|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير1
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8062 - 2024 / 8 / 7 - 16:28
المحور:
الادب والفن
صباح هذا اليوم السادس عشر من نيسان 1996 أبدأ في تدوين يومياتي وبعض جوانب من سيرتي ورحلاتي بعد شهر من عيد ميلادي الخامس والخمسين، العيد الذي لا أحتفل به كعادتي؛ وذلك للتخفيف على نفسي وعلى الآخرين، فالمناسبات أكثر من الهم على القلب في هذه البلاد. اكتفيت بالجلوس وحيداً بعض الوقت. استعرضت رحلة حياتي وما كابدته من أحزان، وما عشته من لحظات فرح ليست كثيرة. أنا الآن مقيم في القدس بعد عودتي إليها منذ ثلاث سنوات. عدت إلى القدس بعد ثماني عشرة سنة قضيتها في المنفى، في بيروت وبراغ وعمان. بعد قليل، أواصل كتابة قصة طويلة للفتيات والفتيان بدأت كتابتها منذ أسابيع.
***
كانت الكتب هي خير صديق لي. تركت مكتبة في بيتي قبل أن تعتقلني سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمرة الثانية في العام 1974 ؛ وحين عدت من المنفى كانت أغلب كتب المكتبة قد غادرت أمكنتها. وتركت مكتبة صغيرة نسبيًّا في بيروت، بالنظر إلى قصر المدة التي قضيتها هناك، في شقة في بناية تقع خلف مبنى جامعة بيروت العربية، حين غادرت بيروت إلى عمان. وحين أقمت في براغ ثلاث سنوات تجمعت لدي كتب غير قليلة تركتها في مكانها في تلك الشقة في الطابق الرابع من بناية واقعة في حي واقع في الطرف القصي من شمال مدينة براغ. وحين غادرت عمان إلى براغ، ثم حين عدت إلى عمان وغادرتها في العام 1993 عائدًا إلى القدس بقيت كتب مكتبتي في عمان وتبعثر منها كثير من الكتب، وأنا أتعذب لذلك في كل مرة يفرق الزمان بيني وبين كتبي.
*** وكنت انتهيت من قراءة "الأربعينية" للمرة الثانية. الكاتب الإسباني خوان غويتيسيلو يكسر قواعد الكتابة الروائية المعروفة، ويؤسس لنفسه تقنيات فنية خاصة. ثمة استفادة من التصوف الإسلامي في كتابه. وكان يتعين علي أن أكون في غزة لحضور الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، لكنني لم أذهب. بلغت الحزب باختيار شخص آخر من قيادة الحزب بدلاً مني، لأنني غير مقتنع بعضوية هذا المجلس الذي شاركت فيه منذ العام 1987 ، وحضرت الدورات الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين التي انعقدت جميعها في الجزائر، ولم أشعر بأن لي ولكثيرين غيري أي دور يذكر في هذا المجلس؛ فلماذا أحتفظ بعضويته؟! هذا الصباح اتصلت موظفة في وزارة الداخلية الإسرائيلية تسأل عني في البيت، وتطلب مني إحضار وثائق تثبت أنني أقيم في القدس من أجل الحصول على وثيقة السفر. وكنت انتهيت من قراءة مذكرات خليل السكاكيني "كذا أنا يا دنيا" وهي التي أوحت لي بالشروع في كتابة هذه اليوميات. أشعر الآن بالحزن وأنا أقرأ السطور الأخيرة في الكتاب على لسان ابنته هالة، وهي تشير إلى وفاته بعد ثلاثة أشهر من وفاة ابنه سري الذي مات في عز الشباب، ما أورث والده حزناً مقيماً، فلم يغادره حتى مات. الآن، وقد انتهيت من قراءة المذكرات التي لمست من خلالها سعة أفق السكاكيني، ورجاحة عقله، وانحيازه إلى تيار التنويريين الفلسطينيين والعرب، فإنني أرى ضرورة كتابة سيناريو تلفزيوني أو سيناريو فيلم وثائقي عنه. في المساء، شاهدت على شاشة التلفاز فيلماً سخيفاً اسمه "قط الصحراء" ظهر فيه الممثل أحمد رمزي بعد أن تساقط شعر رأسه تماماً. حينما كنت طالباً، قبل حوالي أربعين سنة، كنت متحمساً لتمثيل أحمد رمزي. أرسلت له رسالة بالبريد، وبعد أسابيع استلمت منه رسالة جوابية. كدت أطير من الفرح. *** وأنا طوال هذا اليوم في البيت؛ قرأت سيناريو فيلم "المومياء" لشادي عبد السلام، كما قرأت مقابلتين أجريتا معه يتحدث فيهما عن فنه السينمائي. أنهيت كتابة القصة الطويلة للفتيات والفتيان "قالت مريم.. قال الفتى" وسوف أعود إليها في الأيام القليلة المقبلة لتنقيحها وإعدادها للطباعة. في ساعات المساء، صعد خالد إلى سطح البيت، وراح يشوي اللحم على نار الفحم. دعاني لتناول طعام العشاء معه. جلسنا على السطح. كان الحفيد محمود يشاركنا العشاء. محمود في الرابعة من العمر وهو حتى الآن لا ينطق إلا القليل جداً من المفردات. الطقس حار رغم أننا ما زلنا في عز الربيع، وبيوت جبل المكبر مشرعة النوافذ والأبواب، تندلع منها الأضواء.
***
صباح الثلاثاء 30 / 4 / 1996 تذكرت أنني في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، عدت إلى الوطن بعد غياب دام ثماني عشرة سنة. أبعدتني سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الوطن بتاريخ 28 / 2 / 1975 بعد قضاء عشرة أشهر في السجن، بتهمة الانتماء إلى الجبهة الوطنية الفلسطينية والحزب الشيوعي. أيام كثيرة مرت في المنفى. هذا اليوم، ذهبنا، نعيم الأشهب وأنا، إلى طولكرم لتهنئة محمد أبو شمعة بالعودة إلى الوطن بعد غياب طويل. تناولنا طعام الغداء في بيت أخيه في قرية ارتاح التي أصبحت واحدة من ضواحي طولكرم، ثم واصلنا سيرنا في سيارتي إلى الناصرة لزيارة الروائي إميل حبيبي. وصلنا إلى مستشفى العائلة المقدسة. كانت حالة إميل غير مطمئنة. عدنا في المساء إلى القدس.
*** مات إميل حبيبي في وقت مبكّر من صباح هذا اليوم الخميس 2 / 5 / 1996. تحدثت الإذاعات عن وفاته. إذاعة فلسطين قدمت برنامجاً حول أدبه الروائي. عممنا في وزارة الثقافة على أجهزة الإعلام بياناً حول إميل حبيبي، تحدثنا فيه عن دوره البارز في الثقافة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. في مقر الوزارة ظهر هذا اليوم، تبادلت الحديث مع ياسر عبد ربه وزير الثقافة حول العدد الثامن من "دفاتر ثقافية". وعلمت منه أن محمود درويش وصل إلى الوطن قادماً من عمان، وهو الآن في الناصرة. بدأت هذا المساء بقراءة خرافية "سرايا بنت الغول" مرة ثانية. كان إميل أهداني نسخة أثناء أحد لقاءاتنا مع الكتاب الإسرائيليين في مشكنوت شأننيم في القدس الغربية.
*** ذهبنا إلى الناصرة، نعيم الأشهب، حنا عميرة، زياد الحموري، أبو حسين ناصر الدين، هند البندك، وأنا لحضور جنازة إميل حبيبي. وصلنا متأخرين بعض الشيء. كان جثمان إميل مسجى في كنيسة البشارة. ألقى الشاعر محمود درويش كلمة في وداع صاحب المتشائل. شارك في الجنازة حوالي ألفين من الكتاب والمثقفين ورجال السياسة. اتجهت الجنازة بعد ذلك إلى حيفا، لدفن الجثمان هناك تلبية لوصية إميل الذي طلب من أهله أن يكتبوا على شاهدة قبره "باقٍ في حيفا". لم أذهب إلى حيفا. عدنا في المساء إلى القدس، ثم اتجهت إلى رام الله لحضور حفل موسيقي تحييه فرقة أوركسترالية أمريكية بدعوة من وزارة الثقافة وجامعة بير زيت. وصلت متأخراً واستمعت إلى مقطوعات موسيقية عذبة لموسيقيين كبار: شتراوس وآخرين.
*** زارنا الشاعر محمود درويش في مقر وزارة الثقافة. تحدثنا أحاديث عابرة، ثم اتفقنا على تنظيم لقاء له مع نخبة من الكتاب والمثقفين في مقر الوزارة. كتبت إلى مجلة الوسط شهادة عن إميل حبيبي. كان أولادي وزوجاتهم عندنا هذا المساء. حملتُ الحفيد بشار بعض الوقت. عمره الآن يقترب من الثمانية أشهر، تبدو عليه مخايل الذكاء في وقت مبكر. راقبت الورود في حديقة البيت عدة دقائق، ثم ذهبت قبيل الثامنة مساء لرؤية الوالد والوالدة. منذ أيام لم أقرأ شيئاً بسبب كثرة الانشغالات. أجلس الآن قريباً من نافذة المطبخ في بيتنا. الطقس حار والقمر بوجهه النحاسي يطل علي من النافذة، والساعة الآن هي الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمود شقير في ابنة خالتي كوندوليزا: تزامن ما لا يتزامن/ د. ا
...
-
أدب الناشئة ودوره في تعزيز الرواية التاريخية والهوية الفلسطي
...
-
توفيق زياد في ذكراه الثلاثين
-
رشيد ونفيسة/ ست قصص قصيرة جدا
-
تأملات على هامش الصراع
-
الأدب بوصفه تعبيرًا عن الجرح
-
باسم خندقجي أسير بثلاثة مؤبدات شاعر وروائي
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس4
-
أنا ومدينتي الأولى القدس3
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس2
-
أنا ومدينتي الأولى: القدس
-
ما قلّ ودل3/ على هامش هذه الحرب
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى8
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى7
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى6
-
القدس في كتابات الاسيرات والأسرى5
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى4
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى3
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى2
-
القدس في كتابات الأسيرات والأسرى
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|