أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ردوان كريم - الجوائز الأدبية: تلك المنارة التي تنير القارئ في بحر القراءة















المزيد.....

الجوائز الأدبية: تلك المنارة التي تنير القارئ في بحر القراءة


ردوان كريم
(Redouane Krim)


الحوار المتمدن-العدد: 8087 - 2024 / 9 / 1 - 02:07
المحور: الادب والفن
    


أعتقد أن عملية المطالعة والقراءة يمكن تشبيهها بالبحر، ذلك المكان الواسع المليء بالمعارف والتجارب. والقارئ يُشبه البحّار الذي يجوب البحر، متخطياً أمواجه الكبيرة وعواصفه، مستكشفاً محتوياته الغنية. أما الجوائز الأدبية فتُمثّل تلك المنارة التي ترشد البحّار وتوجهه إلى الأماكن الجديرة بالاستكشاف، أي الكتب والأعمال الأدبية المتميزة التي تستحق القراءة والتقدير. القراءة وحدها هي التي توجه القارئ إلى الأعمال الأدبية الرفيعة، أما الجوائز الأدبية فهي مجرد دليل يساعد القراء في اختيار ما يقرؤونه من بين الكم الهائل من المؤلفات المتاحة.

القراءة أو المطالعة ليست مجرد هِواية أو عادة بسيطة. القراءة ثقافة وفن، ونمط وأسلوب حياة. قبل كل شيء، هي حب. حب يفوز فيه المحب، وبها يتطور ذاتيًا لغويًا، فكريًا، وثقافيًا. تجدد كلماته وتحسنها، تطور قدراته في فن التحاور والمخاطبة، وتنمي قدراته على مواجهة الأحداث اليومية بطريقة ناجعة. كما تنوع كيفية قوله للأشياء بأساليب مهذبة، وتجعل منه شخصًا أكثر نضجًا وتفتحًا. تصنع منه إنسانًا متفهمًا ومقبلاً على الآخرين. تخلق منه مستمعًا جيدًا، وتولد فيه الرغبة في التحسن، وتظهره بأبهى صورة. كما تمنحه فرصة تعلم الحياة من تجارب غيره وفهمها من خلال حبكات قصص الروايات التي يقرؤها. القراءة تقدم للقارئ الكثير من الأمثلة عن حياة الإنسان. شخصيات الروايات نماذج عما بداخل الإنسان، وكل إنسان ما بداخله. سير حياة يجعل القارئ يتذكر ويتمعن قبل أن يخطئ، ويساهم في اختيار حياة أمثل. وإن كانت المطالعة عادة، فهي عادة برجوازية، لأنها تتطلب الكثير.

تحتاج إلى الوقت، والمجتمعات الأفريقية الفقيرة لديها مشكل كبير مع الوقت. من يحارب من أجل الخروج من دائرة الفقر لا يملك الوقت، يحارب بكل ما لديه من قوة، وفي المساء، يعود منهكًا، متعبًا، غير قادر على الانتباه وهو يقرأ. أما من تقبل الفقر فاتحًا ذراعيه له، تجده لديه الكثير من الوقت لتضيعه، ومن لا يثمّن وقته لا يقرأ. القراءة لها طقوس! لا أتحدث عن فنجان قهوة أو مكان رومانسي، فالكتاب الجيد لا يقرأ على شاطئ البحر في وضح النهار تحت شمس حارقة. أقصد هنا الشغف والمواظبة، أن يجد المرء راحته فيها. إن كانت حياته سجنا، فهي هروب منه. وعليه، القراءة هي فرصة للهروب من الواقع إلى المجهول. سفر وهجرة رفقة شخصيات الروايات التي تأخذنا إلى أبعد نقطة ممكنة دون أن تتحرك أجسادنا خطوة. القراءة إدمان، فحتى لو تخلّيت عنها لظروف، ستنتظرك لتعود إليها حين تتحسن أو تسوء الأمور، كلٌّ حسب الحالات التي تجعله يفر إليها. القراءة استرخاء، راحة، واستمتاع وسكينة.

حين يرتقي المرء إلى رتبة قارئ، تتولد في داخله رغبة جامحة لاقتناء الكتب، وتصبح إدمانًا أقوى من عادة يسهل التخلي عنها. الكثير من الكتب التي نشتريها غالبًا لا نقرأها! هي الكتب التي تحظى بدعاية إعلامية، والتي ينتج عنها الكثير من القيل والقال في وسائل التواصل الاجتماعي والبيئات المثقفة. هذا النوع من الإشهار غير المباشر يدفع القارئ لشرائها دون الحاجة لها، وقليلًا ما تعجبه، لأنه في الأصل يعرف ما يريد أن يقرأ. المثقفون، الأساتذة، والطلاب أصحاب الرغبة في التطور الفكري، يشترون الكثير من الكتب للونها الجذاب، لعناوينها المثيرة، ولإمكانية الحاجة لها في المستقبل. لأن صديقًا ما نصح بها، ولأنها تتناول مواضيع أبحاثهم، وفي النهاية لا ينهون قراءتها أو لا تفتح أصلًا، تزين رفوف مكتباتهم لا أكثر. الكتب التي نقرأها هي تلك الكتب التي تندفع أرواحنا إليها، التي تثير انتباهنا، التي تشبهنا، التي أحببناها من أول صفحة. تلك التي نشعر بالرغبة في إنهائها في أقرب وقت ممكن. صرّحت منذ فترة للصديق الصحفي ماجيد صراح، في صحيفة "الشروق أونلاين"، وهو يتناول ريبورتاجا عن مكتبة العالم الثالث بالجزائر العاصمة: "من لا يقرأ لم يجد فقط ما يجذبه للقراءة، لذلك يكفي أن تضعه بين آلاف الكتب والعناوين، مئات المواضيع، ينظر يمينًا ويسارًا حتى يقول لك: يجب أن أقرأ هذا! هذا الكتاب مهم! هكذا نقع في حب الكتاب للوهلة الأولى وحدنا بالكتاب الأقرب إلى شخصيتنا، وبعد قراءة الكتاب الأول نبحث عن الثاني وهكذا حتى نصبح قارئًا متميزًا في مجالنا. لا أحد يستطيع أن يقنعك بقراءة كتاب ما! فالكتب مثل الألبسة، كل شخص حسب ذوقه وكل شخص حسب مقاسه. يجب أن تدخل المكتبة، ووسط كل تلك الرفوف المليئة ستجد كتابًا بمقاسك وذوقك”.

الجوائز الأدبية تصنع نموذجًا للأدب، بطريقة أو بأخرى تقول للقارئ: هذا هو الأدب الحقيقي، أو هذا هو النموذج الجيد للأدب. هذا النوع من الأدب يحتوي على معايير الأدب الراقي. القارئ في الكثير من الحالات يؤمن بأن الكتاب الحاصل على جائزة هو كتاب جيد (رغم أن ذلك ليس صحيحًا دائمًا). الجائزة الأدبية تدعم الكتاب والكاتب، فكره وأيديولوجيته (في الكثير من الأحيان، الكتب الحائزة على جوائز لم تتوّج بالضرورة لجمالها الأدبي واللغوي وأفكارها النيرة، وإنما لأغراض سياسية وأيديولوجية، أو بسبب علاقات شخصية، مثل مزاملة وصداقة أعضاء لجنة التحكيم أو بسبب كون الكاتب شخصية معروفة فارضة لنفسها في المشهد الثقافي، حتى لو كان منتوجه الأدبي ذاك رديئًا).

