- حياة الماعز- فيلم يكشف الوجه الآخر للعبودية المتمثل في نظام الكفيل

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

الحوار المتمدن-العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 16:13
المحور: الادب والفن
    

" حياة الماعز" أو " أدوجيفيثام " باللغة المالايالامية الهندية فيلم ألمأخوذ من رواية كتبها الروائي" بنيامين " باللغة الماليالامية التي يتحدث بها سكان ولاية كيرالا . الفيلم مستوحى من محنة حقيقية لرجل عانى من تحربة العمل في السعودية ، الفيلم من أخراج" باليسي" الذي اشتغل على سيناريو الفيلم حوالي 16 سنة . تصوير الفيلم استغرق خمس سنوات ومحطات التصوير كانت بين الأردن والجزائر وكيرلا.
يبدأ الفيلم بعرض حياة نجيب محمد الشاب البسيط من ولاية كيرلا، والذي يحلم بفرصة السفر لتحقيق أحلامه وتأمين مستقبل طفله الذي لم يولد بعد . ينجح نجيب وصديقة حكيم الحصول على تأشيرة عمل في دولة خليجية بمقابل مادي، وبعد معاناة لجمع أموال التأشيرة، ينجح نجيب وصديقة حكيم في الحصول على عمل في شركة سعودية، وما إن يصلا المطار لم يجد أحدا من الشركة في إنتظاره ، وحين حاول الاتصال بالشركة لم يحصل على الرد لمصادفة وصوله في يوم الجمعة وهو يوم عطلة . لكن رجل سعودي أدى دوره الممثل العماني " طالب محمد البلوشي، يبحث عن أشخاص قادمون جدد ، وحين عثر على نجيب مع صديقه (حكيم) . يأخذ منهم الجوازات ويخطفهم بسيارته (بيك أب) ، وينتهي به الأمر مع صديقه حكيم للعمل الجديد في صحراء رعاة للجمال والماعز بعد فصلهما عن بعض . وتوزيع كل واحد منهم في حظيرة حيوانات في وسط الصحراء .
الكفيل المزيف يعتبر عدم معرفته بالعربية جهل وغباء
يأخذ الكفيل ( طالب البلوشي) نجيب الى حيث يرعى غنمه وجماله، في صحراء قاحلة ، يبكي نجيب متوسلاً له ، ولأنه يجهل الحديث بالعربية لم يفهم مالك الماعز والجمال مأساته ، ويعتبر عدم معرفته بالعربية جهل وغباء! . يعامله بكل قسوة، يضربه بعنف، يجرحه في جبهته، ويكسر ساقه، ولا يسمح له باستخدام المياه في تنظيف نفسه لأنها تكلفه، في نفس المكان ، هندي عجوز هو الوحيد في هذا المكان الموحش الذي يفهم لغة نجيب بصعوبة لكنه قليل الكلام ، مهمته تعليم نجيب الرعي وحلب الماعز، لاحقاً عثر نجيب على جثة الرجل في الصحراء تنهشها الطيور ، عندما قاومهم نجيب نهشوه حتى نزف، فهرب بجلده وهو يشاهد صديقه العجوز وأنيسه الوحيد ، والنسور تسمل عينيه وتنهش أمعاءه . طالت أظافره حتى صارت مخالباً، وطالت لحيته التي كان يحلقها بشظايا مرآة مكسورة .
