|
معاناة .. عراقية
راجحة الدليمي
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 07:13
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
(( قصة .. من الواقع ..!!))
أم يوسف شخصية حقيقية عاشت في ريف عراقي .وفي مجتمع يفتقر الى ابسط مقومات الانسانية،أم يوسف تلك الزوجة المتفانية في فعل الخير، ومداراة الزوج الذي تربع على عرش الظلم والاستبداد،هي خرجت من واقع الاهل المرير، الذي أقر بالاجماع على حرمان المرأة من حق الميراث والتعلم، .كان عرسها يفتقر الى كل معاني العرس المتحضر،زوجها يكبرها بثلاثة عشر عاما، وهي في الرابعة عشر من عمرها،كانت على قدر لا باس به من الجمال،رضيت بهذا الزواج على أمل أن تجد بصيص أمل، لتستنير به طريقا الى الحرية، وإذا بالطريق قد قطع بصخرة عظيمة، حفر عليها، المرأة هنا خادمة، عليها واجبات تؤديها مقابل ان تشبع بطنها، وتكسي جسدها،أحست أم يوسف وكأن صفعة قوية أتـتها، من حيث لا تدري..!!شعرت أم يوسف من أول يوم دخلت فيه القفص الذهبي، بالحسرة والندم، فما بالها لو أكملت المشوار،أم يوسف تلك الام والزوجة، لطمتها أمواج بحر الجهل الهائج، وعصفت بها رياح التخلف الذي حل بمجتمعها، لترميها على شاطىء لا أمان فيه، ولا قرار..!! شعاع اخترق نافذتي ليضيء لي وريقاتي المتواضعة، لأخط عليها بعضا مما عانته أم يوسف،هنالك حالات من الظلم والتعسف والاضطهاد أصابت نسائنا في المجتمع العربي، ولا سيما في عراقنا، حيث عانى العراقيون من العزلة عن ركب التطور والازدهار سنين طوال،وتبقى قضية أم يوسف تمثل حالة من مئات الحالات من الظلم.!! منذ الفجر تستيقظ أم يوسف، لتجد أمامها طابورا من الأعمال الشاقة، التي لا قبل لها بها، هذا بعد أن كانت ساهرة طوال الليل إما لتعنى بطفل رضيع اعتاد أن يرضع منها كل نصف ساعة، أو تسهر على طفل لها اصابته حمى شديدة،ما أكثر أطفال أم يوسف، فليس من حقها أن تحدد النسل،أنها تحلم بليل تغرق فيه بنوم عميق، لتريح ذلك الجسد المتشنج من عناء عمل، أنهكها طوال النهار،أنها تستيقظ في الرابعة فجرا من كل يوم، لتبدأ نهارها المضني،هي وبناتها اللواتي تركن المدرسة بغير ارادتهن، لأنه عيب على البنت ان تذهب الى المدرسة للتعلم،أنه سبب تافه باعتقادهم أن تخرج المرأة من البيت للتعلم، فهي تلتحق بأمها في البيت..!! تبدأ أم يوسف بحلب البقرة، ثم تغليه وتجري عليه عمليات لتخثره، ثم تخض اللبن، لتخرج الزبدة منه، بعد ذلك تبدأ باشعال الحطب في التنور، لتصنع الخبز الحار، لأن أبا يوسف لا يرضى بغير الخبز الحارعلى مائدة الفطور..!!! أما أبو يوسف فيتمتع بنوم عميق، بعد سمر ومرح مع أقربائه ومعارفه في الليل،ليله مرح وسرور، وليل أم يوسف دموع ومكابدة وحسرة، على ما فات من العمر وضاع،إنها معاناة بصمت، تلف روحها المتطلعة الى غد أفضل. تنشر الشمس شعاعها على القرية، بعد أن تكون أم يوسف قد ذهبت الى مكان بعيد عن بيتها، لتجمع الحطب وتجلب العلف غذاءا لبقرتها،الهموم في رأسها تدور كيف سيكون صباحي هذا اليوم..؟؟ هل سيمر كسابقاته من الصباحات، أم هناك جديد..؟؟؟ توقظ أم يوسف زوجها وأولادها الذكور، اعتاد أبو يوسف أن يأخذ حماما دافئا صباح كل يوم،أكمل أبو يوسف حمامه وخرج منه، ليجد فطورا شهيا بانتظاره، تناوله بمتعة والزوجة تنظر اليه، وهي صامتة،أكمل فطوره فقدمت له الشاي، بارتباك وبسرعة وبيد مرتجفة، خوفا من أن تكون قد قصرت في شيء، أو أخلت ببرنامج إفطاره،ارتدى أبو يوسف الدشداشة النظيفة المرتبة، وهم بمغادرة المنزل، إلى أين ينوي الذهاب هي لا تعلم، وليس من حقها أن تسال، لم ينطق بكلمة وداع لأم يوسف المسكينة، ولا بكلمة طيبة يشكرها على ما بذلت من أجله، وقبل مغادرته أمرها أن تنظف بيت الدجاج، وتزيل الفضلات من تحت البقرة، ثم تسقي الزرع الذي هو بجانب البيت، ولم ينس َ أن يذكرها بموعد غدائه في الساعة الثانية عشرة ظهرا. لاتستطيع أم يوسف أن تقول لا أتمكن من عمل ذلك في آن واحد، خوفا من أن تضرب ضربا مبرحا، لأنه لا يضربها بيده فقط، بل بعصا غليظة تفقدها وعيها وتدمي جسدها،تهز أم يوسف رأسها بالايجاب، على كل ما تؤمر به، لتسلم على نفسها،أما بناتها فحدث ولا حرج، فقد وقع عليهن الظلم كما وقع على أمهن، هن بعمر الورد والطفولة البريئة وأمرهن بارتداء الحجاب، الذي لا يفمهن معناه، والمشكلة الأعظم هو أن التقاليد والأعراف لا تسمح لهن بخلع الحجاب، أمام الأب أوالأخوة، مع أنهم خرجوا من رحم واحد، فمن أين أتوا بتلك المفاهيم..!!؟؟ أنهم يزعمون أنهم يتبعون الشرائع السماوية، أي شريعة هذه التي لا تبيح للمرأة خلع الحجاب أمام المحارم، أو حتى الاستلقاء أمام من هم أقرب الناس اليها،حتى الضحكة لاتستطيع ان تطلقها، لئلا تتهم بسوء الاخلاق..!!!وتبقى أم يوسف في حيرة من أمرها وسط هذا الزحام من المعضلات، أتترك الجمل بما حمل، وتعود لأهلها بمفردها، وذلك يعني أن تترك البنات لظلم الأب والأخوة والأعمام، لأن المجتمع لا يسمح لها بالطبع أن تأخذ البنات معها، حتى لو كانت للزيارة فقط، أو ان تسلك خيارا آخر وتبقى في بيتها لتقضي بقية عمرها، معطلة ومقيدة لا أحد يرحم بها، ولا أحد يعتني بها، ويشعرها بقيمة ذلك الدور العظيم الذي تؤديه، ففي كل الاحوال هي مسلوبة الحقوق ومثقلة بالواجبات،أنه خيار عسير بالنسبة لها وبعد تمحيص للامور اختارت أم يوسف الضحية، البقاء والصمود مع بناتها الاربعة لانها ليست أنانية بطبعها، فهي ناضلت من أجل رفع الظلم عنهن ولكن لم يكن بمقدورها ذلك، لكون لا طاقة لها بمجابهة مجتمع بأسره، فمن غير المسموح لها إبداء الرأي حتى بخصوص أتفه الأمور فما بالك بأمر مصيري..!!؟؟؟ مر على أم يوسف أعوام كثيرة، لم تعرف خلالها السعادة والفرح طريقا الى قلبها،تقدم العرسان لبناتها فوافقت أم يوسف في الحال، بعد موافقة أبي يوسف، عسى أن تجد لبناتها سبيلا للخلاص مما هن فيه، من ظلم وحرمان لا لشيء إلا لأنهن بنات..!!! دارت السنون تلو السنون، وأم يوسف في ذلك البيت الذي صار قديما، بكل ما فيه يذكرها بطعنات الدهر الموجعة، وظلم طالما حلمت برفعه،تجاوزت أم يوسف عامها الستين وبدأ النحول والتعب واضحا عليها، فقد أثقلت كاهلها الهموم التي حملتها بصمت، لقد حان الآن لها الاستسلام، فلم يعد بمقدورها حمل المزيد، أحست أم يوسف أن إطلاق سراحها من تلك الزنزانة بات وشيكا،دب المرض الى قلبها شيئا فشيئا، وأصبحت لا تقوى على السير طويلا،وفي يوم من أيام الصيف الحار سمعت الباب يطرق بشدة، فقامت لترى من الطارق، تمالكت نفسها بصعوبة وفتحت الباب، وإذا بها تخر على الارض مغشيا عليها،كان الطارق زوجها الذي نادى أولاده خارج الدار، أسرعوا واحملوا أمكم لقد فقدت وعيها، إنه لم يمد لها يد العون، حتى في غيبوبتها،حملها أولادها وابنتها الصغرى الى فراشها الذي هو عادة على الارض، حيث لم يوفر لها سريرا أبدا، بعد ان عادت لوعيها وشربت قليلا من الماء، قال لها ابو يوسف: لماذا تتظاهرين بالتعب والاغماء، مما جعلها تثأر لنفسها لاول مرة وبشجاعة، وتقول له: أنا وأنت وبناتنا سنقف أمام الله يوما واذكرك بأن الظلم ظلمات يوم القيامة،ذهل أبو يوسف وظل صامتا ثم خرج من الدار. وبعد أيام قلائل حضرت أم يوسف الوفاة، لم يمهلها المرض طويلا،كانت قوية هذه المرة لأنها أحست بدنو الفرج، والامل في الخلاص أصبح حقيقة، وشهدت الشهادة وكأنها تحتضن الموت بشدة، لكي لا يفلت منها، ثم رمقت الحاضرين بنظرة وداع، وارتسمت بسمة على شفتيها وفاضت روحها . شيعت أم يوسف تشييعا مهيبا، فالكل في القرية يحلف برأسها، وطيبها وكرمها جنازة أم يوسف حملها الرجال على أكتافهم، وساروا بها مسرعين وكأن أم يوسف تنادي وتصرخ بهم، أسرعوا بي آن الأوان، لتخلد نفسي الى راحة أبدية لم أجدها عندكم قط، والى رحمة أوسع لي من رحمة أرحمكم، رحمك الله يا أم يوسف، وأعانك الله يا عراق.
#راجحة_الدليمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|