أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام ابو شاويش - عن الحرب و...سراب















المزيد.....

عن الحرب و...سراب


بسام ابو شاويش

الحوار المتمدن-العدد: 8089 - 2024 / 9 / 3 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


..إنها الحرب ومع ذلك فما زلت حيا..لن أسمح لهم بقتلي .سأموت عندما اريد انا...يعني كما قلت لي ذات مساء في دمشق عندما خذلك قلبك...تذكرين سراب ؟...كنت مرعوبا..ضحكت من رعبي وقلت..ثق بي..لن يأخذني الموت إلا عندما اسمح له...سأموت بمزاجي!!! تذكرين سراب ؟؟ الٱن أنا أفعل مثلك...إنها حرب إبادة طالت البشر والحجر والشجر...ومع ذلك لم تطالني بعد... ذكرياتنا الحميلة..أشياؤنا الصغيرة تصحو فجأة .. وردة الربيع الأولى ترسل شذاها فنتنفسه بشهوة...ذهابنا للأمسيات الشعرية ..تعليقاتك المشاغبة على شعراء الحداثة..كلمتك المأثورة كل مرة ..هذا هبل ..ليس شعرا...ثم الذهاب لمجاملة صديق يصدر كتابه الاول...ترفضين النسخة المجانية وتصرين على شراء نسخة..يعتب علينا الصديق فتقولين بجذل: الشيء الذي أدفع ثمنه احافظ عليه أكثر من الشيء المجاني... أستعيد مواويلك الجبلية والمقامات الحلبية..واغاني فيروز عندما تسللنا إلى لبنان هربا من ملاحقة أجهزة الأمن... كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر...خوفي عليك كان يسبب لي رعبا حقيقيا...رجوتك أن تبقي في دمشق...حسمت الأمر بكلمتين...رجلي على رجلك...!!
في بيروت تجلى شغفك بكل ماهو قديم...تجولنا بين المدن وحصلنا على تذكارات جميلة...أشياء تمثل عهودا مختلفة...أعجبتك قلادة تحمل رسما فينيفيا ..رغم ثمنها المرتفع وحاجتنا للمال الا أننا قررنا شراءها...السعادة كانت تقفز من عينيك وأنت تتأملين الرسم الفولكلوري على القلادة التي تأرجحت على صدرك...كنت أكثر سعادة منك...تذكرين سراب العهد القديم بيننا...قلت لي..لو أغضبتني سأنتحر...قلت لك..لن اغضبك وسأفعل كل ما يجعلك سعيدة...هذا وعد سراب...أظنني وفيت بوعدي؟؟
... تتداعى الذكريات ..تطفو على السطح وكأن ماحدث قد حدث بالأمس القريب..
في بيروت في السمرلند..كنا وحدنا تقريبا..كان الوقت مبكرا ورواد المطعم لم يصلوا بعد...شربت الكوكتيل الذي تحبينه واكتفيت أنا بالقهوة ...فاجأتني بشغبك الذي أحبه..طوقتني بذراعيك وهمست "بحبك ...ماذا عنك؟ ضحكت وضممتك إلى صدري وقلت أما أنا فأكرهك جدا جدا...جدا..!!! وضحكنا معا فيما صوت فيروز يداعب ٱذاننا:
بحبك يا لبنان يا وطني بحبك..
....كنا ضيوفا في مخيم شاتيلا...صديقتنا مريم الحيفاوية الرائعة التي استضافتنا تعمل محررة في مجلة خليجية تهتم بشئون المرأة..مريم تتقاضى مرتبا شهريا محترما من المجلة..تعيش في المخيم رغم أن لديها شقة في ارقى أحياء العاصمة..تقول : هنا رائحة أمي وأبي..اعشق هذا المكان..قضيت فيه أجمل ايام عمري...ذكرياتي كلها في المخيم...مراهقتي ...حبي الاول بداياتي في الكتابة..الأشياء الحميمة التي تربطني بالمكان..لا..لا سراب لا استطيع الابتعاد عن مسقط رأسي...
تنهمك مريم بالبحث بين اشرطة الكاسيت...أسألها عم تبحث...تبتسم بخبث وتقول الا تعرف حقا؟ استغربت ردها..تابعت بمكر...اليوم عيد ميلادي...سنحتفل هنا...طلبت عشاء من مطعم كبير...هتفت سراب بجذل...لماذا لم تقولي بالأمس كنا احضرنا لك هدية و...قاطعتها مريم...وجودك انت والعزيز اجمل هدية...كنت مخنوقة من الوحدة..لقد ملأتما علي البيت...عانقتها سراب وتبادلتا القبلات وسط دموع حقيقية من مريم ..تذكرين سراب...عندما سألتها عن سبب البكاء قالت إنها تبكي من الفرحة...فرحتها بنا...
....يومها وهي تبحث عن شريط الكاسيت عثرت على رزمة من الورق...قالت.. وهي تنظر اليك..انظري سراب..منذ أسابيع ابحث عن هذه الأوراق لا أتذكر أني وضعتها في صندوق الأشرطة...أنها مجموعة شعرية أنجزتها خلال الحصار...كتبت عن الحرب وعن مجزرة صبرا وشاتيلا...و...انظري هنا رثاء لصديقنا الشاعر علي فودة...كنا نغني معا قصيدته الجميلة..
إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية
اني اخترتك يا وطني سرا وعلانية...
تذكرين سراب؟؟؟
...ٱه. يا مريم...كتبت عن الحصار وعن الاجتياح..وعن مجزرة صبرا وشاتيلا.. وعن خليل حاوي الذي احتج على الصمت العربي بأن أطلق النار على رأسه من بندقية صيد...انتحر الشاعر الجميل ...لم يحتمل رؤية عاصمة بلده تنتهك من جنود الاحتلال فقرر الغياب ...لكن ..مريم ..من سيكتب عن هذه الحرب المجنونة.؟؟..عن سلسلة من المجازر التي لم تدع طفلا ولا امرأة ولا شيخا...كتبت رثاء للجميل علي فودة وللرائع خليل حاوي ...لكن من يكتب عنا الٱن...؟؟؟ واي رثاء يمكن أن يكون مجديا الٱن...؟؟
مريم ...اكتبي عنا..عن عزة...غزة الناس الطيبين..اكتبي مريم عن أطفال غزة ونساء غزة...خنساوات غزة يا مريم...

كان شتاء بيروت ذلك العام قارسا...كان شتاء مختلفا...وفي الشتاء ..في البرد ينهض
الحزن ويستيقظ الحنين...نصحو متأخرين ..نراقب اشعة الشمس الدافئة وهي تحاول أن تخفف من وطأة البرد...
نجلس في المطبخ الدافىء ..مريم الجميلة أعدت الافطار وركوة القهوة قبل مغادرتها الى العمل...يومها فاجأتني يا سراب بالحديث عن طفولتك...كانت طفولة معذبة..تحدثت عن الفقر والحرمان.. عن الألعاب التي تمنبت أن تحصلي عليها ...أشعلت لفافة..رجوتني أن اشعل لك واحدة...لكن ..سراب..نظراتك المتوسلة جعلتني استجيب..دخنا معا..بأسى قلت..تصور..عندما كبرت وتزوجت وامتلكت المال كان لدي هوس بشراء لعب الأطفال...زوجي اعتقد أنني اشتري اللعب من أجل طفلي القادم...لكنه لم يأت ابدا...استشهد زوجي وفقدت طفلي...حالة الحزن التي عشتها اجهضتني...ولولا ظهورك المفاجىء في حياتي ربما كنت انتحرت...
تذكرين سراب...لقاءنا المثير في غزة...عندما افترقنا مرغمين قلت لي أن الله سيجمعنا ثانية وربما أقرب مما تتخيل...أنا ذهبت إلى تونس وأنت بقيت في صيدا...اتفقنا حينها أن ننتقل من بيروت الى الجنوب..حصلنا على بيت معقول في مخيم عين الحلوة...واثثناه وكان أمر زواجنا مفروغا منه لكن استدعائي المفاجيء إلى تونس دمر كل خططي...
لم يخطر ببالي أن سنلتقي بعد أقل من عامين في غزة..من كان يصدق...؟؟؟
كانت مفاجأة غير متوقعة...لمحتك في ميدان فلسطين ليلةعيد الفطر..كنت تتسوقين...كان الزحام شديدا والضجيج هائلا..ناديت مرة واثنتين..لكنك لم تسمعي ..بصعوبة شققت الطريق وانا أصيح بملء فمي ..سرااااب...سرااااب!!!
كان عناقا حارا وسط الزحام...اخذتك إلى مكتبي في السراي الحكومي...لاحظت غمامة من حزن تكتنفك...همست..سراب تخفين عني شيئا...؟ بكيت..فتحت حقيبة يدك وناولتني مظروفا...لاحظت اسم المختبر الشهير على المظروف...فتحت المظروف وأخرجت منه ورقة مطوية...كانت يدي ترتعش وانا افض الورقة لأقرأ ما بها...لم احتمل...كدت أتهاوى أرضا لولا دخول المراسل يحمل فناجين القهوة...سرطان...يالله..لكن لماذا؟؟؟
...لنا الله يا سراب...لنا الله...
أخذك الله مني..أخذك إليه...لأنه يحبك فقد أخذك...الله ياسراب يأخذ الذين يحبهم..انت الٱن في جنة الله..أما أنا....انا يا سراب في جحيم الحرب...الحرب حولت غزة الجميلة إلى جحيم...
المدينة تموت ياسراب..تلفظ أنفاسها الأخيرة...غربان سوداء تملأ السماء..السواد يغلف المدينة برداء قاتم..الشوارع التي طالما تجولنا فيها..شارع البحر..شارع عمر المختار...شارع النصر..لم تعد نفس الشوارع..لم تعد أليفة كما اعتدنا عليها...صمت وقلق..حيرة..وترقب..تملأ شوارعنا...
