أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء طاهيري - حقيقة العامل في النحو العربي















المزيد.....


حقيقة العامل في النحو العربي


زكرياء طاهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


لقد ارتبط العامل أشد الارتباط بقضايا الإعراب، لما لهذا الأخير من علاقة وثيقة الصلة باهتمامات نظرية العامل، فلا نقاش حول العوامل وتغيرها دون ذكر الإعراب وحروف الإعراب وغيرها، لذلك قبل الشروع في كشف مكنون ماهية العامل وخصائصه، ارتأيت تقديم توضيحات وتفسيرات لبعض المصطلحات التي يختزلها حقل الإعراب، والتي عن طريقها يمكننا فهم واستيعاب تأثير العامل في الجملة العربية:
- الإعراب:
في اللغة الإفصاح عما في النفس والكشف عنه، وعند النحاة فهو تغيير يحدث آخر الكلمة، بتغير موقعها في الجملة "أي تتحدد وظيفتها فيها، وهذه العلامة لا بد أن يتسبب فيها عامل معين. ولما كان موقع الكلمة يتغير حسب المعنى المراد، كما تتغير العوامل، فإن علامة الإعراب تتغير كذلك " ، ويقصد بالعلامة في هذا القول الحرف الأخير الذي يظهر عليه الإعراب، وهذا يؤكد أن الإعراب له دور جزل في بيان الوظائف النحوية، كالمبتدأ والخبر والمفعول وغير ذلك.
- علامات ومحلات الإعراب:
"هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية، وهي تجري على ثمانية مجار، على النصب والجر والرفع والجزم، والفتح والضم والكسر والوقف. فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد، والجر والكسر فيه ضرب واحد، وكذلك الرفع والضم، والجزم والوقف" ، في هذا القول يميز سيبويه بوضوح بين الحركات والمحلات الإعرابية، فالمحلات هي مواقع مجردة تأخذها الكلمات بناء على علاقات بعضها ببعض داخل الجملة، أما العلامات فهي التأثير البنيوي للكلمة في موقعها، فقابل سيبويه المحلات والعلامات الإعرابية كما يلي:
المحل الإعرابي علامته الأصلية
النص/ الفتحة
الرفع/ الضمة
الجر/ الكسرة
الجزم/ السكون أو الوقف
وبما أن بالمثال يتضح المقال نورد في هذا السياق الجملة التالية: (يقرأ محمدٌ كتاباً في البيتِ)
- محمدٌ : فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- كتاباً : مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- البيتِ : اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
إن المتأمل للمثال السابق، لا بد له أن يلحظ أن كل الكلمات تظهر عليها علامات الإعراب، في آخر حرف منها، وهو ما نركز عليه بقولنا على آخره، وهذه الحروف يسميها أهل الاختصاص بحروف الإعراب.
- حروف الإعراب:
مصطلح يفيد الحروف التي يظهر عليها الإعراب في شكل علامات إعرابية، سواء كان الإعراب ظاهرا، أو مقدرا حيث لا تظهر علامات الإعراب، "ولا يرجع عدم ظهور العلامات إلى أن هذه الكلمات مبنية بل إلى أسباب أخرى، وهذا النوع هو الذي نسميه الإعراب بالعلامات المقدرة" ، فحرف الإعراب هو الذي يخضع للتغيير بمقتضى العامل طبعا، وهو ما يصطلح عليه سيبويه بمجاري أواخر الكلمات، وقد ذكر الأواخر ليريد بها تخصيص التغيير بالحرف الأخير، احترازا من التغييرات الصرفية والصوتية التي تقع في الأوائل والأواسط.
ما نخلص به أن أهم خطوة في تحليلنا النحوي، هي تحديد مواقع الكلمات في الجملة، فهذا ما يتوقف عليه فهمنا للجملة، فالنحو عموما والإعراب بشكل خاص، لا يدرس الأصوات أو الدلالات، إنما يدرس الكلمات من حيث أنها تؤدي عملا نحويا معينا، "وأنت حين تقول إن هذه الكلمة «فاعل» مثلا فإنك تعني أن قبلها «فعلا» بينه وبين الفاعل علاقة من نوع ما، وهكذا في بقية أبواب النحو" ، وهي العلاقة التي تؤطرها نظرية العامل، وعليه اكتسبت هذه الأهمية في الدرس النحوي.
