أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الولايات المتحدة الأمريكية دَوْلَة مارقة















المزيد.....



الولايات المتحدة الأمريكية دَوْلَة مارقة


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8062 - 2024 / 8 / 7 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


توطئة
لم تبتكر الولايات المتحدة الحرب الإقتصادية، فقد فَرَضَتْ أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد عقوبات تجارية على خصومها، لكن منطق "البَلْطَجَة" و"القُوّة المُفْرِطَة" والمجازر والإبادة من مُقوّمات نشأة المُستوطَنة الأوروبية التي أصبحت تُسمّى الولايات المتحدة التي فَرَضَ رؤساؤُها قيوداً على التجارة الخارجية منذ التّأسيس وأغلق توماس جيفرسون سنة 1807، الموانئ الأميركية أمام الشحنات المُصَدَّرة إلى أو الواردة من بريطانيا، أما العقوبات المفروضة اليوم فهي تستند إلى منطق "الحرب الباردة" التي يُفْتَرَضُ إنها انتهت بانهيار الإتحاد السُّوفييتي، لكن الإمبريالية الأمريكية عزّزت حلف شمال الأطلسي وزادت من ترسانتها الحربية وترسانة حُلفائها وتفعل ما في وسعها لِتُعزّزَ هيمنتها الإنفرادية على العالم، ولتحقيق هذا الهدف ارتفع حجم "العقوبات" على الحكومات والشركات إلى مُستوى قياسي، ما ألحق أضرارًا جسيمة بسُكّان العديد من البُلْدان، وطوّرت الإمبريالية الأسلوب الذي مارسته ضد كوبا، وجرّبت شكلاً جديدًا من فرض الحصار الدولي على العراق، بإشراف الأمم المتحدة شَكْلاً، وتمثل الحصار في استحالة تصدير العراق للنفط أو استيراد الإمدادات اللازمة لإعادة تأهيل البُنية التحتية التي دمّرها الجيش الأمريكي وحلفاؤه ( الجُسُور والطّرقات وشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصّحي ) واستحالة توريد الغذاء والأدوية، مما أدّى إلى انتشار أمراض عادت بعد أن تخلّص منها العراق منذ عُقُود مثل الكوليرا والتيفوئيد...
شرح كتاب "حروب العُملات – افتعال الأزمة العالمية الجديدة" – 2014 (تأليف جيمس ريكاردز) هذا الشكل الجديد من الحروب الإقتصادية التي أَطْلَقَتْها الولايات المتحدة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وتمثّل هذا الشكل في سَحْق بُلْدان وشُعُوب بالحصار والتّجويع وهي وسائل"أشدّ فتْكًا من دَوِيّ المدافع وقصف الطائرات، ويُفْضِي هذا الشكل من الحروب إلى كوارث اقتصادية واجتماعية ويخلق واقعًا سياسيا جديدًا يَفْتِكُ بالمُجتمعات من الدّاخل، بفعل التلاعب بعملات الدّول وتجميد الأُصُول ومُصادرة احتياطي الذّهب (من قِبَل الإمبريالية الأمريكية) وفَرْض الرقابة على التحويلات المالية"، ولم تردّ أنظمة الدّول العربية النّفطية الفِعل على هذه الحرب الإقتصادية والمالية، بل أمْعَنت في العمالة والتّطبيع مع العدو الصهيوني وفي تخريب البلدان العربية، فيما ردّت بعض الدّول الأخرى مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا الفعل بإثارة دَوْر ونفوذ الصندوق الدولي الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة التي تعاظمت قُوَّتُها العسكرية والمالية والسّياسية من خلال الأسلحة الفتّاكة والدّولار الذي لا يزال العُمْلَةَ المُهيمنة على منظومة التجارة والتحويلات المالية وعلى احتياطي المصارف المركزية وعلى الأسواق المالية، مما يجعل من الولايات المتحدة (وزارة الخزانة) المشرف على أسواق المواد الأولية وعلى التعاملات التجارية والتحويلات المالية الدّولية...

الولايات المتحدة = منطق القُوّة المُفْرِطَة
نشرت المجلة الطّبّيّة البريطانية "لانسيت" بتاريخ 20 آب/أغسطس 2018 تقريرًا بعنوان "العقوبات الإقتصادية سلاح دمار شامل"، وعرض التقرير بعض العَيّنات من نتائج هذه العقوبات التي تستخدمها الدّول الإمبريالية، وخصوصًا الولايات المتحدة، لفرض تغييرات تطلبها الولايات المتحدة، وهي في الواقع تَضُرُّ بأمن وصحّة وحياة الشُّعوب، وأصبحت "العقوبات" الأمريكية التي يتم التصديق على بعضها من قِبَلِ الهيئات الدولية تشمل الغذاء والرعاية الصّحّية – بشكل غير مباشر أحيانًا - وتؤثر سلبًا على صحة الناس، وخصوصًا النساء والأطفال والمُسِنِّين والفئات الأكثر هشاشةً، مثل العقوبات التي فرضها مجلس الأمن سنة 1990 على شعب العراق، والتي تسببت في مقتل حوالي 1,5 مليون إنسان (بما في ذلك أكثر من نصف مليون طفل) وفق مجلة "لانسيت"، وهو عدد أكبر من عدد الأشخاص الذين قتلوا في هيروشيما في أعقاب تفجير القنبلة النووية، وتَحْدُثُ حاليا كوارث مماثلة في فلسطين وسوريا واليمن والسّودان، وتعتبر حكومات الولايات المتحدة هذه الأضرار "جانبية لا مفر منها" وفق مادلين ألبرايت وهيلاري كلينتون وغيرهما...
لم ينته الوضع باحتلال العراق سنة 2003، بل ساءت الأمور، فقد أعلنت وزارة الحرب الأمريكية يوم الجمعة 02 آب/أغسطس 2024، إن الجيش الأمريكي سينشر طائرات مقاتلة وسفنًا حربيةً إضافيةً في المشرق العربي ومُحيطه، نُصْرَةً للكيان الصهيوني الذي تدّعي حكومة الولايات المتحدة إنه تلقّى "تهديدات من إيران وحليفَيْها حماس وحزب الله"، وذلك مباشرة بعد واحد من الإعتداءات المُتَكَرِّرَة التي يُنفذها الكيان الصهيوني باستمرار ضد الشعب الفلسطيني واللبناني واليَمَنِي والسّوري، وشُعُوب إيران، وبعد تنفيذ عمليات اغتيال في أراضي البلدان القَريبة والبعيدة، وجاء الإعلان الأمريكي بعد يومين فقط من اغتيال اسماعيل هنية في طهران، وهي واحدة من سلسلة عمليات اغتيال الفلسطينيين والعرب، واعتبرت وزارة الحرب الأميركية "ضرورة تحسين حماية القوات الأميركية ( على بُعْد آلاف الكيلومترات من حدود الولايات المتحدة)، وزيادة الدعم للدفاع عن إسرائيل، وضمان استعداد الولايات المتحدة للرد على مختلف الطوارئ... (من خلال) نشر المزيد من الدفاعات الصاروخية الباليستية الأرضية..."، ولم تبدأ عمليات تكثيف انتشار الجيش الأمريكي ( وحلفائه من حلف شمال الأطلسي، وخصوصًا ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) في المشرق العربي ومنطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط، هذه الأيام، بل منذ بداية العدوان الصهيوني الحالي على فلسْطِينِيِّي غَزّة...
لا تكتفي الولايات المتحدة بالتهديد العسكري وشن الحروب العدوانية، بل تفرض عقوبات تضرّرت منها حاليا ثُلُثُ دول العالم، وتخضع نحو 60% من الدول الأكثر فقرا لأحد أشكال "العقوبات" التي تفرضها الإمبريالية الأمريكية خدمةً لمصالحها ( يُفترض أن يُسَلِّطَ "العُقُوبة" جهاز قضائي أو ولِي أمر، أو شخص له سُلطة معنوية على من ارتكب "ذَنْبًا" أو مخالفة للقوانين والأعراف المُتَّفَق عليها) وأصبحت هذه "العُقُوبات" أداةً لمواجهة الإنحدار الأمريكي البطيء، ولصعود قُوى أخرى من خارج حُلفاء أمريكا، بالتوازي مع تكثيف عَسْكَرَة السياسة الخارجية الأمريكية التي ازدادت في ظل الإدارات الأمريكية الأربع الأخيرة وخصوصًا خلال رئاسة جوزيف بايدن الذي فرض أكثر من ستة آلاف عقوبة على دُوَل وأفراد وكيانات ومصارف وشركات، خلال سَنَتَيْن فقط.

وسائل الهيمنة
أصبح الدّولار العُمّلة الرئيسية للتبادل التجاري والتحويلات المالية الدّولية، كما أصبح سلاحًا ضدّ أي بلد تعتبره الولايات المتحدة عَدُوًّا أو خَصْمًا أو مُنافِسًا، وتنعت الدّول أو الأنظمة "غير المُطِيعَة" أو من تعاديها ب"الدُّوَل المارقة"، خصوصًا منذ انهيار الإتحاد السوفييتي ( وتدمير العراق ويوغسلافيا والصّومال) وبشكل أخَصّ منذ بداية القرن الواحد والعشرين (11 أيلول/سبتمبر 2001)، وتُعْلن الحكومات المتعاقبة للولايات المتحدة إنها تُريد تغيير السياسات ونظام الحُكْم في الدّول التي تعتبرها "مارقة"، بكل الوسائل: بالثورات المُلَوَّنة أو بالإنقلابات العسكرية أو بالتفجيرات والإغتيالات أو بالحصار الإقتصادي والمالي، وتهدف "العقوباتُ" الاقتصاديةُ تجويعَ الشُّعُوبِ عَسَاهَا تثور ضدّ الحُكّام المَحَلِّيِّين في كوبا وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، ثم سوريا وفنزويلا وغيرها، ووجب التّذكير في كل حين إن الحصار و"العقوبات" والحَظْر هي أدَوات سياسية واقتصادية تُسبّب تدمير البلدان، وانتشار البطالة والفقر والجوع والمَرَض وانتشار الأوْبِئَة، كما حصل في العراق، بين سنتَيْ 1991 و 2003، وكما يحصل حاليا (سنة 2024) في سوريا واليمن وفلسطين...
استخدمت الولايات المتحدة "العُقوبات" للقضاء على منافسة الصناعات الأجنبية ( الألواح الشمسية والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية الصينية مثلا) ولمنع إنتاج المُنافِسِين من دخول أسواق أمريكا الشمالية وحلفائها، كما استخدمت منطق العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية على حلفائها (ألمانيا واليابان والطائرات الأوروبية) عندما يُصبح إنتاجها منافسا للإنتاج الأمريكي في السوق الدّاخلية الأمريكية، وتستهدف هذه السياسات حاليا الصين وروسيا بشكل خاص من خلال حَظْر التّوْرِيد أو من خلال زيادة الرُّسُوم الجمركية.
كان الحَظْر والحصار مُقتصِرَيْن على "العقوبات" التي تستهدف الشعوب الواقعة تحت الهيمنة ويمكن تصنيفها ضمن "سياسة الإِكْراه الإقتصادي" التي تُجَوِّعُ الشُّعُوب، وترفع عدد الوفيّات، وخصوصًا وفيّات الأطفال، كما حصل في العراق وفي قطاع غزة، مع عدد هام مما يمكن اعتبارها "أضْرارًا جانبية"، وبعد حوالي عقدَيْن على بداية القرن الواحد والعشرين، توسّع الحَظْر والحصار و"العقوبات" ليشمل بلدانًا مثل روسيا والصّين ( عودة إلى منطق الحرب الباردة)، مما دفع دول مجموعة "بريكس" لدراسة سُبُل خفض حجم التّعامل بالدّولار في مجالات التجارة والتحويلات المالية الدَّوْلية، بعدما تجاوزَ حجم"العُقُوبات" الأمريكية ثلاثة أضعاف ما تفرضه الدّوَل والهيئات الدّولية الأخرى، مما دَفَعَ الدّول المُتضرّرة من هذه "العُقوبات" إلى البحث عن سُبُل الإلتفاف على الحرب الإقتصادية والتّجارية والتكنولوجية والعقوبات المالية، لتخفيف الأضرار التي قد تُؤدّي إلى الإنكماش الإقتصادي واحتجاز التنمية، لكن هذه العُقُوبات لم تُؤَدِّ إلى الإطاحة بالنظام في كوبا ونيكاراغوا أو في كوريا الشمالية أو إيران، بل عَزّزت "العقوبات" التّقارب بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية... كما تعتمد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية على مجموعة هامة من أجهزة الإستخبارات، لا يقل عددها عن 18 جهازًا ووكالة، نصفها ذي صبغة عسكرية تتبع وزارة الحرب، وتتمحور مهامها حول حماية المصالح الأميركية في العالم، وفق الوثائق السّرّيّة للبنتاغون (وزارة الحرب الأمريكية) المُسَرّبة سنة 2023، والتي تضمنت ميزانية الإستخبارات (حوالي تسعين مليار دولارا) وتُشغّل وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إيه ) نحو 22 ألف موظف ووكالة الأمن القومي حوالي 32 ألف موظف، بالإضافة إلى عدد العاملين ب16 وكالة أخرى، وحوالي خمسين ألف موظف مُتعاقد...
تُشكّل المنظمات "غير الحكومية" أدوات هيمنة أمريكية – من خلال التَّمْويل والإعلام والتّدريب على "الدّفاع عن الدّيمقراطية وحقوق الإنسان"، وتستغل وضع البلدان الفقيرة والمناوئة للولايات المتحدة، أو تخلق الظروف الموضوعية لتسرّب الجواسيس كما يتخرّج المُخْبِرُون ( بدون وعي أحيانًا) من هذه المنظمات من خلال إعداد التّقارير وجَمْع وفَحْص المعلومات، ويتزايد عدد هذه المنظمات الأجنبية في مناطق الحرب والأزمات والكوارث، بتعمل بحرية، باسم العمل الخيري أو الإنساني، وأدّى تغلْغُل هذه المنظمات إلى إطلاق ما اصطلح على تسميته "الثّورات المُلَوّنة" في أوروبا الوسطى والشرقية (خصوصًا في يوغسلافيا، ثم في جورجيا وأوكرانيا، على حدود روسيا)، وفشلت مُحاولات الإمبريالية الأمريكية وألمانيا وبريطانيا والإتحاد الأوروبي في مناطق أخرى من العالم، في كوبا وفنزويلا وإيران...

أَحْلاف عدوانية
كشفت تسريبات إدوارد سنودن سنة 2013، عن وجود "أهم تحالف استخباراتي في العالم" تحت مُسمَّى تحالف "العيون الخَمْس" (Five Eyes أو FVEY ) وهو تحالف استخباراتي يضُمّ الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، "للتعاون المُشترك في مجال الإستخبارات وجَمْع المعلومات عن الأعداء والأصدقاء، بالتعاون مع دول أخرى (غير عضو في العيون الخمس) مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والكيان الصهيوني والمكسيك، ويُعتَبَرُ الحلف تطويرا لاتفاقية سرية رسمية تعود إلى سنة 1946 تهدف تبادل المعلومات الإستخباراتية بين بريطانيا والولايات المتحدة للتّجسّس على الإتحاد السوفييتي (الذي هزم النازية ودَحَرَ الجيش الألماني – بدون أي مساعدة من الحُلَفاء- من ستالينغراد إلى برلين) من أجل دراسة سُبُل هزيمته، وتوسعت الإتفاقية لتشمل بلدان أخرى ناطقة بالإنغليزية: كندا سنة 1948 وأستراليا ونيوزيلندا سنة 1956، ولم تتسرب أي أخبار عن هذا التحالف السّرِّي قبل سنة 2010.
تأسَّسَ التحالف العسكري والأمني والجيوسياسي "أوكوس" ( AUKUS ) كتحالف عَلَنِي هذه المرة، وليس سرّي كما العيون الخمس، يوم 16 أيلول/سبتمبر 2021، ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا "لتوحيد الإستراتيجيات والقدرات العسكرية"، ووقّعت الدّول الثلاث "اتفاقًا لإنشاء أسطول غواصات نووية للتصدي لنفوذ الصين"، ويهدف الإتفاق إدماج أستراليا التي تُعَدُّ الصّين أكبر شريك تجاري لها، في الإستراتيجيات العدوانية في المُحيِط الهادئ ولذلك قررت الولايات المتحدة تكثيف التّعاون لتطوير أنظمة الأسلحة الأكثر تطورا (أي الأكثر فَتْكًا) و"تزويد الجيش الأسترالي بالأسلحة الأمريكية ومُراجعة معايير العمليات القتالية لتتلاءم مع معايير الجيش الأمريكي وجيوش حلف شمال الأطلسي"، فضلا عن التعاون الإستخباراتي وجمع المعلومات عن الصّين وغيرها بواسطة الأقمار الصناعية و"الذّكاء الإصطناعي" والطائرات الآلية والتقنيات الحديثة...
في هذا الإطار بدأت يوم السّادس من آب/أغسطس 2024، في أنابوليس (ولاية ميريلاند الأمريكية) المُحادثات السنوية الأمريكية الأسترالية التي تُركّز على مجالات السياسات الخارجية والعسكرية، ويتضمن جدول أعمال هذه الدّورة "السُّلُوك العدواني للصّين وعدوان روسيا ضد أوكرانيا والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط ( ) ومواجهة التّحدّيات الأمنية المُشتركة..." وفق وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن، ودراسة "مشروع البرنامج النَّوَوِي لأوكوس الذي تبيع بموجبه واشنطن ثلاث غواصات تعمل بالطاقة النووية لأستراليا خلال العقد المقبل"، وهو برنامج يدعمه الحزبان الحاكمان في الولايات المتحدة، لأنه يخدم الشركات الأمريكية، كما يدعم الحزْبان استغلال "المعادن الحَيَوِيّة" في أستراليا، وتعزيز إدماج أستراليا في المخطّطات العسكرية، وتجدر الإشارة إلى إنشاء الولايات المتحدة قاعدة جَوِّيّة/بَحْرِية ضخمة شمال أستراليا، تُعَدّ من أضخم قواعدها العسكرية في العالم، "لمجابهة الصّين في المحيط الهادئ"، كما تسعى الولايات المتحدة – من خلال تكثيف التعاون مع أستراليا إلى "استغلال المعادن النادرة في أستراليا والحد من هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة والمعادن الحيوية المستخدمة في المركبات الكهربائية وتكنولوجيا الدفاع".
في تايوان، الحليف المُقَرّب للولايات المتحدة، أعلن الرئيس لاي تشينغ تي يوم الثلاثاء 06 آب/أغسطس 2024 زيادة الميزانية العسكرية: "من المُقرّر إن تصل ميزانية الدفاع إلى مستوى مرتفع جديد بواقع 647 مليار دولار تايواني (19,74 مليار دولار أمريكي) سنة 2025، بسبب سعينا إلى تعزيز الاعتماد على الذات في الدفاع والتعاون مع الشركاء الديمقراطيين" (أي الولايات المتحدة وحلفاؤها)، في حين تعتبر الصين إن تايوان جزء منها، تم فَصْلُها عند انتصار الثورة سنة 1949، فلجأ إليها جيش تشانغ كاي تشيك الموالي للإمبريالية...

حلف امبريالي/صهيوني
قدّرت وزيرة الخزانة الصهيونية التكلفة اليومية المباشرة للعدوان على فِلسْطِينِيِّي غزة بنحو 246 مليون دولار، وحوالي خمسين مليار دولارا طيلة ثمانية أشهرٍ، أو حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وتكفّلت الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي، وخصوصًا ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بتحمل خسائر الإقتصاد الصّهْيُوني وقررت تزويد جيشه بالأسلحة والذّخائر وبتحمّل نفقات الحرب، على حساب كادحي وفقراء شعوب هذه الدّول، لأنها حرب امبريالية بالوكالة، كما في أوكرانيا أو سوريا أو اليمن وليبيا، وتفترض تقديرات نفس الوزارة أن العدوان يقتصر على غزة، لكن العدوان تَوَسّع (وكذلك المُقاومة) ليشمل اليمن وسوريا ولبنان (احترقت 40 ألف شجرة زيتون في جنوب لبنان جراء القصف الصهيوني، ودُمِّرت مباني وطرقات وجسور وبُنْيَة تحتية وقُتِل مواطنون وقياديون في حزب الله...) ويتوقع البنك العالمي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة 30% سنة 2024 ويمكن أن تَمْتَدّ التداعيات الاقتصادية إلى أوروبا التي تضرر اقتصادها بفعل تنفيذ الأوامر الأمريكية بمقاطعة المحروقات الروسية، وفق مصرف غولدمان ساكس...
لا يستطيع الكيان الصّهيوني إطلاق العُدْوان ومُواصلة القصف والإغتيال والتّدمير دون موافقة ودَعْم الرّاعي الأمريكي، فقد قرّر مجلس النواب الأمريكي تخصيص 14,5 مليار دولار لدعم الجيش الصهيوني الذي تلقّى أكبر مبلغ من المساعدات العسكرية الأمريكية مقارنة بأي دولة أخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تجاوزت المساعدات العسكرية الرسمية 124 مليار دولار، بين 1953 و2019