تجربة نجيب المريرة تتخللها ذكريات بطريقة الفلاش باك مع زوجته سيناو (أمالا بول). تكشف ذكريات الماضي عن القرية الساحلية التي استبدلها نجيب بالصحراء والتناقض بين الأرض الخضراء الخصبة في وطنه الأم والصحراء القاحلة في الغربة تتناغم مع اغنية زوجته واستذكاره لها (سيناو) . بعد محاولات هروب فاشلة ذاق بسببها عذاب الاهانة والضرب، قصة حقيقية تتناول سيرة حياة حياة شاب هندي مسلم، اسمه نجيب محمد، جاء إلى السعودية في التسعينيات من القرن المنصرم بڤيزا عمل مع إحدى الشركات المهمة في البلد. لم يكن يدرك أنه قد تعرّض إلى عملية نصب كبرى حين أخذ سمسار ڤيز هندي ٤٠٠٠ روبية منه وقال له أنه قد حصل على عقد عمل مهم مع شركة سعودية. ما عليه سوى السفر إلى السعودية ولقاء كفيله في المطار ليأخذه إلى غرفته في الفندق، ومن ثم إلى مكان عمله في الشركة. رهن نجيب بيته ليحصل على المال ويعطيها إلى السمسار الهندي اللعوب . وصل إلى مطار الرياض ولم يجد الكفيل بانتظاره . انتظر ساعات طويلة حتى جاءه تاجر اغنام سعودي بدوي، وطلب منه جوازه وأخذه معه في رحلة إلى عمق صحراء السعودية، حيث الرمال تطغى على كل شيء. لا يتحدث نجيب العربية ولا الإنگليزية، ولم يكن يعرف من هذا التاجر السعودي. كان يظنه كفيله الحقيقي . "خطفه" الكفيل من المطار وفرض عليه العمل في مزرعته الصحراوية راعياً للغنم والماعز والأبل. استغله أبشع استغلال لقاء كسرة خبز يابس مع القليل من الماء فقط ، عندما قرر نجيب أن ينتحر عن طريق إلقاء نفسه من فوق جبل ، ثم يكتشف بالصدفة جثة زميله في العمل القسري الذي اختفى ولم يعرف أين ذهب ليشاهد النسور وهي تنهش جثته . البطل فقد إحساسه بالوقت والزمن، ولا يعلم كم من الوقت مر عليه وهو مدفون في رمال الصحراء ، وفي احد المشاهد يتطلع الى مرآة السيارة ويفزع من شكله الرث والمخيف .
بعد ثلاث سنوات يلتقي نجيب صديقه (حكيم ) إثناء رعي الأبل والماعز في الصحراء ويشجعه على الهرب ، ويخبره بوجود رجلا افريقياً يدعى ابراهيم وسيدلهم على طريق الهروب. وتحديد موعد الهروب عند غياب رئيسه بالعمل وذهاب لحضور حفل زفاف أبنة الكفيل ، وبالفعل بدأت رحلة الهروب وكانت من أمتع رحلات الهروب في عالم السينما، الصحراء فيها هي البطل، حشرات تزحف وتترنح في هذا التيه الواسع، التفاصيل في هذه الرحلة مليئة بالاثارة والترقب وكتم الأنفاس، حشرات تزحف وتترنح في هذا التيه الواسع، عواصف ترابية ورمال الصحراء تثور ، لكن أهم مافيها هو موت حكيم من الانهاك والعطش بعد أن دفنته رمال الصحراء، وبقاء نجيب مع دليله الافريقي أبراهيم الذي كان محور رحلة الهروب، تحسه أحياناً نقديساُ، وأحياناً أخرى طبيباً يداوي الجروح، وبطلاً أسطورياً لا تهزمه صحراء، يوصل نجيب الى نبع مياه وخضرة، ثم يختفي بعد أن اطمئن على وصوله بر الأمان . أبراهيم الأفريقي الذي ذاق مرارة العبودية يحاول أن يساعد نجيب وصديقه حكيم من الانعتاق وكسر قيد العبودية . ويبذل كل شئ من أجل مساعدتهما على الهرب .
