أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضا عطية - كيلا يفقد شعر العامية المصرية بوصلته الفنية: -بتغسل روحها يوميًا- لمنى الشيخ نموذجًا















المزيد.....


كيلا يفقد شعر العامية المصرية بوصلته الفنية: -بتغسل روحها يوميًا- لمنى الشيخ نموذجًا


رضا عطية

الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 18:35
المحور: الادب والفن
    


إذا كنت قد أخذت على نفسي عهدًا بعدم الكتابة عما أمر به من أعمال ضعيفة ونصوص متواضعة تقدم باسم الإبداع باعتبارها أعمالاً أدبية، مدخرًا جهدي النقدي لمتابعة ما هو يستحق ويضيف من نصوص إبداعية، إلا انني وجدتني هذه المرة أشعر بحاجة إلى العدول عن هذا الموقف الذي أتخذه مبدأ لي، وذلك إثر تلبيتي دعوة مقدَّرة من ورشة الزيتون الأدبية والأستاذ شعبان يوسف لمناقشة كتاب "بتغسل روحها يوميًا" للأستاذة منى الشيخ الذي نشرته سلسلة "الكتاب الأول" التي تصدر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر باعتباره شعرًا وهو بالعامية المصرية، تلك الدعوة التي لم أتردد في تلبيتها خاصة بعد أن شاركت بنفسي في فحص كتابين جيدين نشرا في هذه السلسلة مطلع هذا العام 2024، لكني مع ما وجدته في هذه المجموعة من تواضع بالغ وفقر حاد في مستواها الفني وفقر حاد فيما يتطلبه النص سدادًا لاستحقاقات النوع الشعري إذ تكاد تخلو تمامًا من أية جماليات تجعلها تنتسب إلى الشعر ولو بصلة نسب من بعيد، بدا لي أنَّ ذلك راجع لغياب واضح لمفهوم الشعر لدى كاتبة هذه المجموعة أو بالأحرى لاسستسهال الكتابة باسم الشعر وخصوصًا العامية الذي أمسى ظاهرة لدى كثيرين، ما دفعني إلى تسجيل ملاحظاتي ومآخذي على هذه المجموعة من النصوص ليس قصدًا لها في حد ذاها ولكن باعتبارها عينة دالة على تيار أمسى شائعًا في الكتابة تحت مسمى شعر العامية، وله أثر سلبي لا شك في التشويش على رؤية المتلقي العادي في سعيه إلى التزود بما يحتاجه من شعر.
لذا انطلاقًا من مسؤولية النقد وأمانة الكلمة أجدني مطالبًا بأداء أحد أدوار النقد بدق ناقوس الخطر تحذيرًا من الظواهر السلبية التي تنحدر بالإبداع أو بمحاولات الكتابة الإبداعية إلى هوة التردي الناجمة عن نوع من السذاجة وغياب الوعي الفني ومجانية كثير من المحاولات التي تقدم باعتساف باعتبارها منتمية إلى نوع إبداعي كشعر العامية لمجرد أنها تحقق شكليًّا أحد شروطه كشرط التقفية أو الوزن حتى لو كان هذا التحقيق نفسه زائفًا ومفتقرًا إلى وعي فني وحس جمالي، لذا وجب أن تكون المكاشفة ممارسة نقدية تتصدى لممارسات تعمل على تزيف الوعي الجمالي للمتلقي واستسهال البعض مسألة الترويج لأعمال رديئة بوصفها إبداعًأ معتمدًأ.
بدت النصوص في كتاب "بتغسل روحها يوميًا" المنشور بوصفه شعرًا أقرب إلى تلك الخواطر التي يكتبها المبتدئون والمراهقون منها إلى الشعر، حتى غلب التشابه وتكرارية الموضوعات على نصوص الكتاب البالغ عددها خمسة وخمسين نصًا، وتدور كلها تقريبًا في فلك موضوع الذات التي لا تواتيها حظوظها في علاقتها مع الآخر والعالم والشعور بمظلومية الذات والتأسي لحقها المهدور، كما في نص بعنوان "ناسية نفسي" تقول كاتبته:
وأنا اللي بقيت في كل خلاف
ناسية نفسي
بقيت أمشي
ولا بيفرقق معايا إزاي
زمان أنا عشت بجروحي
لدلوقتي
لكن هانسى اللي فات بالجاي
أنا اللي بقيت في كل خلاف
ناسية نفسي..بقيت أمشي
ساعات بندم على إمبارح
وأقول كان فين ضميري وليه
قبلت اتهان
أو اتصالح
وليه مهما اتعمل فيا
مشاعري مش سواسية
أنا تايهة في ذات نفسي
وهو يفوت بكل جحود
وينسب غلطته ليا
بدا هذا النص هو عملية تراص آلي وتتابع عشوائي لجمل تتوالى لا لشيء إلا لغرض إحداث بعض التماثلات الصوتية بين بعض خواتيم تلك الجمل، فلا عمل لبناء الجمل إلا لإخضاعها لتكوينات التقفية التي جاءت مجرد تشابهات صوتية بين نهايات بعض الجمل دونما أداء أي دور دلالي، وكما يبرز من جملتين متتاليتين على سبيل المثال (وليه مهما اتعمل فيا/ مشاعري مش سواسية) فيتبدى إقحام مؤلفة النص كلمة (سواسية) لا لشيء إلا للتقفية رغم عدم وجود أي مبرر منطقي لوجود هذه الكلمة التي أصابت منطق التعبير عبر هذين السطرين بخلل فادح، فالذات تستغرب أنها مهما تعرضت لمواقف متغايرة فإنها لا تجد مشاعرها "سواسية" أي متساوية، فهل من الطبيعي أن تتساوى مشاعر الإنسان في مختلف المواقف التي يتعرض لها، مهما بلغت هذه المواقف من تمايزات كبيرة أو تناقضات حادة؟!
يبدو هذا النص كغيره من نصوص هذه المجموعة مصابًا بخلل فادح في منطق خطابه، فبينما تعلن الذات في المقطع الأول من النص اتخاذها قرار الافتراق عن الآخر بنفسها بتعالٍ ولامبالاة: (بقيت أمشي/ ولا بيفرقق معايا إزاي) تعود بعد ذلك لتعترف بهزيمتها وانكسارها: (أنا تايهة في ذات نفسي)، ما يكشف عن التدافع العشوائي للجمل والمعاني التي يناقض بعضها منطق الآخر، كذلك يبرز تركيب مثل (ذات نفسي) عن تزيد مؤلفة نصوص هذه المجموعة في توليفها للجمل بلا مبرر.
جاء هذا النص ككل نصوص هذه المجموعة فقيرًا جدًا في صوره الشعرية، ما جعل جسد النص الذي لم توفر له صاحبته إلا لقيمات بائسة من التقفية هزيلاً يعاني من "أنيميا استعارية"، لما بدا واضحًا من غياب مفهوم الشعر عمومًا عن صاحبة النص التي اكتفت بالإشباع الصوتي بقوافٍ تقليدية كانت عبئًا ثقيلاً جدًا على منظومة المعاني في النص وأثَرت تأثيرًا فادحًا على الترابط المنطقي لمقولات النص وأوقعتها في هوة التناقضات المنطقية وفساد الترابط العلي بين مكونات الخطاب النصي.
وتأكيدًا لما عايناه في هذه المجموعة نجد تكرار نفس الأفكار التي تلح عليها صاحبة المجموعة بنفس الطرق التعبيرية، شديدة الفقر في مكوناتها الجمالية كما في نص بعنوان "كنت باعتبرك ملاذ":
كنت باعتبرك ملاذ
واختصار كل العزاز
خسارتك جد قوتني..
وخلتني أشوف الناس
بعين بايعة،
ومش ناوية.. تعيش على مبدأ الإحساس
....
يا أول قصة خدعتني،
وخلتني بمزاجي أنداس
أحاسبك ليه
وأعاتب ايه
أنا شاكرة الظروف جدااا
لآخر لحظة تنجدني..
تشكلني
وتجعلني أكون أحسن
...
وصدقني أوان المغفرة عدى
وعهد الرب مانا راجعة
....
دانا كنت في كابوس باخلص
تغازلني الحياة أرجع
....
تشد ضلوعي لوجودك
وأرجع لك
وأصدق.. إنك الباقي فلا تخدع.
يبدو هذا النص كغيره من نصوص هذه المجموعة سكبًا لانفعالات ذاتية في عدد من الجمل والأسطر التي تُخضع المؤلِّفة بعضها للتقفية وحسب، والبادي كذلك ضعف التوليف المنطقي تشكيلاً لجمل هذا النص، كما في مقطع من سطرين إذ تقول المؤلِّفة: (وصدقني أوان المغفرة عدى/ وعهد الرب مانا راجعة) فتبدو الجمل الثانية (وعهد الرب مانا راجعة) مجرد تحصيل حاصل بعد الجملة الأولى (وصدقني أوان المغفرة عدى) وكان يحسن منطقيًّا، ترتيبًا في وضعية الجملتين، عكس ترتيبهما، غير أنَّ الخلل الأكبر يتمثل في حالة الفقر الصوري والجفاف الاستعاري، إذ يكاد يخلو هذا النص من الاستعارات إلا القليل جدًا كما في (تغازلني الحياة) هذه الاستعارة كثيرة الورود، واستعمال مثل هذه التعبيرات الدائرة يكاد يفقدها فاعليتها الاستعارية نظرًا لتقليديتها، كما تأتي الاستعارات القليلة جدًا المتفرقة على مسافات متباعدة في نصوص هذه المجموعة، قصيرة النفس ومباشرة، ومبتذلة الاستعمال.
وانطلاقًا مما نجده هذه القراءة لمجموعة نصوص الأستاذة منى الشيخ المنشورة باعتبارها شعرًا في كتاب- من فقر جمالي حاد وجدب تصويري وشح استعاري واضطراب في البنى المنطقية للخطاب، ما يجعل هذه النصوص أبعد ما يكون عن وسم الشعر الذي طبع الكتاب بتصنيف أنه شعر، لي أن أتناول قضية مهمة وظاهرة ملحوظة لدى كثيرين ممن يحاولون كتابة نصوص باعتبارها تنتمي إلى شعر العامية لمجرد أنَّها تتبع نظامًا شكليًّا للتقفية ظنًا بأنَّ تلبية شرط القافية يحقق للنص شعريته وتوهمًا أنَّ القافية هي مجرد اتفاق كل أو بعض خواتيم أسطر النص وحسب، دونما وعي بالوظائف الدلالية للأصوات أو إدراك لضرورة أن يكون للقافية دور مشارك في إنتاج المعنى وتعزيزه.
ولا يفوتني أن أؤكد أنَّ لدينا شعراء مصريين يكتبون قصيدة عامية مصرية جديرة بالقراءة والإضافة لمنجز شعر العامية، لكن الإشكالية هنا تتمثل في تمادي كثيرين بتوهم أن ما يكتبونه من نصوص مقفاة هو شعر عامية في مزاحمة المبدعين الحقيقين الجديرين بالتقدير والتكريس الأدبي والثقافي، كذلك ما قد يوجد في الحياة الأدبية والثقافية من مجاملات ساعد في مضاعفة آثارها التأثير القوي لوسائل التواصل الاجتماعي و"السوشيل ميديا"، هذا الزحام المربك أحيانًا للمشهد الثقافي، والمزيف في كثير من الأحيان لأقدار المبدعين ما يشتت المتلقي العادي غير الخبير ويعمل على تضليله من ناحية، إضافة لاستفحال هذه الظواهر السلبية كاستسهال الكتابة ونشر الأعمال الضعيفة ما يهدر حقوق آخرين جديرين بمثل هذه الفرص من ناحية أخرى، وما تمنحه إصدارات عن مؤسسات ثقافية رسمية أو دور نشر خاصة من صكوك اعتماد زائفة لنصوص ضعيفة ما يسهم في إرباك ذائقة بعض المتلقين لاسيما القراء الذين في بداية عهدهم بالقراءة ومن يتحسسون بداية طريقهم الإبداعي تلمسًا لنماذج إبداعية يقتدون بها أو قد تجعل البعض ينصرفون عن تلقي الإبداع والإعراض عن متابعة الإصدرات الإبداعية لما تكوَّن لديه من خبرات سلبية نتيجة مثل هذه الإصدارات التي تُفقِد القُراء الثقة في جهات إصدارها وقد تبعدهم عن متابعة الشعر والإبداع عمومًا.



#رضا_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماسرة -البيست سلر-: لعبة تزييف الوعي وتكوين -الأولتراس-
- استعادة المكان الأول في شعر سعدي يوسف
- سركون بولص مخالب الشعر


المزيد.....




- العراق ينعى المخرج محمـد شكــري جميــل
- لماذا قد يتطلب فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون إعادة التصو ...
- مهرجان -سورفا- في بلغاريا: احتفالات تقليدية تجمع بين الثقافة ...
- الأردن.. عرض فيلم -ضخم- عن الجزائر أثار ضجة كبيرة ومنعت السل ...
- محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خال ...
- إخلاء سبيل المخرج المصري عمر زهران في قضية خيانة
- صيحات استهجان ضد وزيرة الثقافة في مهرجان يوتيبوري السينمائي ...
- جائزة الكتاب العربي تحكّم الأعمال المشاركة بدورتها الثانية
- للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم ...
- أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضا عطية - كيلا يفقد شعر العامية المصرية بوصلته الفنية: -بتغسل روحها يوميًا- لمنى الشيخ نموذجًا