أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم القاسم - كاريزما العابر / محمّد ملص وقصاصات على الجدار















المزيد.....

كاريزما العابر / محمّد ملص وقصاصات على الجدار


باسم القاسم
شاعر وناقد

(Bassem Ahmad Al Kassem)


الحوار المتمدن-العدد: 8070 - 2024 / 8 / 15 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


أريدُ أن أعرفَ
متى تكونُ المرأة صورةً
ويكون الرجلُ صوتاً !
متى يتماهى الصوتُ في نسيجِ
الصورة،
والصورة في ذبذبات الصوت.
تتعتّق الصور الحبيسةُ في الوجدان،
وأتساءل:
أيّةُ عدسةٍ من عدساتِ الروح، يمكن لها
أن تصوّر المرأة الراويةَ أو المرويّة
أو القتيلة ؟
الأسطر السالفة، توطئة نصافح بها طموحاً قرائيّاً يتناول أحد أبعاد مفهوم " العبور الأجناسيّ" وقد يبدو مثيراً للشغف وهو يستفيد مما يستتر وراء كاريزما الأدبيّة للسينمائيّ السوري محمّد ملص، وليس أجمل ما يحرض على هذا الطموح من كتابه المعنون " قيس الزبيدي، الحياة قصاصاتٌ على الجدار" الصادر عن دار " هاشيت أنطوان " 2019 وهو جديرٌ بهذه التداوليّة لما تفرضه خصوصيّة المحتوى التأليفي للكتاب، عبر توجّهٍ أفصح عنه الكاتب في مقدّمته قائلاً (سمحت لنفسي أن تتخذ الكتابة عن قيس ، صيغة أشبه " بالروائيّة"، كما أعتقد أنّ هذا الخيار يمنح الكتابة بعداً وجدانيّا لا يقلّ في أهميّته عن وثائقيّة ما سأرويه ويعطي للنص عمقاً يغني هذا التصدّي الخاص )
بوضوح تلك القصديّة يجدُ القارئ نفسهُ في مسارٍ لا مناص من الولوج فيه فيتلمّس الخفيَّ بين جنبات الوعي اللغوي الباطن عند محمّد ملص، وعيٌ لا يشكّل مطلباً توجبه الروائية وحسب، بقدر ماهو ضرورة تأليفيّة في تعبيريّة السرد أيضاً، فهل كان ميخائيل باختين في كتابه " الخطاب الروائيّ" مستبصراً إلى أعلى درجات اليقين حين نخلص معه إلى نتيجة أنّ الرواية جنسٌ أدبي بينما " الروائيّة خطابٌ شعريّ "!
لا غروَ أنّ الشجن والغموض والحيرة تؤثّث فضاء الحكي متراميَ الأطراف في الكتاب عبر مداراتٍ توزّعت بين علاقة الزبيدي السيريّة بالسينما من جهة وتموضع محمّد ملص فيها من جهة أخرى فضلاً عن هوامش في حياة السينمائيين العرب وحاجته لأن يتجلّى وجدانيّاً في أرجاء تفاصيلها، إلّا أنها في كلّ ما سبق تحتاج إلى تنوّع أجناسيّ ، تارةً يفرض على الوثائقيّة أن تسحب إلى تيّارها بنياتٍ من القصّ الأدبيّ تهجّنُ الشغف المعلول بوطأة المنافي التي طوّقت حياة قيس الزبيدي بسوار منجزاته العتيدة ، وتارةً أخرى يستجلب الشعريّة كموضوع ، وما تلك الأسطر المنضّدة في بداية المقال سوى مقطع من سياقات الكتاب، ولكي يتلقّاه القارئ كما يتلقّى قصيدة نثر، فعلنا به ما لم يفعله محمّد ملص في تدوينه الحروفيّ حول أيقونة عربيّة من أيقونات فن المونتاج السينمائي قيس الزبيديّ، لقد منتجنا الكتابة وأعدنا إخراج الشكل البصريّ لبنيتها :

تجرّعتُ المجّة الأولى للشفق الوردي
على الستارة البيضاء،
فبدت السماءُ خلفَ الدانتيل الأبيض
كأنّها قطعةٌ
من سماء أياميَ الموسكوفيّة الأولى .

قد تبدو مثل هذه الأنساق- وقد التقطناها كبنية واحدة مسترسلة - محطّاتٍ وجدانيّة تزفر عندها ذاكرةُ المؤلّف أنفاسَها الدراماتيكيّة على طول خط مضمار التوثيق ، ولكنّها لفرادة خامتها التعبيريّة والسياق الذي تخلّلته ، فإنّها تتجاوز ذلك إلى كونها ممرات العبور الأجناسي التي خلالها يأخذ المؤلف بيد القارئ العام والخاص على حدٍّ سواء إلى مسلكٍ ذوقيّ جماليّ تنصهر فيه صرامته السرديّة التوثيقيّة في خضمٍ عاطفيّ مستنير:

أحسّ بعد عودتي من مهرجان لايبزيغ ؛ أنّي قطع متناثرة
تحتاج إلى مونتاج يلملمني
لا ينقصني إلا القليل من " الأستون " السائل،
الذي نستخدمه في المونتاج للصق الصور،
ليلصق شظاياي..
الشارع الآن خاوٍ، الأشجارُ عاريةٌ من الزيزفون
وبوابةُ " براندن بورغ " العمالقة
منارةٌ بضوءٍ مشعٍ ،
ويرفرف فوقها علم ..

ولكن ما الذي نفعله بهذه الطريقة من التسطير وماهي الدواعي لذلك ؟
يقدّم المؤلّف كتابه في قالب أجناسي محدّد وهو " الكتابة الوثائقيّة" وبذات الوقت يظهر مهارةً في إثبات أنّ الأصالة الفنيّة في العمل الوثائقيّ تكمن في مدى إجادة ضخ المحتوى السردي ـ بكل ما فيه من أساليب وتقانات في المظهر الأجناسي الذي يلائمه بشرط ألّا تبدو هذه الممارسة تعالقاً أو تداخلاً بين بنيتين أسلوبيّتين وحسب بل تتجاوزه إلى مماهاةٍ وتصاهرٍ يجعلان من الكتابة صورةً للحياة لا مجرد تسجيل حرفي للتجربة ،ولعلّ هذه الطريقة التي قدّمناها في بضعة مقاطع فأعدنا إخراج شكلها البصري كتابيّاً كان ضرورةً لرفع الغطاء عن هذا التصاهر فترسم حدوداً أجناسيّة كان محمّد ملص قد أذابها في بوتقة التوثيق لتظهر الكتابةُ الوثائقيّة جنساً عابراً على أجناس أخرى، وسائر ما تصاهر وتداخل معها من بنيات تخلّلته هي أجناسٌ معبورٌ عليها، ليس لها أن تقاوم مركزيّتَه ومن ثم لا بد لها أن تنجذب ذائبة في بنياتها، موجّهةً بموجباتها ولعلّ هذه الموجبات فرضت نفسها على المؤلّف في صعيدين جوهريين ، الأوّل حين قال ((ما كان يحكيه قيس أو يرويه ؛ وما كنا نتحاور حوله ؛ كان كلاماً محكياً فاخترت أن أنسجه مع ما كنت قد كتبته في " اليوميات " الخاصة بي ، سعيا لإخراج المحكي من بعده الشخصي)) فالضرورة هنا تكمن في ضخ المحتوى السردي الشفاهي ( اللهجويّ ) بوجدانيّاته ومأساويّته في المظهر الأجناسي الذي يناسبه ، فيبدوَ معبوراً عليه دون أن يكون له أيّة مقاومة أو خلخلة للقالب الوثائقيّ العابر ، ولعلّ هذه اللياقة تشكّل مسلّمةً جوهريّة في كاريزما رائدٍ من روّاد " سينما المؤلّف" حيث أنتج خلالَ سنوات أفلاماً عدة كتبها وأخرجها برؤيته الذاتية منها: أحلام المدينة، الليل، باب المقام، سلّم إلى دمشق ،فأية مادةٍ خام قام بصهرها في بوتقة التأليف سوى الشفاهيّة ! ومن ثم إخراجها كبنية بصريّة.
وأما الصعيد الثاني فيمكن أن نعتبره صعيداً مركزيّاً يهدّد تماسك قالب الوثائقية في جنسه المحدّد بالتلاشي والانزلاق نحو القالب الفرويدي التشخيصي وذلك للحقيقة التي وصل إليها المؤلّف قائلاً (..، الجانب الذي أعنيه هنا ؛ هو أن يحتلكَ المونتاج ويصير ليس مهنة أو أعمال فقط ؛ بل مرجعاً في سياق العيش وفي التعامل مع أشياء الحياة، أن يصبح " الدينامو" المشغًل لذاتك ) عند هذا الصعيد يلجأ محمّد ملص إلى بنيات متخلّلة قصصيّاً، تتماهى مع التوثيقيّة عبر تداول مفردات منوطة بفن المونتاج تقنيّاً ( لقد وقع قيس في أن يعيش في عالمٍ من " الرشز" ،فقد كان يتلفن لأحد ما ويسأله عن رقم تلفون ما ، فيكتب الرقم على بطاقة ويضعها في مكان ما ، كأنها لقطة من اللقطات المعلّقة على طاولة المونتاج ..وكأنّ اللحظة أو اليوم أو المكالمة التلفونيّة أو الشخص الذي يلتقيه ليس إلّا لفافة " لقطة من لقطات " الرشز" ستقوم الذات أو الزمن بمونتاجها ورصفها أو رميها )
ولكن :
لماذا محمّد ملص و كتاب قيس الزبيدي؟
ثمّة ما لابدّ من توفّره في ملكات المؤلّف فنيّاً قبل أن يكون بلاغيّاً تجعلنا نتحرّى عبر مؤلّفاته أنموذجاً نقدّمه للقارئ عن الفارق الجماليّ بين تداخل أجناس كتابيّة وتعالقها لضرورة جماليّة قصديّة في مؤلّف واحد مع المحافظة على مركزيّة قالبها وحدوده بالتالي تجعل العمل خارج التجنيس فيبدو تجريبيّاً غائمَ الهويّة والاستدلال ، مقابل تصاهر أجناس كتابيّة وتلاشي مركزيّة قالبها في مؤلّف واحد بحيث تمنحه تلك الضرورة الجماليّة بدون أن تخلخل أو تمحو قالبه الأجناسي المحدّد ، إن الجانب الفنّي الإبداعيّ الذي نثمّنه في فكرة العبور الأجناسي هو تلك القدرة وماهيّتها كذلك، التي يحوز عليها الكاتب لتفجير إمكانيّات النوع الأدبي ومنحه كاريزما العابر، إنّ هذه القدرة الفريدة لها تجليّات محقّقة في منجزات محمّد ملص من ناحية صهر المحتوى السردي في البنية البصريّة ، حيث أنّ تشييد كيان لغوي تأليفي لديه يسبق ولادة الفيلم وخصوصاً على مستوى "سينما المؤلّف" أو الاستناد على كيانات لآخرين من كتّاب الرواية ،وهذا الكيان اللغوي تتعرّض مقوّماته البلاغيّة مهما تعددت واختلفت أجناسيّاً لصهرٍ وتماهٍ في بوتقة السمعيّ البصريّ، فهل هذه المزاولة المهنيّة قد تتحول مع المثابرة عليها إلى طريقةٍ تهيمن على حياة صاحبها، أدبيّاً على الأقل ؟ يدوّن الكاتب ما آلت إليه حياة قيس الزبيدي وكيف حلّ فن المونتاج حَلولاً معرفيّاً في آليّات إدراكه وتعاملاته في الحياة ، إلّا أنّ محمد ملص ظهر أيضاً في هذا الكتاب وقدّ حلّ فن السينما حلولاً معرفيّاً في منطقه وتفكيره التقنيّ أدبيّاً ، مرّة سألته هل يكفي الأسيتون السائل لإلصاق طرفي شريط الفيلم بعد القصّ فأجابني بلهفة : لا ، لا يكفي ، لابد من وضعه تحت المكبس ليندمج طرفي الشريط وينصهران معاً ، وإلّا سيبدو أثناء العرض أنّ قطعاً ما أو تشوّهاً بصريّاً قد حصل ، هكذا تماماً يمكن للقارئ بمتعةٍ واستناره أن يعبر على أجناسٍ أدبيّة متباينة النوع متصاهرةٍ بقالبها الأجناسيّ في الكتاب دون أنّ يشعر أنّ تشوّهاً قد اعترى القالب الوثائقيّ العابر ، ولعلّي أطمع أن يقع هذا المقال تحت نظره ليجيبني عن سؤال ملك عليّ تفكيري بعد قراءة الكتاب:
هل كتّاب القراءات النقديّة مجازيّاً يمارسون فنّ المونتاج وهم يقلّبون بين أيديهم مؤلّفاً أدبيّاً ؟ ثمّة قصّ ولصق ومماهاةٍ وصهر بين الأنساق والسياقات، نسخٌ ولصقٌ من خزائن المفكّرين ومقولاتهم المركزيّة عن الأدبيّة، هل أحدنا بهذه الحالة يعيش في داخله قيسٌ زبيديٌ بطريقةٍ أو أخرى!



#باسم_القاسم (هاشتاغ)       Bassem_Ahmad_Al_Kassem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غوايةُ المتبقّي /عن سيرةٌ أولى لحارس الأقداح
- في برزخ النثر/ أسامة إسبر والجسدانيّة
- - أشدّ بياضاً من البياض- محمّد عُضَيمة والقصيدة المؤسسة
- القدرة الأدبيّة -خليل صويلح في ناحيةُ الكلأ والماء
- - منامات صوفي - المشتَيهُ به وجماليات التشكيل
- - احتضار الفرس- محنة الصفح والماضي الذي لايمضي
- مناسِك الوحشة
- شطر اللهجة
- عن شعرية الكارثة - وطن الغريب جبينه - أحمد حافظ*
- احتفاليّة الفراغ - الأبوريا ومابعد الحداثة - عن رواية - عزلة ...
- كان كذلك منذ زمن بعيد
- الزاهد رِيوكان Ryōkan Taigu - باقة هايكو
- كما نحنُ
- إثنوغرافيا الرغبة / الجزيرة السوريّة - عن رواية - سيأتيك الغ ...
- قصيدة مسيّرة
- وطن بوك
- هايكو الرقّّة 4
- أوهامٌ ناعمة
- عن مقدّمة - مشروع ديوان الشعر العربي الجديد - ج الأخير - شعر ...
- حضرة البنفسج


المزيد.....




- “يلا استقبلها للأولاد” .. تردد قناة وناسة الجديد على النايل ...
- لطلاب الثانوية العامة.. مؤشرات تنسيق المعاهد الفنية للتمريض. ...
- مسرح دونيتسك للموسيقى يقدم أوبرا وطنية مستوحاة من رواية -الح ...
- حمادي الوهايبي: -عطيل وبعد- تستحضر مسرح شكسبير على وقع مأساة ...
- هيفاء وهبي تتجاوز أزمتها مع نقابة المهن التمثيلية في مصر.. م ...
- “يلا استقبلها للأولاد” .. تردد قناة وناسة الجديد على النايل ...
- مدير أعمال الفنان المصري مصطفى شعبان: السلطات الألمانية والف ...
- بعد مشوار فني حافل.. رحيل الممثلة الأميركية جينا رولاندز عن ...
- أعماله نالت جائزتي أوسكار.. تكريم المخرج الإسباني ألمودوفار ...
- المغرب: -فوفو الذنبة- تثير ضجة على السوشيال ميديا.. -استحضار ...


المزيد.....

- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم القاسم - كاريزما العابر / محمّد ملص وقصاصات على الجدار