أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ثلث قرن على مأساة روسيا الكبرى - ملف خاص















المزيد.....


ثلث قرن على مأساة روسيا الكبرى - ملف خاص


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 00:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

1) فشل إنقلاب 19 اب/اغسطس – بداية النهاية

بيتر أكوبوف
كاتب صحفي روسي
وكالة ريا نوفوستي للأنباء
صحيفة بوليت إنفورم الالكترونية

18 أغسطس 2024

"لعنة أغسطس"، "صدمات أغسطس" – هكذا يسمون عندنا الأحداث غير العادية المفاجئة التي تحدث في الشهر الأخير من الصيف. قد يجادل المرء حول معايير اختيار هذه الأحداث – فليس كل شهر أغسطس يجلب معه معاناة واسعة النطاق. لكن مما لا شك فيه أن ما حدث قبل ثلث قرن أصبح كارثة حقيقية، لا نزال نشعر بعواقبها ونحاول التغلب عليها.

نحن نتحدث عن ما يسمى بالانقلاب، أي إقامة لجنة الطوارئ الحكومية - لجنة الدولة لحالة الطوارئ. تم الإعلان عن تشكيلها صباح يوم 19، لكن هذه السطور كتبت في 17 أغسطس، قبل 33 عامًا:

"هناك خطر مميت يلوح في الأفق على الوطن الأم العظيم! ظهرت قوى متطرفة تخطط لتصفية الاتحاد السوفياتي وانهيار الدولة والاستيلاء على السلطة بأي ثمن. لقد تم الدوس على نتائج الاستفتاء الوطني حول وحدة الوطن. إن التلاعب الحقير بالمشاعر القومية مجرد ستار لإشباع الطموحات. فلا المشاكل الحالية لشعوبهم ولا مستقبلها يزعج المغامرين السياسيين. إنهم ينسون أن الروابط التي يدينونها ويقطعونها تأسست على أساس دعم شعبي أوسع بكثير، والذي اجتاز أيضًا اختبار قرون عبر التاريخ".

هذه سطور من نداء موجه إلى الشعب السوفياتي من قبل أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية، الهيئة التي تولت السلطة الكاملة في بلد كان ينهار بسبب خطأ الرئيس غورباتشوف. ضمت لجنة الطوارئ الحكومية نائب الرئيس ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والشؤون الداخلية ورئيس الكي جي بي. وقد تم إنشاء هذه الهيئة غير الدستورية رسمياً لإنقاذ البلاد ـ ولكنها وجدت نفسها في فخ، بعد أن لم تتخذ قراراً بشأن وضع غورباتشوف: فلم يتم إقالته، بل تم تعليق عمله مؤقتاً. وتسببت حالة عدم اليقين هذه في تدمير لجنة الطوارئ التابعة للدولة، والتي كان إنشاؤها في حد ذاته بمثابة رد فعل على ضعف غورباتشوف وتعامله المزدوج، وخطوة تم التنسيق فيها معه. لم تعترف سلطات روسيا، التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي، بلجنة الطوارئ الحكومية، وبدأت الاحتجاجات الجماهيرية في موسكو، وسقط الانقلابيون أنفسهم في ذهول وتم اعتقالهم بعد يومين. تم استخدام محاولتهم لإنقاذ البلاد من أجل تدميرها - انتقلت السلطة إلى أيدي القيادة الروسية بقيادة يلتسين، وبدأت جمهوريات الاتحاد في إعلان الاستقلال. وانهارت البلاد أخيرا بعد أربعة أشهر، ولكن في أغسطس/آب أصيبت البلاد بجرح مميت.

في الوقت نفسه، كانت لجنة الطوارئ الحكومية على حق تمامًا - فالتكهنات بشأن المشاعر القومية (سواء في الجمهوريات القومية أو في روسيا) كانت مجرد وسيلة للنضال من أجل السلطة، ولم يفكر السياسيون الذين هرعوا إلى السلطة في عواقب إنهيار العلاقات التاريخية. اعتقد البعض منهم أن الطلاق سيقود شعبهم إلى حياة أفضل، واعتقد آخرون أن كل شيء سيبقى كما هو، فقط بدون الحزب الشيوعي السوفياتي والاشتراكية، وبدون اليد القوية لموسكو، ولكن في اتحاد جديد "ناعم". لقد تم طرد جمهوريات آسيا الوسطى بالفعل من الدولة الواحدة – وكانوا في عجلة من أمرهم لإضفاء الطابع الرسمي على انهيار الاتحاد. لكن المفتاح كان يتمثل في تقسيم النواة الروسية للدولة، والتي تشكلت منها ثلاثة كيانات مستقلة: روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. لقد تم انتهاك منطق الألف عام بأكمله لنمو وتطور الدولة الروسية – والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الكثيرين اعتقدوا حقًا أن هذا سيبقى دون عواقب.

كان تفكك الفضاء الواحد (تاريخيًا وروحيًا واقتصاديًا وعسكريًا وما إلى ذلك) في حد ذاته جريمة ضد الشعب الروسي (وجميع شعوب الاتحاد الأخرى - بما في ذلك أولئك الذين انضموا إلى روسيا في وقت متأخر، فقط في القرن 19 مثل شعوب آسيا الوسطى). ولكنه كان أيضاً بمثابة قنبلة موقوتة، لأنه كان من الواضح أن القوى الخارجية لن تفوت الفرصة وسوف تبدأ في اللعب بورقة التناقضات بين جمهوريات الأمس الشقيقة، في محاولة لجعل الطلاق العرضي أمراً لا رجعة فيه. بادئ ذي بدء، يتعلق الأمر بالعلاقات بين روسيا وأوكرانيا، والتي أصبح منع إعادة دمجهما أهم مهمة بالنسبة للغرب. ولهذا السبب كانت هناك خطط لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي - من أجل استبعاد إمكانية إعادة توحيد نصفي البلد الواحد (بشكل أو بآخر). وبمجرد أن قامت روسيا بتسريع عملية التكامل الأوراسي من خلال الإعلان عن إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بنية ضم أوكرانيا، أصبحت المعارضة لخططنا خطيرة بشكل خاص.

وبدأ بوتن في تصحيح الخلل الذي حدث في التاريخ الروسي بعد هزيمة لجنة الطوارئ، فوقف أعضاء الناتو في طريق إعادة توحيد روسيا. لقد وقفوا في طريق التاريخ الروسي، ووضعوا أوكرانيا في طريق روسيا – التي أصبحت رهينة "النخبة" المعادية للوطن، والتي اعتبرت نفسها الأكثر دهاءً ومهارة. لكن اللوم عن مأساة حرب الأشقاء لا يقع عليهم فقط، وليس على الغرب فقط - الذي استغل فقط أخطاءنا والأزمة وعواقب العام 1991. إن ما يحدث اليوم كان من الممكن أن يكون مستحيلاً لو تمكنت لجنة الطوارئ الحكومية في أغسطس 1991 من الحفاظ على الدولة الواحدة، والتي كان من الممكن وينبغي إصلاحها، ولكن ليس قتلها.
لا يحاول بوتين ولا الشعب الروسي بشكل عام الآن استعادة الاتحاد السوفياتي - نريد إعادة وحدة الأراضي الروسية والشعب الروسي العظيم. وبعبارة أصح تصحيح عواقب مأساة أغسطس قبل 33 عاما.

********

2) انتصار الغرب: قبل 35 عاماً غسل غورباتشوف يديه من "خسارة" الحلفاء في أوروبا الشرقية

سفياتوسلاف كنيازوف
مؤرخ وكاتب صحفي
خبير في الشؤون الدولية
بوابة سفوبودنايا بريسا الإخبارية

17 يونيو 2024

لقد ترك الاتحاد السوفياتي الشيوعيين والقوى اليسارية في ألمانيا وبولندا وبلغاريا والمجر تحت رحمة القدر

قبل 35 عاماً، في صيف وخريف عام 1989، اجتاحت أوروبا الشرقية موجة من الثورات، انتهت بانهيار الكتلة الاشتراكية وانهيار حلف وارسو ومجلس التعاضد الإقتصادي.