نجح إبراهيم في توصيل نجيب للطريق والى بر ألامان ولم يبقى إلا خطوات بسيطة حتى يوصل للطريق ، أو بالاحرى التحرر من العبودية ، يستقيظ نجيب ويجد عند راسه قنينة ماء وحبة تمر سدادة لفوهتها مع اختفاء تام للرجل الأفريقي ابر اهيم ، يشرب نجبيب الماء وياكل قطعة التمر ويواصل رحلته . في فيلم حياة الماعز يظهر إبراهيم، الرجل الأفريقي الذي رافق نجيب خلال هذه المحنة. إبراهيم ليس مجرد شخصية مساعدة؛ بل هو محور الدعم النفسي والجسدي لنجيب. يعكس إبراهيم القدرة على البقاء في أصعب الظروف، ويعلم نجيب دروسًا في الصبر والقوة. ومع ذلك، فإن الفيلم يحمل تطورًا مثيرًا: في لحظة حاسمة، يختفي إبراهيم فجأة، تاركًا خلفه قنينة ماءً لنجيب كآخر فعل من التضحية والرفقة . اختفاء إبراهيم يفتح الباب أمام العديد من التفسيرات. هل أدرك أنه لا يستطيع الاستمرار أكثر؟ ، أم أن تركه للماء كان رسالة لنجيب بالاستمرار في القتال من أجل البقاء؟ إبراهيم في هذه اللحظة يتجاوز كونه مجرد رفيق؛ إنه رمز للأمل والقوة التي يمكن أن نجدها حتى في أوقات اليأس .
يصل نجيب للطريق العام بعد مجهود ، على الطريق يبحث عن توصله سيارة ويتعاطف معه رجل سعودي طيب ويأخذه معه إلى المدينة، يقدم المخرج التموذج العربي الطيب والراقي حين يصل نجبيب الى الطريق المعبد منهكا وقذرا وشعره اشعث وملابس رثة ، وفيما ترفض بعض السيارات العابرة نقله إلى أقرب مكان ، يجد في نهاية صراعه مع الصحراء المتوحشة رجلاً طيباً وسمحاً ينقله معه، ويقدّم له الماء في الطريق . ويصله الى الهنود المهاجرين ويعالجونه من الحمى، ويتصل بزوجته التي تخبره عن إبنه ( نبيل ) الذي كبر ونما ويتطلع لرؤيته . ولأنه بدون اقامة وبدون جواز سفر ، يحبس ثلاثة أشهر مع الهنود الهاربين من الكفيل، تعرضهم السلطات في طابور أمام كل كفيل بلغ عن هروب عامله، وفي مشهد يحبس الأنفاس يدخل الكفيل المزيف ويستعرض الطابور ويقف أمام نجيب وبنظرة ناريه يخبره بأنه لو كان الكفيل لكان قد أذاقه ويل العذاب، ثم يتركه . ينتهي الفيلم ببعض الهنود الدين يتم ترحيلهم من السعودية ، ينظر نجيب الى السماء ، بخيبة وحرقة ولكنه سعيد حين يعود الى وطنه ويقهر العبودية التي سحقت أنسانيته . الفيلم يعكس مآسي نظام الكفيل منذ بدايته في فترة السبعينات قبل أن يخضع للكثير من التعديلات القانونية . في الفيلم يموت الكثيرين في الصحراء بالفعل ولا أحد يعرف طريقهم . لذلك علق المخرج على إن الفيلم لا يحكي قصة نجيب، بل يحكي قصة من ماتوا في الصحراء ولا يعلم عددهم أحد . أعتقد الفيلم ربما يسبب مشاكل أو سوء فهم ، لذلك عمد المخرج في وضع ملاحظة في مقدمة الفيلم ملاحظة تقول" أن الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب" .

الوضع اللإنساني للعمالة الأجنبية في دول الخليج
فيلم " أيام الماعز" الذي سرد حكاية رحلة نجيب وصديقه حكيم من خلال ثلاثة فصول ، في الأول : الوقوع في فخ الاختطاف بعد الأحلام الجميلة التي رافقت مخيلة العاملي ن الوافدين؛ و في الفصل الثاني: الخضوع والرضى بالقضاء والقدر ، ثم الفصل الثالث والأخير كان ملحمة البحث عن الحرية والنجاة من الصحراء . الفيلم يكشف الوضع اللاإنساني الذي تعاني منه العمالة الآسيوية في الخليج العربي ونظام ا( الكفيل) . وصفت منظمات حقوق الإنسان ‏‏نظام الكفالة‏‏ الذي يربط العمال الأجانب بصاحب العمل طوال فترة وجودهم في تلك البلدان بأنه( شكل من أشكال ‏‏العبودية الحديثة) ‏‏. من خلال سرد الفيلم تنكشث صور كثيرة مؤلمة لسوء إستخدام أصحاب العمل لسلطتهم وممارسة القسوة الشديدة والعنف والاستغلال في أبشع صوره للعامل الهندي الذي رهن بيت أسرته كي يتغرب عن بلده جرياً وراء حلم الحياة الكريمة في موطن النفط والرزق الوفير . والإيفاء بمتطلبات عوائلهم التي تترقب ما يعوضهم غيابهم عنهم . الأمر الذي يجعلهم صيداً سهلاً للوقوع في أفخاخ تجّار البشر . يظهر الفيلم حياة "نجيب" وهو معزول عن العالم، وحيداً مع سيده ويرعي الحيوانات تحت حرارة الشمس الحارقة في الصحراء دون أي مقومات للحياة، ويشرب الماء من نفس الحوض الذي تشرب منه حيواناته . بعد فترة ، تولّد لدى نجيب شعور بالإستسلام والركون للعبودية واعتبارها الطريق الأسلم للحياة ، فأصبحت حياته تأدية العمل الشاق على أكمل وجه وتنفيذ طلبات سيده تجنباً لعقوبة قاسية. بدأ يتكيف مع الصحراء محيطة الجديد يتحاور مع الماعز ويطلق عيها اسماء قريبة على نفسة ، وصار يستطعم أكل الشعير . في مشهد مؤثر يتوسل (نجيب) والدموع تنهمر على وجهه وهو يحكي كيف باع كل شيء و تغرب وغادر بلده ، كل ذلك سعياً وراء وظيفة موعودة؛ لكن كلماته باللغة المالايالامية لم تجد صدى لدى رئيسه الذي لا يتحدث سوى العربية ولايفهم حواره . ومن الجدير بالذكر ، هناك أكثر من مليوني هندي من ولاية كيرالا ينحدرون من أسر فقيرة ، هاجر منهم ما يقرب من 90 في المئة إلى دول الخليج ويعيشون في ظل نظام الكفالة في هذه البلدان .
رسالة الفيلم ألإنسانية للشعوب
حمل فيلم "حياة الماعز" رسالة أنسانية مهمة للشعوب التي تستجلب العمالة من الدول الفقيرة للقيام بأعمال مختلفة نظير أجور محددة . في هذه الدول غالباً ما تتغير العلاقة بين صاحب والعامل أو الاجير الى ما يشبه العبودية والرق بغياب القوانين العمل وحقوق العمال والمحاسبة في هذا السلوك اللاإنساني أعادت الصورة القاتمة للعبودية سواءأ في الحقل أو المعمل أو حتى في خدمة البيوت ، هؤلاء الناس ولدوا أحرارا وأحلامهم بسيطة . لذا يجب مراقبة ممارسات الكفيل أو صاحب العمل وسن القوانين التي تضمن انسانية وحق العامل أو العاملة المغترب لا ان تصبح حياتهم مرهونة بضمير أو إنسانية صاحب العمل . صور الفيلم الجحيم اليومي الذي كان يعيش بصل الحكاية ( نجيب) خلال يومه الطويل وهو يعمل 17 ساعة في الرعي وتنظيف الحظيرة في المزرعة ، ثم يلقى بنفسه على الرمل للنوم الساعات المتبقية ، يكتوي بالحرارة الشديدة في صحراء قاسية. يظهر (نجيب) معزولاً عن العالم، وحيداً مع سيده وحيواناته ودونما صديق أو أنيس ، يشرب الماء من نفس الحوض الذي تشرب منه حيواناته . كلما بلغ به الألم مداه واجتاز كل الحدود من قسوة الحياة . في مشاهد عديدة من الفيلم التي كشفت قسوة الصحراء وفضحت المعاملة اللإنسانية من قبل صاحب العمل ، عندها يصبح الراعي نجيب بلا اسم وبلا هوية وبلا احتياجات إنسانية وحقوق عمالية . يجبر على القيام بعمل شاق ، ويبقى نصف جائع ويحرم من الماء كي يغتسل . سيده أو صاحب المزرعة العربي يتصرف معة بقسوة ووحشية ، يسيطر على نجيب بمسدس ومنظار وكثيرا ما يضربه بحزامه او ينزع عقاله . تبدأ أحلامه ورغباته وآماله في التلاشي حيث أصبحت عقليته الآن قريبة لحياة الماعز . يتحدث إليهم ويأكل معهم وينام معهم ويعيش حياة الماعز تقريبا. على الرغم من أنه حاول الفرار عدة مرات، إلا أن سيده يمسك به في كل مرة ويعاقبه بحرمانه من الطعام والماء . كانت الرسالة المهمة التي يبوح فيها الفيلم وسرد حكاته المؤثرة تتلخص في دعوة الرجل الأفريقي ابراهيم خضيري( ويقوم بدوره الممثل جيمي جان لويس) لنجيب من أجل خلاصه : "يجب أن تتسير، وتستمر في السير حتى لو كلفك الموت". يستحق التصوير السينمائي للمصور " سونيل كانساس" الثناء والإشادة ، من خلال اللقطات الواسعة للتضاريس الصحراوية الواسعة ، ومشاهد الصحراء التي جرى تصويرها بصحراء وادي رم في الأردن وصحراء الجزائر، إضافة إلى المشاهد التي صوّرت في كيرلا بالهند كانت غاية في الأبهار والجمال . هناك العديد من المشاهد التي تبرز قسوة الصحراء وجمال تضاريسها في نفس الوقت ، مشهد البحث عن قطرة ماء ، او مشهد العاصفة الرملية التي راح ضحيتها حكيم صديق نجبيب .
قدم الممثل " بريثفيراج سوكوماران" أداءاً غير عادي في دور نجيب. لقد دخل في جلد الشخصية - حرفيا - لتجسيد شخصية الوافد نجيب ، بعد التزامه بفقدان الوزن إلى لحيته وشعره الأشعث وأسنانه السوداء وأظافره القذرة . يشارك في الفيلم الممثل العماني القدير " طالب بن محمد البلوشي "، وعن دوره قال " دوري في هذا العمل بدوي يعيش في الصحراء بين أغنامه وإبله، علَّمته الصحراء، جلف الطباع والجسارة والتعامل مع الطبيعة كيفما تتلون بكافة صعوباتها، حرها الشديد، بردها القارس، رياحها العاتية، حيواناتها الخطرة، لذلك تجدون طبعي في العمل عنيف التعامل مع الوافد الذي وصل بالخطأ إلى عالمي حسب مجريات الأحداث وهو المختلف كليا، فتجري المجريات كيفما تشتهي الرياح خصوصا محاولات هروب الوافد " .
رواية الكاتب بنيامين، هي جزء من أدب الهجرة المترامي الأطراف في ولاية كيرالا الذي يشارك ويوثق ويدرس حياة المهاجرين المالاياين الذين انتقلوا إلى منطقة الخليج في أوائل السبعينيات بعد طفرة النفط لا تركز فقط على البقاء الجسدي ، بل على الرحلة العاطفية والمرونة والتكيف مع عالم غريب وقاسي . تعد حكاية ( حياة الماعز ) ، أولا وقبل كل شيء، قصة شخصية عميقة لرجل من الطبقة العاملة وفد نجا من الاختطاف والعبودية في صحراء الربع الخالي خلال التسعينيات . بالاعتماد على ذكرياته، يكشف الوجه المظلم للهجرة الاقتصادية حيث تذبل أجساد أفراد الطبقة العاملة من أجل عائلاتهم في الوطن . رغم أني ارى تركيز المخرج على النموذج الانسان العربي القاسي والذي لايحمل في قلبه رحمة او ذرة من الانسانية وهي بالتأكيد صورة مشوهة ، من المؤكد هنالك الكثيرين من الخيرين الذين أكرموا الوافدين الذين حملوا ذكريات جميلة في تلك الدول عن أهلها وطيبتهم وكرمهم . قصة الاستثمار الجاد للممثل النجم بريثفيراج سوكوماران في الفيلم - لقد ألقى 30 كيلوغراما للعب دور عبد الصحراء الجائع والمعذب – مذهلة ، في الواقع، عاد (نجيب) مرة أخرى الى الخليج وعمل في البحرين لمدة ثلاث سنوات، بل أنّ أبنه ( نبيل ) يعمل حاليا في الوادي الكبير في مدينة مسقط .

"حياة الماعز" استكشاف جميل للاتصال البشري الذي يتجاوز الحواجز الثقافية

‏يبدأ الفيلم بلقطة لنجيب والماعز وهم يشربون الماء من نفس الخزان . إنها صورة بصرية قوية تنقل الخطوط الواضحة لعلاقة الإنسان ( نجيب ) ومجموعة الماعز بعد أن عاش بينهم لفترة طويلة ، أصبح حياة الرجل الآن تشبه حياة الماعز. الأولي ، يطور نجيب رابطة جميلة بشكل غريب مع الماعز . في وقت مبكر من الفيلم ، نراه يتوسل إلى عنزة ألا تركله أثناء حلبها . وفي مشهد آخر، نرى الماعز يلتف حول نجيب كما لو كانت تقدم الموساة والتعاطف بعد أن كسر صاحب المزرعة العربي ساقه عند محاولة هروبه . لكن لا يسع المشاهد إلا أن يتمنى لو أن الفيلم كان لديه المزيد من هذه اللحظات الدافئة للتأكيد على العلاقة بين نجيب والماعز . تكمن قوة الفيلم في قدرته على تصوير قدرة الروح البشرية المذهلة على البقاء. رحلة نجيب هي واحدة من المصاعب الهائلة، يقابله توازن المخرج بليسي ببراعة هذه اللحظات مع لمحات من الأمل والقوة الهادئة التي تظهر من الداخل. لا تصبح المناظر الطبيعية الصحراوية الشاسعة، التي تم التقاطها من قبل المصور السينمائي سونيل كي مجرد خلفية ولكن شخصية في حد ذاتها. وتعكس تلك التضاريس التي لا ترحم نضالات نجيب وتوقه الى الحرية وكسر قيد عبوديته . "حياة الماعز" هي استكشاف جميل للاتصال البشري الذي يتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية. يشكل نجيب رابطة مع زملائه العمال المهاجرين، ويشكل مجتمع دعم وسط مصاعبهم المشتركة . حتى في مواجهة العزلة والشدائد، يحتفل الفيلم بقوة الاتصال البشري، ويذكرنا بأننا لسنا وحدنا في صراعاتنا . يلتقط الفيلم أيضا بشكل جميل الحقائق القاسية للعمال المهاجرين والمعاملة اللاإنسانية التي يواجهونها في كثير من الأحيان . المشاهد الوحشية لسوء معاملة نجيب وإساءة معاملته على أيدي أصحاب العمل مؤلمة للقلب وتترك المشاهد أشعر بالغضب والعجز .
في الختام : الفيلم يسلط الضوء على قضية مهمة غالبا ما يتم تجاهلها . فيلم لا يمر مرور الكرام من حيث ثقله الفني . حول العالم، وبعد صدور الفيلم، انطلقت حملات عديدة للمطالبة بمراقبة الانتهاكات ضد العمال الهنود ، وضرورة وضع قوانين لحماية هؤلاء العمال مادياً ومعنوياً، كما أصبح نجيب ضيف العديد من القنوات، وتهافتت الصحف والمواقع لنشر أحاديث صحفية وسرد تجربته بشكل مفصل .

كاتب عراقي

#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات