|
الرَّفيق عيسى خشَّان.. كان مناضلاً شيوعيَّاً عُمَّاليَّاً بهِمَّةٍ عالية
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8094 - 2024 / 9 / 8 - 23:03
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
الرفيق خالد الذكر عيسى خشان (أبو محمد) كان مناضلاً عمالياً صلباً، ولم يكن هناك من يجاريه في حيويته، ونشاطه متعدد الأوجه، وإخلاصه في أداء واجبه النضالي.. مهما كانت الظروف معقدة، وقاسية، أو خطرة. كان صلباً وشجاعاً. وإن ذكره الطيب لحاضر دائماً في كل منعطف وطني ونضالي للشيوعيين والطبقة العاملة. ولقد اختار أن يكون شيوعياً بسبب تعلقه بالمبادئ الثورية، وشجاعته الكبيرة، ونمط تفكيره العلمي، وميله الشَّديد إلى العدل والانصاف.
وُلد الرفيق عيسى خشان في قرية بركوسيا التابعة لمحافظة الخليل في آذار من العام 1938، ونشأ في عائلة فلاحية بسيطة، تعيش من ناتج عملها في زراعة أرضها. ثم أكمل تعليمه الابتدائي في قرية بيت جبريل المجاورة؛ وبسبب عدم توفر مدارس بصفوف أعلى في قريته، أكمل دراسته الإعدادية والثانوية في مدرسة الشريف حسين بن علي في مدينة الخليل.
بعد تهجير سكان قريته كلهم، بأيدي العصابات الصهيونية، في العام 1948، انتقل مع عائلته إلى مخيم الفوار المجاور لمدينة الخليل. وهكذا، بدأت رحلته في التعرف على الحزب الشيوعي الأردني، وقد انضم إليه وهو لا يزال في السابعة عشرة من عمره. ويُذكر أنه تقدم إلى امتحانات الصف الخامس ثانوي (المترك) في العام 1955 وهو في السجن بسبب نشاطه في منظمات الحزب. ولاحقاً، تعرض أيضاً للاعتقال والسجن، مرات عدة. ومع ذلك، كان بعد خروجه من السجن، مباشرة، يلتحق مجددًا بمنظمات الحزب، ويواصل نشاطه فيها، غير عابئ بمعاناته الشديدة من آثار الاعتقال والتعذيب.
في العام 1961، تزوج الرفيق خالد الذكر عيسى خشان من رفيقة عمره الرفيقة انتظار شعبان، وأسسا معاً أسرة ثورية صغيرة، مكونة من أربعة أولاد وأربع بنات. وقبل حرب العام 1967 بأشهر قليلة، انتقل مع عائلته إلى الضفة الشرقية للأردن بحثًا عن فرصة عمل، وتمكن من الحصول على وظيفة في دائرة الملاريا بوزارة الصحة الأردنية. لكن، سرعان ما تم فصله بسبب نشاطه السياسي وعضويته في الحزب الشيوعي الأردني. وخلال تلك الفترة، تعرض لملاحقة مستمرة من قبل السلطات التي سعت إلى تضييق سبل العيش عليه بطرق متعددة؛ كان أبرزها، فصله من العمل في جميع المستشفيات التي عمل فيها كفني مختبرات.
في العام 1970، التحق أبو محمد بقوات الأنصار، التي تشكلت كقوة للعمل المسلح ضد العدو الصهيونيّ تابعة للحزب الشيوعي الأردني. ولكن، خلال تلك الفترة، وُجه إليه اتهام، بالاشتراك في محاولة للانقلاب على قائد جيش التحرير الفلسطيني في الأردن، مما اضطره للفرار إلى سوريا، حيث بقي هناك لعدة سنوات. وبعد صدور عفو عام عن جميع المتهمين بمحاولة الانقلاب، عاد إلى الأردن وتفرغ للعمل النقابي.
لقد استحق الرفيق عيسى خشان أن يكون أحد قياديي الحزب الشيوعي الأردني، وتخصص بالعمل النقابي العمالي، وكان من بين الرفاق الأكثر بروزًا وتأثيرًا في الأوساط العمالية، على المستويات المختلفة؛ السياسية، والتنظيمية، والجماهيرية، والمؤسساتية.
