|
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ورحل بهدوء وسلام..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 14:26
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
سالم قبيلات
يزخر تاريخ الحزب الشيوعي الأردني بأسماء رفاق مميزين، يتوزعون على جميع فئات المجتمع الأردني وجميع المحافظات الأردنية. رفاق خلدتهم مواقفهم المشرفة، التي سطروها في سياق نضالهم العنيد ضد سياسات القمع والاستبداد وضد جميع أعداء الطبقة العاملة والكادحين؛ وتركوا بصمات عميقة على مسيرة العمل الحزبي. وإذ نستذكر، في هذه النافذة، أسماء بعض الشيوعيين الذين صمدوا دفاعًا عن حزبهم وشعبهم، ونستعرض أجزاء محدودةً من تجاربهم الغنية، فإننا، في الوقت نفسه، نوقد مشاعلَ لكل الوطنيين الأحرار البواسل الذين أمضوا حياتهم في ميدان الكفاح الوطني والديمقراطي الصلب، خلال سنوات الأحكام العرفية، من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والاشتراكية. صاحب هذه البطاقة، الرفيق خالد الذكر فايز بجالي (أبو فؤاد)، من مواليد مدينة مأدبا في العام 1929. ولد في عائلة عربية أردنية مسيحية تقدمية، لها مساهمات كبيرة في نشر العلم والمعرفة في الأردن وفلسطين. ودرس في كلية تراسنطة في عمّان وتخرج فيها في العام 1949، ثم التحق بالجامعة الأميركية، في بيروت، في العام 1949. وهناك، تعرف إلى الفكر الماركسي. وبسبب انخراطه، بحماس كبير، في النشاطات السياسية الطلابية اليسارية، اعتقلته السلطات اللبنانية، وأبعدته إلى الأردن. بعد عودته إلى الأردن، شارك في تأسيس أولى الخلايا الماركسية في البلاد، مع رفاق آخرين، منهم: حنا العيفات الهلسا (شقيق الأديب والمناضل الشيوعي المعروف غالب هلسا، وأوَّل أمين عامّ للخلايا الماركسيَّة، وأقدم الشُّيوعيين الأردنيين)، وعيسى مدانات، ووديع برقان، وإبراهيم الطوال، وفؤاد قرّاعين، وصالح الحمارنة، وحنا حتّر، وفايز الروسان، ونبيه ارشيدات. وفي العام 1951، بعد وحدة الضفتين، توحدت عصبة التحرر الوطني الفلسطيني والخلايا الماركسية في الأردن، وشكلتا معاً الحزب الشيوعي الأردني. في الوضع التنظيمي الجديد، عمل الرفيق فايز بجالي، بحماس كبير وبروح كفاحية عالية، في المجالين السياسي والتنظيمي، داخل صفوف الحزب. وقد عُرف بصلابته، واستعداده الدائم للقيام بأشد المهمات النضالية صعوبة؛ ومنها، على سبيل المثال، توزيع جريدة الحزب السرية وبيانات الحزب الداعية لمقاومة الاستبداد ومواجهته، والمشاركة في المظاهرات المتحدية للقمع وللقيود السلطوية، وغيرها الكثير من المهمات النضالية التي كانت تُعد خطرة. وبين العامين 1951و1965، تكرر اعتقال الرفيق "أبو فؤاد" مرات عدة، وكان أطولها سجنه لثماني سنوات متواصلة في سجن الجفر الصحراوي (1957-1965). وبعد خروجه من السجن، في العام 1965، اقترن برفيقة دربه المناضلة الرفيقة شفيقة الشمّاس، ليتشاركا معًا في طريق النضال وفي الحياة الخاصة الكريمة. وقد جعلا من بيتهما ملاذاً متاحاً للرفاق في ظروف العمل السري. ورغم كل الظروف الصعبة؛ من اعتقال، وملاحقة، واختفاء قسري، ومنع من العمل، استطاع الرفيق فايز بجالي، مع رفيقته شفيقة الشماس، تكوين أسرة طيبة، متماسكة، ثرية بالقيم الإنسانية والاجتماعية الراقية، وأنجبا مناضلين ومناضلات ساروا على الدرب نفسه. ولم تكتفِ السلطات بزجه، في المعتقلات والسجون، لفترات طويلة ومتتالية من حياته، خلال الخمسينيات والستينيات؛ بل كررت ذلك معه خلال الأعوام 1972 و1986. وكان آخر اعتقال له في العام 1989 إبّان انتفاضة نيسان المجيدة. وتقديراً لشجاعته، وقدراته