أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - القصائد-النثر العشر الطوال















المزيد.....


القصائد-النثر العشر الطوال


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8079 - 2024 / 8 / 24 - 15:50
المحور: الادب والفن
    


* القصائد-النثر العشر الطوال.. *
(ملف شعري يتضمن عشر قصائد نثر للشاعر العراقي حكمت الحاج، تنشر لأول مرة)


يا فارس بغداد..
(في ذكرى رعد عبد القادر)

.. دع خطوطك النهائية تتردد عبر العصور القديمة وتُحيي روحك القوية في قاعات بغداد المقدسة ستستمر ذكراك في الشوارع القديمة حيث تهمس القصص المباحة وصوت الشاعر لمرة واحدة يتدفق مثل نهر.
أنت الذي اصطاد شمسا
ووضعتَها في مخلاة الحريق
أواه يا صديقي
صديق الحبر والولاية
كلماتك على نسيج الزمن أين يتم جلب الذكريات قلبك نيران اللهب المقدس في المزارات روحك رقصت في الإيقاع مع كل آية قمت لي بتوضيحها قلمك عصا السحر أشعل القلوب ولمَّ الأفاعي وأحرج الفرعون فرشاتك نابضة بطلاء الهواء أيقظت ترانيم الغسق المدمى مثل روحك النور كالبهاء والديجور حيث يلتزم جوهرك النقي بالعهد والميثاق.
أنت الذي أوكلتَ لصقر يحوم
في فضاء الفكر مهمة الرحيق
أواه يا دجلة المفقود في بغداد
كم يشعرني غيابك بقلق الوجود.
قصيدتك الأخيرة غير مكتملة مثل
لحنك شهادة على الأحلام التي تطفو إلى الأبد،
وأنت الشاعر الباز فارس بغداد الأشهب الذي يتجول الآن بين النجوم يستغفر لنا المعاصي والجحود ويستنهض بوار اللغة حيث يمنح الكلمات النعمة الأبدية فمنحتَ السنة الكبيسة جوائزها وأهديتَ إليها يوما جديدا لم تطأه روزنامة التاريخ السحيق.


هكذا حديث النجوم..
(إلى كلثوم.. بعد حفنة سنين)

.. أنت الذي تتجول بين النجوم
وتقرأ أسرارها في سكون الليل،
الحزن يجعلك فاسدًا
وتفكر بما هو أبعد من الجنون،
أنت الذي ترى ما لا نراه
وتعرف ما لا نعرفه
ربما عندما تنظر إلى النجوم في ذلك العالم
ربما عالم لا يزال حيًا قبل كل الألم ..
أنت الذي تتأمل الكون بذهول
وتعجب من عظمته وجماله
يجعلك غيورًا على الآخرين، حزنك
أنت الذي تشعر بالصغر أمام هذا العالم الهائل
وتشعر بالرهبة والإجلال منه
يجعلك محبطًا وأكثر من ذلك بقليل تعيسا
أنت الذي تبحث عن الحقيقة في النجوم
وتحاول فهم معاني الحياة لتخبرنا بها
أنت الذي تحلم بمستقبل أفضل
وتسعى إلى بناء عالم أكثر عدلا وسلاما
أعياد الميلاد صعبة هذه السنة
بعد أن تلاشت ذكريات الفرح
أنت الذي تؤمن بقوة الإنسان
وتعرف أنه قادر على تحقيق أي شيء لو أراد
أنت الذي يجعلك الحزن فاسدًا
لتفكر في ما هو أبعد من الجنون
يؤلمك البحث وها قد مضت ثلاث من السنون
ولا يمكنك التخلي عن العائلة،
أشتاق إليك يا أبي!
أنت الذي يسافر في الليل منفرداً
يحمل بين يديه تلسكوبه
يتبع النجوم ويكتشف أسرارها
يبحر في الكون اللامتناهي
أنت الذي قارئ النجوم هو اسمك
في عالم الكواكب والمجرات
هل ترى ما نراه نحن بالعين المجردة؟
أنت الذي اسمك المغامر والمقامر والرومانسي
المتجول المترحل جواب الآفاق في اللامتناهي
أنت الذي لا تخاف الظلام لكن قلبك
لا يزال حيًا ينبض قبل كل ألم
سيجعلك ذاك حنونا على أهلك
الذين لديهم قلوب سادرة
ويجعلك حزينًا مثل شتاء فاسد
تفكر في ما هو أبعد من الجنون
تفكر في العواطف البعيدة
عندما تنظر إلى النجوم.
والآن، بعد أن تلاشت ذكريات الفرح
وضاع حلم التخلي
أيؤلمك البحث وقد مضت الزفرات
ولم تتمكن حتى من التنهيدة..؟
اشتقْ إليهم يا أخي!


قصيدٌ إلى اللُّمِّيْمَة، المرأة والبحر..
(توفيت في 15 تموز 2007)

.. عبر أيام شبابي الكاذبة كلها
لوحتُ لها بأشعاري وأفكاري
وما أسميتها اسما، سوى اللُّمِّيْمَة
وحاشاها من ذلك الوطنِ
هي المرأة سوى البحر
سوى نساء العالمين
مرج البحرين يلتقيان
في أرض السواد
رغم أنف الزمنِ
واليومَ تعالوا انظروا
(أبلى الهوى أسفاً
يوم النوى بدني)
ولعلني أذوي فأغدو حقيقة مثل موتها
ففيمَ لومي لها بأنها الله عافاها
فلو كانت
بلْ تكون
بل وكانت وطني،
قد ملأتْ أياميَ بؤساً
وخلطتْ كل النوابه بالجاهلين!
وفيمَ لومكم لي بأنني فقط
لو أجتبي صبر العزاء
في المحنِ
تعالوا انظروا بأرواحكم
ماذا سأقول عن التي
أخذتْ مني كل شيء
حتى انقضى شبابي
وهيَ لا تَكادُ تزجي
نظرةَ لومٍ واحدة
كيف أمدحها وهي أمي
مقطعةُ الأوصال
سبيةُ الشجنِ؟
كيف أمدحها؟
أأجلس تحت قدميها،
أوقد شمعة،
وأعدُّ ما عندي
من خيرٍ ومن شرٍ
يروقُ اليهما
جودةُ الكفن؟
فيما العراقُ
(العارضُ الهتنُ
ابنُ العارضِ الهتنِ
ابنُ العارضِ الهتنِ)
رَثُّ الثيابِ
قريبٌ فجرُ ليلتـهِ
كيما يرى أننا
فجيعان مَنْ نهوى
و(مِثـْـلانِ في الوهَن).
--------------
* تمر ذكراها (1942- 2007) وما زال المنفى طويلا.
*في القصيد تضمينات من شعر أبي الطيب المتنبي، أين يفرض نفسه في كل رثاء ولطم وبكاء.


سيلفي لفتاة جميلة يظهر فيه وجهُ شاعرٍ هرم..

.. انهضي من نومكِ
فقد أينع النخل
وهبت رياح على مدائننا
أنت يا من اسمك موجة
ويا من اسمك بسمة
ويا من اسمك سراب
انظري ماذا ترين
أليس في الوادي ما بين الجبلين يخرج كل ليلة
ذلك اللوفياثان يسوم ماء السد ألوان العذاب
لينهض ماردا يحمل بين يديه آية الخروج؟
أليس هو اللوفياثان يحجب الشمس عن المدينة وإن شاء المطر؟
أليس هو المانح الأفياء والقرى معنى الحياة؟
أليس هو الباسط كلبه من باب الكهف إلى باب الفجر
تيّاهاً بطول الوقت وناطحات السحاب؟
ألا هبي بصحنك ولا تأتي لتصبحينا
وَمُرّي من شغاف الخيل بسمة في ثوب العذاب
هيا انهضي واقرئي سورة الغافيات على قبور أهلينا
أنت يا من اسمك موجة
ويا من اسمك جمرة
ويا من اسمك خراب
ها هو البحر الهائج يجمعنا والصياح
وكل هذا المدى المفتوح يضللنا
ندى من أول الليل حتى الصباح
المقدد مثل لحم تعفن تحت
سنابك الفاتحين
لم نكن مغرمين بأي كتاب
سوى كتاب الوهم وانعدام اليقين
لم يكن معنا مفاتيح الجنان لكننا
كنا نقرأ في دعاء الزيارات وأقضية الحوائج
إننا سننحني لموج البحر
ويركبنا الصقر محلقا بجناحين من طيب وطين
وإننا سنرى انحسار ظل الصديق في اللحظات الأخيرة
كم هي مرة هنيهة الخيانة
حيث ظلام الروح يغطي درع المبادئ والأولويات
في بلاد ما بين النهرين التقيتها
وكانت امرأة الحكايا ومساء الليل
والقمر الجريح وكتاب شعر لم يكتمل
وكان أن سافرتْ معي
حتى أقاصي السماوات
تلتهم المحبة التهاما
وتجتبي صبر المهل
هيا انهضي من نومك
فقد أينع النخل وهبت رياح على مدينتنا
وأنت يا من اسمك موجة
ويا من اسمك بسمة
ويا من اسمك نورهان
كيف جئت إلى هذا المكان أبحث عن جذوري؟
كنت أظن أنني معرشٌ في الأرض الندية
متغلغل مانح وجودي حجر الأساس
ذلك الذي رماه البناؤون فأصبح حجر الزاوية
ما بين نهديك وساقيك يطهر النهر تاريخه العفن
لتبدو الصلاة مثل هدم للصروح
وقالوا إنما هو شاعر تتناهبُهُ ريَبُ الـمَـنونِ
هُوَذَا يَأتي مع السَّحَابِ، فوق بغداد العواصم والبحار
وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ حتى التي طعنته
وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيع من في الأَرْضِ
إن كان أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَيعْطِيهُ الموت إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ
كيف المومياوات اقتحمت بظواهرها الممزقة هلع المنازل
فسقطت شاهدة قبره إلى قدمه الهاربة
وتخلى وهو يعوي عن العرج الذي في روحه
لذلك ربما سحبه الموت وهو يهرول باتجاه اليسار
وتخلى دون تحذير عن نابه الوحيد
لينتظر فرصة الانقضاض على الأشجار
وإن كان آيلا إلى الحياة فقد كان شخصا
لم يستطع الخلاص من الشجرة لأنه كان غصنها
فانتظى فاسا من الأفكار وانهال عليها
حتى كهف أفلاطون لم تسلم من عقابه
لقد ماتتْ ذاهبٌ نحوها وتحت مئزره سكين
مشحوذة بالازدراء وما أدراك ما البنادق
والعقائد تسقط مثل ورقة
نسغها دمنا ولحاء أمنا الشجرة
انظري أسفل الوادي بين الجبلين
كيف ينمحي كل هذا بطرفة عين
تحت شفرة الكره والبغضاء
واسمعي وأنت من تكونين
يا من اسمك موجة
ويا من اسمك بسمة
ويا من اسمك ضباب
مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلريح
إن مَنْ يَفوزُ بقلبك الآثم فَلاَ يُغلبه الْمَوْتُ
ويصبحُ لا تَيهٌ بعدها يغشاهُ ولا سَراب.


لا أقسم بهذا البلد..

.. لا أقسمُ بهذا البلد
وأنتِ حِلٌّ بهذا البلد
أيتها الغزالةُ، بلْ
أَمرُّ ها أنا ذا بجانب كنيستنا
أضواؤها لامعة تبرز من خلف الزجاج
وساعة برجها متوقفة
وتشير إلى الثالثة إلا ربعا
شواهد القبور اليوم في الثلج
تبدو داكنة من أثر الذنوب
يخرج الموتى من المقبرة القريبة
وإذ يرونني من دونك
يعودون أدراجهم
ويسألني القديسون
عنك وأيديهم فوق الرتاج
هنا تحت الشجرة
ظلال الكنيسة تفرش
ظلها على الذكريات
عند منعطف المقبرة
ويهبط المسيح من عليائه
ليسألني
لماذا أنت وحيد يا ولد؟
فأتذكر أنك قد هجرتني
وإن اليوم يصادف
عيد جميع القديسين
بينما أنا ضائع
في هذا البلد
كوالد بلا ولد.


