|
ما الَّذي كان يريده المناضل نبيل قبلاني من الرَّفيق حيدر الزَّبن؟
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8088 - 2024 / 9 / 2 - 14:58
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
سالم قبيلات
قبل العام 1991، لم أكن أعرف شيئاً، لا عن المناضل نبيل قبلاني (أبو حازم)، ولا عن الرفيق حيدر الزبن. لكن الأقدار شاءت أن تعرفني بهذين الإنسانين، اللذين يمثلان نموذجين حقيقيين في الوطنية والعطاء، عبر قصة مؤثرة جمعتهما من دون لقاء.
ولقد كنت، ولا أزال، أتهيب الكتابة عن هذا الموضوع المؤلم المتعلق بهذين الصديقين العزيزين.. هذا الموضوع الذي يمثل، من جهة، نموذجاً عظيماً للبطولة والفداء؛ ويمثل، من جهة أخرى، نموذجاً صارخاً للاستهانة بتضحيات الشهداء ومشاعر ذويهم. ولكن، بعدما سمعت عما يتعرض له الرفيق الدكتور حيدر الزبن من محاولات تهميش وإقصاء، بل وإلغاء متعمد، شعرت بأنه من واجبي أن أكتب عن هذا الموضوع وأُطلع النَّاس عليه.
وربما أن القصة، التي سأذكرها هنا، يعرف كثيرون، ممن عايشوا الأيام السوداء لهزيمة حزيران في العام 1967، العديد من القصص التي قد ترقى إلى مستواها. لكن هذا لا يقلل من أهمية اطلاع الناس على هذه القصة المؤثرة بكل ما يتوفر لدي من تفاصيلها.
من هو المناضل نبيل محمد قبلاني؟ المناضل نبيل محمد فرح قبلاني، وُلد في مدينة القدس في العام 1943، وسلك، منذ نعومة أظفاره، درب النضال والمقاومة، مستخدماً أسلوب الكفاح المسلح لتحرير الأرض وانتزاع الحقوق الوطنية.
تعرّض المناضل قبلاني للإبعاد على يد قوات الاحتلال؛ ثم أُعتُقل، خلال قيادته عملية مسلحة لمجموعة مقاومة كان هو أحد مؤسسيها.. مجموعة تأسست من مناضلين صدمتهم هزيمة حزيران، لكنهم لم يحبطوا، أو يتهربوا من الاضطلاع بمسؤولياتهم، بل راحوا يعدون العدة للرد على الهزيمة بما يتناسب معها.
حين تم تحريره من الأسر في صفقة الجليل في العام 1985، عاد ليقاتل من جديد في صفوف الثورة الفلسطينية، تحديداً في «جبهة النضال الشعبي الفلسطيني»، في سوريا، وأصبح عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني.
في العام 1986، تم نقله مديراً لمكتب جبهة النضال الشعبي في بغداد. وبعد تشكل السلطة الفلسطينية نتيجة اتفاق أوسلو، عاد نبيل قبلاني إلى غزة، واستقر هناك.
الرفيق القائد نبيل قبلاني (أبو حازم) من القلائل الذين جمعوا بين ممارسة العمل السياسي وبين ممارسة العمل العسكري. وكان اجتماعياً محبوباً في أوساط رفاقه وعند كل من عرفه داخل السجون وخارجها.
قصة تعرفي على «أبو حازم» في العام 1991، عندما هاجم الأميركيون وحلفاؤهم العراق الشقيق، نظمت النقابات المهنية الأردنية حملة تطوع لإيصال المواد الغذائية والأدوية إلى العراق. وقد تطوعتُ في هذه الحملة منذ بدايتها؛ حيث تم تسليمي شاحنة صغيرة تعود لأحد المقاولين، كانت معدة لحمل الوقود الإضافي الذي كان مخصصاً لسيارات حملة التطوع الأخرى التي كانت تنقل الأدوية والمواد التموينية.
بعد يومين من انطلاقنا من عمان، تمكنا من الوصول إلى بغداد، تحت القصف الأميركي المتواصل. وفي صبيحة اليوم التالي، أثناء تناولنا الإفطار في مقر الهلال الأحمر العراقي، التقيت بالصديق المهندس خالد رمضان؛ فتمنى عليّ، بحكم الصداقة التي بيننا، أن أسلم بعض المواد التموينية إلى مكتب الجبهة الشعبية في منطقة الكرادة. وهناك، في مكتب الجبهة الشعبية، التقيت بمجموعة من الأشخاص، منهم من يعمل في المكتب ومنهم من كان في زيارة له.
بعد تسليم المواد التموينية للشخص المعني، دُعيتُ إلى الانتقال إلى صالة الاستقبال، لتعريفي بالموجودين في المكتب وتعريفهم بي، حيث كان من بين الحضور رجل في الخمسينيات من عمره، وقد عرّف عن نفسه باسم "نبيل محمد قبلاني" (أبو حازم)، وبأنه مدير مكتب جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في بغداد.
وما أثار اهتمامي بأبي حازم من بين الجميع، هو أنه ما إن عرف بأنني من مدينة مادبا، حتى أبدى اهتماماً زائداً بي، وقال لي بلا مقدمات: "أنا أحمل أمانة ثمينة وعزيزة جداً، تخص أهل مادبا، عمرها 24 عاماً، وتحديداً منذ نكسة حزيران 1967. وقد حملت هذه الأمانة معي خلال وجودي في المعتقلات والسجون «الإسرائيلية» لمدة 17 عاماً، وكان توصيلها إلى أصحابها يشغل تفكيري باستمرار. وكم، كنت أتخيل اليوم الذي يُفرج عني فيه، لأتمكن من إيصال هذه الأمانة."
ومن البديهي أن كلامه هذا جعلني متشوقاً جداً لسماع قصة الأمانة، تلك، فطلبت منه الانتقال إلى غرفة أخرى فارغة للتخلص من تشويش الأحاديث الجانبية، والأصوات العالية التي كانت تعم صالة الاستقبال.
المناضل الرفيق أبو حازم والرفيق نبيل الجعنيني في الغرفة الجانبية التي انتقلنا إليها، شرع الرفيق أبو حازم يتكلم قائلاً: "في منتصف خمسينيات القرن الماضي، كنت عضواً في الحزب الشيوعي الأردني، وتم سجني في معتقل الجفر الصحراوي لمدة 8 سنوات. وكان معي في نفس الغرفة الرفيق نبيل الجعنيني من مدينة مادبا. وللصدفة، فيما بعد، أُعتُقلَ الرفيق نبيل الجعنيني للمرة الثانية وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات في سجن المحطة، واعتُقلت أنا، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 1969، وحُكم علي بالسجن المؤبد خمس مرات و47 عاماً. وفي ذلك الوقت، بدأنا أنا ونبيل نتبادل الرسائل عبر الصليب الأحمر الدولي."
المناضل الرفيق أبو حازم والرفيق حيدر الزبن أكمل خالد الذكر الرفيق "أبو حازم، قائلاً: "بعد إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في الأردن في العام 1965 والعام 1966، عدت إلى منزلي في الشيخ جراح في مدينة القدس. وخلال العدوان الصّهيوني في حزيران من العام 1967، وبتوجيه من الحزب الشيوعي الأردني، تطوعت في صفوف مفرزة عسكرية تابعة للجيش الأردني، كانت قريبة جداً من سكني. حيث كان مقرها يقع على مفترق طرق يربط الشيخ جراح بطريق يوصل إلى القدس الشرقية والحدود الشرقية لفلسطين."
وتابع، قائلاً: "بعد انضمامي إلى المفرزة العسكرية، تعرفت على أفرادها، وكان عددهم بحدود 9 عسكريين بقيادة الملازم الأول هيكل منصور الزبن. وقد وجدت في هذا الضابط الشاب إنساناً نقي الفطرة، وعسكرياً شجاعاً مقداماً، يحرص بشدة على شرفه العسكري، ويدرك، بوعيه وانتمائه وحدسه وصدقه، مسؤوليته في الدفاع عن وطنه وشعبه. كما أن تربيته العائلية قد هيأته لأن يمتلك القدرة على تجاوز الخوف، وأن يعتمد على مخزون الصلابة والعناد في نفسه لتجاوز لحظات الضعف والتردد".
وأكمل أبو حازم قائلاً: "وبقربي منه في تلك الظروف الصعبة، لمست تأثيره الكبير على مجموعته العسكرية، بهدوئه وصدقه وعاطفته ونبرة صوته المؤثرة واستعداده الدائم للعمل والعطاء بلا حدود. والحقيقة أن جميع أفراد المجموعة كانوا يتشابهون في إخلاصهم وطيبتهم وكل الأوصاف الجيدة التي لا يمتلكها إلا الأشخاص المميزون. لقد كانوا مجموعة مميزة فعلاً، وكانوا يشتركون في الإحساس بالمسؤولية والجرأة".
ووصف أبو حازم ما حدث معه ومع تلك المجموعة العسكرية خلال الحرب، قائلاً: "خلال الأسبوع الأول من الحرب، كان أفراد المجموعة يشتبكون، بالأسلحة الرشاشة والبنادق، وبشكل يومي، مع قوات الاحتلال التي كانت تحاول المرور عبر الطريق المجاور للوصول إلى المدن والقرى الفلسطينية التي لم تكن قد احتلت حتى ذلك الوقت. ولتفادي المقاومة الشرسة التي كان يبديها هؤلاء العسكريون الأردنيون الشجعان، كانت قوات الاحتلال تغير سيرها فتسلك طرقاً التفافية أخرى".
وتابع أبو حازم، قائلاً: "خلال تلك الفترة، كنت أتردد عليهم بشكل يومي، فأتبادل الأحاديث الخاصة والعامة معهم، وأنقل الأخبار إليهم؛ إذ أنني كنت بمثابة مصدر معلومات خارجي موثوق لهم؛ كما كنت أجلب لهم وجبات الطعام يومياً. وكانت تتطوع لإعداد تلك الوجبات، بشكل مشترك، العائلات الفلسطينية القريبة من تلك الوحدة العسكرية".
وواصل أبو حازم كلامه قائلاً: "بعد أيام من الصمود البطولي لهذه المجموعة الشجاعة، بدأ الموقف العام يتضح أكثر وأكثر على الجبهات الأخرى. كانت هزيمة الجيوش العربية مدوية، يتردد صداها في كل مكان. اقترحنا عليهم، أنا وبعض وجهاء الحي، أن نحضر لهم ملابس مدنية، ليغادروا بها الموقع العسكري سريعاً، إذ لا توجد فائدة من استمرارهم في المقاومة بعدما انتهت الحرب بهذه الصورة المأساوية، كما أن بقاءهم في الموقع يشكل خطراً مؤكداً على حياتهم بلا أي نتيجة تغير الواقع العسكري الذي كرسته الهزيمة".
وأكمل قائلاً: "لكن الملازم هيكل ابتسم ابتسامة حزينة، ونظر نظرة تعجب واستنكار، فهمنا منها أنه يريد أن يعبر عن أسفه تجاه هذا الاقتراح ورفضه له. ولم نيأس، بل حاولنا، بالحوار الهادئ والحجج المنطقية، إقناعه بقبول اقتراحنا، وأكدنا له ولرفاقه، بأنه يكفيهم أنهم صمدوا كل هذا الوقت، أثناء الحرب وبعد انتهائها، وكانوا ابطالاً حقيقيين في دفاعهم عن موقعهم العسكري، وأنهم قاموا بالواجب المناط بهم خير قيام. ولكنه، مع الأسف، أصر على موقفه الصلب بعدم قبول الانسحاب من الموقع إلا بعد استلام أمر عسكري يطلب منه ذلك. فبحسب وجهة نظره، الانسحاب من دون ذلك هو بمثابة هروب من المعركة. لقد كان مقتنعاً بأن الجيش سوف يعيد ترتيب صفوفه، ويعود إلى مواقعه من جديد. والحقيقة أن قيم الشجاعة التي كان يتحلى بها هي التي ولدت لديه هذا الاعتقاد النبيل. وحاولنا، بطرق وحجج مختلفة، إقناعه بالانسحاب هو وزملاؤه، لكننا لم نفلح في ذلك".
وقال أبو حازم: "بعد رفضهم لكل محاولات إقناعهم بالانسحاب، باتت لديَّ قناعة راسخة بأن هذه المجموعة الشجاعة تمثل مشروع شهادة جماعية مؤجل، وأن هذا الأمر أصبح مسألة وقت فقط. والحقيقة أن هذه لم تكن قناعتي وحدي، وإنما كانت أيضاً قناعة جميع سكان الحي".
وتابع أبو حازم قائلاً: "خلال الأسبوع الثاني للحرب، صرت أتعمد أن أنفرد بكل واحد منهم وأتحدث معه على حدة؛ لأنني كنت على قناعة تامة بأن الجيش الصهيوني سوف يعود إليهم في الأيام القادمة، ولن يتركهم إلا بعد أن يقتلهم أو يأسرهم. لذلك كان لدي إحساس أو توقع بأن بعضهم، أو ربما جميعهم، قد تكون لديهم وصايا أو رسائل يرغبون في إيصالها إلى عائلاتهم في حالة استشهادهم. ومرت أيام ثقيلة لم تبلغنا خلالها سوى أخبار الهزيمة الأليمة، لكنني، مع ذلك، كنت قد تمكنت من سماع جميع أفراد المجموعة."
وقال أبو حازم: "لقد عرفت خلال تلك الأيام العصيبة، بشكل دقيق، أسماء أفراد عائلاتهم، فرداً فرداً، وحتى أسماء الدلع التي كان ينادى بها بعضهم. وتكونت لدي صورة واضحة عن صفات كل واحد من أفراد عائلاتهم، وعرفت ماذا يحب أو يكره، وما هي الأشياء المفضلة لديه. واستطعت معرفة ما الذي يتمنى كل واحد من أولئك الجنود الشجعان قوله لعائلته في حالة استشهاده. كانت كلماتهم مفعمة بالعاطفة والإحساس الإنساني المرهف، تجاه صور الأماكن التي تخصهم وتجاه كل واحد من ذويهم. ولذلك أيقنت بأنهم يعرفون جيداً ما هم مقبلون عليه، وبأنهم يقبلون عليه باستعداد تام، وبفيض من الشعور بالكبرياء والاعتزاز والكرامة. في تلك اللحظات الغريبة، التي لم اشعر بمثلها لا من قبل ولا من بعد، كنت أتمنى لو أنني أستطيع التخلي عن وقاري وجديتي المبالغ فيهما، وأن أبادر إلى احتضانهم وتقبيلهم واحداً واحداً؛ لكنني لم افعل، مع الأسف."
وتابع أبو حازم قائلاً: "في صباح اليوم الرابع عشر للعدوان، وفي لحظة مصيرية، عادت قوات الاحتلال الصهيوني إلى ذلك الموقع العسكري المحصن بأكياس الرمل، والذي كان لا يزال صامداً بفضل حماته الأبطال، واستخدمت، في هجومها عليه، قنابل غازية ودخانية. وبسبب الغازات الكثيفة، وتحت وطأة الاختناق، خرج الجنود وقائدهم بشكل جماعي وسط الدخان الكثيف الذي غطى المبنى. وعند مدخل البناية، كانت قوات الاحتلال الصهيوني في انتظارهم. وعلى الفور، أطلقت عليهم وابلاً من الرصاص الغزير. ومن الواضح، أن قوات الاحتلال لم يكن لديها أي نية لأسرهم أحياء. لقد كانت العملية أقرب ما تكون إلى عملية تصفية أو اغتيال مدروس تم على وجه السرعة. ولم تهتم قوات الاحتلال، بعد ذلك، بتفقد جثث الشهداء، بل غادرت الموقع على الفور."
وتابع أبو حازم قائلاً: "بعد مغادرة قوات الاحتلال محيط البناية، ذهبنا أنا وبعض أبناء الحي إلى الموقع لمحاولة تقديم الإسعاف للجنود، إذا ما كان بينهم جرحى. لكن، مع الأسف، وجدنا أنهم جميعاً قد أصبحوا شهداء، وكانت جثثهم متناثرة على مدخل البناية. فأخذناهم ودفناهم في إحدى الحدائق القريبة بطريقة تليق بهم. ولقد كنت خلال عملية الدفن حريصاً على تمييز قبر كل واحد منهم عن الآخرين. كما جمعت حوائجهم الشخصية واحتفظت بها في منزلي. أما أسلحتهم ومعداتهم العسكرية، فقد دفنتها في حديقة المنزل. ولاحقاً، خلال العام 1968، سلمتها لمجموعة كانت نواة لتشكيل فصيل مقاومة مسلح ضد الاحتلال. وعلى إثر ذلك، تم إبعادي إلى الأردن، ولكن بعد شهر ونصف من عملية الإبعاد، قدت مجموعة مشتركة من الفدائيين، ومعهم قافلة تتكون من 4 جمال محملة بمعدات القتال ومختلف الأسلحة الخفيفة. ولسوء الحظ، اصطدمنا في وادي عربا بكمين للاحتلال الإسرائيلي. فاستشهد اثنان من رفاقي، واعتُقلت أنا مع رفيق آخر، وحكم عليَّ بالسجن خمس مؤبدات و47 عاماً."
محاولات متكررة لإيصال الرسالة لم تنجح قال أبو حازم: "في العام 1985، بعد أن تم تحريري من الأسر، كانت إحدى المهام التي قطعت بها عهداً على نفسي، هي زيارة أُسر أفراد تلك المجموعة العسكرية الأردنية الشجاعة، لأنقل إليها آخر كلماتهم وما عبروا عنه من مشاعرهم، ولأخبرها كم كانوا شجعاناً خلال أربعة عشر يوماً من صمودهم في حرب لم تستمر سوى ساعات بالنسبة لأربعة جيوش عربية."
وتابع قائلاً: "بسبب هذه الأمانة، التي رافقتني طوال 17 عاماً من وجودي في سجون الاحتلال، والتي كنت أنتظر اليوم الذي أستطيع فيه أن أخرجها من داخلي وأسلمها إلى أصحابها، تواصلت، بعد فك أسري بصفقة تبادل، مع السفارة الأردنية في دمشق، وقدمت لها طلب زيارة إلى الأردن. ولكن، مع الأسف، لم أتلقَ رداً على طلبي. وبعد ذلك، تم نقلي إلى بغداد. ومن هناك، وفي العام 1987، حاولت السفر إلى الأردن عبر الطريق البري؛ لكن، عندما وصلت الحدود الأردنية، تم إبلاغي بعدم السماح لي بدخول الأردن. فأخبرتهم عن سبب الزيارة، وأنني أحمل هذه الأمانة منذ 20 عاماً ولن أستريح إلا إذا سلمتها لأصحابها؛ ومع الأسف، رفضوا دخولي وأرجعوني إلى الحدود العراقية."
وأضاف، قائلاً: "في محاولة ثالثة لدخول الأردن، قررت الاستفادة من انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة في الجزائر في نهاية العام 1988م، فتعمدت السفر إلى الجزائر عبر الأردن وبأسلوب الترانزيت، بما يضمن بقائي لساعات طويلة في مطار عمان. وأثناء انتظاري في مطار عمان، أخبرت ضابط المخابرات المناوب في المطار برغبتي في زيارة مدينة مادبا للالتقاء بأهل الشهيد هيكل الزبن، كما أخبرته بالسبب الحقيقي لرغبتي في تلك الزيارة. طلب مني ضابط المخابرات الانتظار لحين إجراء الاتصالات اللازمة مع الإدارة الرئيسية. وعندما شعرت أن الوقت يمضي دون الحصول على جواب، اقترحت على الضابط إرسال سيارة أجرة إلى مدينة مادبا على نفقتي الخاصة لإحضار أي فرد من عائلة الشهيد هيكل. ولكن، الضابط اعتذر وقال، إن هذه الخطوة أيضاً تحتاج إلى موافقة الإدارة. ومع الأسف، انتهت ساعات انتظار الترانزيت قبل أن أحصل على الموافقة. ولذلك، أتمنى عليك (وهنا، كنت انا المقصود بمخاطبته هذه) أن توصل رسالتي إلى عائلة الشهيد هيكل، وأن تبلغهم دعوتي لهم لزيارتي في بغداد، مع تكفلي بكافة النفقات المالية لزيارتهم."
في ذلك الوقت، لم تكن لدي معرفة شخصية بالرفيق حيدر الزبن، ولم أكن أملك سيارة لأتنقل بها بسهولة، ولم يكن لدي وقت كاف، فقد كنت أمضي معظم وقتي خارج الأردن؛ ولذلك، لم أستطع التواصل مباشرة مع عائلة الشهيد الملازم هيكل الزبن، فأوكلت توصيل الرسالة إلى آخرين. لكن لم يصلني رد من أهل الشهيد، ربما لأن أهالي الشهداء طالما تلقوا قصصاً مختلفة عن أبنائهم الذين لم يكونوا يعرفون شيئاً عن ظروف استشهادهم، ولا ما إذا كانوا قد استُشهدوا أم تمّ أسرهم، وبعدما يتعاملون مع تلك القصص بشكل إيجابيّ، كان يتبين لهم أنها غير صحيحة.
واستمر الحال على ما هو عليه حتى العام 2005، حين تعرفت على الرفيق حيدر الزبن، شقيق الشهيد هيكل الزبن، خلال عملي في جريدة الوحدة الأسبوعية. أخبرته بالموضوع، وحاولنا التواصل مع المناضل «أبو حازم»، من خلال رقم هاتف في فلسطين، كان قد زودني به. لكن، مع الأسف، أفاد الشخص، الذي رد علينا من الطرف الآخر للمكالمة، بأن المناضل «أبو حازم»، استشهد ودفن في غزة، في 6 تشرين الأول من العام 2004؛ وبهذا دفنت معه، إلى الأبد، أعز الأسرار.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ور
...
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
-
التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|