|
صرخة ألم
اكرام محمد رضا التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 10:30
المحور:
الادب والفن
مدهشة هذه الحياة حينما تزجنا بغتة في المكان واللحظة التي لا نتوقعها وفي مصير مجهول مع أناس لا ترحم . هكذا افترقنا دون ميعاد كما كان لقاؤنا دون ميعاد ،كان كل شيء يحدث معي عكس ما توقعته أو عكس ما كان يعدني به .
لم يحاول يوما منحي الأمان الذي كنت أنشده ،ولم يحاول كبح جماح غروره المتأصل في الأعماق . هذا الرجل كان يباغتني بأشياء وكلمات لم أكن أتوقعها . كان سليط اللسان ، بارد الإحساس والشعور ، لا يهتم إلا بنفسه ورغباته ونزواته المتكررة ، وكان لا يرعى حرمة احد . وأنا تلك المرأة التي زج بها في بيته عنوة . لم اكن ادرك ما هية ما أنا مقدمة عليه ،صغيرة في العمر ،لم يمنحها فرصة ان تكبر لديه وعلى يديه . كان لا يهتم لمشاعري ،ولا يغضب لغضبي ، ولا يحاول تهدئة روحي الثائرة بحمم من الغضب بداخلي . فأنا لم أكن مهيأة لقبول وجوده في حياتي . ولم يحاول أن يزرع بذور المحبة في داخلي ولا أن يسقيها بماء الود والإخلاص . هكذا بدأت مشاعر الكراهية تنمو لدي كما تنمو الحشائش في الغابات ، فهو قاس لا يرحم حتى أنه لم يرحم براءة أطفاله أيضاً الذين فوجئت أنا نفسي بهم .. كيف حدث ذلك ؟ وأنا لا أراه سوى ثور هائج حين يدخل زريبته . حاولت امتصاص ثورته مرارا .. تجنب صفعاته التي كانت تترك اثرا في نفسي وجسدي . قتل كل مشاعر جميلة في نفسي ، وكان اكثر ما يحزنني أولادي الصغار الذين اتوا لهذه الحياة دون ان يكون لهم اي دور فيها سوى أنهم أبناء ذلك الأب الناقم دائما . حتى أنهم كانوا يخافونه ،ويتجنبون تواجدهم معه في غرفة واحدة . لم اكن أعي حينها أني ازرع فيهم بذور الخوف بصمتي . فقد كان الصمت سبيلي الوحيد للنجاة من غضبه وهيجانه ،فإلى متى سأبقى على قائمة الانتظار في حياته . إلى متى سأحتمل ثورته وهيجانه . ما ذنبي انه لم يتزوج احدى الفتيات اللاتي كان يتودد لهن أو يعشقهن. ولم يكتف بذلك فقد كان يعاقبني أنا على ذلك .. وكأني أنا من حرمه من الزواج بإحداهن . لم يكن يشعر بألمي وأنا اشاهد ابتسامته الكاذبه وهو يخاطب إحداهن على مرأى ومسمع مني .. لم يبالي لمشاعري وأنا أهان بسبب إحداهن . لم يبال بغيرتي وانا أراه كالحمل الوديع حين يتحدث مع إحداهن أو يشتري لها هدية نحن وأبنائي احق بها منها . وكنت عندما أواجهه بعجزه ينهال عليّ ضربا وشتما . لقد طفح الكيل بي .. ولم يعد ذلك الجسد النحيل يحتمل الاهانة والضربات اكثر .. بت اكره وجوده في حياتي .. حتى إني بت أتمنى موته .. نعم أتمنى ذلك حقيقة . لكني أعود لأقول: أنه والد أبنائي .. مهما حدث بيننا . لكني بت ارجو الانعتاق من تحت عباءته التي حصدت مني سنوات العمر .. اعلم بأن المشاعر التي تعترينا تولد مع المواقف والظروف .. واعلم أن لقلوبنا حقائب بلا جيوب نخبئ بها ما يجول في أعماقنا , لنبوح بما يعتلج في صدورنا مرة واحدة .. فها هي كلماتي ترتدي عباءة الخوف من مجهول قادم لا اعرفه وربما من جحيم البوح . لكن إلى متى ..!؟ ها هي روحي تتسرب مني على شكل حروف وكلمات تشّي بكل ما يدور في خلدي ،تشعل حرائق في داخلي وتنفجر يوما دون تكلف وبلا مشقة ترتيب الحروف . او صياغتها بأسلوب انيق كي تليق بما يجول بداخلي . وربما تمنعني من مشقة البوح والألم الذي سيلحق بي عندما أخرجها من عقالها . وفي زحام الأحلام والألم يولد الحرف ، وها أنا الآن اشتم رائحة حروفي تحترق ... تنفجر لتخرج عن صمتها ،فقد ولدت كلماتي من رحم الألم ،حلقت أسراباً لتقتل ضجيج الحلم الذي ما زال يراودني ،فتبوح بما ينوء به القلب . وها هو القدر يفاجئني بأمور لم أكن أتوقعها . ها هي أحلام قد تهيأت لخوض معركة ما ، لتدك حصون وقلاع الصمت. عذرا لم أعرفكم بنفسي . أنا أحلام ذات الثلاثين ربيعا زوجة وأم لثلاثة أطفال اغتالت براءتهم صرخات الألم ،رغم صغر سنهم . حاولت اللجوء إلى الصمت طويلاً.. وها أنا استجمع قواي وأسير هائمة على وجهي في طريق اللاعودة ،فأنا لم أعد استمتع بطعم الحياة التي كانت تقودني إلى الهاوية ،حياةكنت امقتها واقتات ألمها صبح مساء كوليمة فاخرة ،لم أعد أستسيغ مُرَّها . لقد آن الأوان كي أتحرر من قيده وأشفى من جراحي ،آن الأوان أن أخرج من قوقعة الصمت التي حبست نفسي بداخلها اعواماً.. ها أنا أرخي عقال صمتي معلنة الانعتاق والإفلات من سياط جلادي. فقد طلاني الشحوب بلونه الباهت ونحتت تجاعيد الزمن أخاديدها على قسمات وجهي . ها أنا أتحرر اخيرا من قيده . أنت طالق ،طالق ،طالق . لقد قالها اخيرا في لحظة غضب . .. وأكدها بعض الشهود .. ها أنا اخيرًا حرة طليقة من قيده الذي أدمى قلبي لأعوام .. وأخيراً حصلت على حريتي!!. وها أنا الآن امضي إلى عالم المجهول غير مبالية بما رصدته لي الأيام من الألم ،أو ربما هو النجاة والخلاص لي ولأولادي. خرجت من تحت عباءته البالية التي ملأتها الشقوق ... عباءة اهترأت بفعل صفعات الكره والألم . لست أبالي بما يحصل بعدها . خرجت أنوء بحملي الثقيل أطفال ثلاثة لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا لأب لا يعرف معنى الأبوة الحقة .. خرجت عائدة إلى بيت أهلي لأبدأ حياة أخرى أجهلها .
#اكرام_محمد_رضا_التميمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسائل تائهة في الطريق
-
عيناك
-
وتستمر المسيرة ج2
-
صرخة ألم
-
الطريق إلى الجنة
-
ليلة مخملية
-
قصة قصيرة وتستمر المسيرة
-
العنوان : وتستمر المسيرة الجرعة الأولى (ج)1
-
ضياع
المزيد.....
-
مصر.. إحالة الفنان عمرو دياب إلى المحاكمة العاجلة
-
الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الص
...
-
الموسيقى تواجه أصوات الحرب في غزة
-
بسبب المرسوم 54.. عمران: رقابة السلطة تكبل الكاريكاتير في تو
...
-
أشبه بالأفلام.. هروب 43 قردًا من منشأة أبحاث والشرطة تحاول ا
...
-
50 دولة تشارك في المهرجان السينمائي الطلابي الدولي الـ44 في
...
-
فرح قاسم: فيلم -نحن في الداخل- وثائقي شخصي عن الحب والوداع ب
...
-
العثور على جثة نجم كوري شهير وسط شبهات حول انتحاره (صور)
-
“يلا نغني مع لولو” تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات…
...
-
عودة المسرح في ليبيا: أمل في مستقبل أكثر دعما وإبداعا
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|