|
الاشتراكية … لماذا ؟ !
عمرو إمام عمر
الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يزال مصطلح ”الاشتراكية“ يمثل بالنسبة للطغم الحاكمة ليس فقط فى مصر و الدول العربية ، بل فى العالم أجمع ، صداعاً مزمنا مؤلماً ، و شبحاً يؤرق مضاجعهم ، فهو يهدد وجودها بالكامل ، فالاشتراكية هى مضاد الرأسمالية ، هى سلاح العدالة ضد القهر ، الكفاية فى مقابل الفقر ، الحياة بديلاً عن الموت و الفناء بلا طائل ، سأحاول فى تلك سطور أن أعطى للقارئ مفهوما سريعا و مبسطا لمعنى الاشتراكية و التعرف عن ماهية الرأسمالية و دورها الكبير فى صناعة الفقر فى بلادنا و دول العالم الثالث ، كذلك الهيمنة الاستعمارية الجديدة التى نعيشها حالياً …
الفكرة المركزية التى تدور حولها الاشتراكية هى ”الحرية“ ؛ فالاشتراكية تهتم أن يتمتع الجميع بنفس الحقوق و المميزات ، مثل الحق فى التعليم ، الرعاية الصحية ، الغذاء ، السكن ، العمل ، حتى الحق فى الترفيه و الرفاهية ، كل تلك الأشياء التى تشكل حياة الإنسان يجب أن تتوفر بقدر معقول لكل فرد داخل المجتمع حتى يشعر الجميع بالحرية الحقيقية ، فلا معنى للحرية مع الفقر و المرض و الجهل ، و ممارسة الحرية ترتكز على حرية الاختيار ، و لكن كيف يكون الإنسان حراً فى أختياراته و هو ليس حرا فى حياته ، فالفقير و المحتاج ليسوا أحرار فى أختياراتهم ، الجاهل و المريض أيضا ليسوا أحرار ، فهم دائما تحت قهر الفقر و الجهل و المرض و الحاجة لذا تجعل اختياراتهم إما محدودة و فى غالبها معدومة …
خلال عقود قديمة كان العالم يعيش تحت وطأة النظام الإقطاعى ، ففى ظل هذا النظام كان من يتمتعون بالحرية هم فئة صغيرة من المجتمع ، و كان الجميع يعيش تحت سيطرتهم ، إلا إن هذا النظام لم يستمر ، و بدأت تظهر على السطح مجموعات صغيرة من التجار ، و على مدى عدة قرون أكتسب هؤلاء التجار استقلالية عن اللوردات و النبلاء الإقطاعيين ، ليشكلوا طبقة جديدة لديها بعض الحرية النسبية ، و مع الوقت بدأت طبقة الإقطاعيين فى الضعف ليفقدوا قدر كبيرا من السلطة ، و مع توالى الثورات العنيفة من طبقة التجار ”البورجوازية“ بجانب الفلاحين و الأقنان الآملين فى تحسين أوضاعهم و الخلاص من ذل العبودية ، لنشهد عصر ولادة الرأسمالية من داخل ثورات فى أساسها هى ضد العبودية و الاستغلال و الفقر و المرض و الجوع ، ليولد نظاما جديدا ، هذا ما أشار إليه ”كارل ماركس“ أنه مع سيطرة الرأسمالية على الأنظمة السياسية و الاقتصادية فقدت معها زخمها الثورى و الفكرى الذى كان يمثل الوقود المحرك لها مع أندلاع ثورات 1845 ، فبعد أن كانت تشجع على التطور الاجتماعى و الفكرى و التكنولوجى ، عادت لتنشئ سداً مملوءا بالخرافة و الجهل و العنصرية و الفاشية يسمح لها بالسيطرة على العوام ، يصنعون لهم وهما كبيراً يطرح فى أسواقهم لينكب هؤلاء البسطاء ليدفعوا من حياتهم ثمنا له …
دائما ما نسمع صرخات الليبراليين الرأسماليين قائلين إن مذهبهم هو مذهب الحرية الحقيقية ، فإذا أخذنا مثال على ذلك ، فى النظام الرأسمالى اليوم ، المنظومة كلها تقوم على التراتبية ، ففى ظل المجتمع الرأسمالى رئيسك فى العمل جزء من مجموعة صغيرة من الأفراد المتمتعين بقدر من السلطة و الحرية ، حيث يتمتع هذا الشخص بالقوة اللازمة لاتخاذ القرارات التى يريدها ، و تؤثر فى النهاية عليك ، إذاً فالعلاقة بينكم تنحصر فى من يملك السلطة ، و من الخاضع لها ، فراتبك