أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه محمد يوسف - -تآكل الإرث التاريخي (1)-















المزيد.....

-تآكل الإرث التاريخي (1)-


طه محمد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8091 - 2024 / 9 / 5 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بحلول نهايات عام 2010، كان قائد سلاح الجو المصري السابق حسني مبارك قد أمضى قرابة الثلاثين عاما فى حكم مصر. أخذ مبارك على عاتقه تأمين الطريق لابنه الأصغر جمال ليخلفه على حكم مصر. بخلاف ذلك، ثمة عراقيل لاحت فى أفقه السياسي. فقد كان الجيش يمثل حجر عثرة شديد المراس بتهديده لنظام الحكم على فترات متقطعة، إلا أنه نجح في تقليص قوته فى عام 1989 بانزال ضربة نالت من سمعة وزير الدفاع المشير عبد الحليم أبو غزالة صاحب الشخصية النافذة فضلا على تعزيز نفوذ قوات الأمن والمخابرات فأفرد لها مكانا منافسا للجيش وأداة قمعية لكل حركات التعبير السياسي تحت قيادة اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة. وغدا الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم مطية لابنه جمال، الذي لم يأل جهدا لتوسيع نطاق نفوذه الذي امتد لأجهزة الدولة ومد شبكة واسعة من العلاقات اسهمت فى احكام السيطرة على الحياة السياسية لفترة طويلة. تمخض عن الانتخابات البرلمانية التي أجريت فى وقت سابق من العام نفسه، والتي كانت مصحوبة بتزايد وتائر أساليب الاحتيال والترهيب، بفوز ساحق للحزب الوطني الديمقراطي، مما رفع من إجمالي مقاعده البرلمانية إلى 420 من أصل 444 مقعدا مقارنة بعدد 330 مقعدا فاز بها في انتخابات عام 2005 والتي صنفت الأكثر حرية ونزاهة. على الجانب الآخر، فقد تقلص عدد مقاعد جماعة الاخوان المسلمين، التي تعتبر القوة المعارضة المنظمة الوحيدة، من 88 مقعدا فازت بها في إنتخابات 2005 إلى مقعد واحد فقط. وبالتالي، كان يُتوقع أن يكون البرلمان المنتخب حديثا في عام 2010 أقل صخباً، ولا يشكل تهديداً لعملية خلافة الإبن.
أما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية ، التي تعد الفرع الثالث للسلطة، فلم يدخر مبارك جهده في سبيل نزع شوكتها. وقد حول اهتمامه إليها في أعقاب انتخابات عام 2005، فعمد إلي التغييرات الدستورية، وترهيب القضاة المستقلين في نادي القضاة، والتدخلات السافرة في إدارة القضاء لإخضاع هذا الفرع الثالث ليكون أداة طيعة لتكون سلطة تنفيذية واسعة النفوذ بحلول عام 2010. وانتهى الأمر بتعرض منظمات المجتمع المدني لقبضة قانونية أشد صرامة وتقييدا، وباتت تأن تحت وطأة الحظر الذي تفرضه الحكومة المصرية على مصادر تمويلها، وخاصة الأجنبية منها. وعلى صعيد آخر فقد امتثلت وسائل الإعلام الخاصة، حديثة النشأة، على مضض "للخطوط الحمراء" التي خطها النظام بشكل أكثر إحكاما. خلاصة القول، كان مبارك في العام الجديد 2010-2011 على رأس نظام قمعي استبدادي ينمو بشكل مطرد به مسحة من الاستقرار، عاقدا عليه الأمل في توريثه لابنه، رغم المقاومة المهتزة من القوات المسلحة والتذمر غير الفعال من قوي المعارضة ونشطاء المجتمع المدني.
لم يمض كثير وقت وفي الخامس والعشرين من يناير / كانون الثاني 2011، حدث انفجار سياسي حقيقي عندما تدفق آلاف المتظاهرين، بتشجيع من نشطاء المجتمع المدني الذين تواصلوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي – أو كما يطلق عليهم باللغة العربية "الفيسبوكيين"- إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم من مبارك، وتعالت نداءاتهم مطالبة بسقوط نظامه. في غضون أيام، اهتزت القاهرة والاسكندرية وبورسعيد والاسماعيلية ومراكز حضرية مختلفة في الدلتا بهتافات المتظاهرين في واحدة من أكبر التجمعات منذ جنازة الرئيس عبدالناصر عام 1970. ومع تزايد تقاطر الحشود في مواجهة قوات الأمن التي أثبتت فشلها في تعاملها نتيجة إعدادها السيء، وبموافقة ضمنية من الجيش، انهار نظام مبارك الذي ظل قائما لمدة ثلاثة عقود تقريبا وذلك فى غضون ثمانية عشر يوما، وبعدد قليل من الدماء المراقة نسبيا. وانطلق مبارك إلى مكمنه في شرم الشيخ على الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء فى انتظار مصيره.
للوهلة الأولي، بدت هذه الأحداث الدرامية وكأنها مثال حي على "الثورة الملونة"، الشبيهة بتلك التي اجتاحت الاتحاد السوفيتي السابق ومنطقة البلقان. والتي أحاطت بها أجواء غير عنيفة وقادتها منظمات غير حكومية، وارتكزت على قوة الشعب دون غيرها للاطاحة بالنظم الاستبدادية والتحول إلى الديمقراطية. وقد بدا أن مئات الآلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة يجسدون هذه القوة الشعبية، بما في ذلك المسلمون والمسيحيون، والمهنيون والعمال من الطبقة المتوسطة، والشباب والعجائز، والنساء والرجال. ولكنها ما أن خطت خطوات نجاحها الأولي حتي تصدعت هذه اللُحمة بفعل قوتين متنافستين. أحدهما كان الجيش، الذي زعم كذباً أنه " يد واحدة " مع المتظاهرين، وشرع على الفور في تأكيد سلطته تحت قيادة محمد حسين طنطاوي الذي خدم لفترة طويلة كوزير للدفاع في عهد مبارك والعمل على التغلب على الحماسة التي اكتنفت المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. أما القوة المنافسة الثانية فهي جماعة الاخوان المسلمين، التي شاركت بكل تفانِ في التصدي لقوات الامن في ميدان التحرير ومحيطه، ومن ثمّ فقد اعتقد قادتها وأعضاؤها أنهم، وليس المتظاهرين الفيسبوكيين العلمانيين، من خططوا لإسقاط مبارك. وبالتالي فلهم كل الحق في الانخراط سياسيا داخل النظام الوليد الذي سيقيمونه بالتعاون مع الجيش.
خلال العامين اللاحقين، لعبت القوات المسلحة دورا ينطوي على المكر ضد جماعة الاخوان المسلمين*، فقامت أولاً بتسليمها السلطة المدنية نكاية في القوي العلمانية الديمقراطية، ثم الالتفاف عليها وتقويضها ببراعة قبل أن تطيح بها بانقلاب عسكري في يوليو 2013. خلال هذه الفترة، تعاون الضباط والاخوان لاصلاح الهيكل الأمني سيء السمعة، وسعى كلاهما لتحويل دفة الأمن ضد الآخر وضد عدوهم المشترك، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع المدني الذين اشعلوا جذوة التظاهرات في البداية. كما تعاونوا أيضا على صياغة دستور جديد منح القوات المسلحة صلاحيات لم تمارسها من قبل،في المقابل قانون انتخابي يضمن الفوز للاخوان، وتفتح أبواب البرلمان على مصراعيه أمامهم. انعكس كل ذلك على المؤسسات الحكومية، فقد عانت مؤسسات القضاء والبرلمان وجزء كبير من الجهاز الإداري، من أضرار سبّبها ذلك النزاع على السلطة والذي كثيرا ما يدور داخل هذه المؤسسات وبينها، وأفقدتها أي دور لحيادها ومهنيتها. أما المجتمع المدني، فقد تم تهميشه باستخدام القبضة الغاشمة للأجهزة الأمنية المعاد هيكلتها والمدعومة من المؤسسة العسكرية.استقال محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل، والذي يمكن اعتباره رمزاً للاحتجاجات والرجل الوحيد القادر على رأب الصدع بين قوى الثورة، من منصب نائب رئيس الجمهورية احتجاجاً على سفك دماء أكثر من 800 مؤيد لجماعة الاخوان على يد قوات الجيش والأمن في ساجتي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة في أغسطس 2013. ذاهبا غلى منفاه بإرادته ولم يعد إلى الآن، ويرمز غيابه إلى غياب المجتمع المدني بشكل عام.
وهكذا تبين أن الانتفاضة أبعد ما تكون عن "الثورة الملونة"، بل ثورة تحمل بين احشائها انقلابا، كتحليلا لممارسات المجلس العسكري. فقد وجه الجيش ضربات قاصمة لكل من نشطاء المجتمع المدني والإخوان المسلمين، فطفي على السطح تفسيران الأول هو الاعتقاد بأن الضباط سيحققون اصلاحات سياسية جذرية،والثاني أن هؤلاء الضباط سيعتمدون على الاخوان كأداة رئيسية للحكم المدني. في الواقع كان قادة المجلس العسكري يعتزمون منذ البداية التخلص من مبارك، ثم حمايته بعد ذلك، للحيلولة دون فقدان الدور السياسي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية ومن ثمّ العمل على تمدد هذا الدور. ورغم أن ذلك تطلب مناورات سياسية ترمي لتحقيق الهدف – بما في ذلك تغييره لقيادته، واستبدال المشير طنطاوي بالجنرال عبد الفتاح السيسي في سبتمبر / أيلول 2012 – وآتت المناورات أكلها. فقد استخدم المجلس العسكري الإخوان في البداية لسحق "الثوار" من ذوي الايدلوجية العلمانية واستغلال ضعفهم التنظيمي وتشتتهم، ثم أعاد تأهيل بعض تلك الوجوه الشابة نفسها لتبرير الانقلاب الذي كانوا يدبرونه ضد الرئيس الإخواني محمد مرسي.