حلف شمال الأطلسي
نشر الموقع الإلكتروني لحلف شمال الأطلسي ما يلي: " وافق قادة الناتو، خلال قمة مدريد منتصف سنة 2022، على استراتيجية جديدة تصف البيئة الأمنية التي يواجهها الحلف وتحدد المهام الأساسية للناتو: الردع والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها، والأمن التعاوني، وتنص الاستراتيجية على أن روسيا تشكل التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء، وكذلك للسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية”، وأصدر حلف شمال الأطلسي تقريرًا نُشِرَ يوم الأول من تموز/يوليو 2024 ينص على ما يلي: "تمثل روسيا التهديد الأكثر أهمية والتهديد المباشر لأمن الحلفاء وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية"، وصَرَّح جيمس أوبراين، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا وأوراسيا، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ: "إن الناتو سيطور في الأشهر المقبلة استراتيجية جديدة ضد روسيا. وذكر أن ذلك سيجمع جميع الحلفاء معًا في تعاون مستمر فيما يتعلق بروسيا"، وتتوقع قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن تقوم روسيا "بتحديث أسلحتها النووية وتوسيع أنظمة الإطلاق الجديدة ذات الاستخدام المزدوج، وتعزيز القوة العسكرية الروسية في بحر البلطيق والبحر الأسود ومنطقة البحر الأبيض المتوسط" وتهدف روسيا تأمين حدودها في البحر الأسود وبحر البلطيق وحدودها الشمالية والغربية والدّفاع عن ما تبقى من مواقعها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأعلن جيمس أوبراين خلال جلسة الاستماع : "لقد قمنا ببناء منصة تسمح لنا بإظهار قوتنا وتعزيز قِيَمِنا وسلامتنا، وتوسيعها (المِنَصّة) ... إن الصين تتطلع لمعرفة ما إذا كان يمكنها الاستفادة من إضعاف المنصة التي لدينا مع حلفائنا ومن المهم أن نوضح لشركائنا وحلفائنا أنه يتعين عليهم التعامل مع ما تفعله الصين... لهذا السبب نريد أن تفوز أوكرانيا ونزودها بالمعدات اللازمة للفوز... إن أسرع طريق للسلام هو أن تفوز أوكرانيا بالحرب(...) كما يُعَدُّ السلاح الاقتصادي عنصرًا أساسيًا في الحرب التي يشنها الناتو، ولذلك قرر زعماء مجموعة السبع مَنْحَ أوكرانيا خمسين مليار دولارا من عائدات الأصول السيادية الروسية، لإنفاقها على الحرب سنة 2024 وطلبنا من الإتحاد الأوروبي تسريع إجراءات انضمام أوكرانيا (...) كما قرّرنا محاصرة روسيا من جهة آسيا الوسطى (بلدان الإتحاد السوفييتي سابقًا) فهي غنية بالموارد، وتقع بين الصّين وروسيا، أعداء الناتو، و إذا تمكناّ من فتح طريق عبر أذربيجان وأرمينيا، فسيكون بإمكانهما الوصول إلى الأسواق العالمية وسيكونان أقل اعتمادًا على روسيا والصين..."
تُلخّص هذه المُقْتطفات المُطَوّلة من مُداخلة مُتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في جلسة رسمية للكونغرس، الإستراتيجية العُدْوانية الأمريكية، التي يُشكّل حلف شمال الأطلسي أحد أدواتها

مَسْمُوح لأمريكا وممنوع على الآخرين؟
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، شجعت الولايات المتحدة الدول الأخرى على المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب، ورفضت جورجيا – التي خسرت حربًا كانت بدأتها ضد روسيا بتشجيع من حلف شمال الأطلسي سنة 2008 - المشاركة في الحرب أو اتخاذ موقف علني ضد روسيا، ولذلك تُهدّدها الولايات المتحدة ب"عقوبات غربية"، وشجّعت المعارضة الموالية للغرب على تنظيم احتجاجات ومظاهرات من أجل تغييرات جذرية في السياسة الخارجية للبلاد، وتتزعم رئيسة البلاد (سالومي زورابيشفيلي المولودة في فرنسا) جماعة ضغط كبرى مؤيدة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فيما يُعدّ رئيس الوزراء والأغلبية البرلمانية من أنصار السيادة وإقامة علاقات طيبة مع روسيا والجيران، وشحّعت الولايات المتحدة (من خلال التّمويل والدّعم السياسي والإعلامي) المُعارضة المُوالية لها على تنظيم احتجاجات مُناهضة لقانون "مكافحة الوُكَلاء الأجانب"، ويتطلب تسجيل المجموعات الإعلامية ومراكز الأبحاث والمنظمات والأفراد الذين يتلقون أكثر من 20% من التمويل الأجنبي في سجل خاص، وفقدت العديد من المنظمات مصداقيتها وتأثيرها على الرّأي العام عندما اضطرّت إلى كَشف مصادر تمويلها، ولذلك أصبحت جورجيا هَدَفًا لثورة مُلَوّنة ثانية – بعد فشل الأولى – وأعلن متحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن واشنطن تدرس فرض عقوبات على جورجيا، تتضَمَّنُ إمكانية فرض أشكال أخرى من المقاطعة الاقتصادية، وإجبار الدّولة على "إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة في جورجيا خريف 2024"، بهدف انتخاب برلمان موالي للمصالح "الغربية"، بالتّوازي مع تبنِّي حلف شمال الأطلسي "استراتيجية جديدة تجاه روسيا". أما الإتحاد الأوروبي فقد عَلَّقَ المحادثات المتعلقة بانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، بسبب "الخطاب المناهض للغرب"، ويقصد قانون التّمويل الأجنبي الذي قد يُؤَدّي إلى التأثير في السياسات الدّاخلية وفي مسار اتخاذ القرار...
يُشكل هذا المثال المُسْتَمَدّ من الأحداث الجارية نموذجًا للبلطَجَة الأمريكية (والأوروبية) التي تتضمن التّدخّل المباشر في شكل ونوع القوانين التي يُقرّها البرلمان المَحَلِّي، وعلّقت الولايات المتحدة "المُساعدات" ومنعت بعض ممثلي السلطات الجورجية من دخول الولايات المتحدة، بسبب هذا القانون المُماثل لقانون أمريكي يتم تطبيقه منذ سنة 1938، يُسمّى "قانون تسجيل الوُكَلاء الأجانب" (أو "فارا" - Foreign Agents Registration Act ) ويَفْرِض "الكشف العلني على الأشخاص الذين يُمثّلون المصالح الأجنبية" ويعني ذلك "تقديم كشف علني دوري عن علاقات هؤلاء الأشخاص مع الجهات الأجنبية، وعن الأنشطة والمقبوضات والمصروفات لدعم تلك الأنشطة ( لتسهيل) تقييم الحكومة والشعب الأمريكي لأنشطة هؤلاء الأشخاص في ضوء وظيفتهم كعملاء أجانب"، وتتم إدارة وتنفيذ قانون تسجيل الوكلاء الأجانب من قِبَلِ وِحْدَة مكافحة التجسس ومراقبة الصادرات في قسم الأمن القومي التابع لوزارة القضاء...
تندرج هذه الحلقة ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات التي تُسميها الحكومة الأمريكية "استراتيجية جديدة لحلف شمال الأطلسي تجاه روسيا"، ومن المتوقع أن تكون هذه "الإستراتيجية" أكثر عدوانية من سابقتها، وفق تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوراسية، جيمس أوبراين، يوم 30 تموز/يوليو 2024، بمجلس الشيوخ الأمريكي، بهدف "جعل أوكرانيا تفوز في الحرب "، وأمَر مُساعدُ الوزير الأمريكي الإتحاد الأوروبي بتسريع خطوات عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، بعد قيام دول مجموعة السبع – بزعامة الولايات المتحدة - بمنح أوكرانيا سنة 2024 خمسين مليار دولارا من أرباح الأصول السيادية الروسية المجمدة، فيما يُشكّك بعض الخبراء الأوروبيين في الجدوى المالية لدعم حكومة أوكرانيا الفاسدة، كما تأمل حكومة الولايات المتحدة "إحداث التغييرات والإصلاحات اللازمة لانضمام أوكرانيا رسميا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي الذي يُواصل عبر بولندا ودُوَيْلات بحر البلطيق ودول أوروبا الشمالية "تطويق وخنق" وإنهاك روسيا عبر الدّعم الكبير لأوكرانيا، حتى يتم إبقاء المنطقة في حالة حرب أو في حالة تأهّب مستمر ويتم كذلك رَدْعُ الصين "التي تتحدّى النفوذ الأمريكي في آسيا والعالم".
تُوصَفُ أوكرانيا بأنها "الدّولة الأكثر فساداً في أوروبا" ما يجعلها بعيدة عن معايير الإنتماء إلى الإتحاد الأوروبي، ولن يكون انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي ممكنًا إلا إذا فازت بالحرب ضد روسيا، وهو أمْرٌ ضعيف الإحتمال، وسوف يكون شعب أوكرانيا الخاسر الأول في لُعبة الشطرنج الأمريكية...

"وِفاق واشنطن" لمجرمي الحرب
تم الترحيب برئيس الوزراء الصهيوني، بحفاوة بالغة، وتصفيق وإشادة من قبل الغالبية العظمى من المسؤولين المنتخبين في الكونغرس الأمريكي، بينما أشرف هذا المُجرم على مدار تسعة أشهر على مذبحة راح ضحيتها 40 ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال والفلسطينيين، واختفاء أكثر من 21 ألف طفل آخرين ربما ماتوا تحت الأنقاض، وتسبب الجيش الصهيوني الذي تُسلحه الولايات المتحدة في أضرار تقدر بأكثر من 50 مليار دولار، خلال تسعة أشهر، حيث تم تدمير جميع المستشفيات والجامعات والمدارس بالقنابل "الأمريكية/الإسرائيلية".
إن الولايات المتحدة لا تحترم ولا تنفذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أمرت باعتقال نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وباستخدام الحصار والتجويع كأسلحة حرب، كما أن الولايات المتحدة (أو فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا...) لا تحترم قرار محكمة العدل الدولية الذي يتهم الحكومة الصهيونية بارتكاب جرائم إبادة جماعية و"تشديد نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني في عمل عدواني طويل الأمد
هذه ليست "حرباً بين إسرائيل وحماس" كما يدّعي الإعلام "الغربي" أو معركة من أجل الحضارة بين العالم اليهودي المسيحي المتحضر والبرابرة في العالم الإسلامي، كما ادّعت الحركة الصهيونية – والقوى الإستعمارية التقليدية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها - منذ النّصف الثاني من القرن التاسع عشر
إنها حرب إمبريالية أمريكية وجزء من الحملة العسكرية الأمريكية من أجل "الهيمنة العالمية واسعة النطاق" - التي يشنها وَكِيلُها المفضل. إن الجهات الفاعلة في الإبادة الجماعية مسلحة ومأجورة ومغطاة دبلوماسياً من قبل واشنطن...
تُعَدُّ فلسطين المحتلّة أكبر موقع عسكري أمريكي في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، ويُعَدُّ الجيش الصّهيوني الكتيبة الرئيسية للبنتاغون ( وزارة الحرب الأمريكية ) في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية، ويُعَدُّ نتِن ياهو القائد الأعلى لهذه البؤرة الاستيطانية التي تعتبر الولاياتُ المتحدةُ دَعْمَها أَوْلَوِيّةً مُطْلَقَة، ما دامت الأرباح تفوق الخسائر...
ملاحظة: تُطلق عبارة "وِفاق واشنطن" على مؤتمر انعقد بواشنطن منتصف حزيران/يونيو 1989 (قبل حوالي خمسة أشهر من انهيار جدار برلين) وجَمع صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي والمصارف المركزية ووزراء المالية والخزانة في الدّول الإمبريالية، وتقرّر فَرْض النيوليبرالية في العالم، بمجرد انهيار الإتحاد السوفييتي الذي بدأ مع تولي ميخائيل غورباتشوف ( 1931 – 2022) مسؤوليات قيادية في الحزب الشوعي السوفييتي بداية من 1988، ثم رئاسة الدّولة سنتَيْ 1990 و 1991

الموقف الشعب والموقف الحكومي أو الرسمي
نَشطت حركة المقاطعة (بي دي إس) للعلامات التجارية التي تدعم الكيان الصهيوني، منذ عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتأثّرت شركات كُبْرى – أمريكية المنشأ بشكل خاص - مثل ماكدونادز وكوكاكولا وستاربكس وإتش بي وغيرها وواجهت مقاطعة المستهلكين لها، كشكل من أشكال التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ورفض الدّعم المُطلق للعدوان الذي عبَّرَت عنه ومارسَتْهُ الحكومات "الغربية"، وقامت بعض الجمعيات والنقابات في الولايات المتحدة وبريطانيا بحملة استهدف شركات تصنيع الأسلحة التي تُزوّد الجيش الصهيوني، مثل شركة لوكهيد مارتن وجنرال ديناميكس وتكسترون وبوينغ ورايثيون تكنولوجيز ونورثروب جرومان، وأغلق النقابيون سوم العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في روتشستر كينت، مداخل مصنع شركة "بي إيه إي سيستمز"، حيث يتم تصنيع مكونات طائرات عسكرية تستخدم لقصف الفلسطينيين في غزة وبعد أقل من أسبوع تم اقتحام مصنع ليوناردو، في ساوثهامبتون، وتوقف الإنتاج...
إن المُقاطعة جُزْءٌ من مجموعة أنشطة أدّت – إلى جانب الحرب – في زيادة الخسائر الاقتصادية للكيان الصهيوني التي قد تصل تأثيراتها – على مدى عقد كامل - إلى نحو 400 مليار دولار من النشاط الاقتصادي المفقود وانخفاض الاستثمار وتباطؤ النمو وانخفاض حجم وقيمة الصّادرات الخ، ولولا الدّعم السياسي والعسكري والإقتصادي المُطلق للإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا والأثرياء الصهاينة، لأُصيبَ الإقتصاد الصّهيوني بالإنهيار...
في مقابل الموقف الشعبي، تم الترحيب برئيس الوزراء الصهيوني، بحفاوة بالغة، وتصفيق وإشادة من قبل الغالبية العظمى من المسؤولين المنتخبين في الكونغرس الأمريكي، بينما أشرف هذا المُجرم على مدار تسعة أشهر على مذبحة راح ضحيتها 40 ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال والفلسطينيين، واختفاء أكثر من 21 ألف طفل آخرين ربما ماتوا تحت الأنقاض، وتسبب الجيش الصهيوني الذي تُسلحه الولايات المتحدة في أضرار تقدر بأكثر من 50 مليار دولار، خلال تسعة أشهر، حيث تم تدمير جميع المستشفيات والجامعات والمدارس بالقنابل "الأمريكية/الإسرائيلية".
إن دعم هذه البُؤْرة الإستيطانية في المشرق العربي أَمْرٌ بالغ الأهمية في استراتيجية الإمبريالية الأمريكية، حتى لا تقع فلسطين "في أيْدِي البرابرة" أي أصحاب الأرض والبلاد الشَّرْعِيُّون، وأعلن نتن ياهو في مبنى الكونغرس: «أعداؤنا هم أعداؤكم، ومعركتنا هي معركتكم، وانتصارنا هو انتصاركم. »
إن الولايات المتحدة لا تحترم ولا تنفذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أمرت باعتقال نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وباستخدام الحصار والتجويع كأسلحة حرب، كما أن الولايات المتحدة (أو فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا...) لا تحترم قرار محكمة العدل الدولية الذي يتهم الحكومة الصهيونية بارتكاب جرائم إبادة جماعية و"تشديد نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني في عمل عدواني طويل الأمد.

خاتمة
تفرض الولايات المتحدة عقوبات بوتيرة قياسية، حيث يخضع أكثر من ثُلُث دول العالم وأكثر من 60% من البلدان منخفضة الدخل لشكل من أشكال العقوبة المالية سنة 2024، وفقًا لتحليل صحيفة واشنطن بوست 25 تموز/يوليو 2024
أصدر الكونغرس، بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، تشريعاً لإجبار المؤسسات المالية على "الاحتفاظ بسِجِلّات المعاملات التي يقوم بها المستهلكون وتسليمها إلى أجهزة إنفاذ القانون" مما جعل المسؤولين الأميركيين يمتلكون كميات هائلة من المعلومات عن زبائن المصارف في مختلف أنحاء العالم، ثم يَسَّرَ ارتفاع حجم وقيمة الخدمات المصرفية الرقمية الرقابة على تدفق الأموال على مستوى العالم، وهدّدت الحكومةُ الأمريكية، بداية من سنة 2003، أي مصرف يتعامل مع الدّول التي تحكمها أنظمة لا تَرُوق للحكومة الأمريكية، وعزّزت إدارة الرئيس باراك أوباما هذا الإتجاه سنة 2010، وفرضت عقوبات على أي مصرف يتعامل مع كوريا الشمالية وإيران وجمهورية الكونغو الديمقراطية واليمن وليبيا وسوريا فضلا عن بلدان أمريكا الجنوبية (كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا...) وروسيا، بداية من سنة 2014، وتعني "العقوبات" حرمان هذه الدّول ومصارفها وشركاتها من الوصول إلى الدولار الذي يُعدّ العملة الرئيسية لتسوية المعاملات التّجارية والتحويلات المالية، وهو أحد دوافع العديد من البلدان لتقليص حجم الدّولار في معاملاتها، وحذّر وزير الخزانة الأمريكي "جاك لو" خلال شهر آذار/مارس 2016 من "المُبالغة في فرض العُقُوبات (لأن ذلك) قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص قدرتنا على استخدام العقوبات بشكل فعال". (واشنطن بوست 30 آذار/مارس 2016) لكن تعززت "العقوبات" خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، وشملت مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية التي فتحت تحقيقا في جرائم حرب أميركية في أفغانستان، ورفضت إدارة جوزيف بايدن (الذي كان نائب الرئيس باراك أوباما) مُقترحًا من موظفين من وزارة الخزانة وبعض نواب الكونغرس، مُراجعة نظام العقوبات، سنة 2021، قبل إقرار أكثر من ستة آلاف "عقوبة" ضد روسيا والعديد من الدّول والشركات والأشخاص، بداية من آذار/مارس 2022، رغم اعتراف خُبراء وزارة الخزانة بفشل نظام "العقوبات" الذي حَظَرَ دخول الإمدادات الطبية والغذائية الحيوية إلى البلدان الخاضعة للعقوبات، فيما انخفض دور الدولار كعملة احتياطية عالمية...
تمثل الولايات المتحدة، والأسطول السادس للجيش الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، وحلف شمال الأطلسي المتواجد في تركيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، خطراً كبيراً على الشعوب العربية والإفريقية والآسيوية. إن القوات الخاصة والمخابرات الأمريكية متورطة بالفعل بشكل مباشر في العدوان على الشعب الفلسطيني، إذ يحتل الجيش الأمريكي العراق وسوريا ويهاجم الشعب اليمني بانتظام، وارتفع عدد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر والخليج العربي، وتقدم الولايات المتحدة مساعدات كبيرة للجيش الصهيوني وتحاول كسر النفوذ المتزايد لإيران وروسيا في المنطقة وتَوَسَّعَ خطر الحرب والتّدمير، بمُساعدة الأنظمة السياسية الحاكمة، خصُوصًا في الخليج ومصر، ولا خيار لنا سوى الصّمود ومُقاومة ثالوث الأعداء: الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ليس فقط دفاعًا عن الشعب الفلسطيني بل دفاعًا عن حياتنا جميعًا، من البحر إلى البحر ودفاعًا عن مستقبل الأجيال اللاّحقة.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدّعم الإمبريالي الصّريح للإغتيالات الصهيونية
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والثمانون، بتاريخ الثال ...
- الأراضي الزراعية - بين المُضاربة وإنتاج الوقود
- الإنتخابات الأمريكية - كامالا هاريس بمنظار عربي
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والثمانون، بتاريخ السّا ...
- الجانب القمعي لأولمبياد باريس
- إندونيسيا 1965 - 1966
- بنغلادش – تاريخ قصير لكنه دَمَوِي
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد الثمانون، بتاريخ العشري ...
- كينيا – نظام في خدمة الإمبريالية
- سلسلة: محاولة تبسيط مفاهيم الإقتصاد السّياسي
- غواتيمالا – في ذكرى الإنقلاب على الرئيس -جاكوبو آربينز-
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثمانون، بتاريخ الثالث عشر من ...
- كوريا الجنوبية - بعض خفايا -المُعجزة- الإقتصادية
- انطباعات وملاحظات عن انتخابات فرنسا
- سويسرا – الإستعمار -النّاعم- والعُنْصُرِية -المُقَنَّعَة-
- أوروبا - مخاطر الفاشية
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والسّبعون، بتاريخ السّا ...
- فرنسا - اليمين المتطرف: الإبن الشّرعي للرأسمالية
- عرض كتاب - -مجموعة بيلدربيرغ، نخبة القوة العالمية- - 2014


المزيد.....




- حلقت فوقهم واستهدفت عربة مقاتلة.. فيديو لطائرات حربية تهاجم ...
- واشنطن: نجري مشاورات مع كييف حول الهجوم على مقاطعة كورسك الر ...
- وكالة: خليل الحية سيواصل قيادة المفاوضات غير المباشرة مع إسر ...
- -كتائب القسام- تبث مشاهد لكمين نفذته شرق خان يونس (فيديو)
- البنتاغون: نعتزم إنجاز برنامج صناعة المسيرات في موعده لمواجه ...
- نائب أردوغان: تدخلنا بملف الإبادة الجماعية مبادرة مهمة لمحاس ...
- بوتين يتهم أوكرانيا بالقيام -باستفزاز واسع النطاق- بغارتها ع ...
- تركيا تطلب من محكمة لاهاي ضمّها للمشاركين في رفع قضية الإباد ...
- إسرائيل تترقب وتتحضر للرد: لماذا هدد نصر الله مدينة حيفا؟
- شاهد: مقتل 30 شخصا وتشريد المئات جراء فيضانات قوية ضربت الحد ...


المزيد.....

- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الولايات المتحدة الأمريكية دَوْلَة مارقة