الرابع عشر من تموز..
(إلى العقيلة زينب)

.. عشيةَ ميلادها العقيلةُ بداية حبنا تقف على حافة الغد هبةُ الثورة وإرثٌ من النار مرت شعلةٌ من خلال الوقت إلى معنى البحث عن آخرَ غدا سيرقص قلبها بإيقاع طبول الحب لأنها ستلمس الطبقات من كيانها وروحها الحرة سوف ترتدي أحلامها مثل الريش في شعرها وترقص في الشوارع حيث لا أحد يرقبها هذه الفتاة الجريئة تتبع الماضي وتخطو على ظلال الثورات صوتها مثل سيمفونية يتردد صداه في شوارع المدينة ضحكتها لافتات الخارجين من الباستيل وقصر الرحاب تغني الحب والخسارة وتداعب القلوب تكلم العالم من خلال الأقنعة التي يرتديها وتكشف الرغبات الحقيقية أيْ بلادي لقد أعطيتك كل شيء وأنا الآن لا شيء في الرابع عشر من تموز مات الملك في الرابع عشر من تموز عاش الملك بينما نحتفل بالحب والرماد تأتي وردة الرمال وفي روحها الأملُ في مستقبلٍ زاهرٍ حيث سينتصر الحبُّ على الجميع.


موزاريللا..

.. يتطاير ثوبها في ريح الثلاثين من ماي
والموزاريللا تنتظر السكين وقطعة الخبز المحمص في يدي،
فهل يمكن التساؤل أكثر؟
بينما تلامس نسمة ماي اللطيفة قماش فستانها،
يدور الشهر بأناقة، ويخلق منظرًا ساحرًا يأسر أعين كل من يراه.
إنه شهرها، تنسج الرياح دمها، متشابكة مع الخيوط الرقيقة للفستان، كما لو كانت تقود سمفونية من الحركة والأناقة.
وفي هذه اللحظة،
وأنا أشهد هذا الرقص السماوي،
تستيقظ حواسي،
تتوق إلى تذوق شيء ساحر بنفس القدر.
هل يمكن التساؤل أكثر؟
الموزاريللا تنتظر بصبر، تتوق لأن تُقطع بواسطة السكين القوية. سطحها الأبيض اللبني يلمع تحت ضوء الشمس الناعم، يستدعيني لاستكشاف عمقها الشهي.
وبالتالي، وبالترقب الذي يجري في عروقي، أضع بعناية شرائح هذه اللذة الطهوية على سرير من العجين الطازج المخبوز، مما يخلق اتحادًا متناغمًا من النكهات والملامسات ما بين الدم والبياض.
هل يمكن التساؤل أكثر؟
مع كل لقمة، تنكشف سمفونية من الطعوم على سطح لساني. وأنفي، كما لو كانت أوركسترا كبيرة تحيا داخله، يراقص لسعة الحمض الخفيفة للخبز، ليخلق لحنا تحت أعماقي.
مغمورًا في ألحان هذه السمفونية الساحرة للمتعة، أجد نفسي غير قادر على مقاومة الرغبة الشديدة في الاستمتاع بشكل أكبر. تتداخل النكهات وتدور حول حاسة الذوق والشم، وتعمى العيون، وتتوق اليد لضمة أبدية من موسيقى الجسد المرتعش.
أنتِ أشهى من الخبز وألذُّ من الموزاريللا،
وها أنا ذا أتجول في التضاريس عبر رحلة لا تنتهي، تذكرني أن واديك حمامة، وأن جسدك دعوة سلام للتآخي بين الأمم.
إنها تذكير بأن الحياة تحمل في طياتها الكثير من الأشياء المدهشة، وان الطعام تجربة حياة ليس أكثر،
فهل يمكن التساؤل أكثر؟


فِلْكَة زينب الراوي..
(إلى: علي عبد الأمير عجام، أصيل الحلة الفيحاء، وإليها)

.. أبي الذي كان يحرس زوار الإمام
ويرافق المواكب الحسينية والسبايات
يأخذني فجر المحرم إلى حمَّام وِتْوِتْ
لأغسل الدماء عن رأسي وأنزع كفني الصغير
ثم نعود إلى زينب الراوي
فأمي تنتظر بعباءتها السوداء والبوشية
لنعبر الفرات بالأبلام الخشبية العتيقة
ها عاشوراء انتهى
وانفضَّ عرس القاسم دون زواج
وأبي الذي يعود في اليوم الموالي إلى بناية زينب الراوي
يقتادني وبيدي حمامتي القُمرية البيضاء
ونصعد الدرجات القليلة أين العراف جودي الحربي
فالليلة تحضير للأرواح
وتنويم مغناطيسي تطير بعده الحمامة في المكان
كل مرة أدعو الى الله أن تعود حمامتي
فنذهب أبي وانا
إلى فضاءات أخر صحبة غامضين وقومٍ أميز بعضهم
يعيدون إليَّ حمامتي مع علبة كيت كات
واليوم أبي غاب ولا حمامة لدي وأمي أصابها الرحيل
والكيت كات قد تغير طعمه
لكني أتذكر بعد سنوات عاشوراء الطويلة تلك
أنه قد زج بأبي في السجن
صحبة صحبه الماسونيين
وأغلقت مكاتب "زينب الراوي"
وتم تخريب الفِلْكة لحساب "جسر الهنود"
وبقيتُ مع أمي التي تلبس البوشية كل يوم
وتزور لماماً قبر بنات الحسن
وتدرج في بيتنا أبدا
تلك الحمامة القُمرية البيضاء.



جِنان في جِنين..
(إلى رفيقي الشاعر الفلسطيني طلال حمّاد)

.. أقفُ الرجلُ الذي مثلُهُ أراهُ العمرُ
الذي انقضى مثل زجاج النافذة
المضبب في "بيتَ لحم" حيث
شُرفتي الأكيدة ووعدٌ سرابٌ
وشبابٌ سرقته فتاةٌ في الجامعة
كانت من "أريحا" ثم ابتعدنا فما
أضيق خرم المسافات في مدن
الاحتلال ها هنا حاجز تفتيش وأنا
علي أن أتماسك وأضرب قلبي مثل
أرنب مذعور في المدينة وأرى
المدى ليس بعيدا خلف ظلام
الحاجز ودخان الجنود يضحكون
ليوهموا بالسلام المدجج بسواد
الحديد وبارود السلطات
أنكمش أتخيل أتخاذل أفكر في "جِنان"
أضيق ذرعا أختنق بالذكريات وأنضو
قميصي عني وأرغب تعليقه خارج
الشرفة لكن الثلج في الصدر يضيق
والجرح يسكن الكلمات مثل دود بطيء
وداكن نعم أنا لا أراها الطريق فكيف
أشقها قلبين يا "طلال" قلب خائف وقلب
حزين وأخيرا أفتح الشباك في "المخيم"
رغم الحنين في رائحة القميص لكن
رأسي ينهمر خارجا يتدحرج مثل
كرة النار تمضي وتمضي حتى تسلك
الخط المستقيم بين أحذية الجند
ورأيته يصبون الزيت عليه ويرقصون
من حوله ورائحة الشواء تصلني
حتى الشرفة أين أقفُ الرجلُ الذي مثلُه أراه
والعمر مثل ضباب في "بيتَ لحم" أو مثل
زجاج نافذة في "أريحا" كان أوسع من مدى.


راي Raye..

.. أمضيت هذا الصباح بلا عمل،
أسمع "راي" مع رجل الآيس كريم
وهو يضع مسكارا سوداء في الفراش،
إنها حرفيا حافية القدمين وقصيرة،
فأحبها على الفور، فهل الهروب؟
أردت أن أخبرك كيف أن الأمر يستحق العناء
فلو كان جسدي قاربًا، فهل كان يمكنك توجيه
دفته نحو اليسار؟
مثلما ينظف الذئب أنيابه بملقط الغبار
اجعلي الأمر يبدو وكأنه قطعة غناء قديم
مثل "زهور حسين" أو "داخل حسن"
أو سيارة "شيفرولية" لوالدي..
أحتاجك أن تجعليني أشعر بالرومانسية،
أحتاج إلى مُعطي ولو لمرة، وليس لآخذٍ كل مرة
إذ يمكنك أن تكوني فنجان قهوتي في غروب الشمس،
أو أن تساعديني في إخراج كل الفائض من داخلي،
عزيزتي، عزيزتي، عزيزتي، عزيزتي، عزيزتي
هل يمكنك ذلك؟
هل ستجعلين كل شيء يبدو لي على ما يرام؟
قبل عقود، كتبت رسالة صغيرة إلى سيدة قصيرة،
ونشرتها في مجلة طليعية
واليوم، قصيرة حافية القدمين وتغني
فتبكيني من شدة الفرح
يا "راي"، أوقفي الحافلة أوقفيها
- "حسنا سأوقفها، الحافلة،
سوف أتلاعب بها مثل الساعة،
سألمسها، سأقوم بإرجاعها وكسرها
ولسوف يحبها كل من سيراها"
نعم، نعم سيقومون بإيقافها
وسينتهي الأمر يا حافلة المعدان
أنا فقط أحاول تحديد الأولويات، وأنا
لمن أفلتُ أيامي، ولمن أقضي وقتي من أجله؟
لقد فكرت في أموالي، وحصلت على فتياتي بجانبي
سعاداتي كثيرة وسعاداتي قليلة، حتى أجد المزيد،
مثل حافلة سأركبها من أجلك يا "راي" فقومي بإيقافها
- "سأقوم بإيقافها، سأقوم بإيقافها.."
ها هم ينزلون من الحافلة، انهم يوقفونها، الحافلة
لذلك أنا أرقص على أرضية المطبخ وأغني للأنين
حتى أجدك، حتى أجدك، حتى أجدك، حتى أجدك
وأنا لمن أطحن أيامي، ولمن أقضي وقتي من أجله؟
لقد فكرتُ في حياتي المهدورة مثل حنفية المطبخ،
وأنا أنزل من حافلتي الطويلة مثل حصان الأرياف
لأرى الحقيقة ساطعة كما الفضيحة
فلقد شَرَّقتُ وغَرَّبتُ وشَمْألتُ كثيرا
لكني عدت أخيرا لأقضي أيامي برمتها مع
موسيقاك وضربات كعب حذائك الزهري يا "راي".

* راي هي المغنية الأمريكية الشهيرة، والقصيدة مهداة اليها.



فهرست القصائد:
يا فارس بغداد
هكذا حديث النجوم
قصيدٌ إلى اللُّمِّيْمَة، المرأة والبحر
سيلفي لفتاة جميلة يظهر فيه وجهُ شاعرٍ هرم
لا أقسم بهذا البلد
الرابع عشر من تموز
موزاريللا
فِلْكَة زينب الراوي
جِنان في جِنين
راي Raye
******

