أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - جارية القصر ...















المزيد.....

جارية القصر ...


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8062 - 2024 / 8 / 7 - 16:18
المحور: الادب والفن
    


رواية جديدة وجميلة للأديب المبدع الدكتور محمد عبد الحميد ، وهي الرواية الثالثة له ، كانت الاولي ــ حور ــ تستحضر عوالم ما وراء الطبيعة وتفاصيلها التي تشد العقول وتبهر الانفاس ...

بيننا اهتمت الثانية ــ سنابل سوداء ــ بصراعات الحياة في الصعيد الاقصي ، وحياته المثيرة وغير التقليدية والمليئة بالغموض ...

جاءت الرواية الثالثة في زمان وأجواء غير متوقعة، وهي عن ثلاثة عصور من حكم الدولة الفاطمية وتقلب الأحوال فيها ..
حيث عصر الحاكم بأمر الله ثم عصر ابنه الظاهر لإعزاز دين الله ثم ابنه المستنصر بالله ...

اي ان الرواية تاريخية ...

والروايات التي تجعل من التاريخ مادتها هي اصعب انواع الرواية ، وتحتاج الي استعداد خاص والي قراءات كثيرة ومتنوعة ومتعمقة ، وبناء الشخصيات والاجواء فيها يحتاج الي صبر وذكاء ...

فكثيرا ما سكت التاريخ عن تفاصيل مهمة ، وربما اهتم باشياء فقدت قيمتها اليوم ، وغفل عن اشياء لها اليوم ــ في حياتنا المعاصرة ــ اهمية كبري ...

وكان محمد عبد الحميد من الحس ومن المهارة ان يبني في روايته اجواء ما حدث في قصور الدولة الفاطمية وفي شوارع وازقة واسواق القاهرة في ذلك الزمن البعيد ، وان يصور ــ ببراعة مشهودة ــ منافسات الامراء والقواد والوزراء علي القوة وحيازة صولجان السلطة ...

وقد برع الكاتب في تصوير دور المرأة في صراعات السلطة في الدولة الفاطمية عن طريق شخصيتين رئيسيتين في الرواية ، هما ست الملك اخت الخليفة الحاكم بأمر الله التي قتلته وحكمت بعده سنين طويلة وراء ابنه الظاهر ، والسيدة الثانية ــ والتي سميت الرواية الجميلة باسمها ــ الجارية النوبية رصد ، زوجة الخليفة الظاهر وأم الخليفة المستنصر ...

وبرغم ندرة مراجع التاريخ التي تكلمت عن طبيعة دور المرأة في الدولة الفاطمية ــ فقد كان لدي الفاطميون تحفظ طبيعي في اي حديث عن شئون نساءهم ــ فقد عرف محمد عبد الحميد كيف يبني مع ندرة المراجع تصورا محكما واقرب الي الحقيقة لدور سيدات الاسرة الفاطمية عبر ثلاثة عصور من حكامها ...

نقطة اخري تستحق الاشادة وهي لغة الكاتب ، فقد كانت مزيجا من لغة الحديث والكتابة في العصر الفاطمي مع لغة الكتابة في عصرنا، واستطاعت لغة الكاتب واسلوبه نقل القارئ قرون طويلة الي الوراء كأنما يعيش بنفسه أيام وليالي وصراعات الحياة في عصور الدولة الفاطمية وقصورها ...

لم يذهب الكاتب المبدع الي الوراء قرونا عديدة بسبب وقت فراغه الطويل او بسبب قتل الملل ، بل كان الحاضر ورسالته صوب عينيه في كل ما كتب عن الدولة الفاطمية ، ويشبه هو في ذلك سيد الرواية العربية نجيب محفوظ عندما ذهب الي التاريخ وعينه علي الحاضر ، وذلك في رواياته التاريخية ، وخاصة كفاح طيبة ورادوبيس ...

ففي كفاح طيبة كتب محفوظ عن طلب المصريين للاستقلال من الهكسوس علي يد بطلهم أحمس وفي خاطره طلب المصريين الاستقلال من الانجليز في عصره ...
وكانت الرسالة واضحة، وفهمها من يهمه الأمر ...

والدكتور محمد عبد الحميد ذهب الي ايام الدولة الفاطمية عبر ثلاثة من حكامها وفي خاطره حاضر بلاده اليوم ...

فقد تميزت عصور هؤلاء الحكام الثلاث باضطرابات كبري عاشتها مصر ، ما بين حكام غريبي الاطوار ، او حكام ضعاف الشخصية يقضون يومهم بين المتع الحسية واهمال شؤون الدولة ، او حكام قليلي الحيلة ليس له موهبة تصريف شئون الدولة وضبط احوال الممالك .. داخلها وخارجها..

وهو ما اتاح الفرصة واسعة لظهور مراكز القوي سواء بين الوزراء في الحياة المدنية او بين قواد الجيوش المختلفة ...

واتاح الفرصة ايضا ــ في غيبة ملك قوي وحكيم ــ لظهور النساء يحكمون خلف حجب القصور من وراء الخلفاء الضعاف وباسمهم ...

وبرغم ذلك فقد حفظ حسن تدبير سيدة واحدة ــ هي ست الملك اخت الحاكم بأمر الله وقاتلته ــ البيت الفاطمي من الانهيار ، فقد وضعت الوزراء وقواد الجيوش تحت سلطانها القوي وشخصيتها الآسرة ، وبعد مماتها ضعفت الدولة وكانت علي وشك التحلل بعد عصيان ولاة حلب ودمشق والرملة ، وحاولت جارية القصر رصد التدخل في شئون الحكم وراء زوجها الظاهر ولكن لم تكن بخبرة ودهاء عمته ست الملك ، وانتهي بها المطاف الي الهجرة الي العراق في ايام ابنها المستنصر مع اضمحلال الدولة المصرية في عصره ...

نقطة رابعة تستحق الاهتمام والالتفات وهي مرتبطة بأحوال عصرنا الحاضر اشد ارتباط ...

وهي تعدد الجيوش والقوات العسكرية في الدولة الفاطمية ، فقد كان لكل مجموعة عرقية جيش وقادة ، فهناك جيش الاتراك ، وهناك جيش السودانيين والنوبيين الذي عملت رصد ــ الجارية النوبية وزوجة الخليفة الظاهر فيما بعد ــ علي تكوينه ومده سرا بالسلاح والمال ليكون لها ولإبنها سندا في صراعات السلطة وتقلباتها ..

ولم تكن تلك الجيوش مصرية ، اي لم يكونوا من ابناء البلد من المصريين ، وهي سمة استمرت عليها كل الدول التي حكمت مصر ــ قبل الفاطميين وبعدهم ــ ولم تنتهي الا مع اواخر القرن ١٩ عندما تمكن احمد عرابي وجيله من دخول الجيش وبدء اول تقاليد عسكرية مصرية ...

فلم يكن مسموحا للمصريين تعلم حرفة الجندية ، وقيادة الجيوش ، وقد كان السبب واضحا وهو ان ذلك سوف يؤدي ــ عاجلا ام اجلا ــ الي استقلال المصريين ببلدهم وطرد تلك العناصر الاجنبية وبناء دولة قوية ومهابة في الشرق ، لم يكن احد يريدها او يتمناها ، وكفي المصريون ان يعيشوا علي ذكري اجدادهم القدماء في مصر الفرعونية عندما كان المصريون حكام بلدهم وسادتها ، منهم الوزراء ومنهم قواد الجيوش الذين فتحوا البلاد وحفظوا مصر عزيزة بين الامم ...

الخلاصة انه في كل العهود لم يكن مسموحا لاهل البلد من المصريين تكوين جيش وطني ، ولكن كلها عناصر وافدة او مستجلبة من الشرق او الجنوب ...

( درس الاستعمار الحديث تاريخ الشعوب التي استعمرها بعمق وبراعة في نفس الوقت ، واستخلص دروسها ونتائجها ، وحاول مرارا ضرب الجيوش الوطنية والتخلص منها، تارة باسم منظمات دينية جاهلة ومتعصبة ، وتارة بواسطة افكار الديموقراطية التي تركت كل شئ وجعلت الجيوش فقط في مرمي نيرانها ... والنتيجة ان المليشيات العسكرية اصبحت تملأ الشرق العربي كله وتحكم اغلب اقطاره ، وليس مهما ولاءها لمن .. لأمريكا ام لإيران ام لتركيا ام لقطر ام لغيرهم .. المهم ان فكرة الجيوش الوطنية تضمحل في ذاكرة الانسان العربي الحديث ، وتنشأ بديلا لها فكرة الميليشيا او الجيوش العرقية او الطائفية او حتي المناطقية... وهو ما نجح للأسف الشديد في اغلب بلدان الشرق العربي .. ويحاولون باستماتة ــ وبفشل حتي اليوم ــ تحقيقه في مصر )..

وفي الجزء الاخير من الروية فصول في غاية التشويق ــ وغاية الحزن ــ عن صراعات المليشيات العسكرية الطاحنة مع بعضها البعض ــ جيش الاتراك وجيش السودانيين ــ وهي صراعات ادت الي حادثة شديدة الشهرة في تاريخ مصر وهي الشدة المستنصرية ، حيث انتشر الجوع والكساد والمجاعات بمصر ايام الخليفة المستنصر بالله ، واكل الناس الجيف والميتة ثم اكلوا بعضهم بعضا ونهبت البيوت والحوانيت ، وباع الناس ملابسهم ثم بيوتهم لكي يجدوا ما يأكلونه ، حتي جاء القائد القوي بدر الدين الجمالي واخمد الفتن واصلح الأحوال واعطي مصر عقودا من الاستقرار ...

وفي نهاية الرواية لمسة خفيفة عن مقدم حسن الصباح الي مصر وسعيه لأخذ البيعة لإبن المستنصر بالله الاكبر نزار ثم مقتل نزار وتولي ابن المستنصر الاصغر أحمد الخلافة، وبدء الدعوة النزارية الاسماعيلية ــ قصة الحشاشين ــ في خراسان وعموم ايران .. وان كانت تلك قصة اخري ..

رواية في غاية التشويق والجمال ، وخطي واثقة يمشي بها اديب شاب نحو مكانة مرموقة ، ورؤي تستحق الالتفات والاحترام ، وكلمة لابد ان يستمع إليها بإجلال وإكبار ...



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصر الامريكي ...
- هنيئا لكم ...
- هل كان ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 حكما مدنيا ؟! وهل كان في مص ...
- هل كانت هناك ديموقراطية في مصر قبل 23 يوليو 1952 ؟!
- لماذا يتعرض ترامب للاغتيال؟!
- انتخابات فرنسا وبريطانيا ... وانتخابات مصر
- العالم المرعب الذي نوشك ان ندخل اليه ...
- لماذا ايدنا عبد الفتاح السيسي بالامس ... ولماذا نؤيده حتي ال ...
- هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه ...
- هل مصر بلد يحارب الكفاءات ؟!!
- التكتيك الذى لا يخيب أبدا !!
- التيارات المغامرة في السياسة العربية
- هل مصر تتراجع ولا تتقدم ؟!
- عمرو موسي ..
- كيف تم صنع وترتيب الثورة في ايران ..
- حل مجلس الأمة الكويتي ..
- ماذا فعلت بريطانيا والولايات المتحدة لإنجاح الثورة الأيرانية ...
- إعادة هندسة المجتمعات .. الطريق إلى -الثورة الإسلامية في إير ...
- لماذا لن تحارب إيران إسرائيل ؟!
- قراءة في كتاب جاء أوانه .. سياحة في عقل رئيس وزراء اسرائيل..


المزيد.....




- “اضبط حالًا” .. تردد قناة الزعيم سينما الجديد على القمر الصن ...
- -جزيرة الأحلام- في موسكو تحتضن مهرجان -يوم الهند-
- -مزيونة- بطلة مسابقة للأطفال أطلقتها وزارة الثقافة السعودية. ...
- “مسلسلات كرتونية ممتعة للأطفال” حدث الآن تردد لقناة mbc3 الف ...
- ” تابع واستمتع “.. استقبال تردد قناة ام بي سي دراما mbc dram ...
- فنانة مصرية تقتل والدتها بـ12 طعنة أثناء نومها
- شوفوا أجمل الأغاني وأفلام الكرتون على تردد قناة كراميش الجدي ...
- ينطلق اليوم... مهرجان لوكارنو السينمائي يعود برئيسة جديدة وا ...
- قريبه من مجموعك| الكليات المطلوبة في سوق العمل للشعبتين العل ...
- السعودية ترحب بمعلمي اللغة الصينية في المدارس


المزيد.....

- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس
- رسالةإ لى امرأة / ياسر يونس
- ديوان قصَائدُ لَهُنَّ / ياسر يونس
- مشاريع الرجل الضرير مجموعة قصصية / كاظم حسن سعيد
- البحث عن الوطن - سيرة حياة عبدالجواد سيد / عبدالجواد سيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - جارية القصر ...