لا يتم تحديده بمدى جودة العمل الذى تقوم به ، و لكن بما يقرره رئيسك ، حيث يقوم بتعين أو فصل ما يريد من العاملين ، فالعامل الوحيد الذى يتحكم فى كل شئ هو معدل الربح لأصحاب رأس المال ، بغض النظر عن أى عوامل أخرى ، و على الجانب الآخر بالنسبة للباحث عن العمل ، تتمحور القضية حول مدى توفر الوظيفة و كم عدد الأشخاص اللذين قد يتقدمون للحصول عليها ، فكلما زاد الشعور باليأس بين الناس بسبب صعوبة الحصول على وظيفة كان من السهل على صاحب العمل أو المدير أن يخفض من راتبها ، فعدد المتقدمين كبير و الحاجة اشد و إلا فالتشرد و الفقر سيكون المصير ، و هنا يجب أن نطرح هذا السؤال على الليبراليين الرأسماليين و من هم على شاكلتهم … ”أين هى الحرية التى تتحدثون عنها ؟“ …
فإذا كان فى زمن الإقطاع على ”القن“ أن يبيع قوة عمله و نفسه لصالح النبيل الإقطاعى مقابل حياته ، اليوم تعود الكرة مرة أخرى فى الدوران ، فأنت بحاجة للوظيفة فتبيع قوة عملك لصالح الرأسمالى مجبراً و إلا فالتشرد و الفقر و الموت هو مصيرك ، فى الحالتين أنت عبد يعمل لصالح صاحب العمل سواء كان أقطاعياً أو رأسمالياً ، مجبرا فى الغالب الأعم لا يوجد اختيارات تستطيع من خلالها الحصول على شروط افضل ، من هنا نرى إن الرأسمالية لم تعدد تمثل أى تغيير فى ظروف الإنسان العادى البسيط ، الباحث عن الحياة ، فعلاقة الهيمنة و الإكراه لم تختلف كثيراً ، فبدلا من عدة مئات من الإقطاعيين و النبلاء الأحرار ، أصبح هناك آلاف من الرأسماليين المتمتعين بالحرية ، و ليس من الضرورى أن تولد فى أسرة من النبلاء لتصبح رأسمالياً ، ففى النظام الرأسمالى يمكن لأى شخص أن يصبح رأسمالياً ، و لكن ”فى مقابل ماذا ؟ و كيف ؟ و ما هى الفرص المتاحة ليصبح الإنسان رأسماليا حراً ؟ !“ ...
نأتى للسؤال الأهم ، ”ما هو مصير الطبقة العاملة ؟“ ، الصانعة الحقيقية للحياة ، القوة المحركة لأى مجتمع ، للأسف أنها تعانى الأمرين ، فهى تناضل و تنحت فى الصخر فقط لكى تبقى حية ، فالإحصاءات الأخيرة تشير من 40 إلى 50% و اكثر من خريجى المعاهد المتوسطة و العليا و الكليات يعانون من البطالة ، أو يعملون فى وظائف لا علاقة بما أفنوه من حياتهم فى سنوات الدراسة الطويلة ، و إذا تصادف و حصل أحدهم على وظيفة فى الأغلب الأعم لا يكفى راتبها تكاليف الحياة المتصاعدة كل يوم …
بدأً من منتصف سبعينات القرن الماضى حدث تحول كبير بالنظام الغربى الرأسمالى فى أوروبا ، فشاهدنا تغير فى آليات الصناعة التقليدية إلى ما أطلق عليه ”ما بعد الثورة الصناعية !“ ، أساسها تكنولوجيا الاتصالات و المعلومات ، الخدمات ، و ثقافة الاستهلاك ، و بدأنا نسمع مصطلح جديد فرض نفسه على الواقع الاقتصادى هو ”صناعة الخدمات“ ، لنشهد تحولاً لامركزياً فى المنظومة الاقتصادية ، و باتت الأسواق غير خاضعة للأنظمة الحكومية ، و شُنت حملات قاسية ضد النقابات و الحركة العمالية من خلال إجراءات تشريعية و سياسية فى غاية الوحشية ، كان من أثرها أن التحالفات الطبقية المعتادة قد ضعفت ، و فى المقابل أطلقت علينا الرأسمالية فى حلتها الجديدة صراعات جديدة قائمة على العرق و الجندر و الطائفة و الدين ، لتدخل العملية السياسية فى متاهة دائرية مركزها الأليجاركية النخبوية المسيطرة سياسياً - عسكرية أو مدنية - و الشركات الرأسمالية الكبيرة …
إن نظام العولمة الجديد الذى فرضته الدول الرأسمالية الغربية على العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتى و سقوط الكتلة الاشتراكية ، كأن التاريخ يستعيد ذاكرته القديمة و بدايات فترة الاستعمار الكولينيالى فى القرن الثامن عشر ، فمن شركة الهند الشرقية الهولندية و شقيقتها البريطانية ، و شركة الميسيسيبى الفرنسية و أمثالهم ، إلى شركات مثل أمازون ، جوجول ، مايكروسوفت ، ابل ، و فيسبوك ، الذين يمثلون اليوم الشركات الاستعمارية الجديدة ، فقد استطاعت ثورة الاتصالات أن تلعب دوراً كبيراً فى تأسيس نظام العولمة و شكل الاستعمار الجديد ، كما ساهمت بقدر كبير فى تفكيك العملية الصناعية التقليدية ، و تفتيت الحركة العمالية ، و فرض مفاهيم السوق الاستهلاكى ، لينتقل الثقل الاقتصادى من التصنيع إلى الخدمات ، لتقفز صناعة المال (البورصات ، البنوك و شركات التأمين) و خدمات الاتصالات لتجلس على عرش الاقتصاد ، لم يعد هناك قطاع إنتاجى بالمعنى التقليدى ، أنه عالم جديد غريب التكوين ، يحمل قدر كبير من التهور لا يبالى بالمخاطر التى قد تطال بالأفراد و المجتمعات …
ليبقى لنا أن نطرح هذا السؤال ”أين هو اليسار من كل هذا ؟“ ، الذى حمل على كتفيه دائماً هم النضال ضد الهيمنة الرأسمالية و الخلاص من عبوديتها ، هل كان سقوط الاتحاد السوفيتى الذى كان يُمثل المثال العملى لأصحاب الفكر اليسارى على الأرض ، بالرغم من سهام الانتقادات الدائمة التى وجهت له منهم ذاتهم منذ بداية نشأته ، أم أنه الشعور بالعجز السياسى أمام التحولات السريعة الشرسة التى تحدث منذ تسعينات القرن الماضى ... و لا تزال ؛ أعتقد أن الوقت قد حان لكى نعمل للخروج من عباءة هيمنة و عبودية رأس المال ، أن نسعى لتحقيق الأمان بدلاً من الخوف ، أن نتشارك كلنا فى الملكية و الإدارة ، لنشم معاً قدراً ما من نسيم العدالة و الحرية …
#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلتسقط ” بنت سلطح بابا “
-
الليبرالية لا تملك أى حلول
-
الحقيقة وراء الركود الاقتصادى !
-
لماذا نحن مغفلون ؟ !
-
خديعة الاشتراكية الديمقراطية
-
الثورة العالمية الجديدة فى القرن الواحد و العشرين
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (4)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (3)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (2)
-
الفقر صناعة يجنى أرباحها الأغنياء (1)
-
الأزمة التونسية و خديعة لعبة الديمقراطية !
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (2)
-
النيل و التطور الحضارى فى مصر (1)
-
خطوات فى عالم الفلسفة
-
مغامرة الإبحار فى عالم محمود أمين العَالِمْ و ”فلسفة المصادف
...
-
الأخلاق بين الاغتراب و الدين و الرأسمالية
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثالثة عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الثانية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة الحادية عشر)
-
الإمبريالية تطورها و صراعها الاستعمارى (الحلقة العاشرة)
المزيد.....
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
-
المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ
...
-
عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11
...
-
باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
-
طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
-
الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|