نبذة عن الشاعر حكمت الحاج:/
.. من مواليد ناحية "سيده كان" في إقليم كردستان العراق عام 1957. شاعر وكاتب مسرحي وناقد ومُدَوَّن. آخر إصداراته كان في الشعر بعنوان "سفينة الحيارى" عن دار لازورد ببغداد عام 2022، وبعدها أصدر رفقة الكاتبة التونسية عواطف محجوب روايتهما المشتركة بعنوان "غمسيس" وصدرت عن منشورات كناية عام 2023. يرأس تحرير مجلة كناية الرقمية الثقافية المستقلة في ستوكهولم، ويدير دار النشر التابعة لها. سيصدر له قريبا كتاب شعري بعنوان "منفى وقصائد نثر أخرى"، ورواية ثانية مشتركة مع عواطف محجوب بعنوان "نوال".
أصدر أكثر من خمسة وعشرين كتابا نذكر منها/:
1 بغدادات، قصائد نثر، 1992 ط أولى ببغداد، ط ثالثة 2014 عن مومنت للكتب والنشر
2 الوردة بدونِ لِمَاذَا (قصائد نثر).
3 الكلام المُسْتَعاد (قصائد نثر).
4 تمر العاصفة وتبقى الصحراء، قصائد نثر، منشورات دار ومجلة "الحركة الشعرية" بيروت 2000
5 دليل المتحيرين، قصائد نثر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة إبداع عربي، القاهرة 2014
6 خمسة أولاد كلب، قصص قصيرة وحكايات، طبعة خاصة عن منشورات نون، بغداد 1994
7 قنبر علي، رواية قصيرة، مطبعة البياتي، بغداد، 1993
8 جِنّ أو الموعد القاتل، ثلاث مسرحيات من دراما اللامعقول، لندن 2018
9 نقد التحدي والاستجابة: عرض مفاهيمي لجمالية التلقي والتواصل الأدبي كما عند "هانز روبرت ياوس"، مع تطبيق نقدي على قصيدة النثر في العراق، منشورات مومنت 2019
10 انستغرام، قصائد نثر انستغرامية، مومنت للكتب والنشر 2019، لندن
11 عشرون قصيدة نثر مختارة، مومنت للكتب والنشر 2020 لندن
12 مبادرات: نقديات معاصرة، دراسات وأبحاث نقدية، مومنت للكتب والنشر، لندن 2021
13 مع المجانين في مزرعة النثر، مختارات شعرية وتنظيرات، بالتعاون مع كروب "مجانين قصيدة النثر"، القاهرة ستوكهولم 2022
14 سفينة الحيارى، قصائد نثر، دار لازورد للنشر والتوزيع، بغداد لاهاي 2022
15 الكيخوطي، مونودراما شعرية من مسرح اللامعقول، منشورات كتاب كناية، ستوكهولم 2022
16 غمسيس، رواية مشتركة مع عواطف محجوب، منشورات كناية 2023
17 في الشعر السويدي النسوي المعاصر، دراسة ومختارات، سلسلة كتاب كناية 2024.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن طوق نجاة
- غرناطة
- سبعة هايكوات
- سيمون فايل، من الماركسية والمجالسية إلى التصوف والروحانية: ت ...
- سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية ...
- ليلة في قصر الحلوف..
- بيانات، وحديث البدايات والنهايات..
- القصة القصيرة حديث المصعد، أو القصة في دقيقة..
- رواية عن الشعر والكورونا والجريمة ودونالد ترامب.. ستيفن كينغ ...
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- فيني، فيدي، أمافي
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- شوكولاتة
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)
- هكذا حديث النجوم
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)
- راي Raye
- إنسلال
- ثلاث عشرة قصيدة من فن الهايكو..
- اعذروا لكنتي الفرنسية


المزيد.....




- نتيجة ملاحق الدبلومات الفنية 2024 الدور الثاني ” تجارة – صنا ...
- تردد قناة CN نتورك بالعربية لمتابعة أفضل أفلام الكرتون على ا ...
- لقاء في موسكو مع الموسيقي اللبناني عبد الله المصري: -أنا قاد ...
- الخطاط الليبي الشارف قريرة الزناتي يروي للجزيرة نت قصته في ك ...
- تابع الصياد وبن 10.. تردد قناة سبيستون على قمر النايل سات وا ...
- مهرجان لوكارنو السينمائي:  مُخْرِجات مُبْتدِئات يفزن بالجوائ ...
- موسكو تستضيف المهرجان الكردي السينمائي الرابع
- معبر فيلادلفيا جزء من مسرحية أميركية إسرائيلية + فيديو
- الجغرافيا -الصعبة- والمهمة -المستحيلة-.. ماجد الزير وتجربة ا ...
- الصالون الأدبي.. من ولّادة إلى مي زيادة


المزيد.....

- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - القصائد-النثر العشر الطوال