ولأنه كان متميزاً في تنفيذ كل الأعمال الموكلة إليه بإخلاص واتقان، استحق أن يتقلد العديد من المسؤوليات النقابية المهمة، منها عضوية المكتب المركزي في الاتحاد العام لنقابات العمال. وفي أواخر السبعينيات، أُنتُخِبَ رئيساً لنقابة عمال الخدمات الصحية، وقد تكرر انتخابه لهذا المنصب مراراً ولسنوات طويلة. ولم تنجح كل المحاولات التي جرت لتقليص نسبة تأييد زملائه العمال له وإبعاده عن رئاسة النقابة، خاصة بعد أن جعلها خلية نحل ناشطة بفضل إنجازاته، ونزاهته، وإخلاصه لمصالح الطبقة العاملة، لتصبح تجربته النقابية متميزة ورائدة.
ومن خلال موقعه القيادي في الحزب الشيوعي الأردني وفي النقابات العمالية، اضطلع الرفيق أبو محمد بأدوار مهمة في المعارك النقابية التي خاضتها الحركة العمالية الأردنية في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته. كما ساهم، باسم الحزب، في صياغة العديد من الوثائق المهمة التي استرشدت بها هذه الحركة في نضالها الطويل. وقد مثل النقابات الأردنية في العديد من المؤتمرات والندوات الإقليمية والعربية والدولية. وإن ما ميز المناضل العمالي عيسى خشان هو تمسكه بالدفاع عن حقوق الطبقات الكادحة، وربطها بالقضية الوطنية وبقضية الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة، ومنحها بعداً أممياً وإنسانياً.
خلال فترة توليه رئاسة نقابة الخدمات الصحية، عُرف أبو محمد بمواقفه الصلبة والقوية في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة. وقد استمر بأداء دوره النضالي وعطائه العمالي حتى وفاته المفاجئة في مستشفى في موسكو، في 28 تشرين الثاني 1986، نتيجة مضاعفات عملية قلب مفتوح أجريت له. وكان، عند وفاته، في الثامنة والأربعين من عمره. وقد أمضى حياته في النضال من أجل العمال والكادحين ونصيراً ثابتاً لقضية الاشتراكية. نقل جثمانه الطاهر إلى الأردن، حيث شاركت في جنازته قطاعات واسعة من الطبقة العاملة والنخب السياسية والشخصيات العامة، بالإضافة على رفاقه الشيوعيين.
لقد ترك الرفيق خالد الذكر عيسى خشان، ابن الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي، بصمات واضحة في تاريخ نضال الحركة السياسية والعمالية الأردنية؛ حيث إنه كان مثالاً ساطعاً للثبات على مبادئه وقيمه الثورية، والصمود أمام الضغوط والمغريات المختلفة. وإن إرثه النضالي يصلح أن يكون قدوة للشيوعيين جميعاً وللأجيال اللاحقة.
غادر القائد النقابي والمناضل الشيوعي الكبير عيسى خشان هذه الحياة، وهو لا يزال ابناً وفياً للطبقة العاملة والفئات المسحوقة، وبعد حياة حافلة بالعطاء والتضحيات، والكفاح السياسي والنشاط النقابي.
ولقد كان أبو محمد إنسانًا شهمًا أصيلًا، لا ينضب معينُه في البذل والعطاء وخدمة الناس، وخاصة جموع الكادحين. وبرحيله، خسرت الحركة الوطنية الأردنية أحد الفاعلين الأساسيين فيها، الذي كان يقوم بدوره النضالي في رافد مهم من روافدها، هو الحركة العمالية الأردنية.
رحل كما يرحل المناضلون الكبار، بهدوء ومن دون ضجيج، بعد أن عاش حياته كلها في معمعان النضال ومصاعبه وقسوته.. خصوصا خلال السنوات الطويلة التي اضطر أن يمضيها في السجون والمعتقلات الصحراوية.
وفي ختام هذه النافذة، نجدد العهد على الالتزام بالمبادئ والقيم التي كرّس الرفيق خالد الذكر عيسى خشان حياته لها؛ وعلى مواصلة النضال من أجل الأهداف والغايات التي طالما ضحّى رفيقنا الراحل من أجل تحقيقها.
وتحية لذكراه العطرة؛ هذا الشيوعي المتميز، الذي نتذكره دائماً بالفخر والاعتزاز؛ والمجد، كل المجد، لاسمه البهي المكلل بالغار والمزدان بالأرجوان.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الَّذي كان يريده المناضل نبيل قبلاني من الرَّفيق حيدر الز
...
-
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ور
...
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|