في يونيو/حزيران، بعد الانتخابات، فقد الحزب الحاكم في بولندا احتكاره للسلطة، وحلت محله حركة التضامن. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت المجر تخليها عن المسار الاشتراكي، وفي الشهر نفسه، وبعد احتجاجات حاشدة، استقال زعيم جمهورية ألمانيا الديمقراطية هونيكر، وفي نوفمبر/تشرين الثاني، تم هدم جدار برلين. في نوفمبر وديسمبر، بدأت "الثورة المخملية" في تشيكوسلوفاكيا. في نفس الوقت تقريبًا، اندلعت انتفاضة في رومانيا، وانتهت في 25 ديسمبر بإعدام الزوجين تشاوشيسكو.

كل هذه العمليات تمت مراقبتها بحزن من قبل السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.
ومن غير المرجح أنه تخيل أن "البريسترويكا" التي بدأها في الاتحاد السوفياتي، والتي امتدت إلى الدول الحليفة، ستؤدي إلى مثل هذه النتيجة. ولم يكن يعتقد بالتأكيد أن الوتر الأخير سيكون انهيار الاتحاد نفسه، وأنه سيفقد سلطته.


إن انهيار المعسكر الاشتراكي هو عملية أسطورية إلى حد كبير، وفي الواقع، لم تتم دراستها من قبل المؤرخين بشكل كاف حتى الآن. يحاول السياسيون والصحفيون الغربيون تقديم تلك الأحداث على أنها "تحرير من سنوات عديدة من الدكتاتورية"، لكن لسبب ما، لا يشعر بعض سكان دول الكتلة الاشتراكية السابقة بالسعادة اليوم بما يحدث في بيوتهم.

تاريخ القضية

على الرغم من أن المؤرخين ذوي العقلية الليبرالية يحبون إلقاء الاوساخ على عملية تشكيل المعسكر الاشتراكي، إلا أن صعود الشيوعيين إلى السلطة في دول أوروبا الشرقية كان في الواقع مبررا بشكل موضوعي، وكانت الأحزاب اليسارية تتمتع في معظم الحالات بدعم كبير من السكان في تلك الدول. وفي المقابل، ارتكبت القوى الموالية للغرب الكثير من الأخطاء السياسية الفادحة هناك.

في تشيكوسلوفاكيا، أعرب السكان المحليون عن تقديرهم الكبير لدور الجيش الأحمر والشيوعيين، الذين شاركوا في المقاومة، في تحرير البلاد من النازية. وفي أول انتخابات بعد الحرب، حقق الشيوعيون فوزا ساحقا، رغم أنهم لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة من الأصوات.

في عام 1948، حاول ما يسمى بـ "الوسطيين"، بدعم من الدول الغربية، تنظيم انقلاب، وترك الحكومة الائتلافية بشكل إستعراضي. ومع ذلك، في النهاية، بقي معظم مجلس الوزراء (ممثلي الحزب الشيوعي والديمقراطيين الاشتراكيين) في مناصبهم.

ودعم الملايين من المواطنين التشيكوسلوفاكيين اليسار من خلال المشاركة في الإضرابات والمظاهرات. ونتيجة لذلك، فقد المشاركون في الانقلاب الدعم تماما، وبدأ دور الشيوعيين، الذين شعروا بدعم السكان، في الحياة السياسية للبلاد في النمو بسرعة.

وفي المجر، لم يكن الحزب الشيوعي يتمتع بشعبية كبيرة وخسر انتخابات عام 1945 أمام الليبراليين المحليين. لكنهم سارعوا بكل سرور إلى إلغاء الإصلاح الزراعي الذي تم تنفيذه حتى قبل الانتخابات بمبادرة من اليسار وإعادة الأرض إلى أصحاب الأراضي. وهذا، بعبارة ملطفة، لم يسبب البهجة بين السكان. جلب الشيوعيون مئات الآلاف من الأشخاص إلى المسيرات الاحتجاجية، وفي الانتخابات التالية، احتلوا بهدوء المركز الأول، وسرعان ما اكتسبوا السلطة الكاملة في البلاد.

