أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 8079 - 2024 / 8 / 24 - 10:10
المحور: الادب والفن
    


تقف ( سمر ) ذات الخمس عشرة ربيعاً بجانب أمها المنهمكة بإعداد الطعام في المطبخ ، وبيدها الموبايل الذي لا يفارقها كأنه قطعة من جسدها .. تبدأ معها حديثاً طويلاً تُفرغ فيه كل ما في داخلها من انفعالات :
— ماما أنظري الى الملابس التي اشترتها صديقتي ( مروة ) وأمها .. كم هي رائعة .. ! الله كم هو جميل هذا التي شرت وهذا الفستان الصيفي الموشى بالورود .. ! .. انظري الى بنطلون الجينز هذا .. ( تُحدّق بالصور بعيون حالمة دون أن تتلقى تفاعلاً من أمها .. ) .. ماما أنظري الى بيتهم .. أنظري .. ياي .. شنو من حديقة .. شنو من أثاث .. شنو من تحف .. يجنن .. أوف علينا وعلى حياتنا .. عندهم خدامة ماما .. اندونيسية أو فلبينيه لا أعرف .. ( فترة صمت .. )
— تدرين ماما .. انهم يتجهزون لقضاء عطلة الصيف في الشمال .. تقول مروة أن والدها حجز لهم بالطائرة وهناك سيقيمون في شقتهم التي اشتراها العام الماضي .. سيبقى معهم يومين أو ثلاثة ويعود ..
تتسائل الأم وهي تواصل تقطيع الخيار وخلطه ببقية مكونات الزلاطة ، ثم تتناول قطعة خيار صغيرة ، وتلقم بها فمها وتبدأ في طحنها :
— لم لا يستمتع معهم بالسفرة حتى نهايتها .. ؟
— تقول مروة أن أبوها لم يكن ينوي السفر معهم أصلا لأن الدائرة بحاجة اليه هنا ، لكن أمها هي التي ضغطت عليه ..
تقلب الأم شفتيها وتهتف في غيظ :
— الأصح .. حتى لا تفوته الصفقات التي يقومون بها تحت الطاولة هو وشركائه من الفاسدين .. ثم أم مروة ليست مضطرة لأن تضغط عليه .. يكفيها اشارة خفيفة من اصبعها وسيمتثل ، ويهز ذيله مسروراً .. !
تستاء سمر من هجوم أمها الشرس على بيت أبو مروة فتردد محتجة : ماما ماما ..
تستجمع الأم في رأسها كل ما تعرفه عن أبو مروة وأمها :
— يقولون .. ( بعض الزوجات داء وبعضهن دواء ) .. تدرين بنتي سمر أن ( هلال ) قبل أن يُصبح أبو مروة كان رجل نزيه .. موظفاً عادياً باهتاً لا يهش ولا ينش ، وكان قانعاً برزقه .. لا يشكو ولا يتذمر والحياة ماشية ، ما أحلاها ! لكن ما يريده البشر غير ما يخطط له القدر ، فوضع الأفعى ( سهام ) التي هي الآن أم مروة في طريقه .. لم يأخذ منها أكثر من فورة واحدة حتى أصبح خاتماً بيدها ، ومنذ ذلك اليوم والرجل تحول مائه وثمانون درجة والنتيجة كما ترينها الآن .. حرامي مرتشي ومبتز .. وإلا كيف يمكن لراتبه الهزيل الذي لا يكفي مصرف جيب لابنه الفاشل ( سرمد ) أن يعيش به هو والعائلة بهذا المستوى الخرافي .. بيت أشبه بالقصر .. سيارات له ولأبنه ولزوجته .. شقة في أربيل .. ذهب .. سفر .. وما خفي كان أعظم ..
لم تعلق سمر بشيء .. كأنها غير مقتنعة بتحامل أمها على بيت أبو صديقتها مروة ..
تعود وتقول بود كأنها تكشف سراً :
— ماما .. أقول لك شيئاً .. بس أرجوكِ لا تغضبي .. ( ترد الام في برود : قولي .. ) .. عزموني معهم على سفرة الشمال .. قالت مروة أن أبوها مستعد للتكفل بكل مصاريفي اذا وافقتم أنتِ وبابا ( تدبدب بقدميها في دلع طفولي ، وهي تنهنه .. ) وافقي ماما الله يخليك .. وافقي .. هأ هأ .. اذا وافقتي سيوافق بابا حتماً ..
يدهشها طرح ابنتها لموضوع خطير مثل هذا بهذه البساطة والعفوية .. تحدّق مباشرة في عيني ابنتها وترد :
— ما تقولينه كلام مردود .. هل جننتِ .. البنت مكانها في بيتها وبين أهلها فقط .. أغلقي هذا الموضوع نهائي .. ترى والله العظيم اذا سمع أبوك سيكون عقابك عسيراً .. !
لحظة صمت تنشغل فيها سمر بالموبايل .. تطوف فيه الدنيا وهي تبحلق بالفيديوات مبهورة .. يسود جو من الهدوء .. سرعان ما تخرقه سمر :
— ماما .. تقول مروة لماذا لا تشترون سيارة جديدة حديثة بدل هاي السكراب .. كل يوم خربانة ..
تقول الأم من بين أسنانها :
— ارحمي أعصابي .. توقفي عن ترديد .. تقول مروة .. تقول مروة .. راح اتخبل منك ومن مروة ..
تلوذا بالصمت لحظات .. تفيق سمر من شرودها كأنها نسيت ما قالته أمها قبل قليل :
— ماما .. تقول مروة ..
— يبوووي ( تربت على رأسها .. ) عليك وعلى مروة .. ربي .. ربي صبّرني .. بدأت أخاف عليكِ من نفسك ومن مروة هذه .. هيا .. اليكِ عني .. ( تدفعها برفق .. ) .. أبوك على وشك الوصول .. اذهبي وأخبري اخوتك بأن الغداء جاهز .. تصورتك جئتِ لمساعدتي وإذا بك جئتِ لترفعين ضغطي ..
تغادر سمر المطبخ منزعجة .. في عينيها نظرة ساذجة حزينة ، وهي في غاية الاحباط .. !
عند المساء ، وبعد منتصف الليل .. البيت هاديء ساكن والجميع نيام ..
تواصل سمر سهرتها مختبئة تحت البطانية .. سهرانة الى ساعة متأخرة ، وهي تبسبس وتوشوش وتكركر بالساعات في الموبايل ، لكن بصوت مكتوم أقرب الى الهمس .. فجأةً تقتحم عليها أمها الغرفة الغارقة في الظلام .. ترى أمامها ثمة ضوء خافت يتسلل من فتحات البطانية .. تسمع صوت كركرة مكتومة .. تمد يدها .. تنتزع البطانية بعنف .. تُطلق سمر شهقةَ رعب .. تتراجع الى الوراء مذعورة .. يبدو أنها بوغتت بوجود أمها فوق رأسها .. تظل مسمرة وعيناها مشدودتين على وجه أمها الغاضب ، وهي على وشك البكاء .. تباغتها أمها وتخطف التلفون من يدها .. تقبض عليه بيدها المرتعشة .. تهمس بحدة وقد أحمر وجهها من شدة الانفعال :
— مع من كنت تتحدثين ..؟
ترد سمر بصوت واهن مرتجف :
— مع صديقاتي ..
تلوّح الأم بالتلفون وتقول بلهجة حاسمة :
لن ترينه بعد الآن أبداً .. على جثتي .. سامعة .. والآن نامي وفوراً .. أتعرفين كم الساعة الآن ؟ انها الثالثة .. وغداً عندك دوام .. احمدي ربك أن أبوك غارق في نومه من التعب ، وإلا لكان هناك كلام ثاني .. نامي الآن .. وفوراً ..
تظل سمر صامتة مصدومة ولم تتفوه بحرف .. تنصاع لأمر أمها .. تمضي الى سريرها ، وهي تنهنه في صمت مثل طفل صغير فقد لعبته المفضلة .. تتكوم في فراشها وتنام دامعة ..
تغادر الأم منتفضة هائجة لاهثة .. تستجدي الهواء لأنفاسها .. تشعر بأن قواها قد بدأت تخونها وأن قلبها يوشك أن يقفز من مكانه .. تتهالك على أحد الكراسي ، وهي تضغط بأصابعها على ذراعيه في عصبية .. تتناول شُربة ماء .. وما أن بردت وهدأت أعصابها ، حتى بدأ قلق الأم يساورها ..
هل كان تصرفها مع ابنتها صحيحاً ، أم كان كارثياً .. ؟ لا تعرف .. انها طفلة .. بُرعم في باكورة تفتحه ، وهي المرحلة الأخطر في حياة الفتاة يمكن أن يأتي منها أي شيء قد يؤذيها ، وعندها لن تسامح نفسها أبداً .. يعصرها الألم لأنها قست عليها حبتين .. تشعر برغبة في البكاء .. يتراءى لها وجه ابنتها بعدة صور .. باكياً معذباً مفزوعاً .. يكتسحها إحساس بالذنب وتأنيب الضمير .. هل كان عليها أن تذهب معها الى هذا الحد ؟..
لم تستطع أن تتمالك نفسها أكثر .. تعود وتدخل عليها بهدوء .. تتأمل وجهها الصغير ، وهي نائمة مستسلمة .. ترى على جبينها الناصع اشراقةٌ هادئة من النُبل .. تسمع صوت تردد أنفاسها المنتظم .. ربما كانت تحلم بالموبايل وقد عاد اليها .. تبتسم .. تتسع ابتسامتها .. كأنها تستذوق طعم الحلم .. تنساب دموع الأم في صمت .. تُحكم الغطاء حول جسد ابنتها الضئيل المنكمش .. تُقبلها على جبينها .. تتنهد بصوت خافت .. تتضرع : ربي أحمها وخذ بيدها .. وتعود الى فراشها .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
- سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
- هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
- نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- موسكو تستضيف المهرجان الكردي السينمائي الرابع
- معبر فيلادلفيا جزء من مسرحية أميركية إسرائيلية + فيديو
- الجغرافيا -الصعبة- والمهمة -المستحيلة-.. ماجد الزير وتجربة ا ...
- الصالون الأدبي.. من ولّادة إلى مي زيادة
- الفنان العماني طالب محمد: -لست نادما- على المشاركة في فيلم - ...
- هيئة جوائز -إيمي- ترفض إلغاء ترشيح صحفية فلسطينية من غزة
- جدل في المغرب بسبب إصدار أوراق مالية خالية من اللغة الأمازيغ ...
- غزة حكاية موت معلن.. حرب على وجوه الظلم بالملتقى الدولي الثا ...
- بعد غضب سعودي كبير.. الممثل العماني في -حياة الماعز- يخرج عن ...
- عالم الثقافة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك على نايل سات وعر ...


المزيد.....

- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )