|
أهزوجة وشتيمة وطوشة
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 8071 - 2024 / 8 / 16 - 18:20
المحور:
الادب والفن
عزمني مرة صديق من المخيم في حمص على عرس ابنه، فلبيت الدعوة، كان الشيخ الذي كتب الكتاب مدعواً أيضاً. غنى الناس ورقصوا ثم غنوا جماعة مبتهجين متقافزين هذه الأعنية أو الأهزوجة الغريبة: يا ولد يا ابن المقرودة (أو المكرودة). بيع أمك واشتري بارودة والبارودة خير من أمك يوم الحرب ( أو الديق) تفرّج همك.... وتستمر الأهزوجة بكلماتها المؤذية والمسيئة. ساعتها قام الشيخ المعزوم وصرخ بهم : ألا تستحوا.. ألا تخجلوأ ...عيب عليكم. ثم هاش الجميع على بعضهم البعض وكادت أن تحصل طوشة لها أول وليس لها آخر. أنا شخصياً لا أعرف منشأ هذه الأغنية أو الأهزوجة، فقد غناها الكثيرون باللهجة القروية واللهجة البدوية، خاصة في الرقة السورية. يرقص عليها الناس ويدبكون بفرح وحبور. في الرجوع إلى معجم المعاني نرى أن كلمة قَرًّدَ الرجل بفتح القاف وفتح وتشديد الراء يعنى ذلّ وخضع. أي الإنسان المقرود هو الذليل والمعزول اجتماعياً. وسألت صديقاً فلسطينياً، كان قد نادى على أبنه (يامقرود)، عن المعنى، فقال أن الإنسان المقرود هو الذي تلبسه القرد وهي حشرة حقيرة تلتصق بالحيوانات مثل الأغنام والبشر وقال لي أن هناك معنى آخر هو الإنسان المنحوس أو الطفل الذي مات أبوه مقتولاً وعلى الطفل أو الولد أخذ الثأر. أي هناك ثأر يجب على المقرود أخذه ممن قتل أبوه وذله، والمؤنث مقرودة أي المنحوسة وفي الغالب الأرملة. والله كان الشيخ على حق، فكيف يغني البشر مثل هذه الأغنية المذّلة لأنفسهم وشرفهم. فما قيمة البارودة إذا ضاع شرف الإنسان ببيع أمه وهي من المفروض أن تكون أغلى كائن عنده. ولاتقف المسألة عند الشرف فقط، بل تتعداه إلى نكران الجميل وهذا يضيف المزيد من الخسة والنذالة. والله ماعملتها حتى جماعة الشمبانزي، فهم يحترمون الأم كثيراً صغاراً وكباراً، ويمجدون الجدة، ولها (كلمة مسموعة) في كل مجالات العلاقات، فمن الممكن أن تقلّب أعضاء المجموعة على القائد الذي يطلق عليه (الظهر الفضي) أو ( silver Back).إذا أساء السلوك. هذه الأهزوجة تخبرنا أيضاً أن الناس تردد أشياء لاتعرف معناها من باب الحفظ والتقليد. على أية حال، أنا أرى أن السبب في ذلك هو التناقض العجيب في ثقافتنا العربية، فنحن من جهة لا نفتأ على التصريح في المسلسلات والأفلام والروايات والقص الديني على أهمية الأم وتبجيلها. ومن ناحية أخرى تكون هي أرخص الكائنات عندنا في الخناقات والشجارات، فأول شتيمة نوجهها للشخص المقابل هي شرف أمه وفضح عورتها. شتائم مقذعة. الامريكان يشتمون الشخص بأمه أيضاً. ليس بالعورة، بل تعنى أن الشخص ناكح أمه ( والعياذ بالله). وهنا لا أريد أن أذكر هذه الشتيمة لقذارتها. الشتيمة الإمريكية لها بعد تاريخي، فهي تدل على أن الشخص لايفرق بين أمه وغيرها،. وفي الغالب يتبع هذه الشتيمة مشاجرة طويلة عريضة بين الأمركان.لكن نحن العرب نضيف على الشتائم الأخت. وهذه غير موجودة في غالبية المجتمعات، وربما هذه الشتيمة بالأخت والأم (في طريقتها وكلماتها) ترجع كما أعتقد إلى عصور حكم المماليك. ومن أراد التوسع في هذا المجال، فعليه قراءة كتاب رائع وثري بالمعلومات لباحث مصري مرموق عنوانه ( تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة) حيث وضع تحت أسم (ع.ع). ربما كان الباحث خائفاً من رورد فعل المجتمع لحقائق صارخة موجودة في المجتمع المصري. سألت صديقاً مصرياً عن الأسم الحقيقي لهذا الباحث، فرد علي بأنه (علي عبد الرازق جلبي). وجلبي باحث في علم الإجتماع وله مؤلفات كثيرة. هذا مجرد تخمين. الكتاب يسترسل بأن من يحكم مصر اليوم غالبيتهم من أصول مملوكية أو كما درجت العادة في القديم على تسميتهم (أولاد الناس) لأنهم مجهولي النسب. فكانت السلطنة العثمانية تجلب الأطفال البيض وتبيعهم في سوق النخاسة وتدربهم على حمل السلاح، وكانت تكثر، كما يذكر الكاتب، بينهم اللواطة ويستغلون جنسياً من المالك المريض. بمعنى أوضح يقول الكاتب أن المماليك بلا شرف ولذلك كانوا يشتمون بعضهم البعض بالأم والأخت لأنهم قد فقدوا الأم والأسرة وعاشوا مثل الأيتام. وتعلّم منهم الناس الشتائم بالأم والأخت لأن المماليك كانوا حاكمين في البلاد العربية . خلاصة القول أن الشتائم في المجتمع هي نتاج ثقافي له مدلولات كثيرة، وهي في الغالب تحط من شرف العدو أو الشخص المواجه. أذكر مرة قرأت في إحدى المجلات الفلسطينية مقالاً يشتم به الكاتب أم وأخت جندي إسرائيلي بأن أخته كذا وأمه مذا. يخيّل لنا أنه إذا شتمنا عدونا بأمه وأخته، بأننا انتصرنا عليه. ذلك الإنتصار الوهمي. ولاتنسوا بعض الروايات العربية التي تنال من الأوروبيات بأنها نصر لنا. ومنها رواية الطيب صالح المشهورة (موسم الهجرة إلى الشمال) وكتابات جورج طرابيشي أيضاً في هذا الموضوع.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكسيم غوركي: سيرة ذاتية كاملة
-
جامعات غوركي
-
الإستعمار سبب تخلفنا
-
غوركي: بين الناس
-
من غشنا ليس منا
-
غوركي وطفولة النكد
-
رمزية بلد العميان
-
جرة الماء والسقا مات
-
ذكريات المعرجلانة
-
زيارة إلى مصر
-
الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
-
الشيوعية إلحاد وزندقة
-
المعذبون في الأرض
-
فنون التسوّل
-
صندوق العجائب
-
في التشحير والتجريس
-
معرض القرد والضبع
-
علي الخليلي والفجر الأدبي
-
قمة عربية اسلامية مباركة
-
نادي الصداقة العربي الأمريكي
المزيد.....
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|