في رومانيا، كانت شعبية اليسار أقل حتى مما كانت عليه في المجر. ومع ذلك، فإن اليمينيين المحليين، بالكاد كان لديهم الوقت "لتغيير ألوانهم" بعد خدمة إيون أنتونيسكو (رئيس الوزراء الذي تحالف مع هتلر-المترجم)، شعروا بالحرية الشديدة وبدأوا في تنظيم استفزازات ضد الشيوعيين، مما أدى إلى اشتباكات جماعية. وقد ترك هذا انطباعًا محبطًا لدى السكان. ونتيجة لذلك، حققت كتلة أحزاب اليسار ويسار الوسط فوزا ساحقا في الانتخابات المقبلة.

في بلغاريا، كان الشيوعيون يتمتعون بشعبية كبيرة. مباشرة بعد الإطاحة بالنظام الموالي للفاشية، أصبحوا جزءا من الحكومة الائتلافية. وفي نهاية عام 1944، دفعت القوى اليمينية إلى إصدار قرار لإعادة تأهيل الفاشيين السابقين. ومن خلال القيام بذلك، فقدوا مصداقيتهم تمامًا. نظم الشيوعيون احتجاجات جماهيرية ثم فازوا بثقة في الانتخابات.

وفي بولندا حاولت الحكومة البولندية في المنفى والجيش الوطني الوصول إلى السلطة عن طريق الدوس على جثث الجنود السوفيات القتلى. كانت لديهم خطة "مثالية" – انتظار اللحظة التي يحرر فيها الجيش الأحمر بولندا بدمائه، وفي اللحظة الأخيرة ينظمون "الانتفاضة". ونتيجة لذلك، فقد أخطأوا في تقدير لحظة بدء العمل المسلح. وانتهى كل ذلك بالفشل الدموي. ومع ذلك، فإن اليمين لم يستخلص أي استنتاجات من ذلك، في محاولة لإعلان سيطرتهم على السلطة بشكل تعسفي وإملاء شروطهم على موسكو واليسار المحلي.

بسبب الغياب التام لأي طرح بناء، توقف الناس ببساطة عن النظر إليهم. في الثمانينيات، بدأت الاتهامات تُسمع ضد اليسار البولندي بتزوير استفتاء عام 1946 بشأن الموافقة على نظام سياسي جديد. ومع ذلك، على أي حال، قبل السكان الحكومة الجديدة بهدوء.

وفي يوغوسلافيا وألبانيا، كان دور الشيوعيين في الحرب ضد احتلال هتلر عظيمًا جدًا لدرجة أن الناس اعتبروا نقل السلطة إليهم أمرًا مفروغًا منه.

بعد أن حدد الغرب الجماعي مسار المواجهة مع الاتحاد السوفياتي واتحد في كتلة الناتو، دعمت معظم الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية موسكو وفي عام 1955 أصبحت جزءًا من منظمة حلف وارسو.

علاوة على ذلك، ومن سخرية القدر ، أصبحت الحليف الأكثر نشاطا للاتحاد السوفياتي جمهورية ألمانيا الديمقراطية، التي قاتل جزء كبير من سكانها في وقت ما ضد الجيش الأحمر.

احتفظت القوى اليمينية، على الرغم من هزيمتها في الأربعينيات، بالعديد من المؤيدين وحظيت بدعم قوي في الغرب. لقد تمكنوا من إفساد أعصاب الاتحاد السوفياتي واليساريين المحليين بشكل خطير – على سبيل المثال، في المجر عام 1956 وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968. جاءت موسكو في كل مرة لمساعدة حلفائها الأجانب، وحافظت على سلامة المعسكر الاشتراكي. ولكن في عام 1989 انتهى ذلك.

