أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غوركي ورواية اعتراف















المزيد.....

غوركي ورواية اعتراف


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 8085 - 2024 / 8 / 30 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


كتب مكسيم غوركي رواية إعتراف عام (Confession by Maxim Gorky) 1908، أي بعد الإنتفاضة الروسية الأولى عام 1905. تقع الرواية في حوالي 275 صفحة من القطع المتوسط. لهذه الرواية سند واقعي، إذ كتب عن هذه الشخصية الكاتب الروسي بوغدان ستبانتيس ( Bogdan Stepanets ) وألتقط غوركي تلك الشخصية من المقالة ثم جسدها في رواية ليعبّر من خلالها عن وضع النخبة الروسية سواء على المستوى الإجتماعي أو المستوى الديني. لا شك أن النخبة الروسية هذه قد تأثرت بالثورة الفرنسية التي جلبت معها الشك إلى الدين أاصوله وبرجال الكهنوت الذين كانوا ذراعاً باطشاً للقيصر، فقد شكلت المؤسسة الدينية الحاجز الرئيسي لكل عدالة إجتماعية أو تحرر سياسي في روسيا القيصرية، إذ شكلت هذه الشريحة مجموعة طفيلية لاعمل لها سوى الوعود الكاذبة للناس بالخلاص واستغلالهم وابتزازهم مادياً بينما عاشت الغالبية في مأساة وفقر مدقع، بينما هم يحيون حياة ناعمة مثل القيصر وحاشيته. بناء على ذلك، انتشرت أفكار الشك والإلحاد بين النخبة المثقفة حتى وصلت إلى الكنيسة ذاتها.
هذه الرواية تتحدث عن راهب كان يعيش في كنيسة فقد الإيمان من خلال إطلاعه على كتب ومعارف وأفكار، إضافة إلى تأثره بماضيه كإنسان لقيط عاش طوال حياته مقطوعاً من شجرة. الرواية هي تشكيل فكري لإعادة النظر بالوجود والإيمان وحتى الإله ذاته. وربما كان غوركي قد تأثر في الحركة التي أنشأها تولستوي والتي كانت عبارة عن ثورة ثقافية تجمع مابين التجديد الديني والثقافي.
في الجانب المقابل، عد رجالات القيصر أنها حركة فوضوية مثيرة للشغب، فقاوموها، ولاحقوا كل من يؤمن بها. لكن لم تمر رواية غوركي مرور الكرام، بل تعرضت للنقد من الكثير، أولهم كان الماركسيين الذين عدوا الرواية عبارة عن مصالحة بين الإشتراكية والمسيحية والتي تخدم في النهاية الواقع الروسي في إستمرار القيصر بحكمه الجائر. الرواية ليست من أهم أعماله، لكن دافع عنها غوركي فقال بأنها جسر يأخذ الإنسان من أشكال الفردانية إلى مجتمع إنساني متحرر من العبودية داخلياً وخارجياً.
تتحدث الرواية بضمير الأنا عن طفل لقيط، يترك بين شجيرات بجانب باب مصلى الكنيسة في إحدى القرى. عثر عليه البستاني وعاش معه إلى أن بلغ الرابعة من عمره، ثم تبناه شماس الكنيسة لاريون، وهو رجل مدمن على الخمورويحب الطيور، لكنه عطوف كأنه أم حنون، كما تصفه الرواية. بشكل عام أكثر روايات غوركي تجسد حياته في تفاصيلها وفي شخوصها.
يسأل الطفل ماتفي أو موتكا الشماس سؤالاً لايجرؤ الكبار على سؤاله: لماذا لايساعد الله مخلوقاته إلا قليلاً؟
فيجيب لورين (الشماس) بسهولة العارف:
هذا ليس من شأن الله، بل عليك أن تساعد نفسك، هو وهبك العقل. هو موجود لتخفيف عنا رهبة الموت، أما الحياة فأمرها موكول إليك.
أما كاهن الكنيسة، فكان له وجه ضخم وأسود كأنه ملفوف بالبارود وفمه عريض ولحيتة شعثاء. شخصية أخرى هي سافيلكا، يصفه ماتفي بأنه لص ويجلس إلى الطاولة كالوتد وعندما يسمع صوت غناء لورين تترقرق عيناه بالدمع. لكن لورين هذا لم يعمر كثيراً، فقد انقلب به الزورق مرة ومات عندما كان ماتفي في سن المراهقة، وقد انهى مرحلة الدراسة الإبتدائية. وفي تلك المدرسة يتذكر بطل الرواية كيف كان الأطفال يتبعونه وينادونه باللقيط. في تلك الفترة يعيش مع عائلة تيتوف، ويصفه في الرواية بأنه الرجل الذي انتشل جثة لاريون من النهروهو الذي أنقذ ماتفي من الغرق ثم أخذه إلى بيته. كان رجلاً طويل القامة، متهجماً، حليق الرأس مثل جندي، له شاربان ولحية وهو لايحظى بمحبة أهل القرية، وكان سافلاً يستغل نساء القرية. عندما يعمل معه في مصنع صغير، يطلب منه تزوير الحسابات، ولهذا السبب كما يقول البطل، أن عائلة تيتوف لاتكف عن النظر إليه ويعاملونه بحذر وكان تيتوف وزوجته يمشيان في البيت برأس منكس مثل حصانين مقيدي الأرجل ويطلبان الصلاة لهم من ماتفي بشكل دائم. يتزوج ماتفي من أبنة تيتوف (أولغا)، لكن لم تطل سعادته، بل ماتت زوجته مع طفلها وهي تلد.
عنما يصل إلى هذا الحد من الشعور بالغم، يقرر أن يشنق نفسه إذ يقول: ( أصبحت روحي باردة وخاوية مثل حقل في الشتاء ولذلك ماعدت أقوى على العيش فقررت الإنتحار). وعوضاً عن الإنتحار يجد نفسه وهو ذاهب للدير كي يصبح راهباً يتعبد الله ويهرب من حياته المأساوية. لكنه يتفاجأ أن رجال الدين هناك ليسوا أفضل من الناس خارج الكنيسة، فهم يبيعون كلمات المعجزات للناس ولكنهم يحتالون على الفلاحين بسلب أموالهم وأراضيهم ، يصفهم بقوله:
- ما أكثر ما رأيت من أمثاله ( أي الأب انطوني) يزحفون ليلاً أمام وجه الله وفي النهار يدوسون صدور الناس بلا رحمة.
لايمكث كثيراً في ذلك الدير، بل ينتقل لدير آخر ليرى ذات الشخصيات تتكرر بالإستغلال وبيع الخرافات للناس. أصبح ماتفي رجلاً متشككاً يسأل الرهبان والآخرين ولا يجد جواباً على أسئلته، ومن جملة الأسئلة والأجوبة، ورد في الرواية أقوالاً على لسانه:
- لقد فكك البشر الإله إلى أجزاء، كل حسب حاجته، فهو طيب عند البعض ومرعب عند آخرين، أما الكهنة جعلوا منه أجيراً عندهم.
- أين ربنا ياترى من المصائب التي تصيبنا وأين هو من البشر الذين يحتالون ويسرقون ويقتلون.... قال لي الراهب العجوز مارداري: إذا عاقبك الله فيجب عليك أن تقول الحمد لله أما إذا سألت عن الشيطان فهو مجرد مخلوق وعبد مأمور.
يقول أيضاً.: لقد هبط هؤلاء الناس بالله حتى جعلوه يستّر على قذارتهم.... ثم يقول :
أيها الناس كلما قل الخوف، أزدادت الحقيقة، والموت حق على الجميع، فالمسيح نفسه لم ينج منه....
قال العجوز: ليس عجز البشر هو الذي خلق الله، بل قوتهم، وهو لايعيش خارجنا بل داخلنا. .... في حديثي مع ميخايلا تبدلت أسألتي وكان سؤالي: من أنا ولماذا أنا موجود، وهل البحث عن الإله جائز.... فرد ميخايلا: لم يكن للعبيد إله قديماً بل كانوا يؤلهون شريعة البشر التي تلقوها من قوة خارجية.
في تنقلاته من دير إلى آخر ومن مكان إلى آخر يواجه أناس مختلفين، وفي إحدى جولاته يذهب حاملاً رسالة توصية للأب أيونا ، فيقول: استقبلني شاب ناتئ العظام...ثم قال الرجل لي تذكر أن الشيء الصغير جزء من الكبير والشيء الكبير هو مجموعة أجزاء صغيرة.... عندما أخبرته بأني شككت في قوة الإله، جف وجهه البليد وتطاول ثم تكدرت عيناه.
ورد في الرواية عبارات جميلة في وصف الأشياء والطبيعة والأشخاص، سأورد بعضاً منها:
- أذكر كيف راحت الشمس تبزغ من وراء الجبل، بينما يختبيء الليل في الغابات....... شرع الليل يهبط إلى ألاسفل خالعاً غلالته الرقيقة، وكانت الغابة تتنهد وتئز فوقي السناجب وتغرد حولي العصافير... يخيم علينا الليل وتحيط بنا الغابة ويتكثف ظلام رطب بين الأشجار، فلا يعود في مقدوري أن أميز بين الأشجار والليل.
- سرت أياماً كثيرة علي وأنا مثل مريض يملؤني ملل ثقيل... ويشب في روحي حريق هادىء ويشتعل بداخلي مرج شاسع.. أفكاري تشبه مستنقعاً عكراً تسبح به ذكرياتي....
نهاية القول، هذه الرواية كما قلت توصيف للواقع الروسي قبل الثورة ليدلل على استغلال رجال الدين المسيحي للناس ومساعدة القيصر على التحكم بهم من خلال بيعهم الأوهام. وماتفي اللقيط يرى كل هذه الأوضاع الشاذة ويعبّر عنها من خلال سردية جميلة.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرياتنا ونظرياتهم
- أهزوجة وشتيمة وطوشة
- مكسيم غوركي: سيرة ذاتية كاملة
- جامعات غوركي
- الإستعمار سبب تخلفنا
- غوركي: بين الناس
- من غشنا ليس منا
- غوركي وطفولة النكد
- رمزية بلد العميان
- جرة الماء والسقا مات
- ذكريات المعرجلانة
- زيارة إلى مصر
- الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
- الشيوعية إلحاد وزندقة
- المعذبون في الأرض
- فنون التسوّل
- صندوق العجائب
- في التشحير والتجريس
- معرض القرد والضبع
- علي الخليلي والفجر الأدبي


المزيد.....




- مصر.. إحالة الفنان عمرو دياب إلى المحاكمة العاجلة
- الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الص ...
- الموسيقى تواجه أصوات الحرب في غزة
- بسبب المرسوم 54.. عمران: رقابة السلطة تكبل الكاريكاتير في تو ...
- أشبه بالأفلام.. هروب 43 قردًا من منشأة أبحاث والشرطة تحاول ا ...
- 50 دولة تشارك في المهرجان السينمائي الطلابي الدولي الـ44 في ...
- فرح قاسم: فيلم -نحن في الداخل- وثائقي شخصي عن الحب والوداع ب ...
- العثور على جثة نجم كوري شهير وسط شبهات حول انتحاره (صور)
- “يلا نغني مع لولو” تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات… ...
- عودة المسرح في ليبيا: أمل في مستقبل أكثر دعما وإبداعا


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غوركي ورواية اعتراف