....محلات الورد قرب دوار حيدر عبد الشافي أغلقت أبوابها..احواض الورد تحولت إلى رماد...الياسمين والجوري والفل ماتت في الأصص...باتت أوراقه كالحة سوداء...حتى أشجار الزينة والظل طالتها يد الحرب فحولتها إلى أشلاء...
...لم يعد ثمة زحام أمام حلويات ابو السعود...تذكرين سراب طبق الكنافة النابلسية الرائع؟؟؟ أكيد في عندكم بالجنة كنافة نابلسية!!!!
...أما بوظة كاظم...فالمكان يبدو غريبا...الحرب غيرت معالم المدينة..
الحرب قتلت المدينة...غزة فقدت روحها سراب !!! بات حلم بعيد المنال الحصول على قمع صغير من بوظة كاظم...هذا صار ترفا كبيرا...!!
...شارع الجامعات أيضا...يكتنفه الحزن...ويغلفه الرماد وتعبق فيه رائحة البارود...ليس ثمة طالبات وطلبة ..ليس ثمة ذاك الصخب الجميل..مكتبة سمير منصور دمرتها الصواريخ...الجامعات تحولت إلى إنقاص ..المنطقة فقدت معالمها..تبدو غريبة وغير مألوفة حتى لسكانها...مأساة ياسراب...مأسأة مرعبة نحيا منذ ...ألف عام!!!
...مدينة بلا روح...ولا قلب...مدينة فقدت وجهها...وجهها الذي مزقته الصواريخ الذكية وقذائف الدبابات..الغبية..!!!
العالم كله من حولنا ينهار يا سراب
مثل قصر من رمل صنعه طفل يلهو على شاطىء البحر...تذكرين سراب ٱخر مرة ذهبنا الى الشاطىء...تذكرين الطائرة الورقية الملونة والولد الشقي...أراد أن يلاعبك فأرخى الخيط حتى وصل ذيل الطائرة إلى وجهك فأمسكته...ضحك الولد وجذب الخيط بقوة فافلت الذنب منك وضحكنا...ثم صعدنا إلى الكورنيش وتمشينا طويلا...كان السرطان اللعين قد افترسك ومع ذلك مازلت تقاومين..قلت أنك لن تذهبي إلى القاهرة لمواصلة العلاج...جرعات العلاج الكيماوي تعذبني...لن اذهب سابقى هنا وانتظر النهاية...عندما تأتي ساعتي ابق قريبا مني...أخاف أن أواجه الموت وحيدة...
..ٱه ياسراب...لماذا ذهبت...ألم تقولي لي أنك لن تموتي الا..بمزاجك؟؟؟
الا الموت ياسراب...الا الموت..!!!
...لم يبق لنا كورنيش ..والأبراج الجميلة على امتداد الشاطىء تحولت إلى اطلال...ٱه ياسراب...واجهة المدينة البحرية صارت أنقاض وخرائب...الحرب اكلت كل شيء...
الحرب اكلتنا واكلت مدينتنا...ولم تشبع بعد...كم هي نهمة و متوحشة هذه الحرب ...كل الحروب متوحشة...وكل الذين لديهم فائض من القوة ويشنون الحروب هم بالتأكيد ليسوا بشرا..هم قتلة..مجرمون و.. متوحشون..



#بسام_ابو_شاويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يوميات الحرب..
- ليس على المريض حرج
- مقطع من رواية- بورتريه قديم-
- قصة قصيرة/ ريتا
- بدر شاكر السيّاب/تمخَّضَ الزّمنُ عن سراب عن شاعر تنبأ بالخرا ...
- حتى الحب يموت احيانا//ليست قصة قصيرة
- إليها فقط...ومضات عشقيّة
- مقطع من رواية: -بورتريه قديم-
- نتذكّرُكِ وطنا وأغنية//سميرة عزّام
- (( ل ... ريتا هذا النشيد))
- مقطع من روايتي انا آتيك به
- قبلَ الموتِ بخَفْقَة//قصة قصيرة
- هذيان
- عن حيفا وريتا وأشياء أخرى
- لماذا تعاقبني الآلهة..!؟
- ولو بعدَ حين...
- أُكتبي ريتا/ رسالة للشاعرة ريتا عودة
- آن الأوان أن يحكي شهريار


المزيد.....




- تنسيق الدبلومات الفنية 2024.. خطوات التسجيل في تنسيق الدبلوم ...
- نزلها في ثواني.. تردد قناة تنة ورنة للأطفال 2024 على القمر ا ...
- “حرامي سرق لوللو”.. استقبل الآن تردد قناة وناسة الجديد 2024 ...
- بوتين يلجأ لـ-أسلوب الأجداد- في ترجمة لقائه نائب الرئيس الصي ...
- إيطاليا.. فضيحة سياسية بسبب مشاركة مدونة جميلة في فعاليات حض ...
- نزلها بجودة عالية.. تردد قناة كراميش الجديد 2024 عيش المتعة ...
- إعادة قلادة ذهبية عمرها 2500 عام إلى تركيا تم تهريبا إلى الو ...
- ثبت الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال 2024 على النايل سات وت ...
- اتفرج على الأفلام الأجنبية والمسلسلات العربية مجاناً.. تردد ...
- كنعاني: دماء الممثل الفلسطيني ابو سخيلة صرخة مظلومية الشعب ا ...


المزيد.....

- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام ابو شاويش - عن الحرب و...سراب