1. مفهوم العامل :
من المعلوم أن "المصطلح لا قيمة دلالية له سواء كانت مجردة أو ملموسة إلا داخل إطار نظري محدد" ، إلا أنه من الضروري العبور من محطة مهمة خلال تعريفنا لمصطلح العامل، هي الوقوف عند المعنى اللغوي، ذلك أن المفهوم الذي صيغ للمصطلح في إطار لغة نظرية خاصة، "فإنه له مع ذلك صلة بالمعنى اللغوي المعجمي، ولهذا فإن النظر إلى المصطلح من الزاوية اللغوية ليس تقليدا يتمسك به الناهج مناهج القدماء ويتحلل منه من يتبنى الدرس اللغوي الحديث، وإنما هو ممر منهجي يفضي إلى رؤية واضحة وتمثل جيدا المصطلح المعرف" ، لهذا عملت على البحث عن الدلالة اللغوية للعامل، في عدد من المعاجم القديمة منها والحديثة.
1.1. العامل في اللغة :
ذكر ابن فارس في باب العين والميم وما يثلثهما مادة عمل قائلا: "العين والميم واللام أصل واحد صحيح، وهو عام في كل فعل يفعل.
قال الخليل: عَمِلَ يعملُ عملا، فهو عامل؛ واعتمل الرجل، إذا عمل بنفسه" ، كما وردت أيضا في مختار الصحاح لفظة عمل "من ضرب طرب و (أعمله) غيره و (استعملهُ) بمعنىً. واستعمله أيضا أي طلب إليه العمل، و(اعتمل) اضطرب في (العمل). ورجل (عمِلٌ) بكسر الميم أي مطبوع على العمل. ورجل (عمول)" ، وفي الصحاح نجد نفس التعريف تقريبا "عمل عملا. وأعمله غيره واستعمله بمعنى. واستعمله أيضا، أي طلب إليه العمل ".
"وبتطور الحياة العربية واصطباغها بصبغة الإسلام وبتطور العلوم عند العرب، كان لا بد أن تكسب مادة (ع م ل) معاني جديدة، فمن الدلالات التي منحها القرآن الكريم هذه المادة" ، يقول الله عز وجل في قرآنه الحكيم: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ ، والعامل هنا في الآية الكريمة، يعني الشخص القائم على جمع الصدقات.
ما ننتهي إليه، هو أن كل المعاجم كادت تتفق في وضع حد واحد لمادة عمل، فكل التعاريف تصب في حقل العمل المتعارف عليه، وبمجيء عصر الإسلام، بدأت هذه المادة تأخذ منحا آخر في المعنى، حيث أفرغت فيها دلالات ومفاهيم جديدة، لا يستطيب لنا بسطها بالتفصيل في هذا المقام، حتى لا نطيل فنطنب في الكلام، فالعمل والعامل في اللغة واضح، إنما الذي يحتاج للبيان والإيضاح معنى العامل في اصطلاح النحويين.
1. 2. العامل في الاصطلاح :
إن البحث في الكتاب لسيبويه أو البحث في أي من الكتب القديمة التي جاءت من بعده، لن يفضي إلى إيجادنا لتعريف صريح للعامل، وإن كان بالإمكان تحديد مفهومه عبر تناول مظاهر تأثيره بالمعمول، وبالعودة إلى نص سيبويه الذي ذكرناه في المدخل، نستطيع استخلاص فكرة مهمة، وهي أن تغير علامات الإعراب في الاسم المعرب تختلف باختلاف العوامل التي تدخل عليه، فالعامل إذن يؤثر في الكلمة تأثيرا تنشأ عنه علامة إعرابية، ترمز إلى معاني خاصة - هذه المعاني الخاصة حددها النحاة في الفاعلية والمفعولية وغيرها - سواء كانت تلك العلامة الإعرابية ظاهرة أو مقدرة، كما سبق أن أشرنا في خضم حديثنا عن الإعراب سابقا، وفي هذا السياق نستحضر مجموعة من التعاريف:
عرف الرماني العامل فقال: "هو موجب لتغيير في الكلمة على طريق المعاقبة لاختلاف في المعنى" ، ومعناه أن العامل معاقب لحركة حرف الإعراب في الكلمة بحسب تغير المعاني النحوية، وذهب الجرجاني إلى أن: "العامل ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب " ، وعرفه ابن بابشاذ في المقدمة المحسبة قائلا: "العامل هو ما عمل في غيره شيئا من رفع أو نصب أو جر أو جزم، على حسب اختلاف العوامل".
إن جملة التعاريف هذه تهدي إلى التعريف الشكلي للعامل، من حيث كونه يحدث أثرا إعرابيا في معموله، وهذا الأمر يكاد لا يختلف عنه النحويون السابقون منهم واللاحقون، فالعامل إلى حد ما أشرنا إليه الآن هو المتحكم في عنصرين هما:
- الحكم الإعرابي من رفع أو نصب أو غيرهما.
- العلامات الإعرابية التي تظهر بآخر الكلمات لتدل على الحكم الإعرابي، على اختلاف هذه العلامات الأصلية (الحركات) أو الفرعية منها (الحروف والحذف...) .
- حقيقة العامل:
جاء في تعريف ابن الحاجب، حيث قال في الكافية: "والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضي" ، من هنا نستشف أن العامل هو مجرد وسيلة يستطيع من خلالها المعنى المقتضي التأثير في حروف الإعراب، وإثبات ذلك بالحركة العربية، حسب اختلاف هذه المعاني المقتضية، "وهذا على حد قول القائل قطعت السكين اللحم، فإسناد القطع إلى السكين كإسناد العمل إلى العامل، وإلا فإن العامل هو المعنى المقتضي الذي توسل إلى هدفه باستعمال العامل. وحين نريد رد كل أمر إلى نصابه نقول إن العامل الحق هو المتكلم لأنه الذي أحدث المعنى الذي استوجب العامل الذي أحدث الحركة" ، فقام هنا ابن الحاجب بالربط بين المعنى المقتضي ومراد المتكلم، فهذا الأخير في نظره ، هو الموجه لهذه المعاني، بينما العامل هو بمثابة آلة تتوسط للتغيير الذي يحدث في حروف الإعراب. في حين يظل المتكلم المحدث الأصلي للمعاني، وفي هذا السياق يقال أن النحاة قد تسامحوا في إسناد العمل إلى العوامل – الوسائط كما أشرنا – عوض إسنادها إلى المتكلم نفسه الذي هو صاحب العمل الحقيقي.
وبهذا يكون المتكلم هو الموجد للعامل والحركات الإعرابية وليس اللفظ الذي يحدث العمل، فالمتكلم هو اللافظ – أولا وآخرا – لهذه الألفاظ المتفاعلة فيما بينها، فسيبوبه كما يشير عدد من دارسي الكتاب كان مدركا أن العامل الحقيقي هو المتكلم، وأن هذا الأخير أراد الفاعلية والمفعولية، فرفع الأول ونصب الثاني، فقولنا: عرفتني و أعلمتني، يفيد أن المتكلم هو المريد للفاعلية أو المفعولية، ومن ثم فهو قد لجأ إلى الحركات للدلالة على ذلك، كما أن هذا العمل يتعدى في التأثير وتوسيع المعنى إلى فضلات كالمفعول لأجله والمفعول المطلق وغيره.
ومفهوم العامل من جانبه الفكري هذا، قد اتفق عليه ابن جني وسيبويه وغيرهما من النحويين الذين يؤيدون رأيهما، وفيه:
- يقول رضي الدين: "ثم اعلم أن محدث هذه المعاني في كل اسم إنما هو المتكلم، وكذا محدث علاماتهما، لكنه نسب إحداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني، فالاسم سمي عاملا لكونه كالسبب للعلامة، كما أنه كالسبب للمعنى العام، فقيل العامل في الفاعل هو الفعل لأنه به صار أحد جزأي الكلام" .
- وقال ابن يعيش بينما يتحدث عن العامل في المضاف إليه: "فالجر يكون بالإضافة وليست الإضافة هي العاملة للجر وإنما هي المقتضية له، والمعنى المقتضي هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب لتقع المخالفة بينه وبين إعراب الفاعل، والمفعول فيتميز عنهما إذ الإعراب إنما وضع للفرق بين المعاني" .
وأخذا من النصوص السابقة، يمكننا صياغة محور تسلسلي للعمل على الشكل التالي:
"العامل الحق (المتكلم) = العامل المجازي الأول (المعنى المقتضي) = العامل المجازي الثاني (الذي يسمى عاملا) = الأثر الإعرابي." ، فما أشرنا إليه، كان تصور عدد من القدماء لكن ألا يدفعنا هذا البحث في المتكلم ودوره في العمل، إلى الخروج عن موضوع النحو، والهروب من مستوى الجملة النحوية، إلى ضروب ومباحث علمية أخرى، تجعلنا نتقاطع مع مبحث المعنى والدلالة، وغير بعيد قد ندخل في إطار ما تهتم به اللسانيات الوظيفية، وعليه نجد أنفسنا طواعية أمام مجموعة من الإشكالات المعرفية التي تظل عالقة في هذا الصدد من قبيل:
- "حين يكون العامل نفسه معنويا هل يتحمل هذا المعنى التجريدي وظيفة الوساطة بين المعنى المقتضي وبين العلامة ؟ إن النحاة لا يقدمون عن هذا جوابا، ولذا يظل الإشكال مطروحا ويظل التفسير النحوي خاصا بجزء من الظاهرة، ولحالة واحدة، هي الحالة التي يكون فيها العامل لفظيا".
- وإذا كانت اللغة محكومة بقواعد وقوانين وضوابط ثابتة، لا يجب الخروج عنها، فهل يمتلك المتكلم حقا، كامل الحرية في التصرف في هذه العلامات الإعرابية ؟.
خلاصة القول، العامل في اصطلاح النحاة ما يوجه المعنى المقتضي، من فاعلية أو مفعولية أو غيرهما، والذي يعتبر المتكلم هو موجدها في الأساس، فيكون بذلك العامل الحقيقي في الأحكام الإعرابية، وبالتالي في العلامات الإعرابية.
- أركان العمل:
من خلال استقراء طبيعة البحث في العامل والعمل، يمكننا استخلاص أربعة أركان للعمل، لابد من أن نحيط بها علما عند العملية الإعمالية أو أي محاولة في الإعراب وهي:
1- العامل: وهو الذي يؤثر في الحركة الإعرابية كما رأينا.
2- المعمول: وهو الكلمة التي تتضمن حرف الإعراب في آخرها، حيث يظهر تأثير العامل.
3- مقتضى العامل: أو المعنى المقتضي الذي يحدد لنا معنى الكلمة ووظيفتها، مثل الفاعلية والمفعولية والظرفية وغيرها.
4- العلامة الإعرابية : وتستعمل من أجل تحديد المعنى المقتضي، فهي ترمز للمحل الإعرابي التي تتخذه اللفظة في الجملة.
2. أنواع العوامل :
قسم النحاة العوامل إلى قسمين، عامل لفظي ومعنوي، وقد بنوا تقسيمهم هذا على أساس أن العامل اللفظي هو ما كان له أثر في تركيب الجملة، فيمكن نسبة العمل إليه ظاهريا، أما العمل الذي كان الباعث عليه معنى ذهنيا، حيث لا يمكن تحقيقه في التركيب، فيسمون العامل هنا معنويا، وقد أبان ابن جني عن علة هذه التسمية قائلا: "وإنما قال النحويين عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أن بعض العمل يأتي مسببا عن لفظ يصحبه، كمررت بزيد وليت عمرا قائم، وبعضه يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به كرفع المبتدأ بالابتداء" ، فنستنتج من قوله أن العامل اللفظي هو ما كان منطوقا له أثر في الكلام، والمعنوي ما يدركه القلب، يأتي فيه العمل دون مصاحبة لفظ له في الكلام.
وقد قسموا العامل اللفظي أيضا إلى قياسي وآخر سماعي، سنوضح ذلك بتفصيل فيما بعد، لكن الآن لابد لنا أن نشير إلى قضية هامة، رغم أننا لا نروم تقديم الخلافات بين المدارس النحوية في هذا الصدد، لكن النقطة التي ارتأينا أنه لا بد أن نشير إليها تقتضي ذكر بعض الخلافات لتوضيح بعض المسائل النحوية، ما أردنا أن ننبه إليه هو أن تقسيم النحاة للعوامل، انتهى به المطاف، إلى نوعين من المواقف باعتبار أي العوامل هي الأقوى والتي يجب أن يعتمد عليها في التحليل النحوي على الأخرى:
- الموقف الأول:
وهم أنصار العامل اللفظي لكونه يعتد به في التحليل أكثر من غيره، إذ يتساءل رواد هذا المذهب كيف للعامل المعنوي ذو الطبيعة التجريدية أن يؤثر في تراكيب الجملة الملموسة ؟ وهذا ما نلاحظه في رواد المدرسة الكوفية إذ أنهم كانوا يهملون العامل المعنوي في مسائلهم، "وهذا لا يعني أنهم لم يقولوا به البتة وإنما يعني أنهم لم يتحمسوا له وربما كان قولهم به اضطرار" . وهذا ما نستشفه في ردهم على ما ذهب إليه البصريون في مسألة العامل في رفع المبتدأ، فجعلوه الابتداء، لكن الكوفيين لم يطمئنوا إلى هذا الطرح فقالوا: "ولا يجوز أن يقال إن المبتدأ يرتفع بالابتداء، لأنا نقول: الابتداء لا يخلو: إما يكون شيئا من كلام العرب عند إظهاره، أو غير شيء، فإن كان شيئا فلا يخلو من أن يكون اسما أو فعلا أو أداة من حروف المعاني؛ فالاسم لا يرفعه إلا رافع موجود غير معدوم، ومتى كان غير هذه الأقسام الثلاثة التي قدمناها فهو غير معروف".
وهكذا ذهب الكوفيون إلى أن العدم – العامل المعنوي – لا يؤثر في الوجود – الألفاظ الملموسة – غير أنهم وعلى إجحافهم في حق العامل المعنوي، قد قالوا به في بعض مسائلهم وجعلوه في المرتبة الثانية بعد العامل اللفظي.
- الموقف الثاني:
وهم اللذين قالوا بأولوية العامل المعنوي وأكدوا على قوته، وهذا ما ذهب إليه البصريون، واطمأن إلى هذا الطرح أيضا ابن
جني "الذي أعلن في الخصائص أن العامل اللفظي لا يعمل لأنه لفظ، وإنما يعمل لأنه تحمل المعنى وعنده أن المعنى هو أكثر ما يعتبر في الإعراب" ، فكما وضحنا سابقا في حقيقة العامل ينطلق أنصار هذا المذهب إلى أن العامل اللفظي يستند إلى معنى مجرد هو الذي يحركه، وهكذا يكون وجود العامل المعنوي، أكثر حضورا وقوة في العمل النحوي بالجملة، "ألا ترى أن الأسباب المانعة من الصرف تسعة. واحد منها لفظي وهو شبه الفعل نحو أحمد ويرمع ...، والثمانية الباقية كلها معنوية...، ومثله مثل اعتبارك باب الفاعل والمفعول به، بأن تقول رفعت هذا لأنه فاعل، ونصبت هذا لأنه مفعول فهو اعتبار معنوي لا لفظي ولأجله ما كانت العوامل اللفظية راجعة في الحقيقة إلى أنها معنوية".
وبهذا يكون جمهور النحويين – من بصريين وكوفيين – قد اتفقوا على اعتماد العوامل النحوية بقسميها، وإن كان الخلاف بين الفريقين فهو في قوة وأصالة أحد العوامل على الآخر.
1.2. العامل المعنوي :
وهو ما لم ينل منه اللسان حظ على حد تعبير القدماء، فيعرف عن طريق القلب كما أشرنا، والعوامل المعنوية كثيرة، اختلف حولها النحاة وأهل العلم، والناظر في كتب النحو العربي يعرف أن المسائل الخلافية في العامل كثيرة، ومن غير الممكن أن نتطرق لجميع العوامل المعنوية كما وردت، فنتعرض لجميع المسائل الخلافية، ونناقشها في هذا الباب، فهذا ليس من طبيعة هذا البحث، وعليه تناولت مسألتين شهيرتين، وذلك كله حتى نوضح لك العامل المعنوي في صورة جلية، حتى تفرق بينه وبين غيره من العوامل.
لقد أحصى النحويون العوامل المعنوية في أعداد متباينة، كل حسب زاوية نظره للعامل، لكننا نجد أن أكثرهم وعلى رأسهم سيبويه قد ذكروا موضعين للعامل المعنوي:
- العامل في رفع المبتدأ والخبر:
ذهب سيبويه إلى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالمبتدأ، والابتداء هنا حدده النحاة في الأولية، وهي وقوع الاسم في بداية الكلام، ثم التعرية وتعني تجرد المبتدأ من العوامل اللفظية بسبب الأولية، وهذه الأمور تدفع بالمبتدأ إلى الحاجة إلى الإسناد، وهي العلاقة المعنوية الرابطة بينه وبين الخبر، فيكون رافع المبتدأ عند سيبويه ومن تبعه في هذا الطرح هو الابتداء، ورافع الخبر هو المبتدأ.
وخلاف البصرة والكوفة في هذه المسألة معلوم وغني عن التوضيح، فالبصريون ذهبوا إلى أن رافع المبتدأ هو الابتداء، أما الكوفيون فقالوا أن المبتدأ والخبر يترافعان
- العامل في رفع الفعل المضارع:
يرى النحاة أن عامل الرفع في المضارع هو وقوعه موقع الاسم، وهذا مذهب سيبويه، حيث يرى بعضهم أن العامل الرافع للفعل المضارع هو المضارعة أو "المشابهة، ومنها سمي الضرع ضرعا لأنه يشبه أخاه فالفعل المضارع يشابه الاسم في إبهامه وتخصيصه، فإذا قلنا: "زيد يقوم"، فالفعل "يقوم" يصلح لزماني الحال والاستقبال. فإذا أدخلت عليه السين أو سوف تخلص للاستقبال، كما أنك إذا قلت "رجل" فهو يصلح لجميع الرجال، فإذا أدخلت عليه الألف واللام اختص برجل عينه".
هذه هي بعض الآراء التي قام من خلالها بعض النحاة بتفسير العامل النحوي، لرفع المضارع من الفعل، فالعوامل المعنوية كثرت وكثر الخلاف حولها، من مدرسة إلى أخرى، ومن مذهب إلى آخر.
2.2. العامل اللفظي :
العوامل اللفظية هي تلك التي نجد لها أثرا في التركيب وقد أسلفنا ذكر ذلك من قبل ، وهي الأخرى بدورها قد قسمها النحاة إلى صنفين:
1- العوامل اللفظية السماعية:
وهي "ما سمعت عن العرب ولا يقاس عليها غيرها كحروف الجر، والحروف المشبهة بالفعل مثلا، فإن الباء وأخواتها تجر الاسم فليس لك أن تتجاوزها وتقيس عليها غيرها" ، فالسماعي من العوامل هو ما ارتكز على السماع في عمله دون الاستناد على قاعدة كلية. وقد اختلفت المصادر في مسألة عدد هذه العوامل، ولا نقول بأن ما سنذكره من أمثلة يمثل كل العوامل السماعية، لأننا لا نرمي إحصاءها بقدر ما نهتدي إلى توضيح معناها:
- حروف الجر: الباء - اللام - في - على - ... إلخ.
- حروف تنصب الاسم وترفع الخبر: إن - أن - كأن -... إلخ.
- أسماء تجزم الأفعال على معنى (إن) للشرط والجزاء، وهي ستة أسماء: من - أي - ما - متى - مهما -أينما - أنى - حيثما - إنما.
2- العوامل اللفظية القياسية:
وهي "ما سمعت عن العرب ويقاس عليها غيرها. وتفسير هذا المعنى أنه سمع لها أمثلة مطردة وصلت إلى بناء قاعدة كلية في ذلك النوع من العوامل" حيث يرتكز العامل القياسي على قاعدة كلية محصورة في الموضوع نحو:
- الفعل.
- اسم الفاعل.
- اسم المفعول.
في النهاية يظهر أن العامل في النحور العربي يختلف من حيث الطبيعة، وفق التصور الذي نتخذه من هذا المصطلح الذي يرتب وينظم العملية النحوية في اللغة العربية.
- المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- ابن الحاجب أبي عمرو عثمان، أمالي ابن الحاجب، دراسة وتحقيق، فخر صالح سليمان قداره، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1989.
- ابن السراج أبي بكر مـحمد بن سهل، الأصول في النحو، تحقيق، عبد الحين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط3، 1997.
- ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة، تحقيق، شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1994.
- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط، عبد السلام محـمد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط1، 1991.
- ابن يعيش ابن علي، شرح المفصل، تحقيق وتعليق، الأزهر المعمور، إدارة الطباعة المنيرية، مصر، الجزء الثاني.
- ابن يعيش ابن علي، شرح المفصل، تحقيق وتعليق، الأزهر المعمور، إدارة الطباعة المنيرية، مصر.
- الأنباري كمال الدين أبي البركات، الإنصاف في مسائل الخلاف: بين النحويين: البصريين والكوفيين، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.
- الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق، أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط2، 1957.
- الزجاجي ابن اسحاق أبو القاسم عبد الرحمن، الجمل في النحو، تحقيق، علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط3، 1986.
- أنطوان الدحداح، معجم لغة النحو العربي، مراجعة، جورج متري عبد المسيح، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لنبان، ط1، 1989.
- بهاء الدين عبد الوهاب عبد الرحمن، الموازنة بين نظرية العامل ونظرية تظافر القرائن: في الدرس النحوي.
- رشيد بلحبيب، ضوابط التقديم وحفظ المراتب في النحو العربي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، رقم 20، سلسلة بحوث ودراسات، رقم 5، جامعة محـمد الأول، وجدة، المغرب.
- سيبويه، الكتاب، تحقيق وشرح، عبد السلام محـمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة ، مصر، ط3، ج 1، 1988.
- عبد العزيز المطاد، اللسانيات وقضايا المصطلح العربي، منشورات الرباط نت، المغرب، ط1، 2015.
- عبد الغني أبو العزم، معجم الغني الزاهر، مؤسسة الغني للنشر.
- عبد القادر الرازي محمـد بن أبي بكر، مختار الصحاح، عناية وترتيب، محمود خاطر، دار الحديث.
- عبده الراجحي، التطبيق النحوي، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ط1، 2004.
- عز الدين مجدوب، المنوال النحوي العربي: قراءة لسانية جديدة، دار محـمد علي الحامي للنشر وللتوزيع، ط1، 1998.
- فخر الدين قباوة، مشكلة العامل النحوي ونظرية الاقتضاء، دار الفكر، دمشق، ط1، 2003.
- كمال شاهين، نظرية النحو العربي القديم: دراسة تحليلية للتراث اللغوي العربي من منظور علم النفس الإدراكي، دار الفكر العربي، ط1، 2002.
- مصطفى بن حمزة، نظرية العامل في النحو العربي: دراسة تأصيلية وتركيبية، ط1، 2004.
- وليد عاطف الأنصاري، نظرية العامل في النحو العربي: عرضا ونقدا، دار الكتاب الثقافي، أربد، الأردن، ط2، 2014.
- عباس حسن، النحو الوافي، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة، 1119.



#زكرياء_طاهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفنان المصري الشهير خالد الصاوي: أنا حي.. (فيديو)
- فرنسا.. ذاكرة مصورة للكفاح الفلسطيني في مكتبة تولوز السينمائ ...
- تقرير عبري: وضع كريات شمونة أشبه بفيلم حربي ولم يبق فيها إلا ...
- جائزتان للفيلم الفلسطيني -ما بعد- في ختام مهرجان لوكارنو الس ...
- تردد قناة كراميش 2024 الأحدث لمتابعة أفضل أغاني الأطفال وأفل ...
- -عماد 4-.. فيلم من انتاج المقاومة اللبنانية يقلق الإعلام الع ...
- رابط مباشر.. نتيجة تنسيق الدبلومات الفنية ونتائج الدور الثا ...
- عالم الترفية والثقافة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجديد ...
- تابع أقوى أفلام الكرتون مع تردد قناة CN نتورك بالعربية على ا ...
- وفاة الممثل العراقي حمودي الحارثي الشهير بـ-عبوسي-


المزيد.....

- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء طاهيري - حقيقة العامل في النحو العربي