أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


ما إن دخل حجي ( بحر ) بوجهه الجامد الممتعض واستقر به الحال على مكتبه في فم الخان حتى أخرج من جيبه ورقة صغيرة وصاح على أحد عماله :
— مجيد .. مجيد .. ( يصرخ .. ) .. مجيد .. أين اختفى هذا الحيوان .. ؟
لم تمضِ سوى لحظات حتى أقبل الشاب مهرولاً وانتصب أمامه مطأطأً .. رماه الحجي بنظرة ازدراء قاسية وقال :
— خذ هذه القائمة .. جهزها وعجّل بها الى البيت وعد سريعاً .. لا تتلكأ سامع ..
يُسرع مجيد على دراجته بالطلبية الى بيت الحجي .. يضغط الجرس .. يأتيه من خلف الباب صوت انثوي ناعم :
— منو بالباب .. ؟
— أنا مجيد .. الحجي أرسلني بالأغراض التي طلبتوها ..
يسمع صرير الباب وهو يُفتح .. تُطل منه شابة تقاربه بالسن .. يحدّق فيها حائراً .. لم تكن ريفية ساذجة مثل سابقاتها من زوجات الحجي .. تبدو من لهجتها وبشرتها ولبسها أنها من أهل المدينة .. يقول في باله انها تصلح أن تكون حفيدة الحجي ، أو في أحسن الأحوال ابنته .. لا أن تكون زوجته .. يبتسم بمرارة ويتمتم .. إنه المال حين يتكلم ، ثم يتنهد متحسراً ..
تتأمله عن قرب كأنها تحاول اكتشافه .. لا يعني لها إسمه شيئاً .. ربما أتى الحجي على ذكره أمامها في مناسبة ما لكنها لم تنتبه ولم تبالِ .. وها هو الآن يقف أمامها شاباً طويلاً وسيماً .. وسامة لا يشوهها إلا الشحوب والحزن وسوء التغذية .. تقول بنبرة آمرة :
— أدخل ..
يشعر بالحرج من دعوتها الجريئة له بالدخول ، إذ لم يسبق له أن صادف مثل هذا الصنف المتحرر من النساء ..
يجيب بما يشبه الهمهمة :
— ليتني أستطيع .. الحجي شدد علي أن أعود بسرعة ..
يضايقها الرفض .. تقول في حزم :
— ادخل .. ريثما أوضب لك شيئاً تأخذه الى أهلك ..
يتحرك كما يتحرك النائم في حلم .. يحمل الأغراض الى داخل المنزل .. تستقبله صالة واسعة تتدلى من سقفها ثريا من الكرستال .. يتلفت حوله مأخوذاً .. موبيليا فاخرة وستائر من الدانتيلا بألوانٍ هادئة .. وتحف نادرة .. ولوحات فنية ثمينة تطرز الحائط .. تتصدرها أو الأصح تشوهها صورة كبيرة للحجي في اللباس العربي .. وجه ممتليء عبوس .. تطوّقه كوفية بيضاء وعقال .. وصدر مندفع الى الأمام بطريقة مضحكة .. وشوارب كثة مصبوغة باللون الأسود الفاحم ..
يجلس سارحاً ساهماً .. تتركه وتنسحب بخفة .. تُقبل عليه خادمة عجوز هي نفسها التي كان يُسلمها البضاعة في كل مرة .. تسأله عن أحواله وأحوال أهله .. يرد شاكراً الحمد لله .. وعلى ذكر أهله يشعر بالحزن يعصر قلبه وهو يقارن بين الواقع الذي يراه أمامه الآن وواقعه التعيس ، ثم تُقدم له كأس عصير بارد ..
تعود السيدة الصغيرة من جديد يسبقها عطرها وهي تحمل صرةً كبيرة .. بمجرد رؤيتها ينتصب مجيد واقفاً .. يتأملها مبهوراً .. ملامحها الدقيقة الجميلة .. شعرها المنسدل على كتفيها .. قوامها الناحل الممشوق .. تنتفض حواسه الجائعة المحرومة دوماً .. تنفرج شفتاها عن ابتسامة صغيرة كأنها قرأت ما كان يجول في خاطره .. تتحاشى النظر في عينيه وهي تُناوله الصرة .. يحتضن الصرة ويسير أمامها نحو الباب .. يتمتم بكلمة شكر وعرفان بالجميل دون أن يلتفت اليها ، ثم يغادر متعثراً بخطواته .
وفي المساء ..
يتسطّح على سريره عاقداً ذراعيه خلف رأسه .. عاجزاً عن النوم رغم التعب الشديد .. يُسلم نفسه الى خيالاته التي يضج بها رأسه متأملا مسار حياته البائسة منذ أن عمل صبياً وهو في الثامنة ، ثم عتالاً في خان الحجي بحر ليعيل أمه وأخواته بعد رحيل والده المبكر .
وها هو قطار العمر يسير ببطء ممل نحو اللاشيء .. لازال وجه زوجة الحجي يلاحقه .. جميلاً وحازماً .. يراوده شعور داخلي بالرثاء لهذه المرأة الرقيقة الطيبة وضغينة لهذا الشيخ الفظ السمين الذي يلهث دوماً وراء المال .. من الأسلم له أن ينسى هذا الأمر برمته وأن لا يدع الأوهام تداعبه ، فهو ليس قدر حمله الثقيل ..
