أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - في الحاجة السورية إلى التنمية التشاركية















المزيد.....

في الحاجة السورية إلى التنمية التشاركية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 8058 - 2024 / 8 / 3 - 20:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


‏أكدت التجربة الإنسانية المعاصرة على قدرة أي مجتمع للنهوض والتنمية الشاملة، إذا أحسن الاستثمار في موارده الاقتصادية والبشرية، وإذا تبنّى سياسات ومخططات واقعية قابلة للتطبيق. ولكنّ الأمر يطرح مجموعة أسئلة: هل الفاعلية الاقتصادية هي مفتاح التنمية؟ هل النظام السياسي هو محركها الأساسي؟ هل الظرف التاريخي وعلاقة الداخل بالخارج هو العنصر الحاسم؟ هل الموقع الجغرا - سياسي والثروات الطبيعية هي الفيصل؟ ثم ما هي التنمية نفسها وما مجالها؟ وما هي الديمقراطية وما علاقتها بالتنمية؟ وما هي إشكاليات الديمقراطية والتنمية والمسألة الاجتماعية في سورية المعاصرة؟
وفي هذا السياق، اكتسب مفهوم التنمية الإنسانية رواجاً كبيراً منذ العام 1990 حين تبنّى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مضموناً محدداً ومبسّطاً له، شمل ثلاثة أبعاد: أولها، خاص بتكوين القدرات البشرية، مثل رفع مستوى الرعاية الصحية وتطوير القدرات المعرفية. وثانيها، يتعلق باستخدام البشر لهذه القدرات للاستمتاع في الحياة وزيادة إنتاجية العمل. وثالثها، ينصرف إلى نوع ومستوى الرفاه الإنساني بجوانبه المختلفة.
ويتجلى ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة، إضافة إلى تأكيد انتماء الفرد لمجتمعه من خلال تطبيق مبدأ المشاركة بمعناها الواسع، وكذلك جانب العدالة في توزيع ثمرات التنمية وتأكيد ضمانات الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، وللمجتمع نفسه.
وفي سياق الاقتراب من تحقيق المؤشرات السابقة بُذلت جهود متعددة لتعريف الأبعاد السياسية لماهية الحكم الرشيد، وهي تتراوح بين حكم القانون ومحاربة الفساد وفاعلية القطاع العام، وصولاً إلى قدرة المواطنين على حرية التعبير من خلال نظام حكم ديموقراطي. إذ إنّ مؤشر المساءلة العامة يقيس مدى انفتاح المؤسسات السياسية ومستوى المشاركة واحترام الحريات العامة وشفافية الحكومات وحرية الصحافة.
إنّ الديموقراطية، كما نفهمها في سياق جدلها مع التنمية في سورية المعاصرة، هي جملة من الأدوات الإجرائية التي تسمح بتنظيم الشأن السياسي العام في صورة ناجعة، لما توفره من آليات ضابطة ومنظمة للحياة السياسية، مثل: علوية القانون، والفصل بين السلطات، وتوزيع السلطة بدل مركزتها، واستقلال المجتمع المدني عن المجتمع السياسي، والسماح بتنظيم الأحزاب والجمعيات المستقلة، والانتخابات الدورية، وتداول السلطة سلمياً.
وغني عن القول: إنّ توسيع المشاركة الشعبية، في عملية صنع القرارات، يتطلب تشجيع منابر الحوار وتبادل الأفكار والتعبير عنها بحرية، وإقامة قنوات مفتوحة بين المواطنين والسلطة، وإفساح المجال أمام المواطنين لتشكيل المنظمات الطوعية، بالإضافة إلى تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني لتأتي تعبيراً عن خيارات المجتمع. كما تقتضي تكريس سيادة القانون، وتوفير الآليات الفعالة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقوقهم التي ينص عليها الدستور، وتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية لفهم الواقع والتأثير فيه.
ولكي ندرك عمق العلاقة بين الديموقراطية والمسألة الاجتماعية فإنه لابدَّ أن نتطرق إلى أهمية العنصر البشري في عملية التنمية، وإلى التأثير البالغ الذي تحدثه الديموقراطية لتطوير قدرات هذا العنصر وتفعيل دوره في عملية التنمية. إذ إنّ الإنسان هو العامل الحاسم والمحرك في عملية التنمية الشاملة، فبقدر ما تتاح له الفرص لتطوير القدرات الكامنة فيه، وبقدر ما تتوفر له الحوافز لتوظيف هذه الطاقات في الأوجه الصحيحة بقدر ما يتمكن من استخدام الموارد المتاحة لتحقيق تنمية حقيقية وذات أبعاد إنسانية. من هنا تأتي أهمية الديموقراطية، فهي بإفساحها في المجال أمام المواطنين للمشاركة في صنع القرار تمكّن من وضع الحاجات الإنسانية في مقدمة الأولويات. ولا حاجة إلى القول بأنّ تلبية هذه الحاجات من شأنها أن تعمل على تطوير قدرات المواطنين وتوسيع الخيارات أمامهم على نحو يساعدهم على تحقيق ذاتهم، وإطلاق طاقات الخلق والإبداع الكامنة فيهم.
إنّ إدراك المواطن السوري بأنّ فرص التقدم مفتوحة أمامه، وأنّ تقدمه مرهون بعمله دون أي اعتبار آخر، وثقته بأنّ ثمار عمله ستعود عليه، سوف يدفعه إلى السعي - دون كلل - لاكتساب المزيد من المعارف والمهارات وبذل المزيد من الجهد في العمل.
وثمة مؤشرات كثيرة تدل على ضعف عملية التنمية الإنسانية في سورية المعاصرة استناداً إلى معظم، إن لم يكن كل، مؤشرات هذه العملية. إنّ الجزء الظاهر من هذه المشكلة يتمثل في الفقر واللامساواة، لكنّ الفقر في الحقيقة ليس سوى جزء من المشكلة، فإلى جانبه هناك مؤشرات كثيرة: ضعف مستوى الرعاية الصحية، وانحسار واضح في فرص التعليم الجيد، وغياب شبه كامل أو ضعف مزمن في سياسات الأمان الاجتماعي. أما الحرمان واللامساواة في القدرات والفرص، فهما أكثر استشراء من فقر الدخل أو اللامساواة الاقتصادية، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ نسبة الحرمان، بمعايير التنمية الإنسانية الأساسية، تبلغ حوالي 60 % من إجمالي السكان.
كما يعاني الاقتصاد السوري من ضعف وهشاشة في بنيته واختلال في هياكله، خاصة الاختلال بين النمو السكاني وضرورات النمو الاقتصادي، مما يعيقه عن تحقيق معدلات نمو مرتفعة تستوعب قوة العمل وتوفر مستوى مناسباً من الدخل للمواطنين وتلبي احتياجاتهم المتزايدة.
إنّ المطلوب في سورية بعد التغيير السياسي، للتعاطي المجدي مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، أن تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية السورية، بما يساعدها على الاستفادة من الإمكانيات والموارد المتوفرة لديها، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقاً للتطور العلمي والتكنولوجي، وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي الطبقات الفقيرة وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة وتحفظ استقلال الوطن وأمنه وتؤمن مستقبله ومستقبل أجياله.
وفي الواقع، لم يعد الشعب السوري، خاصة نخبه الفكرية والسياسية، ينظرون إلى المستقبل على أنه ذلك المجهول الذي لا يمكن معرفة مكنوناته والتحكم في مجرياته، بل باتوا يخططون له ويعملون على التأثير في اتجاهاته الرئيسية، ولعل الجهد الذي قام به 264 باحثاً وخبيراً سورياً لاستشراف مستقبل سورية في العام 2025 " رؤية استشرافية لمسارات التنمية في سورية 2025 " يندرج في هذا الإطار.
إنّ المسألة ذات التأثير البالغ على مستقبل سورية تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، فالكثير من أسباب تعثر التنمية يعود إلى الوهم بإمكان تعجيل التنمية الاقتصادية في غياب تحرك واضح في اتجاه التحديث السياسي. وثمة قضية هامة أخرى تتمثل في الموقف من قطاع الدولة، إذ إننا نعتقد أنّ أية تنمية سورية ناجحة في المستقبل مرهونة بالمحافظة على دور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني، خاصة في المشاريع الاستراتيجية. إذ إنه لابدَّ من تدخل قوي لسلطة الدولة في وضع المعايير والقوانين والسياسات، وفي جمع الموارد المالية وتوزيعها، وفي إعداد البرامج الاجتماعية ومراقبتها من أجل ضمان الرفاهية للشعب السوري.
ولعلَّ أبرز المهمات العاجلة للبدء بالإصلاح الشامل: احترام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان السوري، باعتباره حجر الزاوية في بناء الحكم الصالح والقادر على إنجاز التنمية المستدامة، وتمكين المرأة السورية من بناء قدراتها الذاتية والمشاركة، على قدم المساواة مع الرجل، في جميع مجالات العلم والعمل والإبداع، واكتساب المعرفة وتوظيف القدرات البشرية بكفاءة في النشاطات الاجتماعية لتحقيق رفاه الإنسان السوري.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تساؤلات حول مستقبل الكارثة السورية
- قضايا مؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- موقع سورية في احتمالات عقد مؤتمر إقليمي شرق أوسطي
- أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (2 - 2)
- أزمة مشروع التقدم العربي وآفاقه المستقبلية (1 - 2)
- بعد سبع وخمسين عاماً هل استخلصنا دروس هزيمتنا الكبرى؟
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (3 - 3)
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه
- حول أهمية حوار الثقافات ومعوّقاته وآفاقه (1 - 3)
- سورية إلى أين؟
- أهم تحديات الواقع السوري
- عن الثورة السورية المغدورة
- عن السيرورة التاريخية لربيع الثورات العربية
- في ضرورة التكيّف العربي مع معطيات العالم المعاصر
- مضامين الاستقلال السوري الثاني اليوم
- نحو توسيع أساليب التفكير الحديث
- نحو عقد اجتماعي جديد في العالم العربي
- نحو إصلاح عربي جوهري
- في الحاجة إلى تجاوز التأخر التاريخي العربي
- مرتكزات العيش المشترك بين المكوّنات السورية


المزيد.....




- صور جديدة للأميرة إيمان الصغيرة.. والملكة رانيا لحفيدتها الأ ...
- شاهد.. لقطات لأفراد العائلة الملكية الأردنية مع الأميرة إيما ...
- محاكمة أب جعل ابنه يركض على جهاز المشي بسرعة عالية أدت إلى م ...
- مظاهرة حاشدة أمام سفارة أمريكا في جاكارتا.. هتافاتٌ ودعاءٌ ...
- إيمان خليف تضمن ميدالية للجزائر وسط جدل حول هويتها الجنسية
- تيك توك تواجه دعوى قضائية في الولايات المتحدة بتهمة انتهاك - ...
- نائب الأمين العام للجبهة الشعبية: فقدنا باغتيال هنية قائدا و ...
- استعدادا لرد إيران وحزب الله.. إسرائيل تتأهب لسيناريوهات الر ...
- قتيلان وجرحى جنوب لبنان وحزب الله يقصف شمال إسرائيل
- موقع بريطاني: تخوف أميركي من دعم ضباط مخابرات روس للحوثيين


المزيد.....

- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - في الحاجة السورية إلى التنمية التشاركية