أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - شرطة الذائقة السمعية














المزيد.....

شرطة الذائقة السمعية


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8093 - 2024 / 9 / 7 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


في يوم ما قبل عقود وقفت أمام الموسيقار العراقي سمير بغدادي وبادرته بسؤال عن صحة حكاية مثيرة عنه قرأتها مرة وسمعتها مرات من كبار الفنانين العراقيين.
كان هذا الفنان يرأس لجنة لفحص الأصوات في الإذاعة والتلفزيون، تأمل بغدادي أحد الذين قدموا للاختبار وسأله “أي الأطوار تغني، المقام العراقي، الأغنية الريفية، أم البغدادية”، أجاب المُختبَر بثقة تنم عن جهل بعلوم الغناء “أنا قادر على أداء كل الأطوار”! لم يلتفت سمير بغدادي إلى علامات الاستغراب على ملامح زملائه في لجنة الاختبار، وقال له “على بركة الله أسمعنا ما لديك”.
لم يدم الاختبار طويلا، عندما حسم رئيس اللجنة الحكاية بنصيحة ثمينة مخاطبا الرجل الحالم بأن يكون مطربا، بجملة طالما وددت اقتباسها اليوم في الزمن الشاذ لاختطاف الأغنية العراقية “ابني أنت في تطفلك هذا على الأغنية العراقية، تمارس جريمة يحاسب عليها القانون، فلا صوتك يصلح للغناء ولا أنت على معرفة بالأطوار الغنائية، فأنصحك ألا تقترب من هذا الشأن لأنك تسهم في تشويه الذائقة السمعية. وإن أعدت الكرة ثانية فأنت معرض لطائلة القضاء”!
ليس مهما ما حدث بعد ذلك، فربما صار هذا الرجل أحد مطربي الحفلات الشعبية وسجل أشرطة غنائية أو أخذ بنصيحة الفنان سمير بغدادي ولم يقترب من الغناء بتاتا. لكن الأهمية تكمن اليوم في ما إذا كان بمقدور كبار الفنانين المجازفة بتقديم تلك النصيحة الثمينة، ومن يعتد بها أصلا، وهل بقي مثل هذا القانون للمحافظة على الذائقة السمعية؟
ما زلت أتذكر رد الفنان العراقي الراحل سمير بغدادي على شغفي الصحافي آنذاك، وقال نعم القصة صحيحة تماما، لكن ينبغي لك أن تسألني اليوم لو أعيد نفس المشهد هل بمقدوري أن أعيد نفس النصيحة؟
عندما يتعلق الأمر بالعراق، فالذائقة مختطفة مثل كل شيء والقانون مستباح ولا قيمة له أمام السلاح المنفلت، لذلك يصبح نوعا من البطر أن تطالب بقانون لحماية الذائقة السمعية إذا كان دم البشر يراق في موت عبثي!
فهؤلاء الجهلة في علوم الغناء لم يكتفوا بتحويل الأغنية العراقية إلى مجرد مراث طائفية فجة، بل سرقوا الألحان القديمة لكبار فناني العراق وركّبوا عليها نصوصا مترهلة، فارغة من أي مدلول، بما فيها الأغاني الوطنية وأغاني حرب الثماني سنوات مع إيران.
مَنْ من هؤلاء يشعر بالخجل وهو يعلق شارة العار الفني في سرقة لحن الدكتور علي عبدالله لقصيدة كاظم إسماعيل الكاطع “ياكاع ترابك كافوري”، بل هل تشعر المحطات الفضائية بأي مسؤولية أخلاقية وهي تعيد أغاني رثة مركبة على لحن الموسيقار جعفر الخفاف لقصيدة كاظم الرويعي “على ظهور الشقر شدو الخيالة”؟ أشك في ذلك!
هناك محاكاة ساخرة لتاريخ الأغنية العراقية ومن المؤكد أن اختلاق الأشياء عندما لا تستطيع فك أصولها يشوه الذائقة ويهين التاريخ بصلافة. وليس مثال لحني الفنانين الخفاف وعبدالله حالة نادرة، بل إن الأصل في ما يحدث اليوم هو استيلاء غير مشروع وتشويه لألحان عراقية خالدة.
لا يوجد من يحاسب هؤلاء على تمسكهم بالتفاهة، بل يتم الاحتفاء بهم عندما يسمح لهم بتقديمها من شاشات فضائية حكومية وحزبية تزعم بأنها عالية الحساسية الإعلامية!
إن السخافة أمر مسموح به اليوم في ما يسمى بلا عدالة “الغناء العراقي”، فإذا انعدم الصحيح يمكن لكل شيء أن يكون كاذبا، وليست الأغنية وحدها المختطفة عندما يعمل هؤلاء بسلطة الذاكرة الملفقة لتدمير مستقبل العراق، بينما نحن بحاجة إلى مقاومة النسيان عندما يتعلق الأمر بمصير ذاكرة أمة ومجتمعات يراد لها أن تفقد ذاكرتها بشكل متعمد وبغيض. فهناك من يزعم بصلافة أن الاستيلاء على ألحان أجيال من فناني العراق وتحويلها إلى أناشيد رثة لتمجيد الميليشيات ولصوص الدولة، أمر بمقدوره العبور بسهولة على الذاكرة الوطنية.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل بمقدور المالكي التخلص من خوائه الطائفي؟
- كراسي حمودي الحارثي
- عبث أخبار الخنازير والكلاب
- سيلفيا تكتب إلى بايدن بعد نصف قرن من موتها!
- سنبقى نحب حسين نعمة!
- يمين متطرف أم لا إنسانيين؟
- الذكاء الاصطناعي لا يصل إلى نكهة القهوة
- معضلة تعليب وتسليع الأخبار
- ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
- من يُعيد أيامنا العصيبة؟
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
- إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
- ماذا لو خسرت إنجلترا؟
- استثمار زائف في ديمقراطية مملة
- درس من مناظرة ترامب وبايدن
- ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
- الحرية تكمن في الموسيقى وحدها!
- عزلة جو بايدن الأوروبية
- شطرنج كرة القدم
- أوروبا المحبطة أمام خطر مميت


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - شرطة الذائقة السمعية