التنظيمية الملموسة، وإخلاصه لحزبه وقضيته، انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب في العام 1970. وفي العام 1972، أنهى دورة دراسية مكثفة في العلوم السياسية، في الاتحاد السوفييتي، وحاز على شهادة معهد الدراسات الاجتماعية في موسكو. ويُسجل للرفيق "أبو فؤاد" أنه كان مشاركًا فعالًا في معظم النشاطات والنضالات التي خاضها الحزب، ولا سيما المظاهرات الطيارة، التي كانت تبدأ فجأة وتنتهي بسرعة قبل أن تصل قوى الأمن إلى المكان. وكان من أبرزها، المظاهرة الشهيرة التي جرت في العام 1986 أمام السفارة الأميركية في عمان، احتجاجًا على الاعتداء الأميركي الإجرامي على ليبيا. توفي الرفيق فايز بجالي في تاريخ 28 كانون أول 2015، ووُري جثمانه الثرى في مسقط رأسه في مدينة مادبا، حيث شاركت في التشييع جماهير غفيرة تقاطرت على المدينة من العديد من مدن وقرى ومخيمات الأردن. وبهذه المناسبة الحزينة، قال الرفيق نبيل الجعنيني في كلمته التي ألقاها خلال مراسم التشييع: "لقد كان الرفيق أبو فؤاد مناضلاً صلباً منذ صغره، يكره الظلم، ويشعر بالآخرين ويتألم لآلامهم. لقد بدأ النضال مبكراً، وتحديداً بعد عودته من لبنان، حيث أسس مع الرفيقين الخالدين حنا العيفات الهلسة (شقيق المرحوم غالب هلسة)، والمرحوم وديع برقان (صاحب أول صيدلية في مادبا) أول خلية شيوعية في مادبا، وشاركوا في الاجتماع الذي عقد في بيت خالد الذكر فايز الروسان من أجل إعلان تأسيس الحزب الشيوعي الأردني". وتابع الرفيق نبيل، قائلاً: "لقد كان الرفيق فايز (البجّالي) قائداً ومؤسساً عظيماً. ففي كثير من الأحيان خلال جولاته النضالية، لم يعرف أهله عنه شيئاً، فهو أحياناً في معتقل الجفر وأحياناً في سجن المحطة وأحياناً أخرى مختفياً. " وأضاف الرفيق نبيل، قائلاً: "ومن حسن حظي أثناء تحويلي إلى معتقل الجفر، كان الرفيق فايز شخصياً، أول من استقبلني مع مجموعة من الرفاق أمثال خالدي الذكر: موسى جميل صطيفان، وسكاب العمارين، ومصطفى عاشور، ومنير التبة، والأصدقاء الأعزاء منيف حمارنة ونزيه كرادشة ". بدوره، قال الرفيق فهمي الكتوت، في كلمة ألقاها باسم رفاق الفقيد خلال حفل التأبين الذي أقيم في تاريخ 20 شباط 2016 في مدينة مادبا: "لقد كان الرفيق فايز، شيوعياً جاداً ومبدئياً بمواقفه السياسية، وكان مناضلاً فذاً عنيداً لا يراوغ، ولا يساوم على موقف مبدئي. خياراته كانت بعيدة عن الحلول الوسطية، ولقد كان صلباً حاد المزاج في مواجهة خصومه الطبقيين، حيث تصدى للإرهاب في أحلك ظلماته." واستدرك، قائلاً: "لكنه كان اجتماعياً، طيب القلب، وإنساناً ودوداً، يحظى باحترام وتقدير رفاقه، ويتمتع بالوفاء والإخلاص لأصدقائه. وفي تلك الظروف الصعبة غير الطبيعية وقفت إلى جانبه بكل قوة، رفيقة دربه المناضلة والقائدة النسائية شفيقة الشماس، ليشكلا معاً أسرة وطنية نموذجية". وكتب الصحفي المعروف يوسف غيشان مقالاً، في جريدة الدستور، جاء فيه: "عاد فايز بجالي إلى الأردن من لبنان (من الجامعة الأميركية في بيروت) ليكون من أوائل المؤسسين للخلايا الماركسية. وبعد عام ساهم في تأسيس الحزب الشيوعي الأردني، بعد وحدة الضفتين. وكان من أوائل الذين دخلوا السجون أكثر من مرة في الخمسينيات، ومن أوائل الذين اُعْتُقِلوا لأنهم وقفوا ضد الأحلاف الاستعمارية. اعتقل مع المئات من رفاقه، وبقي سجيناً من 1957 حتى 1965، ليخرج بعدها مناضلاً أشد إيماناً بقضيته، وكان مسؤولاً تنظيمياً فذاً، لا يعرف الخوف، ولا الكسل، ولا الملل، لا يعرف سوى العمل". وجاء في مقال غيشان أيضاً: بعد خروجه (من السجن)، تزوج من رفيقة دربه شفيقة الشماس، التي تعرف إليها في الخلايا الحزبية، وخطبها، فانتظرته السنوات الطوال. وأسهمت خلال ذلك في جميع التظاهرات والنشاطات السياسية خلال فترة اعتقاله، حتى خروجه من السجن وتزوجا. عاد أبو فؤاد إلى السجن أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يخرج أكثر قوة وشباباً، مثل طائر الفنيق، وكان آخرها خلال هبة نيسان 1989. ومع الأسف لم تهده السجون، ولا المعتقلات، لكن هدته خلافات الحزب الداخلية، التي لم يستطع إلا أن يكتوي بنارها." وختم غيشان مقاله، في جريدة الدستور، قائلاً: "غادرنا أبو فؤاد الذي لم يُذكر في ملفه إلا أنه (قليل الكلام وكثير التدخين)، الصامد العنيد، الجلف مع المحققين. حيث أُقفل ملفه التنظيمي عند بدء المرحلة العلنية للحزب الشيوعي، وما تبعها من المزايدات والمعارك الجانبية. واستمر مناضلاً حراً، عنيداً، قوياً وصلباً، يشارك في جميع النشاطات الجماهيرية حتى وقت قريب، رغم التعب الجسدي." وقال السياسي والمناضل ضرغام هلسة: "عرفته أيام الطفولة من روايات المناضلين الذين سبقونا، ممن كانوا رواد سجن الجفر الصحراوي. تعرفت به لاحقاً في لقاءات العمل الوطني بعد عودتي من الشام وخروجي من المعتقل، ولكن تعلقت به، وآمنت بكفاحاته وارتباطه بالمبادئ، عندما كنا رفاقاً معاً في سجن سواقة المركزي بعد هبة نيسان في عام 1989. لقد سطر الرفيق أبو فؤاد في ذاكرتي عنواناً، لرمز مناضل وشيوعي محصن لا يلين." وفي تغريدة للرفيق عدي المعايطة بعنوان "على عتبات الجفر"، كتب: "برحيل الرفيق فايز بجالي، يبدو أن هذا العام عام حزن، يخبرنا عن رحيل جيل صمد في وجه نار جيش كلوب باشا، وفي طرقات حلف بغداد، ونجا من انقلاب 1957، وتحمل صعقات كهرباء النازي في زنازين 1962. جيل تجاوز صدمة النكبة والنكسة وأيلول واتفاق كامب ديفيد والخلافات المتتالية، وشهد الانهيار وما انهار، وشهد الانجرار، وصمد على الدرب الذي اختار... كانوا أقوى من الموت والجلطة والضغط وإبر الأنسولين..." وأشاد الأب عبد الله حمارنة، خوري الكنيسة، إشادة مميزة، بمناقب الرفيق، فقال: "مهما اختلفت الشعوب بقومياتها أو بطوائفها أو بأي شيء، فهناك كلمة واحدة تجمعها وهي الإنسانية. فقيدنا الراحل أبو فؤاد اتصف بصفات الإنسانية. لم يكن طماعاً في يوم من الأيام، ولم يكن يريد مصلحة شخصية لنفسه، وهذا الفكر كنت أعرفه عنه. أعطى كل جهده واهتمامه للآخر ومحبته للآخر..." ومن جانبها، كتبت ابنة الفقيد، لبنى بجالي، قائلةً: "والدي عاش حياته بكل ما فيه من إرادة، وبكل ما يملك من تصميم حقق الكثير من أهدافه. عاش بكل كبرياء، ولم يرضخ لضغوط الحياة، ولا لضغوط النظام. توفي بعد أن أخذ القرار بأنه أكمل مسيرته في هذه الحياة. وتوفي بكل هدوء وسلام." وفي ختام هذه البطاقة، لا بد أن يُذكر للرفيق خالد الذكر، فايز بجالي، أنه بقي، طيلة حياته، أميناً على قضية الشعب والوطن والاشتراكية، مخلصاً لها، ومدافعاً صلباً عنها. وكان بحق، وطنياً حقيقياً، وعروبياً صادقاً، وأممياً مبدئياً. شارك في كافة النشاطات التي قام بها الشيوعيون الأردنيون ضد الاستعمار وأحلافه وعملائه، ومن أجل أردن وطني ديمقراطي وحقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه. نحيي الرفيق فايز بجالي وجميع الرفاق الذين ثبتوا على إيمانهم بعدالة قضيتهم، وصنعوا ألق حزبهم ومسيرته الخالدة.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
-
التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
-
الانتخابات النيابية الاردنية ، المشاهدة ام المراقبة
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|