|
رومانسية الكهولة-تأصيل حلم
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 8061 - 2024 / 8 / 6 - 02:19
المحور:
الادب والفن
المشهد،هو جلوس على صخرة أثناء حالة الجز للبحر...المشهد برمته يستدعي مكان سابق مألوف ومعروف... الانثى الشابة تقرأ جورج باتاي،زرقة الظهيرة بالضبط مترجمة الى العربية...الوجه هو وجه جولييت بينوش لماذا وجه جولييت بينوش: عشق فيلم Blue بالدرجة الأولى حب جولييت بينوش بالدرجة الثانية ولا اعتقد أن مسمى الفيلم أزرق-Blue له علاقة بعنوان زرقة الظهيرة فأنا اعشق هذا الفيلم قبل معرفتي بجورج باتاي حتى.... وجه جولييت بينوش يوحي بالطيبة والبراءة الخلابة،كما ان وجه جولييت بينوش له علاقة كبيرة بوجه جبيبة سابقة. اللباس بالكامل تقليدي باللون الأبيض،بنطال واسع ومن فوقه بلوزة بيضاء مع جاكيت ابيض واسع ايضا مفتوح من الامام يغطي كتفيها ويمتد لأعلى الركبة بقليل... البنطال واسع ولكنه يضيق بشكل غير مألوف وواضح عند الفرج،بحيث بدا البنطال ضيقا من تلك الجهة ويضغط عليه من جهة واحدة،بحيث بدا مجسدا وتقريبا واضح... هذا ليس انفعال جنسي بقدر ما له علاقة برواية جورج باتاي نفسها من افق غير معلوم في هذا العالم اجمع شتات الآمال بالتأمل،ومن مشهد معلوم تماما،أجلس على صخرة خضراء في أواسط جزر البحر-المقصود حالة الجزر المقابلة لحالة المد-....البحر البعيد أمامي. الطحالب الخضراء طبعت على ملابسي،طبعت على بنطالي الأزرق والذي من فوقه قميص مخملي أسود،وكل الذي يدور في ذهني هو بقايا الآمال الغائبة. هناك فتاة في العشرين،في اواسط العشرين تجلس بقربي،ليست بعيدة لدرجة غريبة وهي غارقة في زرقة ظهيرة باتاي.... استكمال هذا النص بالطبع سيؤدي الى قصة اقل سطحية من قصص مورافيا القصيرة ذات الشذرات الجنسية،واكثر ميلودراما من رسالة لإمرأة مجهولة،أو ربما شيئا من بلزاك وتكراراته المثيرة للضحك. وبطبعي،أرفض الواقعية الفجة،فالقصة لن تسير ضمن مسارات تشارلز بوكوفسكي أو هنري ميلر الفجة،لذلك لن تكون هناك قصة،ولن تكون هناك مقدمة رواية من اساسه لأن هذه المقدمة كافية لتخبر عن الباقي،ومهما تنوع هذا الباقي او مهما كثر...حتى لو تعددت قطراته،فالقطرات هي لسائل واحد لايشي بالاختلاف أبدا،فمن الجيد ان نكتفي الى هنا لأن التتابعات لن تؤدي سوى الى الحالة الحيوانية للرواية... لكن الحالة الذاتية التي خلقت هذه القصة وكأنها عبرات انهزامية للحاصل والموجود للثنائية غير الممكنة: أنا والوجود القصة بالتأكيد هي ليست عن رومانسية الكهولة،بل هي قصة ان كل الزمن الذي عشته هو زمن مفقود من أوله الى آخره،وانا تخطيت بروست لأنني ابحث عن زمن مفقود حقيقي بين زمنين،أوبين عدة ازمنة،فالتفصيل غير مهم لأن كل لحظات زمني هي زمن مفقود. وانا في اواسط العمر،لا زالت تنتمي الي تلك اللحظات...هي لحظات لا علاقة لها بالعمر من حيث الزمن،هي لحظات لها علاقة بالبريق المشع في ظلمة دامسة غارقة بالسواد...السواد اللوني والسواد الانفعالي. فالوجود هو كائن اسود أو كتلة مظلمة،والاشعاع هو ذلك الذي يدعى ببريق الرغبة... ما انا عليه الآن وما كان يجب ان يكون لماذا نخوض في الحلم أصلا...لماذا لا نخاطب انفسنا-قبل كل شيء وأي شيء-خطابا واقعيا أكثر،واكثر شمولية في نفس الوقت،فالعالم ليس لزجا لزوجة سلفادور دالي،بل ربما هو مرعب مثل كلب اندلسي،وفي انتماءاته لايزال ينتظر غودو وهو اقرب ما يكون الى مسرح القسوة الحركية لنتصور هذا التزامن بين صموئيل بيكيت وأنتونين آرتو الجهات،الحركات،التطلعات،الوجهات مفعمة للغاية بالقسوة غير الواقعية للفعل،للتكتل الصخري الاناني،وكل لحظة في حياتنا مغموسة بأحد فنون الحرب،مغموسة بالقسوة غير المبالية وغير المحسوسة للفعل،والتفكيك لابد ان يستدعي ذلك الهروب الصوفي من هذا العالم... هل لازال هناك وقت للانكفاء على الذات وطلب الامنيات...؟! التقدم في العمر اكثر واكثر يكسب الانسان ميزة مهمة-لمن يتأملها ويشعر بها-هي السلبية وعدم الاهتمام وعدم المبالاة للوصول الى الخفة غير المحتملة للكائن،لأن الزمن يغرب والافول على وشك الحدوث وربما اقرب مما نتصور. فتبدأ بالشباب،بحركات بركانية ضاجة ترفض الواقع،ومن ثم بعد فترة قليلة نبدأ بالتأقلم والقبول غير المسلم به للواقع،ومن ثم ندخل في حالة سلبية تامة لأن الحياة سيصبح معيارها-عاجلا أم آجلا وشئنا ام ابينا-وهو الموت،وان الوجود برمته هو شيء مؤقت،فتصبح الأحلام والواقع سيان الى درجة التطابق...أنها العبثية الالزامية...انها العبثية المطلقة الارغامية... ولكن،وانت تتحرك وتنطق وتتنفس،فأنت تحمل على كاهلك الهم الانساني المطلق المجرد،الهم الوجودي التجريدي الذي لايشي أو يطابق معضلة سيزيف،لأن معضلة سيزيف محكومة بالفعل الوجودي سواء اطلقنا عليه سيزيفي أو ارغامي...لكن الانسانية تعني المطلق،تعني دون اي شيء آخر الأنا المتفاعلة مع العالم... فأنت بحد ذاتك فكرة معبرة عن الانسان،حتى لو سقطت في فخ الواقعية المثالية،اي الفناء الذي يستدعي السلبية من كل شيء ومن اي شيء،وهي فكرة واقعية تماما لا علاقة لها أبدا بالتشاؤمية،بشوبنهور أو بغيره على الاطلاق. ومن فوق كل شيء تاتي كتلات الشيب،وضعف البصر،وبطأ التنفس التي تذكرك في كل لحظة باقتراب الفناء،والموت هو بحد ذاته نسبية الانجازات،أو ربما يكون بتشبيه أوضح وأدق: عبثية الانجازات لأننا عند الموت سيان...أي متوحدين بالمساواة كل هذه المقدمات الفلسفية المدعاة بالسلبية،على الرغم من رفضي التام والمطلق والارعن للفظ السلبية واطلب بأن يحل محلها لفظ الواقعية،إلا ان النفس لازالت تستدعي تلك الرغبة برفض ما هو كائن والانغماس بما يجب ان يكون... الموضوع-اذا-ليس كما يبدو من استدعاء لحظة حب في زمن الكهولة،او زمن اقتراب الكهولة وبداية افول الحياة. الموضوع هو استدعاء حب،وكتابة وتنفس عشق الابداع،وتنفس الجمال،حتى لو كان هذا الاستدعاء من زمن عنوانه الرفض. انه استدعاء شيء من فهوة بركانية كانت نشتعلة ولكنها خمدت بسبب عوامل الطبيعة... 10/02/2024
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمك
...
-
السماء اللواقية1990(برناردو برتولوتشي):محظية الشرق
-
داني روز مسارح برودواي 1984:هناك شيء مطمئن داخل وودي ألن هذه
...
-
أشياء مسكينة: البزوغ الأنثوي الأول لجيل قادم سيغلب منطق العا
...
-
ليالي منتصف الصيف 1982(كوميديا جنسية): بلزاك مبالغ جدا في تق
...
-
نرسيس وغولدمند 2020:غولدمند الذي ظل طوال حياته أسيرا لصورته
...
-
ذكريات غبار النجوم 1980(وودي ألن): المخرج الذي لازال يبحث عن
...
-
مهرجان ريفكيني(وودي ألن):أحاديث الوقت الضائع
-
ذئب البراري 1974: وحدة الوجود
-
الحب الموت 1975(وودي ألن):أصل الأخلاق
-
ظلال وضباب 1991(وودي ألن): كافكا وكاليجاري وعاهرة لليلة واحد
...
-
مثل شخص واقع بالحب(عباس كيارومستاني): التقاء براءة الكبر مع
...
-
أزواج وزوجات 1992(وودي ألن): الأزمة
-
نسخة مصدقة 2010:العمل الفني والفعل الانساني والاصالة والزمن
...
-
سر جريمة مانهاتن 1993: اراد وودي ألن أن يقول أن كل شيء سينته
...
-
ناب الكلب 2009: فئة من حمقى تابعين للبشر وليس من البشر انفسه
...
-
العبها مرة أخرى سام 1972(وودي ألن): انه وودي ألن...ذلك الرجل
...
-
الرصاص فوق مسارح برودواي 1994(وودي ألن): صدفة اغرب من قدرية
...
-
ترجمة رواية زرقة الظهيرة:جورج باتاي
-
مستخدم لعدة مهام 2005-عن تشارلز بوكوفسكي:لا تحاول
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|