تتكرر بعد ذلك الطلبيات .. وتتكرر معها لقاءات الشابين حتى ينضج بينهما نوع هادئ من التواصل الخفي .. مؤكد أن ثمة في الغيب شيء ما بدأ يتكون بهدوء .. لا أحد يدري الى أي مدى يمكن أن يتطور ..
وذات يوم ..
ينفجر فجأةً خبر غريب يهزّ الحي كله .. ويصبح مادة دسمة للهمسات والوشوشات بأن زوجة حجي بحر حبلى .. قالوا : أَبعد كل تلك السنين العجاف تاتي شابة غندورة من المدينة لتحقق ما عجزت عنه نصف دستة من الزوجات السابقات ، سبحان الله ..؟
ينتفض الحجي مصدوماً عندما أخبرته العجوز بأن زوجته حامل .. يفشل في اخفاء دهشته الشديدة رغم فرحه الظاهر .. كان وقع الكلمة غريباً على سمعه .. كاد أن ينساها من فرط يأسه منها كل تلك السنين .. لكنه أَعرف الناس بحالته .. لقد تزوج من النساء ما يسمح به الشرع وأكثر وراجع أحسن الاطباء .. أجمعوا على أن امكانية الحمل شبه معدومة لكنها ليست على الله بمستحيلة .. وأوصوه بأن يتخلص من وزنه الزائد ويترك التدخين وأن يبدأ مع امرأة دون الخامسة والثلاثين .. فتزوج ( إيمان ) ذات العشرين أو بالأحرى اشتراها .. وبقي معها سنوات ينتظر المعجزة أن تتحقق دون جدوى رغم ايمانه بأن زمن المعجزات قد انتهى ..
لم تقنعه تطمينات زوجته وبكائها .. ونهنهة الخادمة العجوز وتوسلاتها بأن لا يُصغي الى ثرثرة المتقولين .. يلين قلبه لكن عقله يأبى التصديق .. لم يستطع المسكين منازعة الحدث الجلل وما رافقه من أَلسنة مشككة ساخرة لا ترحم .. ألسنة بدأت تلوك في عرضه وتطعن في رجولته وتشكك في نسب الجنين .. كان كل شيء غامض وغير مؤكد .. مجرد ظنون وتأويلات ، إذ لم تكن في ذلك الزمان ثمة وسيلة علمية باترة ..
كل ما كان يجري فوق قدرته وطاقته على التحمل .. لم يستطع مواصلة أعمال يومه كالمعتاد .. ولم يعد يثق بأحد .. انكمش على نفسه ، فامتنع عن الذهاب الى الخان .. وابتعد عن مخالطة الجميع ليتحاشى نظراتهم المرتابة الشامتة .. عبثاً حاول الصمود وتخطي الزوبعة وآثارها المدمرة لكنه فشل .. سرعان ما انهار كما ينهار تمثال الرمل .. سقط طريح الفراش فاقداً النطق والحركة .. وظل راقداً هكذا حتى لحظة رحيله بهدوء ..
مع ذلك ، لم يكف الناس عن مواصلة أحاديث الهمس واللمز حتى بعد وفاته واستيلاء زوجته على ثروته .. لمن هي إذاً تزوجته إن لم يكن من أجل المال .. أراهنكم بعد يوم أو اثنين ستتزوج ممن زرع بذرته في أحشائها ويعيشان في ثبات ونبات .. إنها تستحصل ثمن سنين شبابها التي ضيعتها معه ، وهكذا تشظت الاقاويل في كل اتجاه .. ومازالت ..
ورغم كل ما حدث ..
سؤال مهم لابد من التورط في طرحه : أين الحقيقة إذاً ؟
هل هي في خيانة الزوجة الشابة مع مجيد عندما هيأ لهما القدر الفرصة في لحظة من الأمان النادر ؟ أم أنها حامل فعلاً من زوجها الشيخ بمعجزة نفرت من زمانها ؟ الأيام وحدها ولا شيء غيرها قادرة على تقديم الاجابة وكشف المستور .. !!


( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
- هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
- نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )
- زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- ثنائي مبدع يُترجم الموسيقى للصم: لافينيا ودينيس يفتحان أبواب ...
- نهاية مريبة لممثلة أفلام إباحية شهيرة (فيديو+ صور)
- في ذكرى زواجهما الثاني.. طلاق جينيفر لوبيز من بن أفليك
- بوابة الوظائف الحكومية.. نتيجة وظيفة معلم مساعد لمادة اللغة ...
- الفيلم الهندي -حياة الماعز- يثير جدلا على مواقع التواصل بسبب ...
- رداً على إغلاق مراكز إسلامية في ألمانيا.. إيران تغلق آخر معه ...
- فيديو للفنان المصري محمد فؤاد في مشاجرة حادة بأحد المستشفيات ...
- نقابة الأطباء المصريين تعلق على فيديو مشاجرة الفنان محمد فؤا ...
- -دعونا نعطي الناس ما يريدون-.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم ...
- تنسيق المرحلة الثانية 2024 …. والكليات والمعاهد المتاحة لطل ...


المزيد.....

- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )