ميكانيكا اللغة والمعنى

حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 8093 - 2024 / 9 / 7 - 22:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

تهدف ميكانيكا اللغة إلى دراسة اللغة علمياً و ذلك من خلال اكتشاف القوانين العلمية المُتحكِّمة باللغة وصفاتها. من هذا المنطلق، قانون أساسي من قوانين اللغة هو التالي: قوة اللغة = كثافة المعاني × تسارع المعاني. هذا يعني أنَّ قوة اللغة تساوي كثافة المعاني مضروبة رياضياً بتسارع المعاني. أما كثافة المعاني فهي حضور العدد الأكبر من المعاني الممكنة والمحتملة والصادقة واليقينية والقدرة على الاستنتاج منها العدد الأكبر من الاستنتاجات الممكنة والمحتملة والصادقة واليقينية بينما تسارع المعاني هو سرعة حضور تلك المعاني واستنتاجاتها في الذهن. كلما ازدادت المعاني واستنتاجاتها في لغة معينة وازداد تسارع حضورها في الذهن، إزدادت قوة اللغة بفضل ضرورة الاعتماد عليها من جراء احتوائها على العدد الأكبر من المعاني. لذلك قوة اللغة = كثافة المعاني × تسارع المعاني. فاللغة الضعيفة تحتوي على معان ٍ قليلة وحضور معانيها في الذهن ضعيف بسبب قلة معانيها. وبذلك قوة اللغة تساوي كثافة المعاني مضروبة رياضياً بتسارع المعاني. و هذا قانون علمي لأنه قابل للاختبار. فإذا وُجِدت لغة قوية ولكنها تفتقر إلى كثافة المعاني وتسارع معانيها حينئذٍ قانون اللغة السابق كاذب. وبذلك هو قانون قابل للاختبار ما يجعله علمياً.

القانون السابق يعبِّر عن أنَّ قوة اللغة كامنة أيضاً في الصُوَر التي تقدِّمها. فالصُوَر الأدبية والفلسفية والعلمية ليست سوى تعابير عن معان ٍ خفية. المعنى صورة مستترة بينما الصورة معنى كامن. وبذلك القانون السابق الذي يحلِّل قوة اللغة من خلال كثافة معانيها وتسارع حضور تلك المعاني يعبِّر عن أنَّ قوة اللغة كامنة أيضاً في صُوَرها الأدبية والفلسفية والعلمية و ذلك لأنَّ الصورة تعبير عن معنى. هكذا قانون اللغة السابق ينجح في التعبير عن أنَّ قوة اللغة متكوِّنة مما تحتوي من معان ٍ و صُوَر مُعبِّرة عن معان ٍ. و هذا النجاح يشير إلى مقبولية قانون اللغة السابق وصدقه. مثلٌ على أنَّ الصورة معنى كامن قصة الكهف لأفلاطون التي تقدِّم صورة عن وجود أفراد في كهف وتمكّنهم من التحرّر من كهفهم و رؤية الشمس والظواهر على حقائقها. هذه الصورة الأدبية والفلسفية تعبير عن معان ٍ عديدة منها معنى أنَّ المعرفة الحقيقية هي إدراك المُثُل الموجودة في عالَم مثالي وأزلي مختلف عن العالَم المادي الذي نحيا فيه. فالكهف عالمنا المادي الكاذب بينما الشمس و ما تُظهِر من وقائع فهي الحقائق المثالية والمجرّدة وغير الزائلة. هكذا الصورة معنى كامن. مثلٌ آخر ما قدّمه أينشتاين بصورة "إنَّ الله لا يلعب بالنرد" التي تعبِّر عن معان ٍ عديدة منها أنَّ قوانين الطبيعة حتمية وليست احتمالية. فصورة الله الذي لا يلعب بالنرد ليست سوى معان ٍ دقيقة منها معنى حتمية القوانين الطبيعية.

أما ميكانيكا المعنى فتدرس المعاني علمياً من خلال اكتشاف قوانينها القابلة للاختبار كقانون المعنى التالي: قوة المعنى = كثافة الاستنتاج × تسارع الاستنتاج. هذا يعني أنَّ قوة المعنى تساوي كثافة استنتاج الاستنتاجات مضروبة رياضياً بتسارع استنتاج تلك الاستنتاجات. أما كثافة الاستنتاج فهي القدرة على استنتاج العدد الأكبر من الاستنتاجات الصادقة المطابقة للواقع أو الاستنتاجات المسموح بالنطق بها على ضوء الأدلة عليها أو الاستنتاجات التي من المُبرَّر استعمالها في سياق معيّن بينما تسارع الاستنتاج فهو سرعة استنتاج الاستنتاجات السابقة. وبذلك معاني العبارات مُحدَّدة من خلال ما هو صادق في الواقع و من خلال ظروف النطق التي تسمح بنطق العبارات كما هي مُحدَّدة باستعمال العبارات وسياقها. من هنا، يوحِّد قانون المعنى السابق بين مذاهب المعنى المتنافسة كالمذهب القائل بأنَّ المعنى مُحدَّد بما يطابق الواقع والمذهب القائل بأنَّ المعنى مُحدَّد بظروف النطق والمذهب الذي يقول إنَّ المعنى مُحدَّد بالاستعمال والسياق. و بما أنَّ قانون المعنى السابق يوحِّد بين مذاهب المعنى المتنافسة، إذن يحلّ الخلاف فيما بينها. و هذه فضيلة أساسية تدلّ على نجاح قانون المعنى السابق ومقبوليته.

بالإضافة إلى ذلك، إذا وُجِد معنى لا يؤدي إلى أيّ استنتاج صادق أو أيّ استنتاج من المتاح النطق به أو لا يؤدي إلى استنتاج من الممكن استعماله في سياق معيّن فحينها هو معنى ضعيف. لذلك قوة المعنى = كثافة الاستنتاج × تسارع الاستنتاج. و هذا القانون قانون علمي لأنه قابل للاختبار. فإن وُجِدت عبارات ذات معان ٍ قوية ولكنها لا تستدعي استنتاج معان ٍ عديدة ومتنوّعة و لا يتسارع حضور معانيها و ما يُستنتَج من معانيها فعندئذٍ قانون أنَّ قوة المعنى = كثافة الاستنتاج × تسارع الاستنتاج هو قانون كاذب. وبذلك من الممكن اختباره ولذلك هو قانون علمي.

#حسن_عجمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات