|
الفكر الموسوعي لدى الحاج محمد اديب كاظم
عادل علي عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 13:22
المحور:
الادب والفن
بفضول متفق عليه كنت اقتحم عزلة استاذنا الراحل الكبير محمد اديب كاظم في قبوه الذي يقع قرب مقام الأمير في العشار ، لأشرع بتصفح آخر الكتب التي يجلبها معه ، والتي يركنها في نهاية طاولته ، ودائما ما يضع في طياتها أوراقا صفر هي دلالة لما توصلت اليه الصفحات . وهو الذي اخبرني انه يتنوع بقراءة الكتب ، فتجد مؤلفات في الفقه والفلسفة والقصة والفن والديكور والرياضة واللغة والمنطق .,. وعلى حد قوله ( انا اقرأ كل شيء ، بل قل كل ما يقع بيدي ) . ولطالما سألت استاذنا : هل يؤلف التخصص في القراءة توجها يختلف عن هذا التنوع ؟ الا انه كان يمتلك وجهة نظر (قناعية) في انه يستلذ ويجد نفعا مضاعفا في القراءة التي تغادر مكانها لتقف امام صنف فكري او لون معرفي لتستقر في محل الفائدة . وانا هنا أتذكر ان سجلا كبيرا كان يرادف هذه القراءات ، ليدون فيها استاذنا بعض تعليقات كنت اجدها باللون الأحمر والأسود ! ولم افهم لماذا هذه الألوان ! الا انه نوه يوما على ان في القراءات اكتشافات لما يختبئ خلف وما وراء الادراك والفهم الاولي . فهناك وجهة نظر لكاتب تتناغم مع القارئ ، وهناك فكرة طرحها القارئ يوما تناسبت مع فكر وادب الكاتب الفلاني ، وهناك أفكار تلتقي بمحطة الكتاب ، تجمع بين الكاتب والقارئ ، وهو يطلق مفردة (دورة التقاء الأفكار) . ولقد اكتشفت يوما اثر هذه القراءة التي ينتهجها استاذنا الراحل ، وهو يخوض في كل أصناف الفكر ، وشتى أدوار المعرفة ، ومختلف أنواع العلوم والتوجهات العلمية .. ففي سؤال عن الحيض والنفاس والطمث من الناحية العلمية والفسيولوجية ، استمعت له يوما وهو يرد ردا علميا متحفا على احد السائلين الذين كانوا يتواردون على دكانه ، ورجح بعض الأسباب الى عوامل وراثية وبيولوجية وفسيولوجية ، وبفضول جديد مني اكثر استقصاء سالته عن مصدر هذه المعلومات ، لأجده قارئا متابعا لمجلة (طبيبك) التي يشرف عليها آنذاك الدكتور صبري القباني ، بل وجدت له مناقشات ومراسلات ورسائل مع هذا القباني ، وجدته ايضا مقتنيا لكتب في الطب متنوعة ، حتى انني استعرت في حينها منه كتاب (أطفال تحت الطلب ) ، وكان كتابا مشهورا في حينه ، ولكنه كان يؤكد لي ان كتابا يفوق هذه الكتب برصانته ومعلوماته الثرة هو كتاب : ( الطفل بينم الوراثة والتربية ) لمؤلفه محمد تقي فلسفي . وهو يرد بموضوعية واناة على أسئلة تناقش الدين والمذهب من دون تعصب او تشنج ، ويجعل من الحيادية المعززة بالحق أساسا لكل اجوبته ، كما انه يمتلك طريقة في الاقناع بعيدة عن التعصب والقسر في الرأي . ولكم اجده مبتسما مرنا وهو يحاول محدثه بأريحية وانفتاح فكري ، معززا قوله بالمأثور من الحديث ، ومن قبلها الآي القرآني الكريم ، او بقول شعري . وهنا اتوقف امام استشهاداته الشعرية بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، والدرر اللامعة التي يمتلكها الفكر الكبير للامام الشافعي والذي يعده في قائمة الحكماء الفلاسفة والعرفاء العاملين ، ولأدواره التي فاقت القيم ، وتعدت على المواعظ ، وسبقت اعتاب التأمل . واتذكر اننا خضنا نقاشا عن مسألة في الفكر الفلسفي قالها الاغريق يوما ، وعززها اللاتين واليونان ، واستقبلتها كتب العرب والمسلمين ، حسبها الاستاذ انها تناغمت مع عصرها ودهرنا ، ولم يكن لها حيز من مكان الا في بعض دلالاتها ، نظرا لانعطاف العصر واستشرافات الفكر ، وتحول الحياة التي تبتعد عن ما كان في زمن انتعاش تلك المقولات والمعلومات . وانني حصرت تعليقته الموضوعية التي بينها بين اصل المعنى ، ودلالة الهدف ، ونشيد الفيلسوف .. وقد رجح نسبة بيانها واصل اهدافها ، الآن ، ان اضافات العصر وتقنياته قد تضيف الى هذه المسألة الام ما يجعلها تتناسب طرديا ومعطيات الواقع والحياة ، وانه جاد علي بمجموعة نظريات واحكام ، بل حتى اشعار قالها اصحابها في زمانهم . ولكن تطبيقها ما زال قائما ، وحكمتها ما زالت مستمرة ، واستثنى رحمه الله القرآن الكريم الذي يقول القول والحكم الفيصل ! بل يترك المجال للعلم كيما يستكمل هذه النظرية ، او ذاك القول ، وكان يتمازح بقوله : ان بيان القرآن ارحم منا نحن البشر في تشددنا وتعصبنا لآرائنا . اصل الى ان الراحل كان يحث محدثه على القراءة المتنوعة ، وضرورة امتلاك النزعة الموسوعية ، والتي يحتاجها العصر وتتطلبها المرحلة ، نتيجة المعلومات والاكتشافات والصناعات المتسارعة ، والتي حري بالإنسان ان يكون متواصلا معها ، ويساير موجتها ، ويرادف ويواكب تطوراتها .. وبعكسه ستسحقه عجلتها الجامحة لا محالة ، ويكون في ركب المنسيين او الذين فاتتهم قطارات الزمن ، وخيول العمر الاصيلة الجامحة .
#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دير العاقول الى المفتول *
-
ورقة نقدية احتفاء بادباء الزبير وابي الخصيب
-
أخيرا رحل طائر السعف
-
علاء المرقب ( الازميل والخشب الطري )
-
الشاعر علي الياسري .. مظان التجلي
-
(ريوق بروليتاري)
-
النص والصورة
-
فاروق عبود حمدي
-
الليل طويل يا حمد
-
الصالون الرياضي في البصرة (المنطلق والهدف )
-
حب في درجة 50 مئوي
-
خربشات
-
عبدة الشيطان
-
ما قالته الدموع الهوامل في رثاء (رعد هامل) :
-
اخيرا .. سافر مسافر شنان للقاء ربه !
-
(ناصر الكناني) الرجل الذي اخترق جدار العصامية
-
نعم ايها الزاهد :
-
انطولوجيا مدينة : (القسم الاول ) الزبير قبل سبعينات القرن ال
...
-
آريون
-
لاث محطات مربدية (المحطة الثانية)
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|