أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سالم قبيلات - نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّاس.. الإنسان الطَّيِّب والمناضل العنيد..















المزيد.....

نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّاس.. الإنسان الطَّيِّب والمناضل العنيد..


سالم قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 8066 - 2024 / 8 / 11 - 13:05
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


هذه البطاقة تخص رفيقًا شجاعًا ينتمي إلى جيل ثوري لا يزال يحظى لدى الأردنيين بتقدير واحترام كبيرين. وهو الجيل الذي بذل أفدح التضحيات، وقدم نماذج فريدة لنكران الذات، في خمسينيات القرن الماضي وستينياته. فلقد تبنى الكثير من أبناء هذا الجيل الأفكار والعقائد الثورية، وعبروا عن طموحات كبيرة من أجل بلدهم وشعبهم وأمتهم، وانخرطوا في نضال شجاع لتحقيق هذه الطموحات والذود عن مصالح شعبهم وحقوقه.
الرفيق خالد الذكر الدكتور سامي النحاس من مدينة مادبا، وهو من مواليد 1936. وكانت مادبا، في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، زاخرة بالمناضلين والمثقفين الثوريين والتقدميين واليساريين، ممن شكلوا جيلًا مميزًا من المناضلين لا يزال يحتل في ذاكرة مجتمع المدينة أعلى مراتب التقدير والاحترام.
وللرفيق الدكتور سامي تجارب مختلفة في الحياة، قاده إليها بحثه المخلص عن طريقٍ مناسب للعمل من أجل تحقيق أهدافه الوطنية والقومية؛ ففي بداية خمسينيات القرن الماضي، التحق جنديًا بالجيش لسنوات قليلة. وقد كان سبب اختياره الانضمام إلى الجيش، هو الرغبة في البحث عن فرصة سريعة للثأر، ورد الاعتبار للكرامة العربية المهدورة، بعد هزيمة 1948.
لكن بسبب حسه الثوري المتأصل، أدرك مبكراً أن النصر، ورد الاعتبار المطلوب، له سبيل مختلف، كما أنه لا يتوقف عند تحرير الأرض فقط، وإنما يجب أن يشمل أيضًا تحرير الإنسان من الاستغلال والقهر. ولذلك، استقال من الخدمة العسكرية والتحق بالعمل السياسي المعارض في نهاية عام 1954.

في العام 1957، تم القبض عليه وبحوزته منشورات تحريضية تخص الحزب الشيوعي الأردني، حيث أُودع في سجن الجفر الصحراوي، وكان ذلك بالتزامن مع حملة القمع الشرسة التي استهدفت الآلاف من مناضلي القوى الوطنية والتقدمية الأردنية، وخصوصاً الشيوعيين. وقد استمر اعتقاله لغاية العام 1965؛ حيث أُطلق سراحه بالعفو العام الذي شمل جميع السجناء.

وفي هذا السياق، لابد من الإشارة الى بعض وقائع قصة صمود الرفيق سامي، التي لم تكن نمطية، ولم تكن في مواجهة السلطات القمعية فقط، وإنما كانت أيضاً في مواجهة الضغوطات العائلية، تحت ذريعة المصلحة الأمثل للابن، والحرص الشديد عليه، والمحبة العميقة له.

آنذاك، كان من المتعارف عليه، أنه بمقدور أي معتقل شيوعي أن يغادر السجن فوراً، بمجرد توقيعه على ورقة استنكار، تتضمن تبرؤه من الحزب وتنكره لمبادئه. وفي الغالب، لم يكن الأهل يتفهمون سبب رفض هذا الطلب الذي كان يبدو لهم بسيطاً، في مقابل العقوبة الشديدة المنتظرة.

يروي الكاتب والصحفي المعروف الرفيق يوسف غيشان، ابن شقيقة الرفيق الدكتور سامي النحاس، في منشور له على موقع سواليف، قائلاً: "لقد كانت التجربة الأكبر في حياتي، حينما رأيت خالي (سامي النحاس) لأول مرة في السجن، وما جرى في تلك اللحظات القاسية والمؤثرة. ورغم أسطوريتها، فهي حادثة حقيقية شهدتها بأم عيني وأذني، خلال مرافقتي والدتي، لزيارة خالي في سجن الجفر الصحراوي، حيث التقينا هناك بجدي وعدد من إخوة جدي وأقاربه، وكانوا متجهمين وفي حالة لا تبشر إلا بالقلق".

يضيف الرفيق يوسف غيشان، قائلاً: "بعد فترة انتظار قصيرة، جاء العسكر برجل طويل ملتح، سلّم على الجميع وعانقهم، ثم جلس يتحدث إليهم. ولكن بعد وقت قصير، ابتعد الرجال جميعًا لمسافة عنا، ونادى جدي على خالي (سامي) ليقترب من المجموعة في وسط الغرفة. وأذكر أن خالي استجاب لهم، وتحدثوا قليلاً، لكن النقاش احتد. ثم حصلت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها ولم أستوعبها".

ويشرح الرفيق غيشان، قائلاً: "لقد هجم الجميع على خالي، هجمة رجل واحد، وأطاحوا به أرضاً، لكنهم لم يستطيعوا فتح يده، رغم هجومهم العنيف والدموي عليه. كانت قوة الرفض، هي التي حمت خالي، ومنعتهم من تسويد إصبعه بحبر الذل. لقد كان أضعفهم جسداً، لكنه أقواهم روحاً وعزيمة".

ويكمل، قائلاً: "بعد ذلك الهجوم غير المتكافئ، حضر الجندي، وأخذ خالي من بينهم، وهو ينشد شيئاً بصوت مخنوق: يا ظلام السجن خيم… ولم أفهم بقية الكلام، لأنه غادر سريعاً غرفة الزيارة برفقة الجندي".

كما يذكر غيشان، أن خاله بقي في السجن لثلاث أو أربع سنوات بعد الحادثة؛ وعندما خرج، التحق فوراً بصفوف الحزب الشيوعي الأردني المحظور آنذاك، مع أغلب الصامدين الذين كانت بصمات أصابعهم نظيفة من حبر التوقيع على ورقة البراءة والاستنكار.

ويتابع غيشان: "بعد فترة طويلة، فهمت الموضوع. فقد كان جدي قد تحدث مع مسؤول أمني في السجن حول كيفية إخراج خالي من السجن. فأخبره رجل الأمن، بأن من يستنكر حزبه، ويعلن ولاءه، يُخرجونه من السجن فوراً. ووعد الرجل الأمني جدي، بأنه إذا استطاع وضع البصمة اليمنى لخالي "سامي" على ورقة الاستنكار، فسوف يعود معهم فوراً إلى بيته. وهكذا أقنع جدي بقية إخوته وأقاربه بالهجوم على ابنهم (الرفيق سامي) لانتزاع بصمة إصبعه على الورقة".

بعد خروجه من المعتقل، لم ينتظر الرفيق خالد الذكر طويلاً، لاستئناف حياته، وخاصة في مجال التحصيل العلمي. فقد تقدم، وهو في الثلاثين من عمره، لامتحان التوجيهي، ثم أكمل تعليمه الجامعي حتى حصوله على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة دمشق.

وفي أواخر الستينيات، أنشأ الرفيق سامي محلاً لبيع القرطاسية والكتب، في مدينة مادبا، باسم "مكتبة فراس" (على اسم الشهيد فراس العجلوني). وقد لعبت تلك "المكتبة" دورًا مهمًا في الحياة الثقافية للمدينة، حيث وفرت الكتب والصحف والمجلات المحلية والعربية والأجنبية، وخاصة التقدمية منها، للكثيرين.

كما عمل الرفيق سامي في مجال البحث والتأليف، وأنجز ثلاثة كتب قيمة في مجال التراث الأردني والعربي والإسلامي، وأصبح عضواً فاعلاً في رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وخبيراً تربوياً مهماً في وزارة التربية والتعليم.

يقول الرفيق الصحفي المعروف أحمد أبو خليل، في مقال له في صحيفة "زمانكم": "لقد عُرف الراحل (الدكتور سامي النحاس) بتواضعه وحبه للتعليم وطيبته المتناهية".

ويضيف، قائلاً: "تميز الدكتور النحاس، الذي عاش حياته مسالماً، بأنه حلو اللسان، خفيف الظل، طيب المعشر، ولكنه سرعان ما يتحول إلى الخشونة في قضايا الوطن والمبادئ والدفاع عنها".

لقد كان الرفيق خالد الذكر، كما عرفه رفاقه الذين عملوا معه أو سُجنوا معه، إنساناً شهمًا ومناضلاً جريئًا، ساهم في نشر الوعي الثوري بين العمال والطلبة والمثقفين. ولقد حظي باحترام وحب الناس في مدينته وأماكن نشاطه الحزبي؛ مما أثار غضب السلطات والحاقدين عليه؛ ولهذا السبب، اُعتقل، وعُذِّب بشدة، وسُجن لمدَّة طويلة.

ولقد قيل في وداعه في يوم رحيله: "مساء التاسع من حزيران 2017، رحل الدكتور المؤرخ سامي سلامة النحاس، تاركاً خلفه قصة تضحية وإيثار بطولية يستلهم منها رفاق اليوم العبر." (صحيفة زمانكم).

ولم يكن صدفة اختيار الرفيق خالد الذكر، تخصصه الأكاديمي في مجال التراث، وكذلك اختياره مواضيع مؤلفاته في المجال نفسه، واهتمامه بجع التراث وتوثيقه، وإبراز الرموز التاريخية. فلقد أراد، بذلك، ربط الثقافة والتراث بالهوية الوطنية، بشكل إبداعي يلهم الأجيال القادمة، والحفاظ على الخصائص الفنية للتراث، وإظهار أصالته، لإبراز الهوية الثقافية للشعب الأردني التي تشكلت عبر التاريخ. حيث إنه من الصعب تمييز أي دولة بشكل حقيقي، ومعرفة الخصائص التي يتميز بها شعبها، إلا بعد الاطّلاع على تراثها الحضاري؛ فالتراث الثقافي هو جوهر هوية الشعب، والمعبر عن همومه ومعاناته وطموحه، ويُعد عامل ترابط اجتماعي بين أبناء الشعب الواحد من مختلف الطبقات. لذلك، فإن فقدان هذا التراث وطمس خصوصيته، يعنيان فقدان الهوية الوطنية وفقدان الملامح المتوارثة.

لقد عاش خالد الذكر حياته بهدوء الإنسان الحكيم وصلابة المقاتل العنيد، ومبدئية المناضل الحقيقي، الذي يتصدى بدأب وثبات لكل أنواع الظلم والقهر. وكان وطنياً متحمساً، وأمميًا حقيقياً، وشيوعيا مخلصاً لقضيته الكفاحية، وكرس جل وقته لقضية التحرر الوطنية والديمقراطية والاشتراكية. وكان دائمًا في مقدمة صفوف النضال الطبقي والسياسي. وفي مجال الثقافة، أظهر الرفيق الراحل تفانياً في أداء دوره المطلوب. وعلى الصعيد الشخصي، كان متواضعاً في سلوكه، هادئاً في طبعه، ومثابراً في نشاطه، ونموذجاً في طيبته وتمسكه بالمبادئ والقيم الإنسانية وفي سلوكه الراقي.

وفي ختام هذه البطاقة، نعبر عن اعتزازنا الكبير بالتاريخ النضالي المشرف للرفيق الراحل الدكتور سامي النحاس، وبعائلته التي رفدت الساحة الوطنية والثقافية بعدد من المناضلين والأدباء التقدميين المخلصين للوطن، وبأقاربه وأصدقائه في مادبا الذين ما زالوا يحملون قيمه النبيلة ويعملون على نشرها، وما زالوا في كل مناسبة سياسية يستعيدون ذكراه. ونوجه تحية خاصة لكل من عرفه وأحبه لسلوكه الإنساني الراقي.

وللرفيق خالد الذكر، عهد من رفاقه على المضي قدماً في السير على الطريق نفسه الذي سار عليه طوال حياته، والتمسك بما آمن به وعمل جل حياته من أجله. فلقد عمل أعداء الحزب ويعملون من أجل اجتثاث هذه الذكريات الخالدة للمناضلين الأوفياء، لكنهم فشلوا وسيفشلون دائماً في ذلك. وسيظل تاريخ هؤلاء المناضلين، من أمثال الرفيق خالد الذكر سامي النحاس، وحزبهم، شعلة منيرة للأجيال المتتابعة. المجد له، والخلود لذكراه الطيب.



#سالم_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
- نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو ...
- الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال ...
- الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ ...
- عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ ...
- نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في ...
- خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
- البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية ...
- الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
- إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
- لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
- هل من هزة لكبير الطغاة
- اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
- الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
- بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
- الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
- التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
- الانتخابات النيابية الاردنية ، المشاهدة ام المراقبة
- تعديلات قانون الانتخاب الاردني
- انتهاكات حقوق انسان في الاردن


المزيد.....




- الشرطة تخرج المتظاهرين ضد تعدين الليثيوم من محطات القطار في ...
- بنغلاديش.. استقالة قاضي القضاة بالبلاد استجابة لمطالب المتظا ...
- بلومبيرغ: الرأسمالية الحكومية تبتلع الاقتصاد العالمي
- جريمة «التابعين» دليل على فاشية الاحتلال ومضيه في إبادة الشع ...
- هل أصاب اليسار الفرنسي في اختيار مرشحته لمنصب رئيس الوزراء؟ ...
- الجبهة الديمقراطية تدين بشدة المجزرة الصهيونية البشعة التي ا ...
- تيسير خالد : الادارة الأميركية استقبلت مجزرة مدرسة - التابعي ...
- بريطانيا ـ الهجرة وقود اليمين المتطرف لإثارة الكراهية
- كيف ردت كامالا هاريس على متظاهرين طالبوها بوقف إطلاق النار ف ...
- حمدين صباحي: روسيا قادرة على لعب دورها في نصرة القضية الفلسط ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سالم قبيلات - نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّاس.. الإنسان الطَّيِّب والمناضل العنيد..