لأن الصوت والصورة أقوى من الكلمة، حيث أنها تُستهلك بسرعة، بينما الكلمة تحتاج إلى قراءة وتمعن، فطنة ودهاء، تحليل واستخلاص للعبرة، فالأدباء، وخاصة الجدد، يتسابقون للكتابة وفقًا لما هو فائز بالجائزة الفلانية، طمعًا في الظفر باللقب الأدبي. هكذا تصنع الجائزة الأدبية التوجه الفكري الجديد، وكلما يخرج عن المألوف يُعتبر رديئًا وسيئًا من قبل القارئ الذي يتبع الجوائز، لأنه اعتاد على نفس الشيء. مثل أفلام هوليوود؛ بمجرد أن ينجح فيلم، تُنتج عشرات الأفلام بنفس النموذج لتحقيق أرباح من خلاله أو لتوجيه الرأي العام عبره.
لكن الأدب الحقيقي هو كل أدب يتنفس التجديد، فهم أفضل، وفكر أعلى شأنًا من سابقه. لا يعترض القارئ على عمل أدبي إن كان حقًا قارئًا دائمًا. حين ينفعل القارئ ضد رواية أو عمل أدبي ما، فهو مُحرَّض.

كل عمل فني أدبي هو منتوج فكري ملفوف بالعاطفة، الأحاسيس، والمشاعر. تتضارب فيه الأفكار الأدبية واللغوية من اللسانيات، السياسة، الفلسفة، العلوم الإنسانية، السوسيولوجية، الانتماءات، والتوجهات الأيديولوجية بمختلف أشكالها. وما يمنح العمل الأدبي سحره هو معرفة الأديب كيف يمنح شخصياته النصيب اللازم من هذه العناصر لتمثيل دور وتقمص ظاهرة أو حقيقة إنسانية تستحق التأمل، المعالجة، أو إعادة النظر. وعليه، فإن العمل الأدبي الفذ مرتبط بالحس الفني والعلمي لدى الأديب.

في مخيلة الناس وفي البرامج المدرسية، الجوائز الأدبية هي اعتراف بالإبداع وتقدير للكتاب المتميزين، تكريمًا لمجهودهم وحثًا لهم على المواصلة في نفس المنوال لتفردهم في إنتاج العمل الأدبي الجيد، سواء كان رواية، شعرًا، مسرحًا، أو قصة قصيرة. لكن هذه الجوائز، مهما حاولت أن تكون حيادية، تبقى تحت تأثير الضغوطات الإعلامية، التي هي أساس توجيه القراء الأول، والتي بدورها تقع تحت سيطرة التوجهات الثقافية والسياسية لمالكيها. وهذه الأخيرة تؤثر أيضًا في تحديد الفائزين، لأنه من المستحيل أن تُمنح جائزة لمن يعارض التوجه الثقافي، السياسي، أو الأيديولوجي للمانح. اللغة التي كُتب بها العمل الأدبي والجغرافيا التي ينتمي إليها المؤلف في كثير من الأحيان تحرم كتابًا كبارًا من الجوائز المعروفة، لأن أغلبها لديها تفضيلات لغوية وثقافية لمناطق جغرافية معينة، فيأتي التهميش جراء الدعم الجيوسياسي والتفضيل الثقافي. كما أن الكثير من لجان التحكيم تعمل على تفضيل الأعمال الأدبية التي لاقت رواجًا ونجاحًا تجاريًا بناءً على نسبة مبيعات الإصدار، فتضيع الأحقية الفنية والأدبية. وهذا لا يشمل فقط الجوائز الوطنية والإقليمية، بل حتى الشهيرة منها، مثل جائزة نوبل في الأدب، جائزة غونكور الفرنسية، جائزة البوكر البريطانية، جائزة البوليتزر الأمريكية، جائزة كتارا، وجائزة الشيخ بن زايد العربية.

إلى هنا، حتى لو اتفقنا على أن الجوائز الأدبية ليست حيادية، تبقى الأعمال الفائزة، مهما كانت، أعمالًا جيدة يود الجميع قراءتها. في مجتمعاتنا حيث لسنا متعودين على النقد، قد يعلن البعض رفضهم قرار أي لجنة، مهما كانت موفقة في اختيارها. وفي الأغلب، فإن المعلنين غضبهم من أي جائزة هم كتاب لم يسعفهم الحظ بالفوز بها، حقدًا أو غيرة. أو صحفيون لم يتمكنوا من استضافة ومحاورة الفائز، أو رغبة في التفرد برفضهم لقرار لجنة التحكيم المختصة بذلك النوع الأدبي.

