أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور















المزيد.....


رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8057 - 2024 / 8 / 2 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


هناك من غرغرَ الماء فوق الماء
تهدهدهُ بقايا طين
من جزمة أبيه
المركونة حافة العتبة.
المكان قرية سعدة، قرية سورية متخيلة من سهل حوران. لا تبتعد كثيراً عن دمشق.
نزور القرية..نسمع بقصة أحمد الفقير:
قدمَ إلى قرية سعدة قبل خمسة عشر سنة..لا أحد يعرف من أين أتى..عمله "بالفاعل" عند الآخرين، يعني اقل من مياوم..
يتزوج من صبحة التي تعيش مع أمها، في غرفة قصية عن القرية..صبحة حامل على وشك الولادة.
يأتيها المخاض، يصرخ الجنين من داخل الرحم: أريد أن أخرجَ ألى هذا الشقاء..لم يدرِ ما ينتظره..يولد ..يبكي لثوانٍ..فتح عينيه ورأى: أعيدوني إلى هناك، يشير إلى بطن أمه.
يصمتْ فجأةً على وقع تسميته من جدته بحازم؛ حازم الخال قاطع الطريق بالنسبة للأغنياء.
الفقراء يعتبرونه البطل الشعبي الذي يناصرهم، يسرق من هؤلاء كي يوزع عليهم بعض ما استطاع سبيلا. .قُتل بطريقة وحشية؛عُلقَ من عضوه الذكري..لم تكن هناكَ خشبة يستند إليها..إنما العضو يتدلى بحبل من صفيح صدئٍ!!
الآن هناك مولود جديد يحمل اسمه.
الغرابة هنا أن سكان القرية لم ينتبهوا أن ابن أخته، سيحمل الاسم نفسه!؟
أحمد الاب لم يستشرْ من الجدة في اختيار الاسم..تنتابه مشاعر متناقضة، بين خوف واضطراب أن يكون مثل خاله. مع مشاعر أخرى متخيلة، أن يكون ناجحا وصاحب "دار" عمرانة.
أحمد الفقير يركن إلى عمل شبه مستقر، بناء بيت كبير للحاج مصطفى، اكثر اهل القرية مالاً..
بات البناء في مشواره الاخير..لكن؟
عربتان محملتان بالحجارة تصطفان على كتف البناء، وكان آب يعتلي عرشه، يضخُ أشعةً من نار محرقة..هبطتْ الحجارة إلى الأرض، تنتظر أحمد أن يوجهها شطر الطريق، ثعبانٌ يشعر بالقيظ من هذا الآب، يحتمي وراء حجر..أحمد يمد يده مطمئناً، يداعب الحجر. الثعبان لم يستسغ المداعبة، ربما غار من الحجر، بسرعة الخطف، قبضَ على يد أحمد، أفرغ سمومه، ومضى..
أحمد خارتْ قواه، لجأ إلى البئر الوحيد وشجرة خرساء تقف. أدرك أن ساعة موته اقتربتْ..
شريط من الذكريات داهمه..طفلٌ في القماط على ظهر أمه، يتحرك القماط وفق خطواتها المتسارعة؛ هناك من يطاردها..
هناك من يعتليها ويفرغ خرير عضوه الجنسي..
آه يا أحمد يخاطبُ نفسه: كم تخيلتَ نفسك الزير سالم ممتطيا سيفه..أو أميراً أوملكاً على مملكة بين الجدران المعتمة..
بدأت السموم تعلن الفتك الأخير: ماتَ أحمد تحت تلك الشجرة.
كان حازم ابنه بعمر السنتين وبضعة أشهر.
1958
ولادة الطفلين حازم وجمال..بعد الوحدة الشهيرة بين مصر وسوريا بيوم واحد..
هذا العام تولد إلهام حفيدة الحاج مصطفى ولأب طبيب اسمه فواز، وأم صيدلانية من دمشق (سناء).
جمال وُلد بعد ساعة من حازم..لاب عريف في الجيش يعسكر في الجولان، بالقرب من بحيرة طبريا التي ستحتل بعد تسع سنوات. فرحَ بابنه البكر وأسماه جمال على اسم جمال عبد الناصر؛ البطل المنقذ للأمة: سيحرر فلسطين خاصة بعد الوحدة تلك..
لكن الحدث الأهم هو 1967 وهزيمة حرب حزيران حيث توسعت رقعة الاحتلالات..
أبو جمال (قاسم الهوشة) ينتقل مع عائلته إلى هناك حيث يخدم في الجولان..
حازم الفقير
يغيب الأب وهو بهذا العمر الصغير. أمه صبحة تحاول كسب رزقها "حلال زلال"، عمل الفلاحة والحصادة ولملمة بقايا البيادر الشاردة..
تسكن مع أمها وابنها حازم؛ بغرفة وحيدة لها فتحة عتبة أدنى، كي يضعون أحذيتهم عليها؛ كما أية غرفة لبيت فلاحي ريفي..المسكين أحمد كان ينشر الطين المعلق على حوافي جزمته، على كل العتبة المنحدرة.
يكبر حازم ويدخل المدرسة، لتكتمل معها حياة "الترف"، يتواجد ثائر معه، ابن أمين الفرقة الحزبية (حزب البعث الحاكم الذي استلم السلطة بآذار 63)..
ثائر من طفولته خشن الجسد، مما جعله أقوى من أفراد جيله..ينتبه أن هناك حازم معه بنفس الصف، يعرف من أحاديث القرية وأبيه، أن حازم يتيم الأب وفقير الحال والأحوال، ليس لديه كتفا عريضا أو رفيعا لحمايته..هناك فقط صبحة الأم والجدة أمه لحازم..أي أنه صيد ثمين لتفريغ الشحنات العدوانية التي يحملها الطفل ثائر، ورغم صغر سنه يدرك أن أباه له سطوة ما وسلطة على القرية ومنعرجاتها، بحكم أمانة الفرقة، باتت علاقته بالأجهزة قوية؛ بينهم خبز وملح عالطالع والنازل..
أين أنتَ يا حازم من هذه الورطة..استسلمَ حازم لمصيره..للتنمر الدائم من ثائر، إلى الكفوف التي يستقبله بها ويودعه..إلى تسميته بأبي مخطة وبقية الأولاد يرددون مع ثائر..
يشتكي لجدته..تحاول الاستنجاد بالعم عقلة، صاحب النخوة والناصري الهوى، لا يحب أبا ثائر وحزبه..حاول ألعم عقلة..إنما أبا ثائر رد عليه بالوعد والوعيد: الناصري الذي يثير الفتن ويزعزع الاستقرار..
يُستدعى إلى عندهم، يهان مع التهديد: في المرة القادمة سيكون هناك حساب آخر..
أتى الحساب الآخر، لكن من حرب حزيران 67..طالت واستطالت الخطابات، صارت الجيوش العربية (المصرية والسورية والاردنية) قاب قوس صغير من "كب اليهود بالبحر".يستيقظ العم عقلة وأهل القرية بعد حرب ستة أيام: هُزموا شر هزيمة..احتلت الجولان وسيناء والضفة الغربية وغزة..
العم عقلة شعر أنه هو المهزوم، انكفأ في بيته، لم يخرج إلا قليلا من غرفته..صرخ بصمت: تكذبون علينا أيها الحكام وأنت يا عبد الناصر كبيرهم بخداعنا..صمت إلى الأبد..غادر بهدوء..
ينمو حازم بالتوازي مع هذا الوجع الدائم..لا أحد يناديه باسمه: حازم كبقية خلق الله..
أناه مهشمة مهزوزة، لا أب ولا خال فقط الجدة، حتى صبحة المنهكة بعمل شاق متقطع حسب مواسم الحصاد، غير قادرة على حمايته..
كيف تتشكل الأنا بهذه "الأوصاف الحميدة"؟
تكتمل اللوحة لحازم: صبحة تعمل بضعة أوقات عند الصيدلانية سناء؛ سناء "الغريبة" بالتعبير المحلي -دمشقية- تتحلى بصفات قلما توجد هناك، خاصة في بيت حماها الحاج مصطفى كبير ملاكي القرية..تطلب من صبحة مساعدتها في تنظيف المنزل مقابل مايخفف عليها من تلك الاعمال الشاقة (الحصاد والتقاط السنابل الضائعة)..يزور أمه حازم، ينتبه لوجود الهام التي هي أصغر منه ببضعة أشهر..انخطف المسكين لأول مرة يرى أنثى وذات تمدن مختلف..بدأت المراهقة تذهب إلى استيهامات عنها واليها ، هل كان يدرك وهو بهذا العمر، أن تلك الرغبات ممكنة التحقق؟
ليس المهم الاجابة.
صبحة الارملة التي لم تعرف رجلا بعد أحمد الفقير. الحاج مصطفى يطلبها للعمل عنده، يخطط للايقاع بها، رماها بمئة ليرة عن قرب في غرفة نومه..تتردد، تتفاجئ..لكنها لا ترفض بصرخة خروج..المئة ليرة لها جاذبية المغناطيس، عمرها لم تحصل على هكذا مبلغ..
على سرعة من الهيجان -الحاج متوتر ومافيه يتحمل- خلع سرواله ومزق سروالها، بسرعة حمار القرية أفرغ "حمولته"، مبتهجاً: كل مرة بتجي بتاخدي نفس المبلغ..
تكررت زياراتها بين الأسبوع والثلاثة أسابيع..لكن حظها الجميل جعل شوفير التراكتور يراها نصف عارية تحت الحاج مصطفى..ماتحمل فورا"طش الخبر" والمكان قرية صغيرة، حتى لو تمددت وصارت تشبه بلدة متوسطة..
آه يا صبحة والفضيحة، تهرب من سعدة الى اللامكان..لم نعرف أين حطت بها قدميها..
اعتكف حازم شهرين عن الأنظار، والمدرسة تفتحُ أبوابها وتستمر..قرر ان يترك المدرسة..تسمع بذلك سناء الصيدلانية..
حازم كان مقبلاً على الصف العاشر، بدأت شخصيته ببصيص حضور، تخلص نسبيا من ثائر الذي رسب في الصف التاسع..
وله مع ثائر ذكريات متتالية، إنما اكتملت بهذا الصخب الهيجاني:
قبل ثلاث سنوات، ثائر ظهر عليه بلوغ مبكر، هناك بين رجليه عضو ينتفخ..كانا على تخوم القرية، حمار يعتلي حمارة..ثائر تخيل نفسه الحمار المنتصب..ينظر حواليه، لا أحد إلا هما (ثائر وحازم)، قال له عضوه المنتفخ: ابطح حازم وضعني بمؤخرته..حازم لاحول ولا قوة،،ارتعب..انتبه لهذا العضو "المقدام"..دون استشارة يضعه في الحفرة ويخلع له ثيابه..
هل هذا الاغتصاب سيحفر في أعماق حازم، يستدعي "ذكرى"، وقت اشتداد المكبوت؟
تجنب السارد الغوص بهذه المتاهة.
المكان دمشق، لم يعد متخيلاً كما سعدة القرية.
العام 1977-1978..
يحصل على البكالوريا حازم، كذلك إلهام…يسجلان في كلية الحقوق..
قبل سنة تجرأ حازم ونظر إلى إلهام باعجاب جريء، تنتبه تقول له: "أنت مين! أنت ولا شيء"..
حازم بلعَ الاهانة -اعتاد على هذا الخطاب- المهم أن يسجل في الجامعة..
أين سيسكن؟
.تتذكر الجدة أن أبا موسى ابن القرية الذي يسكن دمشق، هو موظف بوزارة الأوقاف، قد يساعدها..لم يخبْ ظنها، خاصة وأنه مسؤول عن السكن للمحتاجين من "أهل العفة والطهارة"، السكن بجوار الجوامع..في إحدى حارات دمشق القديمة يسكن حازم بجوار الجامع/ معه سعد وهناك آخرين عبدالرحمن وأيمن، يواظبون على الصلاة الخمس بأوقاتها، يشربون المليسة، يهّبون كل يوم سبت ألى جامع الشويكي، حيث الشيخ صادق الرفعاني يلقي درسه الديني..
عالم مختلف عما يراه في كلية الحقوق: إلهام و"شلتها" ومعهم رشيد ابن الضابط صاحب الحظوة والنفوذ..
حازم بهذه الفترة من حياته، ينتبه لنفسه أنه يحب صوت الاغاني: أم كلثوم وعبدالحليم حافظ..
أيضاً يحب أن يسمع يحيى الشهابي ببرنامجه الإذاعي (دوحة الشعر)..
هل بدأت الأنا تنمو بمعزل عن الهشاشة؟
في الجامعة تعترف بوجوده الهام أمام أصدقائها. في السكن ينادونه باحترام..سعد شريكه يبث له حبه لبنت الجيران.. حازم يجرؤ وينطق باسم الهام..
/ أمام صالة سينما السفراء في دمشق، إعلان لفيلم سينمائي اسمه الفهد، الممثلة إغراء تظهر شبه عارية..يتلصصان شريكا غرفة السكن حازم وسعد..يترددان بالدخول بين "موانع اقتصادية، عقاب الجيب" لدى حازم، و "موانع دينية،عقاب الله" لدى سعد..تنتصر "إغراء" وجسدها العاري..يخرجان من الفيلم "منتشين"..والله أعلم ماذا حصل داخل الصالة؟
وعاد الشبق يخّيم عليهما..بين حلم يقظة وعادة سرية، وليس هناك إلا جسد إغراء..
خريف 1979
تظهر المرجعية التاريخية لداخل النسيج الروائي، باعتباره تعبيراً عن "مجتمع سردي" ينهل من الواقع لكنه ينأى بنفسه..إنما هنا ظهرت الوقائع بجلافتها:
اشتداد الصراع الدموي بين السلطة الحاكمة والإخوان المسلمين..هذا الصراع يتسلل مباشرة الى السرد، إلى البيت الذي يسكنه حازم والبقية (عبد الرحمن، أيمن، سعد)..يتم اعتقال الموجودين، الصدفة السردية، جعلت حازم خارج البيت..
كان يعمل بأحد المحلات التجارية..قبل وصوله علم ماذا حصل..هرب بين الحارات والأزقة، لايعرف أين سيذهب..ينام في مكتب الشغل..يأتيه صباحا معلمه. (أبو معين).حازم حكى بالتفصيل..وأكد أن لاعلاقة له بما يجري..المعلم يسعى له عند الشيخ الرفعاني.
الرفعاني يؤمن له لقاء مع المقدم يوسف، مع الوعد بأنه لن يتعرض للاذى..يتم اللقاء "تصفى القلوب" بتعهد من حازم بأن يزورهم كي يشرب القهوة..
بين ربيع 1980 وصيفه
يتعرف حازم لشلته الجديدة (حكمت، فايز، معتز، فاطمة، سحر، جمال)..
تختلف كلياً عن "مجموعة الجامع" حيوية وغناء وجو منفتح ومختلط..
سوء طالعه كما خبرته الحياة لحازم، يأخذ معه الهام الى بيت جمال حيث الملتقى..
تحاكي العيون بعضها بعضاً.
-ستظهر سمات تلك العلاقة، في النهاية التراجيدية لكليهما جمال والهام-
نهاية السنة الدراسية الرابعة 1981
حازم انتابه شعور أن هناك ما يجري..يذهب متلصصاً إلى بيت جمال -معه مفتاح- الى غرفة النوم: عاريان كما تخيل وتوقعَ..يعود هارباً إلى الشارع..إلى غرفته في المدينة الجامعية..
بدأت ملامح شخصية أخرى لحازم: "استيقظت مشاعر انتقامية..
الفأر "المنقذ"
منى زوجة ضابط أمني مهم..منقطعة عن الدراسة -كلية الحقوق- تجلس بجانب حازم وتسأله..القاعة في هرج ومرج؟
فأر كبير يركض..يحط به الرحال على ساق المدام منى، يتسلل من بنطالها، حازم على غير عادته، أتته مبادرة: يمد يده ويمسك بالفأر..
ينتقم من حازم ويلدغه؛ هل تذكر حازم لدغة الافعى لأبيه..لكن هناك لم تكن المدام موجودة..
يُسعف الى المشفى..تزول آثار عدوان عضة الفأر..
تغيرت الحياة مع حازم..يتطوع من خلالها برتبة ملازم أول عند زوجها أبي يسار كبير الهرم في فرعه..
1985
يتزوجان الهام وجمال ، ينجبان طفلة أسمياها ندى..
حازم بهذه الفترة بات نقيب..يزور جدته المريضة في قريته..هنا ولاول مرة أراد من القرية وجيرانها أن يتعرفا عليه، بصفته حازم النقيب بمكان مهم (المخابرات)..أراد أن يقول: "أنه مرهوب الجانب"..
يقف أمام المرآة ويلقي خطبة عصماء: "أنا حازم الفقير..قادم إليكم بحلة جديدة..أتحدى أي رجل يقف في وجهي..أطأ بقدمي أكبر رأس في المنطقة.." لقد ذهب حازم الفقير الذليل إلى غير رجعة..
جدته تشتكي له: الحاج مصطفى استولى على قطعة الأرض التي اشتراها من آخر، وهذا بدوره اشتراها من الحاج مصطفى..يرغي ويزبد حازم..يذهب الى الحاج مطالياً بحقه..الحاج واضح أنه لم يعترف بحازم الجديد..يماطل ويصر أن قطعة الأرض له.
يعود حازم بخفي حنين..يفكر بالانتقام بتدبير تهمة خطيرة للحاج.."يبحبش" يجد أن في عائلة الحاج بعض معتقلي الاخوان المسلمين؛ كانت التهمة الاخطر تودي بصاحبها الى التهلكة..بعد أشهر ثلاثة يعتقل الحاج ويسلم الى الفرع، حيث حازم ينتظر..يتذكر الحاج وكيف كان سبب الفضيحة لامه صبحة؛ قيل له إنها أُغتصبتْ..وفي مكان ما غير جلي، الحاج مصطفى هو جدها لالهام الحبيبة التي لم تنظر لحازم يوما الا إشفاقاً..وتلك قطعة الأرض، القشة التي قصمتْ ظهر البعير..
جمال وإلهام حاولا التوسط عنده..يرفض..يدور بينهما نقاش حامي الوطيس..جمال يهاجمه في عقر داره، متهما إياه بخدمة الجلادين..
-تتسرب هنا "وشوشات" حول ماهية هذا "المنتقم" حازم، الذي لم يسبب أذى لصديقه السابق جمال وزوجته الهام؟-
ربيع 1991
يخلى سبيل الحاج مصطفى مع مجموعة معتقلين يساريين..ابنه فواز يقيم له وليمة من لحم ودبكة وصوت "مزمار" القرية..حازم مقدم معاون رئيس فرع أمن..يريد أن يقوم بالواجب بزيارة "العرس".."العريس" الحاج مصطفى، مستلقيا بغرفته كان مريضاً..يسمع بأن حازم عندهم..يصر أن يلاقيه وجها لوجه
-ألقارئ ربما توقع أنه سيعاتبه، أو يتهمه أمام الحفل-
لكن ماحصل انه عانقه ورحب به ترحيباً وتملقاً، حتى أن حازم لم يصدق أذناه..يقف قليلاً..يودعهما مغشياً عليه..أزمة قلبية حادة..
مات الحاج مصطفى يا فواز..فواز يتكتم كي لا تذهب التكاليف خبط عشواء..يعلن الوفاة بعد الانتهاء من الحفل..
تنتهي الجنازة وكل يمضي الى وقته..حازم يزور عشيقته "المدام منى" في حي الروضة الدمشقي..بصدفة موقف السيارات، ينتبه لعامل نظافة يناديه: حازم..يا حازم..إنه ثائر الذي مارس كل أنواع القهر والإذلال، وأنهاها باغتصابه بحفرة صغيرة..
حازم يتجاهله قليلاً..لم يتقبل عامل النظافة الإهمال له..يُذكره بأمه صبحة وماحصل بينهما في الحفرة الشهيرة..
يجن جنون حازم..يهدده بقطع لسانه أن كرر هذه الترهات..
يتصل بمفرزة القرية، يجلبونه موجودا لثائر..في الفرع يُظهر انتقامه حازم..يجعله يبوس حذائه..يُبقيه شهراً..يخرج ثائر مطأطئ الرأس..يكتمُ "أنفاسه"؛ كان قد هدده حازم إن تكلم..
خريف 1992
حملة اعتقالات لجماعة جمال اليسارية الماركسية..جمال يعتقل بعد شهر لدى الفرع نفسه الذي يرأسه أبا يسار.ومعه المقدم حازم..
-أبو يسار اسم على مسمى؛ مكلف بالقضاء على التنظيمات اليسارية-
قبل فترة يكتشف أبو يسار علاقة زوجته منى مع حازم..مع ذلك لم يُظهر ذلك، إنما الان مع اعتقال جمال؛ أبو يسار يطلع على الاضبارة ويعرف أنهما من نفس القرية..يريد لحازم أن يكون الأداة المتوحشة في انتزاع المعلومات من جمال.
يرتخي حازم بالتحقيق..مع انتباه "المعلم" وتوبيخه له مرات عدة أنه "بعوضة"..يحاول حازم أخذ دور الجلاد الفتاك..
لم ينتهِ المشهد؟
جمال لايعترف..هنا تظهر قاعة التحقيق..مشهد مسرحي قاسي الدلالة والتعبير: يأتون بالهام يعرونها ماعدا الثياب الداخلية..أبو يسار يعطيه مهلة اسبوع: إما أن يعترف، وإما سيجعل عناصره تتناوب باغتصاب إلهام أمام ناظريه.
جمال قد حسم خياره أن ينتحر..يرنو نوارسَ بعيدةً قد صعدت جناح الموج..همسَ صوت ابنته ندى: أبي..يا أبي..لا تتركني وحيدةً..
قبل وفاته في زنزانته يقول: "أنا قررتُ الموت دفاعاً عن الصداقة والإنسانية".
هل تدخل هنا السارد ونابَ عن جمال، كي يختتم بجملة تقريرية؟
يموت جمال..تُسدل الستارة..حازم يغيبْ..تظهر إلهام بجنازة جمال..تردد بهمس أغنية الشيخ إمام، التي غناها جمال بأول لقاء بينهما: قيدوا شمعة يا أحبة..و نورولي شمعتين.."..
وقفة مع الطريقة السردية
بادئ ذي بدء نطرق على الباب، يُفتح على مصراعيه..نرى لافتة عند العتبة: أحقاد رجل مرهوب الجانب.
نسأله: "من أين الطريق إلى" عالم ذلك الرجل الحاقد؟
همسَ صوتٌ يجلس خلف الباب:
هو مباشر بمعانيه، رغم أنه يشي بالسفر نحو الأعماق، وكيف تراكمت تلك الأحقاد حيث رسمت للشخصية عنوانها..
نسأله: أليس هذا إطلاق حكم مسبق؟
انكفأ الصوتُ..ثم غابَ.. مضينا:
دعونا نتجاوز الملاحظة ونقف عند (حازم)، كيف قُدم بسياق السرد؟
حازم ولد وعاش وكبر وذهب الى المدرسة، ثم المدينة دمشق وجامعتها، ومع كل هذا النمو بمراحله العمرية، لن يعترف لنفسه قبل الآخرين أن له اسم وآخر يناديه بصوت عالٍ، شخصية مسكونة بالخوف والانطواء، برعب من الاخر، فقط عندما سكن مع سعد بغرفة الجامع، راح ينتبه لجسده ويعترف له أنه يُحب..
لكن سرعان ما تعاود الحياة قسوتها، لترجع به إلى الحضيض، عندما اضطر أن يقبل بصيغة المقدم يوسف الأمنية.
مع ذلك لم يذكر السارد العليم (الراوي)، أنه قدم معلومات لهذا المقدم..كان يمكنه مثلا أن يخبّر عن مجموعة جمال اليسارية، حيث طلب من الكل جمال بصوتٍ عالٍ: الدعوة للانضمام لتنظيم سري..
متى انتقم ومن أين ظهر العنوان؟
في الصفحة 138 / نسخة الكترونية. وبعد أن أصبح نقيب، يزور قريته، سيظهر للناس أنه مرهوب الجانب..قبلها أيضاً بعد رؤية الهام وجمال عاريين، نطق بكلمة أحقاد..
تظهر أحقاده مع انتقامه مرتين: الأولى عندما أنكر عليه حقه بقطعة الارض الحاج مصطفى
الثانية عندما تعرض للاهانة من ثائر، رغم أنه أصبح مقدم في الامن وكل المنطقة باتت تسمع بسلطته..
أما حين التحقيق والتعذيب مع جمال، فإنه كان متردد، يتذكر أيام الخوالي والسهر، ورغم أنه حاول شحن عدوانيته تجاه حازم بأنه خطف إلهام منه..مع ذلك عند وفاة جمال لم يظهر على حازم أنه انتصرَ على صديق عمره..
على الاقل كانت النهاية مفتوحة، وهنا برأي لصالح النسيج الروائي، التي تجعلنا نفكر مع السارد، بتفاعل مختلف عن نهاية محكمة كما العنوان..
نعود إلى الطريقة السردية
في البدء علينا الاعتراف أن لغة الوصف بالرواية، خاصة محطتها الاولى في قرية سعدة وغرفة أحمد الفقير، لغة عالية المشهدية لادق التفاصيل، تجعلك تعيش معها، تسكنها وتسكنك، كما كاميرا تصور أكثر منها تعبر..
كيف يمكن التواشج بهذه المرجعية المتناوبة بين المتخيل والواقعي؟
هذا يحيلنا لصيغة الأعوام التي استعملت بالرواية (الزمن)، تعاقب منطقي مرتبط بتحديد العام، حيث المنطلق 1958 (الوحدة المصرية السورية). تحديد العام ليس تسربا تخييلياً، إنما قول سياسي مباشر: حكم الوصاية على الناس من أحزاب ذات صبغة شمولية..
بعيداً عن الاسقاطات -التي لا أحبذها- ظهر التأريخ هنا باعتباره هو الخلفية الحقيقية للحكاية الروائية، الذي يتواشج بعلاقاته الخاصة منفردا بنفسه، مشكلاً مجتمعا ما سردي (مبنى روائي)..مجتمع سردي بتسمية الناقد العراقي عبدالله إبراهيم.
علينا أن نذكر أن هناك بعض الحضور الخفيف للزمن النفسي: شريط الذكريات الذي مر أمام عيني أحمد وهو يودع الحياة..
بعض الشجن من حازم وهو يتذكر جمال قبل هذه المأساة..
لربما أيضاً، إلهام وهي تشدو حزنها، كيف انتقلت لزمن مضى..
منصور منصور اعتدنا برواياته، انه لا يحب اللعب مع طرق السرد التجريبية، يجعل من اللغة المحكية لغة روائية سلسلة ولا تميل للمجاز الأدبي.
يستلهم بمكان ما مدرسة نجيب محفوظ الروائية..
ختام
أعتقد أن السارد العليم (الراوي) جعل من نفسه ناطقا عن كل أفراد أسرته السردية..سمح لهم بالتنفس أحياناً، بأن يعبروا عبر بعض الحوارات عما يدور في خلدهم، لكنه أيضاً كان يراقبهم..
بطبيعة الحال، لايمكن القول لكاتب: عليكَ أن تكتب كذا وكذا..لكن كظلال غياب لشخصية حازم الخال، هل كان بالإمكان ظهورها حتى لو حلم يقظة لحازم، من خلال حكايا الجدة عنه؟.



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقسام الروح/ وائل السواح
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة
- قراءة لرواية وليمة لاعشاب البحر للروائي حيدر حيدر
- هي مديح الكراهية / خالد خليفة
- شذرات.. مع جورج طرابيشي
- منمنمات تاريخية للكاتب السوري سعد الله ونوس


المزيد.....




- تحويل مذكرات بريتني سبيرز إلى فيلم سينمائي.. هل ستشارك فيه؟ ...
- مصر.. فنانون ينعون 3 من المنتجين لقوا حتفهم في حادث سير
- كيف حققت أفلام أحمد عز وكريم عبد العزيز أعلى إيرادات بالسينم ...
- لقاء 175 ألف دولار.. بيع -بيكيني- من فيلم -حرب النجوم- بمزاد ...
- لأول مرة.. المتحف الروسي في بطرسبورغ يقيم معرضا عن تاريخ الم ...
- عبد الكريم بكار: التحرر الوطني وتفكيك إسرائيل ممكن وأدعو لإح ...
- شاهد أجواء زفاف الفنانة المصرية بشرى.. من يكون زوجها؟
- مصر.. الاستعداد لمحاكمة فنان مشهور
- العشاء الأخير: حكاية لوحة ليوناردو دافنشي -الملعونة-
- فنانة مصرية تثير الجدل بمنصات التواصل الاجتماعي بسبب فستانها ...


المزيد.....

- البحث عن الوطن - سيرة حياة عبدالجواد سيد / عبدالجواد سيد
- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصار يحيى - رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور