وليد الأسطل
الحوار المتمدن-العدد: 8067 - 2024 / 8 / 12 - 22:49
المحور:
الادب والفن
ياقوت شريط: أثبت أنك مبدع متنوع. إنك تلمع في جميع الأنواع التي تكتب فيها، والأهم من هذا –في رأيي– أنك تغامر، تخاطر. من الصعب أن نقرأ أحد أعمالك دون التفكير في متعة القراءة التي قدمتها لنا، سواء في القصة القصيرة، وأقصد هنا كتابك “شيء مختلف” أو قراءاتك النقدية “عشت معها” أو ديوانك “وحدها الكلمات تَفهَمُني” وأخيرا روايتك “سقوط” التي أراها أفضل منجزاتك الأدبية. في كل كتاباتك يسطع بوضوح اهتمامك بالوصف والتفاصيل. ما تعليقك على جملتي الأخيرة؟
وليد الأسطل: بداية، أود أن أشكرك على هذا التقديم الرائع. ألم يقل نابوكوف: “في الفن الرفيع والعلوم البحتة، التفاصيل هي كل شيء”. لا يمكن أن يكون الروائي جيدا -في مذهبي- إلا إذا كانت أعماله مليئة بالألوان والروائح والعطور. الروائي الجيد، تحت قلمه كل وصف نفسي وجسدي يرتقي بالاهتمام بالتفاصيل واستكشافها إلى مرتبة أحد الفنون الجميلة. على أي حال هذا هو الطموح الذي أضعه لنفسي والنتيجة التي أسعى إلى تحقيقها. ومع هذا أعتقد أن تعريف الكتابة الجيدة أكبر مما ذكرت، إنه معقد. لم أحاول أبدا تحديده، فهو واسع جدا. ولكن بإمكاني أن أضيف إلى ما تقدم: أن لا نرى اللحامات، وأن لا نشعر بأن هناك من يتلاعب بالقصة خلف الستار. كلما اختفى المؤلف خلف قصته، كلما كان ذلك أفضل. كما يجب أن يخدم الأسلوب الغرض.
ياقوت شريط: ما أهم ما يعجبك في فعل الكتابة؟
وليد الأسطل: الحرية. عدد قليل جدا من المهن يقدم نفس القدر من الحرية. في الكتابة أخترع ما أريد، حتى لو كان غير مقيد، حتى لو كان منحرفًا، منفلتا، فلا يوجد من يحكم عليك أو يوبخك على أي شيء. يمكنني قضاء عام أو حتى عامين في العمل على مشروع دون أن يراقبني أحد. في معظم المهن، هناك منظور خارجي (الزملاء، الرؤساء، العملاء)، والذي يمكن أن يكون خانقًا. في مكتبي، أفعل ما أريد… حتى يحين وقت إرسال مخطوطتي إلى دار النشر. ولكن بعد النشر، ينقلب كل شيء رأسا على عقب، وأنا أتحدث هنا عن عالمنا العربي. إن مجتمعاتنا العربية تعاني من انفصام في الشخصية وإنكار مرضي للواقع وللتاريخ. يقولون لك، مثلا، إن اشتمال الأعمال الأدبية على مشاهد جنسية دليل على رداءتها ومؤشر على اندثارها الحتمي!! لم لم تندثر أشعار أبي نواس وديك الجن إذن؟ لم لا تزال ألف ليلة وليلة تقرأ إلى اليوم؟ الأمثلة كثيرة.
ياقوت شريط: أين تجد الإلهام عندما تكتب؟
وليد الأسطل: إنه الجزء غير المرئي من العمل، أكتب لبضع ساعات كل يوم، هذا هو الجزء المرئي، ولكن بعد ذلك، بقية اليوم، ألاحظ، أستمع، أقرأ، وأقوم بتدوين الملاحظات حتى لو كان 99% منها بلا فائدة. أجد الإلهام من خلال تحفيزي المستمر لمخيلتي من خلال ما ذكرت، أن أكون فضوليا وملتزما، أن أجعل كل حواسي في حالة استنفار دائم. حواسنا هي هوائياتنا. يجب على الشخص الذي يكتب أن يتغذى باستمرار على ما يحدث حوله.
ياقوت شريط: هل الأدب «الخالص» الخالي من الاعتبارات الاجتماعية والسياسية ممكن؟
وليد الأسطل: بحكم أنك صديقتي، لا شك أنك تعلمين مدى ولعي بأدب أمريكا اللاتينية. يبدو أن هناك نقطة مشتركة توحد أدباء أمريكا اللاتينية الفائزين بجائزة نوبل في الأدب، ألا وهي انغماسهم الكبير في السياسة، غابرييلا ميسترال كانت دبلوماسية. يوسا، ودفاعه المحموم عن الليبرالية، وترشحه للرئاسيات. نيرودا وماركيز، وشيوعيتهما. باز، ووضوحه فيما يتعلق بنظام كاسترو، والساندينيين في نيكاراجوا، ودفاعه عن سولجينتسين. وقد انعكست اهتماماتهم السياسية على أعمالهم. هذا مجرد مثال. أريد أن أقول، لا أعتقد بوجود أدب خالص، أدب لا يتناول مشاكل الإنسان، أدب ليس إلا لعبة فكرية. الأدب الذي اختُزل في لعبة بلاغية، في تجربة لفظية خالصة. لكنني أعتقد أنه إذا كان وجود مثل هذا الأدب صحيحا، فهو استثنائي حقا. أعتقد أن الأدب كائن حي، وأنه من المستحيل أن نعفي أنفسنا من هموم الناس العاديين. حتى لو كنا نركز بشدة على القضايا الثقافية، فإن الحياة يجب أن تمس الأدب، وإلا فلن يكون الأدب موجودا. وهذا هو حال جميع الكتاب العظماء، يواجهون المشاكل بطريقة أو بأخرى، ويعبرون عن هذه المشاكل بشكل رمزي في الكتابة.
ياقوت شريط: لقد حدثتني ذات يوم –طويلا– عن القومية، وأن فريدريك هايك قد ذكر في كتابه الطريق إلى العبودية أن أكبر خطرين على الحضارة هما الاشتراكية والقومية. أعلم أنك معارض للقومية. بحت لي مرارا بمخاوفك من القومية التي تتخذ ألوانا متباينة من اسكتلندا إلى كاتالونيا، مرورا ببلجيكا والنمسا وفرنسا وإيطاليا. بعد قرن من كارثة الحرب العالمية الأولى، هل ترى أن القومية يمكن أن تصبح الخطر السياسي الرئيسي في أوروبا في السنوات المقبلة؟ أسألك هذا السؤال لأنك تعيش في أوربا وتتابع ما يجري فيها عن كثب.
وليد الأسطل: من كان ليقول، على الرغم من كل الكوارث التي أحدثتها القومية، وخاصة في أوروبا على وجه التحديد، حيث تسببت في حربين عالميتين والملايين من القتلى، إنها سوف تعود إلى الظهور ذات يوم؟ القومية، شكل من أشكال التعبير الجماعي الذي يظهر دائما في لحظات الأزمات. عندما تكون هناك أزمة، يحدث ما أسماه بوبر العودة إلى المجتمع القبلي، أي إلى شكل من الحماية الجماعية، إلى الانغلاق. وهو ارتداد، لأنه عكس الحضارة تماما، التي من مظاهرها الاندماج في التنوع. إنها رؤية طائفية ومحدودة للحياة، تنتج دائما العنف والحرب والتمييز والعنصرية. من غير المعقول أنه في أوروبا، حيث اعتقد الناس أنهم قد تجاوزوا بالفعل هذه الحالة المحدودة جدا، وهذه الرؤية الضيقة للغاية للقومية، أن تظهر مرة أخرى في التاريخ.
ياقوت شريط: ما رأيك في ما يجري في غزة ولماذا لا تكتب رواية عنها؟
وليد الأسطل: إن ما يحدث في غزة اليوم، عبارة عن مأساة كبيرة جدا. من هنا فإن الكتابة عنها تشكل بالنسبة لي مغامرة كبرى. إن السؤال الذي يرهقني كثيرا هو: هل في وسعي إنتاج نص يكافىء هذه المأساة؟ لا أعتقد ذلك. على الأقل في الوقت الراهن. من بإمكانه تخيل ما خبره الغزيون التعساء الذين قتلوا ومدى حزن ذويهم؟ إن حرباً كهذه هي وصمة عار لا تزول في قرن أو قرنين، لأنها موجودة في كل شيء، وتؤثر على كل شيء وتحط من شأنه. إن ما يجري هناك قد أزال قناع الحضارة الذي ترتديه ما يمكنني تسميتها بالدول حسنة المظهر.
ياقوت شريط: ما هو جنس وموضوع عملك القادم؟
وليد الأسطل: رواية تاريخية، أحسبني سأفرغ من كتابتها هذا العام. أتناول فيها جزءا مهملا من ظروف ظهور فرسان الهيكل.
ياقوت شريط: سررت كثيرا بإجراء هذا الحوار معك.
#وليد_الأسطل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