إذا وصفنا هذه الثورة بأنها ملونة، فإنها مصبوغة باللون الاسود. كانت محصلة نتيجتها هي إزالة الطبقات المدنية التي تكونت فوق النظام العسكري الذي بدأت بوادره مع انقلاب جمال عبد الناصر في يوليو 1952 الذي أطاح بالملك فاروق وأسدل الستار على الحكم الملكي. هذه الطبقات المدنية تمثلت في مؤسسات وعمليات حكومة على شكل رئاسة مدنية وبرلمان وانتخابات، منظمات المجتمع السياسي مثل الأحزاب السياسية، وهيئات المجتمع المدني. شكلت مع بعضها بوتقة واحدة خففت على مر السنين من وطأة الحكم العسكري، وجعلته متوارياً عن أعين الرأي العام. ولكن انقلاب 2013 أعاد إلى الواجهة الحكم العسكري المباشر، ممهدا الطريق للضباط لزعزعة جميع مظاهر الحكم المدني، سواء كانت إدارية أو سياسية أو حتي اقتصادية. وقد تفوقت تلك الاجرائية القمعية الموجهة لتقويض المؤسسات والمنظمات والجهات المدنية على نظيرتها التي استخدمها عبد الناصر وزملائه من "الضباط الأحرار" عندما عبثوا بالحكومة والسياسة في خمسينات القرن الماضي. في كلا الحالتين كانت جماعة الاخوان هدفاً رئيساً للاضطهاد، فقد استخدم الجنرال السيسي وسائل اشد فتكا وقسوة مما استخدمه عبد الناصر، بما في ذلك سفك دماء أعضائها في ساحات رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة، وهي أولى الأحداث المشينة في تاريخ مصر "الجمهورية" . بعد ارتقاء السيسي كرئيس في يونيو 2014، أُعيد تأهيل المسؤولين الذين فقدوا مصداقيتهم في عهد مبارك تدريجيا، ليمارسوا أدوارا تفوق صلاحياتهم السابقة. تلخصت الثورة المضادة في قلب ميزان القوى بين مبارك وحاشيته المباشرة من جهة، والجيش من جهة أخرى، مما أدى إلى إقامة جمهورية عسكرية أكثر وحشية من أي وقت مضى منذ الأيام المظلمة لعصر ناصر، مما جعل العديد من "الثوار" والإخوان يتوقون إلى عصر مبارك، بل ووصل الشطط ببعضهم إلى عهد الملكية."
أثارت الأحداث الدرامية التي وقعت منذ يناير/كانون الثاني 2011 أربعة أسئلة لا تنفك عن بعضها. أولا، ما هي أسباب اندلاعها؟ وثانيا، لماذا لم يتوقعها سوى قلة قليلة، بما في ذلك المشاركين فيها؟ ثالثا، لماذا فشلت؟ وأخيرًا، ما هي العواقب التي ترتبت على هذه السنوات القليلة المضطربة في الأفق السياسي للبلاد؟
يتبع...
*استخدم المؤلف في وصف الجيش كلمة mongoose وتعني حيوان النمس ، واستخدم في وصف الاخوان كلمة cobra حية الكوبرا للدلالة على العداء بين النمس والكوبرا في عالم الحيوان والذي ينتهي دائما بانتصار النمس فهو يهاجم الأفعى ويقتلها في أغلب الوقت (المترجم)
(المقال جزء من كتاب Egypt للمؤلف روبرت سبرنجبورج)



#طه_محمد_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مطمور منذ أكثر من ألف عام.. رجل يكتشف خاتمًا مدفونًا بمحيط ق ...
- تسلل إلى الفناء الخلفي.. أسد جبلي يفاجئ رجلًا في منزله وهذا ...
- كاشفا استراتيجية التوغل في كورسك داخل روسيا.. قائد الجيش الأ ...
- السودان.. الكوليرا تودي بحياة 156 شخصا والإصابات بالآلاف
- واشنطن تدعو طاجيكستان للانضمام إلى طريق تجاري لا يمر بروسيا ...
- ملك الماوري الذي دعا إلى الوحدة في نيوزيلندا يوارى الثرى.. غ ...
- -هل ضحى الرهائن الإسرائيليون بحياتهم لبقاء نتنياهو في منصبه؟ ...
- تيم والز: ندعم إسرائيل ولا يمكننا السماح باستمرار ما يحدث في ...
- بعد ترؤسه قداسا حاشدا في إندونيسيا.. البابا فرنسيس يتوجه إلى ...
- -حاملات طائراتنا لن تبقى في المنطقة للأبد-.. تقرير يكشف عن ت ...


المزيد.....

- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه محمد يوسف - -تآكل الإرث التاريخي (1)-