أعمدة التنوير الأوروبى 22 أبريل 1724 – 12 فبراير 1804، " لا يهمنى كثيرا أن أعيش بسعادة ، ولكن أن أعيش بشرف ". وكما قلت فى البداية ، فاننى أعتقد أنه من الأشرف ، والأكرم للانسان ، أن يسكت ، عن ارتكاب فعل التضليل ، الذى أراه يماثل بالضبط ، وبكل دقة ، أن يسكب الانسان العطر ، فوق أكوام القمامة . واذا لم يستطع الانسان فعل ذلك بنفسه ، ليس عيبا أن يطلب المساعدة ، ويترك المهمة لغيره القادر على المهمة . لكن الاحتفاظ بالقمامة ، وتراكماتها ، ورشها بالعطور ، لتحسين الصورة ، والتخفيف من الروائح الكريهة ، فهذا سلوك فى عداء أصيل ، مع النظافة ، والصحة والتحضر . كما أنه لا يجمل الوضع . على العكس ، لأن الهجين المتولد من تزواج القمامة بالعطر ، هو " مسخ " أكثر قبحا ، فى الشكل ، والرائحة . لا هو بالقمامة ولا هو بالعطر . هذا هو الفارق الجوهرى ، بين المجتمعات المتقدمة ، التى تنظف قيمها ، ومفاهيمها ، وثقافتها وتشريعاتها وقوانينها ، أولا بأول ، ولا تقبل بتراكم قمامة العقول ، وتضليل الناس عن عواقبها الصحية والحضارية الوخيمة ، برش العطور فوقها . كل يوم ، تتسع الفجوة بيننا ، وبين الشعوب التى اعترفت بكل تواضع ونزاهة ، بأخطاء الماضى ، وقررت جديا عدم اضاعة الوقت ، فى تكرار تجارب مريضة ، معوجة الرؤية ، مختلة التوازن ، أثبتت فشلها ، واجرامها فى حق الانسانية ، والرقى الحضارى . والمشكلة فى بلادنا ، ليس فقط رش أو وضع العطور ، فوق قمامة العقول ، التى تأكد عدم صلاحيتها فى انجاز أى منتج حضارى ، يفيدنا ، وينفع البشرية . ولكنها أيضا ، فى التعامل مع هذه القمامة ، وكأنها من المقدسات . والمعترض على حمايتها ، و رشها بالعطور ، هو بالضرورة عضو فاسد ، خبيث النوايا ، وجزء من مؤامرة كونية ، تهدف الى طمس هويتنا ، ويجب عزله ، وبتره . والأمثلة كثيرة ، لا تحصى ، على قمامة العقول ، التى ترش يوميا ، من هؤلاء المضللين ، فى الاعلام . وكم يبهرنى حقا ، تلك الثقة العالية ، أو اذا شئنا الدقة ، " البجاحة " ، التى يدافعون بها عن قمامة العقول ، وعن ضرورة حمايتها من الغزوات الخبيثة لشركات النظافة ، والمتطوعين من جبهة تطهير وتجميل الوطن . وكلنا نعلم ما هى البجاحة ، وكم هى منتشرة من حولنا . على سبيل المثال ، الانسان " البجح " ، هو القائل : " ادينى حسنة وأنا سيدك ". أو هو الذى ينزل ضيفا ، على أحدهم ، ثم يعطى نفسه الحق ، فى تغيير أوضاع وألوان الأثاث فى بيت لا يملكه ، واعادة صياغة العلاقات والقانون ، بين أفراد البيت ، بل ويعتبر أن صاحب البيت ، هو المدين له . فقد سخره الله سببا ، لأن يفعل الخير ، ويأخذ ثوابه . وتنقلب الآية ، فى مشهد عبثى غريب ، حيث يصبح " الآخذ " هو " الدائن " ، و" العاطى " هو " المدين ". " يقتل القتيل ويمشى فى جنازته " ، ألا يعبر هذا المثل الشعبى ، عن قمة " البجاحة " ؟. لا يمر يوم ، الا ويشهد المضللون ، انتصارات جديدة فى كل مجال ، للبلاد التى لا تتعايش ، ولا تتصالح ، ولا تنام فى فراش واحد ، مع قمامة العقول . ولا يمر يوم ، الا ويشهد هزيمة جديدة للبلاد التى ترش العطور على قمامة العقول ، ومخلفات الفكر . ولكنهم بارعون فى ايجاد تفسيرات كثيرة ، ليس من بينها ، رش العطور فوق قمامة العقول المتراكمة . من مقولات المهاتما غاندى 2 أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948 : " لا أسمح لأى انسان أن يدخل عقلى بأقدام متسخة ". ورغم أننى من عشاق " غاندى " ، الا أننى أختلف معه ، قائلة : " حتى لو كانت أقدامه نظيفة ، لا يجب أن نسمح لأحد ، أن يدخل الى عقولنا ". بعض الناس يفرضون على ضيوفهم بكل صرامة ، خلع الأحذية على عتبة الشقة من الخارج ، خوفا من دخول الأوحال والقاذورات . ليتهم يفعلون الشئ نفسه ، مع عقولهم . " العقل " هو بيتنا الحقيقى ، ومناعتنا القوية . لماذا نبخل عليه بالنظافة والتجدد ، وتوفير الأمن اللازم لمهمته النبيلة ؟. و" العقل " مثل المظلة ، لا يعمل الا اذا انفتح . و" العقل " لا ينفتح ، الا بالتخلص من الأدران المتراكمة عبر الأزمنة . =========================================
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة بالبريد السريع القلق .. ارجعى يا مصر الينا
-
تيد كازينسكى كيف تحول من عبقرى الى مجرم ؟
-
- فنسنت فان جوخ - يقتل نفسه و - ثيو فان جوخ - يقتله سلفى جها
...
-
اليه أعود .. فى ليلة ممطرة قصيدتان
-
تجديد الفكر الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة
-
المسرحية .. أين قلبى ؟ .. شهوة النكاح ثلاث قصائد
-
يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع لشبه الج
...
-
فى المطار .. انتحلت شخصيتى قصيدتان
-
القرار .. فقط حينها .. الطبيب الشرعى ثلاث قصائد
-
أعجز عن النوم مع - الكذب - فى فراش واحد
-
وردة دُفنت .. أحبك قصيدتان
-
- المصرية اليوم - تهدى باقة ورد الى - المصرى اليوم -
-
الوطن المحشور .. خمس قصائد
-
شرطة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - تتنكر فى شكل- المطو
...
-
البئر الملوثة .. قصيدة
-
الخطاب الأخلاقى للنساء فقط
-
ليس من وظائف الدولة المدنية مكافحة الالحاد والفكر اللادينى
-
لماذا مع - التدين بالفطرة - وتضخم - التدين المغروس - انحدرت
...
-
الجهر بالافطار فى نهار رمضان من أساسيات الدولة المدنية
-
تمهيد التربة لزراعة المواطن الصالح والمواطنة الصالحة
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|