أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - فَطْر بالرئة اليسرى















المزيد.....

فَطْر بالرئة اليسرى


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


عندما دخل شيخ العموم للعشيرة إياها عيادة الطبيب "قاف"، وحيّاه بالسلام عليه، وقف له الطبيب، ثم توجه نحوه، وعانقه وقبل جبينيه، وهو يقول:
- وعليكم ألف السلام، شيخنا الجليل! اليوم زارتنا البركة بمقدمكم السامي علينا هذا، يا شيخ المشايخ. يجب علي أن أذبح لكم ذبيحة لتشريفكم عيادتي في يوم السعد هذ. تفضلوا بالاستراحة على هذا الكرسي العالي المناسب لمقامكم الغالي علينا!
- ألف رحمة على أبيك الكريم الذي كان تاجر بندر والدي المؤتمن والوحيد طوال عمره!
- ولوالديك السعادة والخلود في جنان الرحمن! بشّرني، شيخنا الجليل، كيف الحال؟
- وهل بقي على حالنا حال بعد ثورة الزعيم؟
- كيف؟
- الأسبوع الماضي صادروا – وبدون أي تعويض - خمسون ألف دونماً من أحسن الأراضي الزراعية التي أملكها أباً عن جد، ووزعوها – عيني عينك - مجاناً على فلاحيَّ الحبربش، وعلى الدبيّة من الغارقين بأفضالي عليهم! بشرفك: أليس حراماً كل هذا الظلم؟
- حرام ونص؛ ولعنة الله على كل ظالم أثيم!
- المشتكى لله الواحد القهّار! وحده هو الكفيل بأخذ ثأري! منّك لله، يا عبد الكريم قاسم!
- وكيف هي صحتك الآن؟
- زفت! أدخن يومياً أربع علب سجاير أبو البزّون، وسعالي مدمّر! البارحة نهضت مخنوقاً في منتصف الليل، فانتابني نوبة فضيعة من السعال المتواصل حتى وجه الصباح! وضعي رهيب! إلحق لي، على بختك، دكتور! أخاف أن أموت ناقص عمر!
- لا، لا، لا تقل هذا، يا أبا الشيوخ. لقد جئتني في الوقت المناسب! سأصف لك أحسن الأدوية في العالم والتي ستعيدك شاباً من جديد لتحيا سعيداً معافى حتى بعد بلوغك المائة عام! كم هو عمرك ؟
- ثمان وأربعون سنة فقط!
- ما شاء الله! أنت ما زلت في ربيع العمر! كل الذي تحتاجه هو طبيب حاذق مثلي يضبِّط لك صحتك تمام التمام وحسب الأصول العلمية العالمية. لماذا لم تزرني قبل أن تتدهور حالتك هذه؟ لقد مضت ستة شهور منذ أن عدت أنا وشقيقي "كاف" من بعثتنا في بريطانيا دون أن تشرِّفنا بزيارتك المباركة!
- أخوك معك؟
- نعم، إنه صاحب محل الصيدلية الكبير الكائن تحت هذه العيادة. كل أدويته أصلية مستوردة من لندن مباشرة. أما أنا، فقد جلبت للعراق بأغلى الأثمان أحدث الأجهزة الطبية المتطورة الكاشفة عن كل الأمراض، وبضمنها أحسن جهاز أشعة سين للصدر!
- بارك الله بك وبأخيك!
- جزيل الشكر، شيخنا الجليل! لقد درست تلالاً من أحدث كتب الطب حتى نجحت أخيراً في الحصول على شهادة الأم آر سي ﭘـي العالمية في الطب الباطني!
- معلوم! الإنـﮕريز مفتّحين باللبن، وما يعبر عليهم قرش قلب! ما تشوفهم احتلوا الدنيا! زمنهم كان أحسن الازمان!
- عليك نور! والآن – من رخصتك - إخلع صايتك والزبون وقميصك الداخلي كي آخذ لك الأشعة السينية بنفسي أولاً، قبل أن أفحص لك صدرك بالسماعة من الأمام ومن الخلف ليطمئن قلبي!

بعد استكمال اجراءات أخذ الأشعة السينية والفحص السريري، قال الطبيب وهو يؤشر بسبابته على خلف رقاقة الأشعة السينية المرفوعة أمام ناظري الشيخ:
- شف، شيخنا الجليل، هل ترى هذا الخط هنا؟
- نعم، دكتور.
- هذا الخط الذي رأيته بنفسك يعني أنت مصاب بفَطْر طوله 12 ملمتراً بالرئة اليسرى، جنب القلب!
- ما ذا تقول؟ قل غيرها، على بختك، دكتور! كم تبقى لي من العمر؟
- عمرك طويل، بإذن الله وبعلاجي أنا! دواؤك الشافي عندي أنا وبس. سأعمل المستحيل حتى أقضي على هذا الفَطر مليماً فمليم قضاءً مبرماَ لتبرأ منه تماماً، فتستعيد عافيتك أفضل مما كنت عليه وأنت صبي!
- الله يسمع من فيك.
- يجب أن تعلم بأن علاج هذا الفَطْر الرئوي الخطير يتطلب وقناً طويلاً، وأن تحرص خلاله على دوام مراجعتي في الأقل مرة كل أسبوع على مدار أشهر السنة كي نتلافى أولاً احتمال توسّعه، ومن ثم نتولى ابراءه ملّيما بعد ملّيم ، فيلتأم تماماً، ويصبح وكأنه شيئاً لم يكن! هل كلامي المهم جداً هذا واضح لجنابكم الكريم؟
- مفهوم، مفهوم.
- وعليك أن تقلل من التدخين بحيث لا تتجاوز العلبة الواحدة من السجاير كل يوم.
- صار، دكتور!
- واستبدل سجائر أبو البزون الخالية من الفلتر بسجائر روثمن أم الفلتر. علبة واحدة فقط في اليوم كي لا يتمدد الشرخ في رئتك.
- صار! سجائر أبو ناجي أحسن السجائر في العالم!
- عليك نور! وباشر بأخذ الحبوب وبخّاخ ودهن الصدر – وكلها من صنع عمنا أبو ناجي - حسب الارشادات التي سيبلغك إياها الصيدلي المتخصص شقيقي بكل دقة والتزام!
- تؤمر، دكتور!
- شوف شيخنا الجليل: لا يوجد ما هو أهم وأغلى من الصحة؛ إنها أعظم رأسمال وهبه الله العلي القدير للإنسان، والتي يهون دونها كل رأس مال آخر. وأنا أصارحك القول بأنني قد أصبحت قلقاً عليك! إنني أعزّك كل الاعزاز مثلما كنت أعز المرحوم والدي، ولكنني أتعشم فيك الوعي الراقي بحيث تراجعني بانتظام كل أسبوع لتدارك كل المضاعفات المحتملة لحالتك هذه والتي أصبحت أنت سيد العارفين بها. القاعدة الذهبية هنا هي أنك طالما واظبت على العلاج معي فأنا مستعد أن أكفل لك شخصياً دوام الصحة والعافية حتى يصبح الفَطْر وكأنه شيئاً لم يكن، يا شيخنا الجليل.
- وهو كذلك، دكتور، بارك الله فيك، دكتور!

في أواخر السنة الثانية من مراجعات الشيخ الاسبوعية المنتظمة لعيادة طبيبه، كان طول الفَطر في رئته قد أصبح تسعة ملّيمات فقط، إستناداً لآخر فحص وتشخيص للأشعة أبلغه بها طبيبه.
في بداية السنة الثالثة من مواصلة العلاج، سأل الشيخ طبيبه:
- أحببت استشارتك بصدد امكانية إكمال ديني بالزواج من الرابعة، فما هو رأيك؟ هل يسمح الفَطر الذي في رئتي لي بالزواج من جديد؟
- بكل تأكيد! وشايف الخير، وبالرفاء والبنين، ولا تنس دعوتي انا وشقيقي لوليمة العرس!
- بكل سرور! عسى الله أن يسمع منك! أنت تعلم أن كل خلفتي هنّ من البنات، وأنا أريد خليفة ذكراً يخلد إسمي!
- أقدم على الزواج الجديد بلا أدني وجل ولا تردد، ومبروك مقدماً على ولادة ابنك البكر!
- لقد أبهجتني بقولك هذا! عسى الله أن يسمع من لسانك.

في نهاية السنة الرابعة والعشرين من مواصلة الشيخ لعلاجه عند طبيبه، كان طول الفَطْر في رئته اليسرى قد أصبح ثلاثة ملّيمات، وفق آخر فحص وتشخيص اشعاعي لطبيبه.

في أواخر السنة المذكورة، تم قبول ابن الشيخ البكر في كلية الطب بجامعة بغداد.

في نهاية أول محاضرة لأستاذ الطب الباطني حضرها ابن الشيخ، سأل الأخير أستاذه:
- دكتور، والدي لديه فَطْر في رئته اليسرى، وقد أمضى ربع قرن يراجع الطبيب الاختصاص دون أن يلتحم ذاك الفَطْر تماماً!
- ها ها ها ! - قهقه الطبيب الأستاذ – وهل الرئة خشبة أو حائط كي تنفطر، أيها الأعجمي؟ اجلبه لعيادتي بكرة في ساحة النصر كي أفحصه وأشخص حالته.

عندما فحص الاستاذ الطبيب صدر شيخ المشايخ في عيادته مساء اليوم التالي، قال له:
- أسمع، يا شيخ: أؤكد لك أن رئتيك في أحسن حال، ولا يوجد فيها فَطْر ولا من يحزنون. لن أصف لك أي دواء. كل ما عليك هو أن تقلل التدخين فقط إلى أدنى ما يمكنك ذلك، ومن الأفضل لك أن تقلع عنه تماماً.

عندما راجع الشيخ طبيبه القديم "قاف"، وأبلغه بفحوى التشخيص أعلاه للطبيب الاختصاص أستاذ الكلية، أخذ له الطبيب القديم أشعته السينية الألف، وقال له بعد تفحصها واعادة تفحصها مليّاً:
- مبروك عليك، شيخنا الجليل، لقد نجح علاجي الممتاز لك بفضل مثابرتك في جعل الفَطْر الذي سبق وأن رأيته أنت بوضوح بعينيك المجردتين هاتين في أشعة رئتك اليسرى يلتحم تماماً بحيث بات من المستحيل تشخيصه. لقد تحققت المعجزة - بعون العلي القدير القادر على كل شيء والذي يحيي العظام وهي رميم - وألتحم الفَطْر تماماً فأصبح وكأنه لم يكن! صلّي على حبيبنا النبي المصطفى سيد المرسلين أفضل الصلاة!
- الله المصلي على محمد وآل محمد!



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس ماسحة
- مجلة لانسيت: (186000) شهيد غزاوي بحلول 6 أب 2024
- هل سيستطيع نتنياهو جر أذن بايدن الى الحرب النووية في المنطقة ...
- كلاب الموت الغربية
- السرسري أبو مرض البوتان
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم إيليا/ 6
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم أيليا/ 5
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم أيليا/ 4
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم أيليا/ 3
- سمو تقديس الحب في عشتاريات الشاعر محمد بن زكري: وصفٌ وترجمة/ ...
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم إيليا/ 2
- هوّا عُذر؟ أم عَرْكة؟
- علم الأخلاق الماركسي ونعيم أيليا/ 1
- من حكايات الحاخام موشي بن عزرا
- خمريات الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان: بلوغ الأرقى (4-10)
- المكالمة الهاتفية لبايدن مع نتنياهو
- خمريات الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان: بلوغ الأرقى (3-10)
- خمريات الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان: بلوغ الأرقى (2-10)
- خمريات الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان: بلوغ الأرقى (1- )
- الإبادات الامبريالية تتفاقم، ولكن كل الطرق تؤدي إلى الحرية


المزيد.....




- مهرجان المسرحيات الشارعية ينعقد في سانت بطرسبرغ و يجذب جماهي ...
- ألمانيا تتطلع إلى حل أزمة العمالة الماهرة عبر ثقافة الترحيب ...
- إصدار جديد لمركز الجزيرة للدراسات: الانتخابات الموريتانية في ...
- إقبال جماهيري كثيف على عروض مهرجان القدس السينمائي
- -أنا حاسس نفسي بعد أيام وبس- وفاة فنان شعبي مصري بعدما نعى ن ...
- فتح: مجزرة دير البلح ترجمة حقيقية لخطاب نتنياهو في الكونجرس ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -الملحد- بتصنيف رقابي -+16- ...
- أدب الرحلات وآفاق الاشتغال فيه في اتحاد الأدباء
- سُراقة وسِوارا كسرى وأم معبد وشاتُها.. كيف رسم الشعراء تفاصي ...
- السفير الإيراني يعلق على حادثة مجدل شمس: مسرحية وثلاث لاءات! ...


المزيد.....

- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - فَطْر بالرئة اليسرى