|
رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب، الكاتب منصور منصور
ابراهيم زورو
الحوار المتمدن-العدد: 8084 - 2024 / 8 / 29 - 16:16
المحور:
الادب والفن
ما يريد منصور المنصور، الروائي، من شخصية حازم؟ طوال حياته وحياة والده، لم يشهد حازم يومًا مشرقًا او لحظة حب. حتى الإهانات المستمرة التي تعرض لها لم تمنحه لذة التلذذ بالألم كما في حالة المازوشية. هل ما نراه هو تجسيد للصراع الأبدي بين الخير والشر، بين القوي والضعيف، بين الغني والفقير؟ صراع لا يعرف الهدوء. ورغم أننا تعودنا على رؤية شمعة خافتة في نهاية النفق، فإن تلك الشمعة غائبة تمامًا في حياة حازم وأحمد الفقير وأم حازم وصبحة والدته. منصور جعلنا مثل الروبوتات، نلهث وراء أحداث الرواية دون توقف، حتى وجدت نفسي أتساءل عن حازم: كيف أصبح؟ ما أخباره؟ هل نجح في أن يصبح رجلًا يدافع عن نفسه؟ لكن الروائي رفض أن يمنحنا هذه الإجابة. على امتداد 175 صفحة، تلاحقت الأحداث بسرعة، وكأنها مشهد واحد طويل، وكان عنصر التشويق الأبرز هو: هل سيتغير حازم؟ هكذا لعب منصور بوقتنا كما يشاء. ما الذي يريده منصور من هذا الرجل؟ وأي قلب يختبئ خلف هدوئه الظاهري، بينما في داخله صخب لا يهدأ، أشبه ببركان نادر في شرقنا؟ حازم، الذي نشأ وسط إهانات مهولة وصلت إلى حد الاغتصاب، دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه. لقد جعلنا الروائي نشعر وكأننا ساديون تجاه كل الفقراء والرجال والشباب من أمثال حازم، فلم يدع لنا فرصة للتعاطف معه، حتى ولو للحظة. لأنه لم يحاول أبدًا أن يدافع عن نفسه، لا بموقف صغير ولا بعمل استنكاري، ولا حتى بشيء يظهر وجوده بأي شكل من الأشكال. هناك الكثيرون يشبهون حازم، مثلما حدث مع أبو ثائر وأهل قريته، أو ما تعرض له العم عقلة في فرع المخابرات. يمكن القول إن قرية "سعدة" هي صورة مصغرة عن سوريا بأكملها، أو ربما تجسيد لانهيار العشيرة، حيث أصبحت تعتمد على قوة العائلة ونفوذها.
تنقل حازم بين تيارات المعارضة دون أن يدرك حتى أنه في صفوف المعارضين. بدأ مع الإخوان المسلمين، ثم تحول إلى عميل، ثم انضم إلى شباب ينتمون الى حزب شيوعي. في كل مرة، كان ينتقل من فقر إلى فقر، ومن إهانة إلى أخرى، ولكن هذه المرة في إطار جماعي، حيث كان الجميع يعيشون في ضبابية، بالكاد يظهرون على السطح بين الحين والآخر.
المعارضة التي عاشها حازم لم تكن سوى مرآة لواقع مرير. عانى من الإذلال والظلم والتنمر، وكأنه كتب عليه أن يظل ضحية في كل مراحل حياته. الروائي أراد أن يحرمنا حتى من فرصة التعاطف مع حازم، ليقول لنا إن المعارضة السورية تكاد تكون من نفس القالب. في عالمهم المشوه، يختلط الجميع ببعضهم البعض، وكأنهم يعيشون نفس التجربة، سواء كان ذلك في حياتهم أو في علاقاتهم.
الهام، التي رفضت حازم، لم تراه رجلاً مكتمل الأركان. التفاوت الطبقي بينهما كان صارخًا، خاصة وأن جدها اغتصب أمه. لم تكن هناك فرصة لحازم ليفرض وجوده أو يستخدم سلطته، فكان أكثر قسوة على نفسه مما كان عليه الآخرون. في النهاية، حازم لم يكن سوى نتاج واقع قاسٍ، شكلته الإهانات ليصبح عميلًا لا يعرف كيف يخرج من دوامة الذل التي أحاطت به منذ ولادته. بلا شك، يمكن مقارنة هذا النوع من التفكير ببنية المكان نفسه، إذا نظرنا إليه من منظور الظاهراتية لدى هوسرل. فالمباني، خاصة في المجتمعات العربية الفقيرة والبسيطة، حيث تتشارك الكائنات البشرية مع الحيوانات الداجنة غرفة واحدة، تؤثر بشكل مباشر على نمط التفكير. في مثل هذه البيئات، التي تمتلئ برائحة الجلة في ليالي الشتاء، يصبح التفكير أفقيًا وبسيطًا، يركز على سطح المشكلة دون أن يتعمق في جذورها.
هذه الرواية تعكس الحالة السورية بتشابكها وتعقيداتها، حيث الناس الذين يعيشون في تلك البيوت غالبًا ما يكونون خاليين من مشاعر الحقد. لكن الكاتب نجح في تسليط الضوء على عيادة الدكتور فواز ووالده الحاج مصطفى، حيث يملك هذا الأخير بناءً كبيرًا متعدد الغرف، مما يشير إلى تعدد الخيارات والاحتمالات، وهذا يدل على أن أهالي قرية "سعدة" بدأوا في تجاوز الفكر الأفقي البسيط نحو فكر أكثر تعقيدًا وعمقًا.
لهذا السبب، لم تُعتبر فضيحة صبحة والحاج مصطفى أمرًا معيبا في المجتمع، خاصة في سياق العلاقات الذكورية. ففي المجتمعات الإقطاعية، يُعتبر هذا التصرف معيبًا بشكل عام، لكن الحق في ارتكابه يبقى محفوظًا لزعماء العشيرة.
كان المجتمع السوري بسيطاً في ستينيات القرن الماضي، لكنه أصبح عاجزاً بعد أحداث الإخوان المسلمين. في تلك الفترة، فقد حزب البعث السيطرة تماماً وأطلق يد المخابرات على الشعب السوري من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. أصبح المجتمع مرهوباً، وهي صفة قد نتفق عليها، لكن الحديث عن الحقد يتطلب تعريفاً مختلفاً. فعلى الرغم من كل ما مر به، لم يحمل حازم ضغينة تجاه الحاج مصطفى، ولم ينتقم لوالدته بشكل عنيف كما كان يمكن أن يفعل، رغم أنه قد ولد في بيئة قاسية وكان يمكن أن يكون قاسياً بطبيعته.
حازم لم ينتقم حتى من صديقه جمال الذي خطف الهام، وظل هادئاً رغم القسوة التي شكلت شخصيته. قد يرى البعض أن الكاتب كان قاسياً جداً في تصوير شخصية حازم، أو ربما كان يستمتع بعذابه. حازم، الذي كان الأول في عائلته فارساً، تحول إلى كتلة من الخوف والجبن، بلا سند أو دعم. رغم أن حازم الأول كان وحيداً أيضاً، إلا أن قلبه ومواقفه جعلته يتفوق على الآخرين.
من خلال ما عرفناه عن أم حازم التي ذهبت إلى العم عقلة لتطلب رفع الظلم عن ابنها، يمكننا أن نفترض أن المجتمع السوري قد تخلى تدريجياً عن قيم العشائرية، حيث كانت العشيرة لا تقبل بالظلم الذي عانى منه حازم، وكان شيخ العشيرة هو حاميها. ماذا لو نظرنا إلى حازم كرمز لسوريا، وجمال كرمز لمصر المتسلطة على السوريين؟ في هذه الحالة، يصبح من الطبيعي أن يأخذ جمال الهام وكأن حازم لا وجود له. لم يعتذر له، ولم يعامله كصديق، لأن علاقتهما بدأت بعد الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 وانتهت بأن أصبح حازم رجل مخابرات يتولى السلطة ويحاسب جمال بناءً على أوامر من أبو يسار.
ما يدفعني إلى هذا التحليل هو زواج فواز من سناء، التي تنتمي إلى عائلة دمشقية قديمة ومرموقة، ولها تأثيرها على قرية "سعدة". حتى الحاج مصطفى أقر بأنه لولا أهل سناء، لكان له رأي آخر. هذه العائلة الدمشقية العريقة رغبت في الزواج من فواز، ولم يستشر والده إلا شكلياً. كما أن بيت والد فواز كان كبيراً، مما يدل على وجوده المهيمن في القرية، وابنه المتعلم الذي يعتبر شخصية بارزة.
قد تكون شخصية حازم تجسد الضباط الذين استولوا على السلطة في سوريا، مثل حافظ الأسد، مقارنةً بمكانته بين أقرانه في القيادة السورية، أو جمال عبد الناصر، الضابط الذي تحول إلى عميل، أو حتى صدام حسين. الفارق هنا هو أن حازم، رغم الفقر المدقع الذي نشأ فيه، يختلف عن تلك الشخصيات التي أقدمت على إذلال شعوبها لتحقيق ثأرها الشخصي.
#ابراهيم_زورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءتي.. لوائل السواح في انقسامه روحه!
-
ديستوبيا
-
الأخطر، عضة الإنسان!
-
مديوكر السوري
-
-ليس الأي معي-
-
حذف الثايات!
-
الفرقة 17 للروائي زارا صالح
-
جسر النحاس مشطه
-
ماذا لو!
-
ستندمون لو رحل!
-
برزان حسين!
-
عن سعود الملا!
-
سيدي الإعرابي/يحيى القطريب
-
صراع وجودي هو الاعنف!
-
أنا العميل
-
قضبان خلف الاوتار/ اسعد شلاش روائيا
-
طبعاً ديكو آغا لا يشبهك!
-
العبث عنواننا
-
الاقرع الذي يتمسك بقضيب القيادة
-
كلابنا المهجّنة
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|