"واحدة من أكبر المآسي في القرن العشرين"

في عام 1985، انتقلت السلطة في الاتحاد السوفياتي إلى زعيم جديد. تم انتخاب الشاب (وفقًا لمعايير حزب النخبة الحاكمة 54 عامًا فقط) والنشط ميخائيل غورباتشوف أمينًا عامًا للجنة المركزية للحزب الشيوعي. من غير المرجح أنه في اليوم الذي تولى فيه منصبه، كان من الممكن أن يتخيل أي شخص التغييرات التي سيقود العالم إليها.

تحت قيادته، تم الإعلان عن مسار نحو "الديمقراطية" و"الغلاسنوست" في الاتحاد السوفياتي، وبدأ تطبيق التمويل الذاتي والتعاونيات بنشاط، الأمر الذي أحدث، وفقًا للخبراء، ثغرات هائلة في اقتصاد الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، في حياة كل من المواطنين السوفيات العاديين، والحلفاء في المعسكر الاشتراكي، بقي نوع من الاستقرار لبعض الوقت.

وفي عام 1985، التقى غورباتشوف بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان في جنيف. وبعد عام تحدثا مرة أخرى في ريكيافيك. ويطلق بعض علماء السياسة على هذه الاجتماعات الخطوات الأولى نحو إنهاء الحرب الباردة. لكن، من الناحية الموضوعية، لم يحققوا أي "اختراقات" في السياسة الخارجية. لم يتوصل قادة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية إلى أي اتفاقيات مَبْدَئِية.

ولا يسع المرء إلا أن يخمن ما حدث بعد ذلك في ذهن غورباتشوف. في عام 1987، وافق على إبرام معاهدة بشأن إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، والتي كانت أكثر فائدة للولايات المتحدة بشكل واضح. بدأ الواقع الدولي يتغير بسرعة.

في الفترة من 12 إلى 15 يونيو 1989، زار غورباتشوف ألمانيا الغربية. كان رئيس الاتحاد السوفياتي في حالة معنوية عالية.

"عُقد اجتماع لا يُنسى في بون في ساحة دار البلدية. بالفعل في الشوارع المجاورة وجدنا أنفسنا في طوفان حقيقي من المشاعر الإنسانية والصداقة والتعاطف. صيحات، أمنيات... لن تتذكرها كلها. وكان هناك بعض الصيحات: "غوربي!" "اخلق الحب، ولكن ليس الجدران"، "من فضلك استمر في ذلك يا غورباتشوف!" عندما صعدنا إلى المنصة، أو بشكل أكثر دقة، إلى شرفة دار البلدية، اجتاحت الساحة موجة من التصفيق والتحية. ثم جاء إلينا صبي يبلغ من العمر أربع أو خمس سنوات، سيباستيان شيلينغ، ومعه باقة من الزهور. رفعناه أنا ورايسا ماكسيموفنا إلى الحاجز. ابتهجت الساحة»، كتب غورباتشوف في كتاب مذكراته «الحياة والإصلاحات».

خلال الزيارة، عقد غورباتشوف ثلاثة اجتماعات مع المستشار هيلموت كول. وفي بيانهم المشترك بتاريخ 14 يونيو 1989، قيلت كلمات مصيرية. واعتبرت الوثيقة "الاحترام غير المشروط لسلامة وأمن كل دولة" أحد العناصر الضرورية للتعاون الدولي في أوروبا. حق كل فرد في أن يختار بحرية نظامه السياسي والاجتماعي”.

وكما أظهرت تطورات أخرى، فإن هذه الصيغة الدبلوماسية المنمقة أخفت رفض موسكو الفعلي لدعم القوى السياسية الحليفة لها في أوروبا الشرقية بينما دافع الغرب عن أتباعه.

تمت زيارة غورباتشوف إلى ألمانيا على خلفية "الثورة الناعمة" في المجر. في أكتوبر، ستكون بودابست أول حلفاء الاتحاد السوفياتي الذين يتخلون عن النظام الاشتراكي. وفي المجر، تم إطلاق "حزمة" من الإصلاحات السياسية، ونتيجة لذلك وصلت القوى اليمينية إلى السلطة في البلاد في عام 1990.

ولكن إذا كانت "الثورة" في المجر نتيجة للتغيرات داخل حزب العمال الاشتراكي المجري الحاكم، فإن الوضع في البلدان الاشتراكية الأخرى كان أكثر تعقيدًا. شهدت بولندا وتشيكوسلوفاكيا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية اضطرابات جماعية أدت إلى سقوط الأنظمة الموالية للشيوعية. وفي بلغاريا، استقال الرئيس تودور جيفكوف.

وفي الوقت نفسه، كانت المنظمات غير الحكومية الغربية نشطة في أوروبا الشرقية، وكانت مرتبطة، وفقًا لأدلة عديدة، بالمخابرات الأمريكية وهياكل جورج سوروس. يبدو أن "النشطاء الديمقراطيين" أسقطوا السلطات الموالية للسوفيات في المعسكر الاشتراكي السابق تحت إشراف صارم من خبراء محترفين من مقر المخابرات المركزية الأمريكية CIA في لانغلي.

وماذا عن غورباتشوف؟ يبدو أنه نسي أن الاتحاد السوفياتي كان له حلفاء ـ فقد التقى بالرئيس الأميركي جورج بوش في مالطا، معلناً نهاية الحرب الباردة.

وفي عام 1990، وقع الاتحاد السوفياتي على "معاهدة التسوية النهائية فيما يتعلق بألمانيا" مع القوى الغربية. وفي خضم مناقشة هذه الوثيقة، قدم المسؤولون الغربيون مرارا وتكرارا ضمانات شفهية لموسكو بشأن عدم توسع الناتو شرقا. لماذا لم تطالب قيادة الاتحاد السوفياتي بإضفاء الطابع الرسمي عليها كتابيًا هو أحد أهم أسرار التاريخ الحديث.

لقد تطور وضع متناقض في بلغاريا. هناك، ظلت الأغلبية البرلمانية مع الحزب الاشتراكي، الذي تم إنشاؤه على أساس الحزب الشيوعي. لم يسعى السكان المحليون إلى تغيير جذري. لكن القيادة السوفياتية لم تكن مهتمة أيضًا بالحفاظ على العلاقات مع هذا الحليف القديم على الأقل.

قام كبار المسؤولين في الاتحاد السوفياتي، مستمتعين بأشعة الدعم الغربي، بتدمير ما سفك الجنود السوفيات دماءهم من أجله في السابق - لقد غضوا الطرف عن صعود كارهي روسيا العدوانيين والمناهضين للسوفيات إلى السلطة في أوروبا الشرقية، وسحبوا القوات، وقاموا بتوزيع الممتلكات العسكرية ومرافق البنية التحتية على الدول الأجنبية مجانًا.

"في الغرب، لم يكن ما حدث يُنظر إليه على أنه صفقة، بل باعتباره انتصارًا عظيمًا – أولاً على الشيوعية، ثم على روسيا. وبحسب السياسيين الغربيين، بعد ما حدث، فقدت روسيا حقها في التصويت على الساحة العالمية واضطرت إلى التزام الصمت.

"في أعقاب الانتصار، فقد الغرب إحساسه بالواقع، وهو الآن يدفع ثمن ذلك"، كما أشار فلاديمير باتيوك، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية ، في محادثة مع مراسل سفوبودنايا بريسا.
.

— قال غورباتشوف إنه من خلال تنازلاته للغرب، منع نشوب حرب رهيبة. لكن يمكننا أن ننظر إلى الوراء كي نفهم - لن نسمع أبدًا إجابة على سؤال حول نوع الحرب التي تم منعها، كما يقول رئيس قسم التحليل السياسي والعمليات الاجتماعية والنفسية في الجامعة الاقتصادية الروسية، دكتور العلوم السياسية أندريه كوشكين.

— كان سكان أوروبا الشرقية منبهرين بالقصص الجميلة عن الحياة الغربية. الآن كثير من الناس لديهم تجربة مريرة.


نرى أن غالبية سكان أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة يصوتون الآن ضد الأجندة التي تفرضها عليهم الحكومة الفيدرالية. لكنهم وقعوا في الفخ - تعيش أغلبية الناخبين في أراضي ألمانيا الغربية، ولا أحد يهتم برأي "الأوسي" السابقين، وقد فقدوا دولتهم.(الأوسي لقب يطلق على الألمان الشرقيين-المترجم).

والعديد من البلغار والسلوفاك والمجريين اليوم لا يشعرون بالارتياح في العالم الغربي. لكن بروكسل وواشنطن لن تسمحا لهم بالخروج من منطقة نفوذهما بهذه السهولة. بشكل عام، يعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي أحد أكبر المآسي في القرن العشرين.

لقد أثرت خيانة غورباتشوف للحلفاء السياسيين للاتحاد السوفياتي على مصائر مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين من الناس في أوروبا الشرقية. ومما يؤكد على هذا المعنى مأساة هونيكر، الذي لم يكن يصدق حتى آخر لحظة تلقيه طعنة في الظهر.
********



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 318 – بلينكن يعمل كرجل إطفاء لإسرائيل
- البجعة السوداء المموهة – غزو كورسك يغير استراتيجية الحرب بأك ...
- طوفان الأقصى 317 – أين اذربيجان من الصراع في الشرق الأوسط - ...
- طوفان الأقصى 316 – مفاوضات الدوحة – ملف خاص
- للسنة الثالثة من الحرب لدي سؤال ولا أجد إجابة عليه ؟
- طوفان الأقصى 315 – العالم بانتظار الإنتقام المزدوج – إيران و ...
- طوفان الأقصى 314 – حرب جديدة في الشرق الأوسط - متى ولمن الغل ...
- مقابلة مع المؤرخ سيرغي بيريسليغين* - حول معركة كورسك
- ألكسندر دوغين – الحرب وحدها هي التي تحدد من يكون ومن لا يكون
- طوفان الأقصى 313 – مع اقتراب شبح الحرب في الشرق الأوسط، تجدد ...
- كورسك – إحتمالات، إحتمالات، إحتمالات...
- طوفان الأقصى 312 – إسرائيل وحزب الله وتعدد الأصوات اللبنانية ...
- طوفان الأقصى 311 – لماذا يريد الجميع التخلص من نتنياهو؟
- روسيا - أزمة كورسك العملياتية – يجب العمل على معالجة الأخطاء ...
- طوفان الأقصى 310 – هل تصمد إيران في وجه حرب الإعلام المفتوحة ...
- ألكسندر دوغين – يكرر مقولة ابن المقفع – -من أمن العقوبة أساء ...
- طوفان الأقصى 309 – الحرب الكبرى في الشرق الأوسط مفتوحة على ك ...
- بصراحة حول الهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية - قوات النخب ...
- طوفان الأقصى 308 – كيتلين جونستون – أين تكمن العقدة في الصرا ...
- ألكسندر دوغين – قواعد الحرب


المزيد.....




- ترامب مستعد لعرض منصب في إدارته على كينيدي جونيور
- الطيران الإسرائيلي يشن غارات على مناطق مختلفة في لبنان (فيدي ...
- الأرجنتين تفرض حجرا صحيا على سفينة بسبب احتمال وجود إصابة بج ...
- حزب الله ينعى 4 من مقاتليه قتلوا في غارات إسرائيلية
- حكومات بوركينا فاسو ومالي والنيجر تدين دعم أوكرانيا للإرهاب ...
- قديروف يمنح الرئيس بوتين وسام -المواطن الفخري- للشيشان
- بوتين: سأكون سعيدا بوجود المزيد من الجنود أمثال قديروف
- بوتين: سندحر النازيين الجدد من كورسك
- تقرير يتهم الخارجية الأمريكية والبنتاغون بعدم مراقبة إمدادات ...
- خبير عسكري: إسرائيل تحاول ضرب بنية حزب الله البشرية واللوجست ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ثلث قرن على مأساة روسيا الكبرى - ملف خاص