إضافة إلى أنّ هذه الجوائز تأتي بشهرة ومكافأة مالية معتبرة، فالكتَّاب بطبيعتهم، سواء كانوا "جددًا" أو مكرَّسين، يأملون الحصول عليها. ولأن الكتابة تحتاج إلى وقت للقراءة والبحث، والتفرّغ لها، وبالتالي يتوجب على الكاتب أن يكون صاحب دخل غير دخله من فن التأليف، يعيش به. وبما أن الكاتب الحقيقي مواطن صالح ومسؤول أمام نفسه، أهله، ومجتمعه، تجده يمتهن مهنًا غير الكتابة من أجل حياة كريمة. ورغبة منه في تثمين ذلك الوقت الكثير الذي يستهلكه في الكتابة، فأنه يتمنى تلك الجوائز ومكافآتها، سواء جهراً أو سراً. خاصة وأن مجال الكتابة ليس مصدرا لربح مادي، إلا لدى القليل من الكتّاب الذين سطع نجمهم، وأصبحت أسماؤهم هي ما تبيع كتبهم.



#ردوان_كريم (هاشتاغ)       Redouane_Krim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدرسة التي لن نتخرج منها مهما فعلنا!
- الفلسفة العدمية جسر بين معنى الحياة العام و معنى الحياة الخا ...
- لقد سئمنا من رؤية نفس الجيل يتكرر
- كتمنا أنفاسنا فحناجر الصائمين عزف عنها الضحك!
- هل نستحق الوعي و ماذا يمنعنا من إدراكه؟
- إقتباسات وسائل التواصل الإجتماعي وليدة الثقافة العامة الخادع ...
- الفطرة السليمة لا تقول -مستوى سنة رابعة ابتدائي-!
- الشباب بالمعنى الغير تقليدي!
- الشاب الجزائري حراق في دماغه سواء كان راحل أم باقي
- حان الوقت لجيل الثمانينات التعلم من جيل 2020!
- اللغة القبائلية إنتصرت في معركة و ينتظرها الأصعب
- أنت حر بين قول لي من الأول أو من الأخير!
- عندما تحكم العاطفة العرب، الغرب يصنع بهم السياسة
- في الذكرة ال42 لرحيل الرائع جاك برال
- الجزائري الإفريقي!
- القلم لسان العقل
- أين هي المشكلة تحديدا؟
- نبذة عن بداية المسرح الجزائري و علاقته بالمجتمعات العربية و ...
- نبذة عن حياة نيتشه الفلسفية (الجزء الثاني)
- نبذة عن فلسفة فريديريك نيتشه (الجزء الأول)


المزيد.....




- إعلان رسمي الموسم 2… مسلسل المتوحش الحلقة 37 الجزء الثاني عل ...
- الإعلان 2.. مسلسل طائر الرفراف الموسم 3 الحلقة 74 قريباً كام ...
- إعلان رسمي الموسم 2… مسلسل المتوحش الحلقة 37 الجزء الثاني عل ...
- مصر.. وزارة التعليم توضح أسباب إلزام المدارس الدولية بتدريس ...
- الإعلان 2.. مسلسل طائر الرفراف الموسم 3 الحلقة 74 قريباً كام ...
- بعد تناول مشروب الطاقة.. وفاة فاتمان سكوب بأزمة قلبية على خش ...
- “فرح أولادك ونزلها ليهم” .. تردد قناة طيور بيبي الجديد لمتاب ...
- فيلم -حياة الماعز- المثير للجدل.. كاتب سعودي يعلق وسط تفاعل ...
- ألف مبروك النجاح.. طريقة الاستعلام على نتيجة الدبلومات الفني ...
- مدرسة كاثوليكية في بلجيكا تعتمد اللغة العربية ضمن مناهجها.. ...


المزيد.....

- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ردوان كريم - الجوائز الأدبية: تلك المنارة التي تنير القارئ في بحر القراءة